نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن الطغيان الذي زال وسوريا التي نريد

23/12/2024 - العقيد عبد الجبار العكيدي

لا منجا ولا ملجأ لمجرم الحرب بشار أسد

18/12/2024 - عبد الناصر حوشان

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي


طرابلس "المضطهدة" بين زمنين




مع النزوح الأخير من الجنوب اللبناني ، وتوزع طوابيره بين سوريا ، والمدن اللبنانية تميزت طرابلس الشام بمجموعة من اللافتات الترحيبية بنازحي الجنوب ، ومعظمها يجري على هذا المنوال ، مرحبا بكم في شارع عمر بن الخطاب، و أهلا بكم في شارع عائشة أم المؤمنين ، ونرحب بكم في شارع معاوية بن أبي سفيان ، وأهلا وسهلا بكم في شارع يزيد ابن معاوية . طرابلس المضيافة لم تقل لضيوفها انتم غير مرحب بكم ، ولم تطردهم كما فعلت مناطق لبنانية أخرى لكنها قالت لهم بكل تهذيب أنظروا من يلم شتاتكم في هذه المحنة غير المدينة التي تحترم كل الشخصيات الإسلامية التي كنتم تلعنونها ، وتتقربون بشتمها الى الملالي ، والسلطات الإيرانية التي يجمعكم معها وحدة المذهب.


  وفي هذه الأزمة وغيرها تكتشف كم كان الصحافي الدمشقي العتيق عبدالغني العطري محقا حين أطلق عليها صفة "المدينة المُضطهدة" فتركيبتها السكانية مع سوريا قلبا ، وقالبا في كل العهود بينما الأنظمة اللبنانية المتعاقبة باستثناء سنوات الوصاية كانت على عداء ضمني أحيانا ، ومكشوف أحيانا أخرى مع سوريا ، والسوريين مهما كان النظام الذي يحكمهم . لقد كتب العطري صاحب مجلة "الدنيا" وأبرز صحافيي سوريا قبل مرحلة الانقلابات العسكرية مقاله عن المدينة المُضطهدة مطلع خمسينيات القرن الماضي حين أضربت المدينة ثلاثة أيام احتجاجا على دعوات مقاطعة سوريا التي انتشرت بين اللبنانيين حين قرر رئيس الوزراء السوري – آنذاك - خالد العظم أن يفصل الجمارك السورية عن الجمارك اللبنانية بعد رفض اللبنانيين تداول رئاسة الجمارك بين الدولتين ، وأصروا أن تكون الرئاسة دوما للبنانيين . ولم يُضرب وقتها من المدن اللبنانية غير طرابلس التي سبق ، واحتجت على إلحاقها بلبنان لشعورها أنها مدينة سورية ، وهذا ما فعلته عشرات بل مئات المرات – بحسب العطري – فطرابلس الشام كما كان اسمها قبل ان يحولوه الى طرابلس لبنان سورية الهوى ، والانتماء ، وكانت كذلك عبر التاريخ حتى حين حكمها بنو عمار ، وهم أسرة شيعية تابعة للدولة الفاطمية بالقاهرة . ولم تعمر دولة بني عمار في طرابلس طويلا ، فمن سوء حظها أنها ولدت بجوار الزنكيين في دمشق حين كان يجري التحضير لحملات عسكرية ، وخطط سياسية أخرى للإطاحة بدولة الفاطميين التي أصر صلاح الدين على القضاء عليها قبل أن يتجه لمواجهة الصليبيين في بيت المقدس كي لا تكون شوكة في خاصرته ، وبحسب علماء الأنساب ، فإن بني عمار الذين حكموا طرابلس في مرحلة أفول الدولة الفاطمية لم يكونوا من العرب بل من الأمازيغ المنحدرين من قبيلة كتامة البربرية التي اعتمد عليها الفاطميون في الإطاحة بدولة الأغالبة في تونس قبل وصول جوهر الصقلي الى مصر . ويستغرب الزائر لطرابلس هذه الأيام أن تبدو المدينة عامرة بالآثار المملوكية كالقاهرة ، أو أقل قليلا ، وما ذاك إلا لمبالغة الذين حكموها بعد بني عمار في محو آثارهم كما فعل المماليك بآثار الدولة الفاطمية في القاهرة ،فقد اختفت آثار المذهب الشيعي من المدينتين ،وتم نسيان الفاطميين ، وكأنهم لم يكونوا. وعن طرابلس بالذات حول هذه المسألة يقولمحسن الأمين في كتاب (أعيان الشّيعة): "طرابلس أو أطرابلس، بالهمزة، مدينة في ساحل بحر الشّام، كان أهلها شيعةً في عصر الشّيخ الطّوسيّ في القرن الرّابع وما بعده (...) ثمّ انقرض منها التّشيّع بالعداوات والضّغط، ويوجد في نواحيها اليوم بعض القرى الشّيعية". ونظرا لأن طرابلس تحتفي بتلك الحقب المملوكية التي ازدهرت المدينة خلالها يقذفها الذين لا يحبونها بمختلف التهم التي تثبت مقولة العطري بأنها مُضطهدة فعلا حتى اليوم ، فهي عندهم " تورا بورا " أو "قندهار" أو أي صفة أخرى تقترن بالإرهاب . إن مشاكل لبنان كله بما فيها طرابلس تعقدت أكثر من أي وقت مضى في زمن الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان ، فمنذ وصول الجنرال غورو الى دمشق مطلع عشرينات القرن الماضي اقتطع من دمشق أربعة أقضية "البقاع وبعلبك وراشيا وحاصبيا" والحقهم بما سماه لبنان الكبير ، ولم يتم السماح بإستقلال لبنان إلا بعد الاتفاق على الصيغة التي بلورها بشارة الخوري مع رياض الصلح ، وتقضي بألا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ، وأن يتخلى المسلمون عن طلب الالتحاق بسوريا ، ومع الزمن تغيرت الأولويات الفرنسية فلم يعد المسيحيون أصحاب الحظوة عند فرنسا بل الشيعة في زمن ماكرون الذي يظهر في السياسة الدولية ،وكأنه موظف عند ملالي طهران يركض لأجلهم في كل الاتجاهات . وليس غريبا في هذه الأيام ونتيجة لذلك الإسفاف السياسي الفرنسي أن يقال إن ماكرون أكثر حرصا على حزب الله من إيران ، فهو الذي حماه من كشف دوره في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت ، وما زال حتى هذا التاريخ يدافع عن إرهابه بعد أن صار العالم كله يعرف أن الإرهاب تربى ، وترعرع برعاية إيرانية في الجنوب اللبناني ، وليس في طرابلس المدينة المُضهدة في كل العصور .
-------------
العربي القديم

د.محيي الدين اللاذقاني
الاربعاء 13 نونبر 2024