.
حتى في حال تقسيم سورية، فلن تكون إسرائيل متفرّجة، بل ستكون داعمة للأطراف الانفصالية، وبهذا تضمّن حضورها الفعلي في مفاصل المشهد السوري
بل يمكن التأكيد أن سُخط إسرائيل على زوال الأسد بات شديد الوضوح، منذ اليوم الأول لهروب رأس النظام إلى موسكو، وقد ترجمت هذا السُّخط باستهداف عسكري واسع لعديد من القواعد والبنى العسكرية السورية بأكثر من 350 غارة جوّية، بذريعة تطهيرها من فلول مليشيات إيران، إلّا أن واقع الحال يؤكّد أن زوال نظام الأسد (في ما يخص إسرائيل) يعني زوال منظومة أمنية، طالما أقنع أداؤها الجانب الإسرائيلي، الذي لم يُقصّر في ردّ الجميل لبشّار الأسد، إذ يكفي أن إسرائيل كانت الطرف الأبرز، الذي لم يوافق على إطاحة نظام الأسد منذ العام 2012، واليوم إذ يرحل الأسد وتظهر قيادة جديدة في دمشق، الأمر الذي بات يُلزِمُ إسرائيل بإيجاد استراتيجية أمنية جديدة تأخذ باعتبارها غياب أيّ تفاهمات سابقة مع قيادة دمشق، كما تأخذ باعتبارها أن الدولة السورية في أشدّ حالاتها ضعفاً (عسكرياً واقتصادياً)، ويمكن أن يجسّد هذا الضعف مناخاً مناسباً لتوسّع صهيوني جديد لا يكتفي بإعاقة التجربة التحرّرية الجديدة في سورية فحسب، بل يهدف إلى تفكيك الدولة السورية، وشلّها تنموياً وحضارياً وسياسياً، من خلال العمل في مسارَين متوازيَين، مسار عسكري يتجلّى بالعدوان المستمرّ على البنى العسكرية السورية، واستهداف المنشآت ذات الطابع العسكري بغية تدميرها، موازاةً مع التوغّل البرّي في عمق الجغرافية السورية، وإقامة قواعد مؤقّتة، وتجريف حقول وإخلاء قرى وبلدات من سكّانها، وما ينطوي عليه ذلك من اعتداء على أمن المواطنين وأملاكهم وبيوتهم. وهناك مسار سياسي تسعى إسرائيل منه إلى دفع بعض الأطراف السورية إلى الانفصال عن الدولة السورية، ولعلّ كلام وزير خارجية الكيان الصهيوني، جدعون ساعر، وتحريضه أكراد سورية، خصوصاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك مزايداته المتهافتة على الدروز، باتت دلالاتها واضحة، كما بات واضحاً أن الكيان الصهيوني يريد فرض أجندته الجديدة التي ينبغي أن تجعل من سورية ثلاثة أقاليم أو دول (الجنوب والوسط وشمال شرقي سورية)، حتى في حال تقسيم البلاد، فلن تكون إسرائيل متفرّجة، بل ستكون داعمة للأطراف الانفصالية، وبهذا تضمّن حضورها الفعلي في مفاصل المشهد السوري. كما تسعى إسرائيل إلى أن يكون الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (درعا والقنيطرة والسويداء) منطقةً منزوعة السلاح، ولا يُستبعَد أن تتطلّع إسرائيل إلى استنساخ تجربتها في جنوب لبنان في الثمانينيّات من القرن الماضي (جيش لبنان الجنوبي).
هدف التوغل الصهيوني إعاقة التجربة التحرّرية الجديدة في سورية، وتفكيك الدول
وهنا لا بدّ من توضيح مختصر لانتشار قوات الجيش السوري في الجبهة مع الكيان الصهيوني في المحافظات الثلاث، التي يريدها رئيس حكومة اليمين المتطرّف نتنياهو منزوعةَ السلاح، ويُحرّم على الجيش السوري الجديد دخولها لحماية حدوده، بعد أن أفرغها نظام الأسد البائد، وزجّ فرقه وألويته بحرب الإبادة التي شنّها على الشعب السوري طوال الأعوام الثلاثة عشر الفائتة. في النسق الأول، كان يوجد لواءان نطاق حيطة، هما اللواء 90 في القطاع الشمالي من الجبهة، واللواء 61 في القطاع الجنوبي منها، مهمتهما كانت إنذارية، وإيقاف هجوم قوّات العدو ساعتين إلى ثلاث، ريثما تُزجّ فرق النسق الأول في المعركة، ومع تعزيزها لاحقاً بخطوط مضادّ الطيران، وهي ستّة خطوط ترمي لمسافات ابتداء من صواريخ كورنيت وحتى قواذف "آر بي جي"، أصبحت مهمّتها نظرياً إيقاف قوات العدو من 24 إلى 48 ساعة. وتنتشر خلف اللواء (90)، الفرقة السابعة مشاة ثقيلة، التي مقرّ قيادتها في بلدة زاكية جنوب دمشق، وخلف اللواء 61 الفرقة الخامسة مشاة ثقيلة، ومقرّ قيادتها في مدينة ازرع بريف درعا. في النسق الثاني (خطّ الدفاع الثاني) تنتشر الفرقة التاسعة، مقرّ قيادتها في مدينة الصنمين بريف درعا، وتنتشر في كامل الجبهة خلف فرق النسق الأول، إضافة إلى الفرقة 15 مهام خاصّة، ومنطقة انتشارها محافظة السويداء. وفي خطّ الدفاع الثالث، تنتشر الفرقة الأولى مدرّعات، ومقرّ قيادتها في مدينة الكسوة، في كامل طوله الممتدّ من أمام جبل المانع على أوتوستراد درعا، حتى حدود المحافظة.
التصعيد الإسرائيلي شأن في غاية الخطورة في ما يخص الدولة السورية في الظروف الراهنة، ولعلّ التضامن العربي والإقليمي مع سورية في إدانة العدوان الصهيوني إيجابي، ولكنّه غير كافٍ، ليقين الجميع بأن العدوان الإسرائيلي المتصاعد نتيجة طبيعية لغياب الرادعين، العسكري والسياسي، فضلاً عن رضا أميركي واضح عن سياسات إسرائيل في المنطقة عموماً، وهذا ما يتطلّب من العرب استثمار كامل نفوذهم بالضغط على الجانب الأميركي، الذي وحده (دون سواه) يمكن أن يوقف هذه الجريمة.
----------
العربي الجديد