لك ان تقول عبارة النحوي هذه الأيام لكل شاعر عربي تسمعه دون ان تصيبك أية حالة من حالات تبكيت الضمير، فالشعراء الذين يستحقون الاستماع ثلاثة مشهود لهم بجودة الإلقاء، والذين يمكن ان تقرأ لهم وانت مطمئن الى انك تقرأ شعراً لا «مهلبية» بحدود السبعة، وعشرة من ثلاثة ملايين شاعر بإسقاط المليون الذي في موريتانيا ليس رقماً مشرفاً ولا شاهداً على حالة ازدهار الشعر العربي في هذه المرحلة. صحيح ان المنشور في الصحف والمجلات كثير، والمطبوع في دواوين اكثر، وأنت معرض للاصطدام بشاعر في زاوية كل شارع ومقهى في العالم العربي والمهجر لكنه غثاء كغثاء السيل وكثرة كمية لا طائل تحتها، ولا يمكن ان تتحول الى كيفية لأن الأغلبية تستسهل بدلاً من ان تركب الصعب، وتجهد قرائحها ـ ان وجدت ـ دون طائل أو نتيجة مشرفة وما ذاك الا لأن سوق النشر المعاصر يسمح بكل أنواع التسيب، وسوق الاستماع المحض الذي يأتيك الشعر خلاله من حنجرة الشاعر ولسانه كسوق الاستماع التجاري الذي يحول القصائد الى اغان، والسوقان ليس فيهما الكثير من الفن الرفيع ولا الغليظ، فالكلام اجترار كعلك التبن والالحان بجودة قصائد الشاعر الأول الذي حكم ضده النحوي الألمعي.
إن سوق الشعر اليوم ليس كعكاظ، ولا المربد، ولا كسوق حلب أيام سيف الدولة بل هو ـ وعذراً للتشبيه القاسي ـ كسوق المواشي الذي كانت العرب تدعو لمن تحب بأن يجنبه آفاته، فالذاهب الى تلك الزحمة لا بد له من صدمة أو لكمة أو لطمة. ولك ان تضيف من عندك رفسة أو دهسة تلقي المستمع طريحاً في السرير، فالاستماع الى بعض القصائد الجديدة، وخصوصاً الحماسية منها كالتعرض للقصف العشوائي بالصواريخ يخرب الذوق، وطبلة الأذن، ويخلف الاشلاء والضحايا.
وان كنت من عشاق الشعر الحقيقيين، وتريد التحسر، فليس امامك الا ان تضع اغنية المطرب العراقي الياس خضر «يا حسافة» في المسجل وتجلس لتعيدها، وتتحسر، وتصرخ بكل طبقات الصوت، وكل ألوان الصورة « يا حسافة» على ذلك الفن الجميل، وعلى ذلك العلم الذي لم يكن للعرب علم غيره كيف كان، وكيف صار في غيبة نقاد تنقصهم المصداقية ومنابر اعلامية تفتقر الى الفهم والتمييز، فتنشر ما هب ودب لا لتشوه الذائقة، فحسب بل لتقضي على البقية الباقية من هيبة فن يجري التخطيط مع سبق الاصرار والتصميم والترصد لتجريده من كل هيبة أو تأثير باستغلال سكوتنا وسلبيتنا، وكثرة منابرنا المفتقرة للمعايير السليمة.
لقد اجازت الذائقة النقدية القديمة التي قسمت الشعراء الى اربعة أنواع العقوبة البدنية بحق الشاعر الرديء، فما بين شاعر يجري ولا يجرى معه، وشاعر من حقه ان تسمعه كان هناك نوع رابع من الشعراء من حقك ان «تعضه» او تصفعه.
والعض من «عندياتي» وهي صفة املاها الغيظ و«الغيرة» على ذلك الفن الجميل الذي استشرى منتهكوه مستغلين الصمت واللامبالاة، فحين اكتفينا بـ «التحسف» مع الياس خضر بالغوا في الانتهاك الفني لغياب الروادع، ولو كان هناك قارئ او مستمع يستخدم حقه في صفع شعراء النوع الرابع لامتنع أولئك عن صعود المنابر، وتواصوا كمرتكبي المعاصي بالسكوت، والستر، وعدم ارتياد منصات الالقاء ومنابر النشر.
وقد يقول قائل ـ وعنده الحق سلفاً ـ ان هذا النوع من العقوبات لا يليق بالعصر، ولا بفن الشعر واذا اتفقنا على ذلك وجب ان نبحث فوراً عن وسائل ـ غير التحسف ـ لوقف هذه الموجات المتتالية والهابطة من الشعر الرديء، فنصف قرن ونيف من الانتظار الصبور أثبت ان الموقف السلبي والسخرية الصامتة لا تكفي، ولا بد ان تكون هناك طريقة ما لإقناع مئات الألوف من الذين جفت ارواحهم وتيبست مواهبهم واذواقهم بالتوقف عن ارتكاب تلك المعاصي علنا.
إن سوق الشعر اليوم ليس كعكاظ، ولا المربد، ولا كسوق حلب أيام سيف الدولة بل هو ـ وعذراً للتشبيه القاسي ـ كسوق المواشي الذي كانت العرب تدعو لمن تحب بأن يجنبه آفاته، فالذاهب الى تلك الزحمة لا بد له من صدمة أو لكمة أو لطمة. ولك ان تضيف من عندك رفسة أو دهسة تلقي المستمع طريحاً في السرير، فالاستماع الى بعض القصائد الجديدة، وخصوصاً الحماسية منها كالتعرض للقصف العشوائي بالصواريخ يخرب الذوق، وطبلة الأذن، ويخلف الاشلاء والضحايا.
وان كنت من عشاق الشعر الحقيقيين، وتريد التحسر، فليس امامك الا ان تضع اغنية المطرب العراقي الياس خضر «يا حسافة» في المسجل وتجلس لتعيدها، وتتحسر، وتصرخ بكل طبقات الصوت، وكل ألوان الصورة « يا حسافة» على ذلك الفن الجميل، وعلى ذلك العلم الذي لم يكن للعرب علم غيره كيف كان، وكيف صار في غيبة نقاد تنقصهم المصداقية ومنابر اعلامية تفتقر الى الفهم والتمييز، فتنشر ما هب ودب لا لتشوه الذائقة، فحسب بل لتقضي على البقية الباقية من هيبة فن يجري التخطيط مع سبق الاصرار والتصميم والترصد لتجريده من كل هيبة أو تأثير باستغلال سكوتنا وسلبيتنا، وكثرة منابرنا المفتقرة للمعايير السليمة.
لقد اجازت الذائقة النقدية القديمة التي قسمت الشعراء الى اربعة أنواع العقوبة البدنية بحق الشاعر الرديء، فما بين شاعر يجري ولا يجرى معه، وشاعر من حقه ان تسمعه كان هناك نوع رابع من الشعراء من حقك ان «تعضه» او تصفعه.
والعض من «عندياتي» وهي صفة املاها الغيظ و«الغيرة» على ذلك الفن الجميل الذي استشرى منتهكوه مستغلين الصمت واللامبالاة، فحين اكتفينا بـ «التحسف» مع الياس خضر بالغوا في الانتهاك الفني لغياب الروادع، ولو كان هناك قارئ او مستمع يستخدم حقه في صفع شعراء النوع الرابع لامتنع أولئك عن صعود المنابر، وتواصوا كمرتكبي المعاصي بالسكوت، والستر، وعدم ارتياد منصات الالقاء ومنابر النشر.
وقد يقول قائل ـ وعنده الحق سلفاً ـ ان هذا النوع من العقوبات لا يليق بالعصر، ولا بفن الشعر واذا اتفقنا على ذلك وجب ان نبحث فوراً عن وسائل ـ غير التحسف ـ لوقف هذه الموجات المتتالية والهابطة من الشعر الرديء، فنصف قرن ونيف من الانتظار الصبور أثبت ان الموقف السلبي والسخرية الصامتة لا تكفي، ولا بد ان تكون هناك طريقة ما لإقناع مئات الألوف من الذين جفت ارواحهم وتيبست مواهبهم واذواقهم بالتوقف عن ارتكاب تلك المعاصي علنا.