نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

لن تحكموا سورية هكذا

20/03/2025 - مروان قبلان

حكّام دمشق وأقليّات باحثة عن "حماية"

13/03/2025 - عبدالوهاب بدرخان

بَين ثورتَي 1925 و2011: كم تساوي سوريا؟

12/03/2025 - إبراهيم الجبين

التطييف وبناء الوطنية السورية

11/03/2025 - رانيا مصطفى

فلول الأسد: التجربة المرة

11/03/2025 - فايز سارة

خالد الأحمد: المستشار المنفي

10/03/2025 - عروة خليفة

الجرح الاوربي ...عميق

04/03/2025 - سوسن الأبطح

في دمشق نسيتُ الفوتوغراف

04/03/2025 - غطفان غنوم

هذا التصعيد الإسرائيلي على سورية

04/03/2025 - عبدالجبار عكيدي

الدين للجميع والوَطن للشعب

04/03/2025 - مضر رياض الدبس

الطائفة المظلومة في سوريا

02/03/2025 - ميشيل كيلو


اتفاق “قسد” ودمشق: بين تحديات التنفيذ والمخاوف من تشريع التسلّط





 
يُعَدّ الاتفاق الموقّع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في 10 آذار/مارس 2025 محطة محورية في رسم مستقبل شمال شرق سوريا، لكنه يثير تساؤلات تتجاوز بنوده الظاهرة. فبينما يُروج له كخطوة نحو إعادة دمج المؤسسات وإنهاء الانقسام، يظل الجدل قائماً حول ما إذا كان اتفاقاً استراتيجياً حقيقياً أم مجرد هدنة مؤقتة لتأجيل المواجهة.
 يتضمن الاتفاق ثمانية بنود رئيسية، تشمل وقف إطلاق النار، ضمان التمثيل السياسي، تأكيد حقوق الأكراد، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية ضمن الدولة، إلى جانب رفض دعوات التقسيم وضمان عودة المهجّرين. لكن مع تحديد نهاية العام كموعد نهائي للتنفيذ، والتحديات المتراكمة أمام السلطة الجديدة، يبقى السؤال الأهم: هل يمثّل هذا الاتفاق خطوة فعلية نحو المصالحة، أم أنه مجرد إعادة ترتيب للأوراق بانتظار جولة جديدة من الصراع؟
 
 
آليات التنفيذ ونقطة البداية
 
رغم أن الاتفاق يحمل بنوداً شاملة وطموحة، إلا أن نجاحه يعتمد على جدية التنفيذ، وهو التحدي الأكبر. فالتاريخ السوري حافل بتفاهمات بقيت مجرد نصوص دون تطبيق، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام الأطراف بتنفيذ البنود عملياً. ومع ذلك، فإن الضغط الدولي والإقليمي الذي دفع “قسد” ودمشق إلى هذا الاتفاق قد يشكل دافعاً لإنجاحه، خاصة مع الدعم الشعبي الواسع الذي لاقاه من مختلف المكونات السورية، حيث قطع الاتفاق الطريق على محاولات تفكيك الدولة التي رافقت أحداث الساحل السوري وما قبلها، ويمكن البدء بخطوات أقل تعقيداً مثل تسليم المعابر الحدودية والمؤسسات السياسية وحقول النفط والغاز، وهي خطوة لا يجب اعتبارها تنازلاً من قسد، بل تصالحاً مع مفهوم الدولة الجامعة، التي تحمي التعددية دون السماح بتفكيك البلاد.
 
إضافةً إلى ذلك، يشكّل التعاون في تأمين سجون معتقلي داعش وتشكيل قوة موحدة لمكافحة الإرهاب عنصراً أساسياً في استقرار الاتفاق، مع الاستفادة من مقاتلي التنف من فصائل الجيش الحر، ووحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقسد، والخبرات الأمنية لدى قيادات هيئة تحرير الشام، ثم تشكيل فرق عسكرية مشتركة من مكونات “قسد” وفصائل أبناء المنطقة من الهيئة أو فصائل الشمال لكن نجاح هذه الإجراءات مرهون بإرادة سياسية حقيقية، فإما أن يكون الاتفاق بداية لإعادة بناء الدولة، أو مجرد مرحلة مؤقتة تعيد ترتيب الأوراق بانتظار جولة جديدة من الصراع.
 
الاتفاق بين الوعود والمخاوف: إعادة بناء للدولة أم تكريس للهيمنة؟
 
رغم أن الاتفاق يتضمن ضمانات دستورية لحقوق جميع المكونات، بما في ذلك الأكراد، إلا أن التنفيذ الفعلي يظل موضع شك. فبينما نص الإعلان الدستوري الذي أعلن بعد الاتفاق على حماية التعددية الثقافية واللغوية، أبقت دمشق على تسمية “الجمهورية العربية السورية”، ما أثار مخاوف من أن يكون الاتفاق مجرد إطار سياسي مؤقت لا يضمن تمثيلاً حقيقياً للأطراف الفاعلة. 
 
يهمل الاتفاق كذلك النظر إلى الطبيعة الديموغرافية لسكان المنطقة من عشائر ومكونات، ويشير فقط إلى ضرورة عودة المهجرين دون التطرق لمعالجة آثار الانتهاكات الواسعة التي حصلت سابقاً أو إعطاء ضمانات لعدم تكرارها، كما يهمل بشكل واضح رغبة السكان المحليين ومدى توافقهم ورضاهم أصلاً بوجود “قسد” كممثل تفاوضي عنهم.
 
فيما تكرر “قسد” بشكل يومي مطالبتها بشكل إدارة لامركزي في سوريا يمنحها امتيازات حكم الجزيرة السورية باعتبارها سلطة أمر أوقع، تخالف ذلك بتطبيق مركزية وتسلّط غريب في مناطق سيطرتها على كل المفاصل الخدمية والمدنية وحتى السياسية وتقمع كل دعوة لتوسيع صلاحيات المحليات في المدن والمناطق، في تناقض واضح بين ما تريد أخذه وما ترفض إعطائه للآخرين.
 
لكن القلق لا يقتصر على البنية السياسية، بل يمتد إلى المشهد الأمني، حيث يطرح الاتفاق تساؤلات حاسمة حول مدى تحقق الحريات العامة في شمال شرق سوريا، بينما تشهد مدن سورية أخرى مساحات جيدة نسبياً للعمل السياسي والإعلامي والمدني، يبقى الغموض يحيط بوضع الجزيرة السورية، وسط مخاوف من أن تستمر قبضة “قسد” الأمنية، مما يعني استمرار سياسات التجنيد والاعتقالات التعسفية، والتضييق على النشاط المدني والإعلامي. وتشير تقارير من الرقة والحسكة إلى استمرار الاعتقالات بحق شبان احتفلوا بالاتفاق ورفعوا أعلام الدولة، فيما تواصل التشكيلات الأمنية الرديفة لحزب العمال فرض سيطرتها، ما يثير التساؤل: هل سيؤدي الاتفاق إلى إنهاء سطوة الأجهزة الأمنية، أم أنه مجرد إعادة ترتيب لميزان القوى بوجوه جديدة؟
 
 
تحديات تنفيذ الاتفاق: بين العقبات الداخلية والتدخلات الخارجية
 
يواجه تنفيذ الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” عقبات جوهرية، أبرزها التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية التي قد تؤدي إلى عرقلة التنفيذ أو إفشاله بالكامل. على المستوى الدولي، يمثل الموقف التركي العقبة الأكبر، حيث تواصل أنقرة المطالبة بحل قسد، ونزع سلاحها، وإخراج القيادات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، مما يفرض ضغوطاً إضافية على دمشق. في المقابل، وتبرز إيران كلاعب خفي لتحريب هذا الاتفاق من خلال نفوذها الاستخباراتي بين صفوف قيادات حزب العمال في جبال قنديل، فيما تتعامل الولايات المتحدة بغموض مع رؤية تطبيق الاتفاق، رغم دورها المركزي في الضغط على “قسد” لتوقيعه بحسب تسريبات الصحافة الأمريكية، وتسعى واشنطن كما يبدو إلى إعادة ترتيب النفوذ في سوريا، وهو ما قد يجعل الاتفاق أداة تفاوضية مع دمشق أكثر منه خطوة فعلية نحو الاستقرار.
في المقابل، يستمر حزب العمال الكردستاني (PKK) في إرسال تسريبات إعلامية متضاربة توحي برغبته في الاحتفاظ بمكتسباته الحالية، مع تقديم تنازلات شكلية فقط لدمشق. أما على المستوى السياسي الداخلي، فقد زادت “قسد” و”مسد” من حدة خطابهما ضد الحكومة السورية عقب أحداث الساحل، وواصلتا اتهامها بالتطرف والتبعية لأنقرة، كما رفضتا الاعتراف بالإعلان الدستوري المؤقت، ولوّحتا بعدم الاعتراف بالحكومة الجديدة، مما يشير إلى عدم وجود التزام حقيقي بعملية الاندماج في مؤسسات الدولة.
 
صراع الأجنحة داخل “قسد” يشكل التحدي الأكبر
 
التحدي الأخطر قد يكون الصراع الداخلي داخل “قسد” نفسها، حيث بدأت بوادر انشقاق واضح بين جناحين متباينين. الجناح الأول، وهو الأكثر براغماتية، يرى في الاتفاق فرصة لضمان دور سياسي مستقبلي داخل الدولة السورية، ويقبل ببعض التنازلات مقابل الحفاظ على النفوذ الذاتي. أما الجناح الثاني، وهو الموالي لقيادات جبل قنديل، فيرفض الاتفاق باعتباره تهديداً مباشراً لهيمنة الحزب وسيطرته الأمنية والعسكرية مع الإشارة لدور إيراني بارز في محاولات عرقلة تطبيق الاتفاق، هذا الجناح المتشدد قد يتحول إلى عائق رئيسي أمام تنفيذ الاتفاق، من خلال افتعال أزمات أمنية، رفض تسليم المعابر والمنشآت الاستراتيجية، أو حتى محاولة تقويض القيادة الحالية لقسد.
 
تداعيات هذا الانقسام قد تتجاوز مجرد مماطلة في التنفيذ، وقد تصل إلى تصعيد داخلي قد يؤدي إلى انقسامات فعلية داخل قسد، ما سيضع دمشق أمام تحدٍ جديد: التعامل مع شريك متفكك، غير قادر على ضبط قراره الداخلي. وإذا لم تتمكن “قسد” من حسم هذا الصراع الداخلي سريعاً، فقد لا يكون فشل الاتفاق نتيجة لتدخلات خارجية فحسب، بل نتيجة انهيار “قسد” من الداخل.
 
بين دروس التاريخ وسيناريوهات المستقبل
 
تُظهر التجارب التاريخية أن الاتفاقات بين الحكومات والفصائل المسلحة لا تضمن استقراراً طويل الأمد، إذ يعتمد نجاحها على مدى التزام الأطراف بتنفيذها وليس مجرد توقيعها. فبينما نجح اتفاق الطائف (1989) في إنهاء الحرب اللبنانية لكنه أرسى نظاماً هشاً. وأوقفت اتفاقية دايتون (1995) القتال في البوسنة لكنها تركت البلاد في حالة انقسام سياسي معقد. في حين ظلت اتفاقية دارفور السودانية (2020)، هشة بسبب انعدام الثقة واستمرار النفوذ العسكري للجماعات المسلحة. أما في سوريا، فالاتفاق بين دمشق و”قسد” يواجه تحديات مماثلة، فهل سيكون خطوة نحو المصالحة الفعلية، أم مجرد هدنة مؤقتة في صراع لم ينتهِ بعدو بناد عليه يمكن لنا توقّع ثلاثة سيناريوهات محتملة:
 
-الأول: تنفيذ تدريجي واستقرار نسبي: تنجح الحكومة في دمج المؤسسات تدريجياً، ويتم التوصل إلى تفاهمات حول الملف الأمني، مما يسمح ببناء ثقة متبادلة تعزز الاستقرار في المنطقة.
– الثاني: عرقلة داخلية وتصعيد محدود: يؤدي الصراع داخل “قسد” إلى إبطاء تنفيذ الاتفاق، حيث يرفض الجناح الموالي لجبل قنديل التنازلات الأمنية، مما يضعف فرص التطبيق الفعلي ويدخل الاتفاق في حالة مراوحة سياسية، واحتمال نشوء اضطرابات عشائرية.
– الثالث: إذا فشلت آليات التنفيذ وبقي الملف الأمني بيد قسد، فقد تتعامل دمشق مع الوضع كملف عسكري بدلاً من سياسي، ما قد يؤدي إلى صدامات جديدة وتدخلات إقليمية تعيد المنطقة إلى مربع الصراع.
 
إذا كان الهدف هو إعادة توحيد سوريا، فلا بد أن يكون الاتفاق أكثر من مجرد إعادة توزيع للنفوذ. يجب أن يكون مدخلاً نحو نهج سياسي جديد يمنح السكان دوراً حقيقياً، بدلاً من أن يكون مهادنة لسلطات الأمر الواقع على حساب المجتمع. أما إذا استمرت التفاهمات المؤقتة دون مشروع واضح لإعادة بناء الدولة، فسيظل مجرد مرحلة أخرى من مراحل الصراع، حيث تتغير التحالفات ويبقى الانقسام قائماً بانتظار معركة مؤجلة.
-----------
سطور

سامر الأحمد
الاربعاء 19 مارس 2025