وبالتالي فإن الانفجار الإسرائيلي بهذه الحرب كان بمقدار ما كرسته السياسة الأوبامية في المنطقة في كسر التوازنات فيها، وليس مقتصراً على إسرائيل فحسب بل بدأ يهدد بشكل وجودي دول الخليج العربي، وهذا لا أعتقد أنه بحاجة لشرح فالواقع والسياقات تدلل من خلال أبرزها توقف الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لعاصفة الحزم والضغط على المملكة العربية السعودية لإيقاف الحرب، ومن ثم حينما عاد بايدن كان القرار الأول هو رفع الحوثيين عن قائمة الإرهاب، وبقي الحوثي يضرب المنشآت الحيوية في المملكة، الأمر الذي استوجب أن تفكر النخبة الحاكمة ببدائل عن الأمريكي بالتقارب مع طهران من خلال وساطة صينية، وهذه تعتبر قفزة نوعية للصين في المنطقة أدّت إلى استشاطة غصب الأمريكيين من بايدن وإحدى أهم ملامح خسارة دول الخليج في الوقت الذي تطمح فيه الصين لتقاسم النظام الدولي مع أمريكا وإعادة صياغة النظام الدولي، الأمر الذي كان انعكاسه على هيبة ودور ومصالح أمريكا الاستراتيجية في المنطقة والعالم ناهيك عن الحرب الأوكرانية الروسية، والذي دفع بالمواطن الأمريكي للتصويت لترامب، هذا التصويت والنجاح الذي حققه التيار الترامبي مبني على الثأر من التيار الأوبامي الذي كان سبباً في جعل الاقتصاد الأمريكي والعالمي على كفّ عفريت..
وانعكس سلباً على الوضع الاقتصادي الأمريكي، وبالتالي فإن نجاح ترامب هو عملياً نجاح لمفهوم الزعيم والرجل القائد في قلب بلد الديمقراطية الأول في العالم الذي سيعيد إحياء الدور الأمريكي الحاسم للصدارة العالمية، مع إعطاء دور لروسيا والصين في تشكيل نظام دولي ترعاه أمريكا ذاتها، ولتبقى أمريكا هي الأقوى وصاحبة القرار الرئيس في قيادة العالم، ولهذا فإن التوجه الجديد هو وقف الحروب وإعادة صياغة مقاربة جديدة للتحكم والسيطرة العالمية بإعطاء نوع من الشراكة العالمية وتخلق نظاماً دوليّاً جديداً، وبالتالي نحن أمام مرحلة متعاكسة تماماً للسنين الماضية بل وستنقضها حجراً حجراً، ولعلي أُذكِّر قُرّائي وأصدقائي بأن الشرق الأوسط هو أهم مراكز الاستقرار العالمي، والذي اهتز وكاد يُسقط كل الإنجازات الحضارية دفعة واحدة والذي سببه تراكم الأزمات بعضها فوق بعض بحيث لم تعد أي دولة معنية بالصراع أن تبني أي رؤية استراتيجية مستقبلية نظراً لانهيار كل الضوابط والمعايير السابقة ودخل العالم في مرحلة عدم القدرة على استشراف المستقبل، فأصبح كل شيء لا يخطر بالبال وارد الحصول..
وبنفس الدرجة التي تقول العكس تماماً، وهذا ما انعكس بوضوح في الشرق الأوسط بهذا الغطاء والدعم اللامحدود للدور الإيراني، بل وبين كل فترة وأخرى يقدم بايدن عشرات المليارات دعماً لإيران وعلناً، ناهيك عن إعطاء إيران حقّ سرقة كل أموال العراق لنجاح مشروعها، هذا المشروع الذي أفقد أمريكا الكثير من عناصر قوتها وهيبتها وحلفائها، ولهذا فإن المحور بدأ يهدد الوجود الإسرائيلي ابتزازاً لتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط وبشكل مقصود من التيار الأوبامي لإضعاف إسرائيل واحتواء المنطقة والسيطرة عليها بهذه المعادلة العرجاء.
ولكن المشروع هذا قد ولّى وانهزم تماماً بنجاح الهوية الوطنية الأمريكية التي يمثلها ترامب، وهذا لا يعني أن أمريكا ما ستقوم به هو لصالح العرب أو الروس أو الصين، إنما هي روية جديدة متناقضة مع المرحلة السابقة فيها منافع ومصالح متبادلة تمكن منطقة الشرق الأوسط من الدخول في حقبة مختلفة أهمها معالمها:
- إنهاء الدور الإيراني وانكفاء إيران لداخل حدودها
- أمن إسرائيل
- أمن دول الخليج والأردن ومصر
- تغيير جوهر النظام في سوريا
- استقرار الشرق الأوسط
- السلام الإبراهيمي
- تحسين الوضع الاقتصادي
- تحالفات جديدة تضمن ترسيخ شرق أوسط جديد بيد أمريكا وبالتعاون مع ثلاث دول السعودية ومصر وتركيا.
أما فيما يخص سوريا، فإن الدور الإيراني حتمي الزوال وهو قيد المعالجة بدءً من لبنان وانتهاء بالعراق، وإذا اقتضى الأمر فإن تغيير نظام الملالي مطروح وبقوة، وأعود لأذكر أن الكثير من السوريين المعارضين وجمهور الثورة يعتقد بأن ما تقوم به المملكة العربية السعودية القصد منه إعادة تدوير الأسد، وهذا الاعتقاد خاطئ مئة بالمئة والعكس هو الصحيح، فسوريا أمام استحقاقات قادمة ونوعية، وهذه الاستحقاقات سببها الأول والحصري هو الوضع الداخلي السوري الذي كرسته الثورة، هذا الوضع يحال به أن يعود كالسابق، فالنظام الحالي هو من مخلفات السياسة الفرنسية الأوبامية، والتي انتهت بوصول ترامب، وكذلك فإن روسيا من مصلحتها إنهاء الدور الفرسي الأوبامي وتذكروا هذا جيداً، ومن هنا علينا أن ندرك ونعي أن أمريكا ستعطي دوراً حصرياً ومحدداً لروسيا في سوريا لتشييع النظام ضمن خطة معينة، وترتبط توافقات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وعلينا أن نعي أن الأردن ودول الخليج وتركيا لهم أدوار حتمية في إنجاز الحل السياسي في سوريا بالتوافق مع روسيا وأمريكا وإسرائيل..
وهذا ممر إجباري ووحيد لإنجاز أي حلّ في سوريا، كما أذكر أن لتركيا دور أساسي في إنجاز أي حلّ في سوريا، وأن الدور التركي ينحصر ضمن تأمين الأمن القومي التركي فقط بحكم حدودها مع سوريا ولا يتجاوزه، وهي أيضاً ضمن السياق والتوافق الإقليمي لإنجاز المرحلة الانتقالية، وإذا أردنا أن نستشرف بدايات هذا الحلّ فالمرجح أن يبدأ خلال النصف الثاني من القادم القادم، كما أود أن اثني على دور المملكة العربية السعودية ودول الخليج والأردن لبراعة وعقلانية ما يقومون به، علماً أن الذي يهاجمهم لا يعي ما الذي يحصل، فحضور بشار الأسد القمة في الرياض لا يختلف عن حضوره في قمة جدة قيد أنملة وهي مجرد بروتكولات لا تقدم ولا تؤخر ولا يبنى عليها إعادة تدوير النظام، ولكننا قوم نستعجل الأحكام والتهم المؤذية لقضيتنا، وفنّ العمل السياسي لا يدرك أبعاده وطرقه ووسائله الا المتخصصون المهرة، خاصة وأن الأوضاع الإقليمية والدولية معقدة لدرجة من الصعوبة بمكان تمييز المرامي والأبعاد الخفية لما يحصل نظراً لحساسية وخطورة ما كان يحصل سابقاً، وكم نصحت السوريين بعدم التسرع في إطلاق الأحكام، وخطورة انعكاساتها على قضيتنا..
فالأمر يحتاج إلي ترويٍّ وهدوء، فسوريا لن تعود لحكم آل الأسد مرة ثانية وهذا ألف محال، وخاصة بعد فوز ترامب، وما كل ما يعرف يقال أيها الأعزاء، ولكن الفرج بات قريباً إن شاء الله، واللبيب من الإشارة يفهم.
-----------
تفاصيل برس