نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

حُباً بالسوريين.. وأملاً بسوريا

17/02/2025 - هوشيار زيباري

الشرع والموعد السعودي

13/02/2025 - غسان شربل

ترامب يرسم خارطة جديدة للعالم

08/02/2025 - ‎علاء الخطيب

معنى المعارضة في سورية الجديدة

08/02/2025 - مضر رياض الدبس

( لا يمكن الاستخفاف بأحمد الشرع )

08/02/2025 - خيرالله خيرالله


المؤامرة حين تجد لها بيئة مناسبة





منذ فرار الأسد وإعلان التحرير، حصلت ما يشبه الصدمة لدي الكثير من السوريين، لم يكن الأمر فقط يتعلق باستيعاب ما يحدث بعد سنوات من الاستعصاء وفقدان الأمل بأن الوضع السوري باق كما هو عليه للأبد، مع يقين شعبي شبه تام بأن آل الأسد سوف يتناوبون علي حكم سوريا واحدا بعد الآخر، ولكن أيضا الكثير من الموالين وجدوا أنفسهم فجأة أمام الحقيقة العارية: فرار الأسد وعائلته وبطانته المقربة جدا بكل ما سلبوه وخزنوه من أموال السوريين عبر عقود، وتركهم وحدهم يواجهون مصيرا مجهولا وتهديدات مفترضة لطالما تم ترسيخها في أذهانهم ( لا سيما لدى العلويين) من أن رحيل الأسد يعني شيئا واحدا: إبادة تامة للعلويين وانتقامات مريعة لكل من أيد الأسد


 . والحقيقة فإن كثيراً جداً من السوريين كانوا مقتنعين تماما بأن اللحظة التي يرحل فيها الأسد عن سوريا هي لحظة بدء أنهار الدم السوري التي لن تتوقف؛ ذلك أن ما حصل في الأربعة عشر عاما الماضية بكل تفاصيله لا يمكنه الإنذار بغير ذلك، مجازر مهولة، ضحايا بالملايين، خراب معمم، طائفية ومذهبية في أقصى درجاتها، فساد إداري وأخلاقي وسياسي واقتصادي، انحيازات إقصائية لا تمت للوطنية بأية صلة، تجريف كامل لكل الخدمات علي كامل الأرض السورية، انهيار مريع بالاقتصاد طال الجميع؛ نشوء طبقة أثرياء الحرب من أصحاب المصلحة الكبرى في الخراب الحاصل، تجارة الكبتاغون الداخلية والخارجية وتشكل طبقة لا يستهان بها من العاملين في هذه التجارة والمستفيدين منها بالكامل. المشكلات المجتمعية المروعة التي قلما انتبه لها أحد من العنوسة وفرق العدد بين النساء والرجال، الفروقات الكبيرة بين سوريي الخارج والداخل وبين سوريي مناطق النظام والمناطق الخارجة عنه أو ما كان يسمى وقتها (المحرر)، هجرة الأدمغة والكوادر السورية، الإحساس بالغبن والقهر لدى من تبقوا في سوريا وعانوا من شظف العيش، حرفيا. فقدان مقومات الحياة في الداخل السوري، التغيير الديموغرافي الذي كان يحدث على قدم وساق. كل هذا كان يهيئ لفكرة رحيل الأسد عن سوريا بأية طريقة كانت سوف تحول سوريا إلى بحر من الدماء والفوضى لن يكون لها زمن محدد لتنتهي.
ما حدث فاجأ الجميع وأصابنا جميعا بالذهول، فر الأسد واستلمت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) السلطة في سوريا، وللنصرة تاريخ غير مجيد مع الوعي الجمعي السوري، منها نتيجة بروباغندا كبيرة اشتغل عليها النظام السابق مع حلفائه، ومنها نتيجة ارتكابات وانتهاكات ليست قليلة أبدا ارتكبتها النصرة ووضعتها على قوائم الإرهاب الدولية، ومنها أيضا، وهو الأهم، سمعة (الجولاني) المحلية والدولية والاختلافات حول نشأته وتاريخه، وحول تجربته في مدينة إدلب التي انقسم حولها سكان إدلب وريفها بين مؤيدين ومعارضين جذريين له، وبين من يعتبره ابن الثورة السورية ومن يعتبره ثورة مضادة هدفها القضاء على مدنية الثورة وعلى ناشطيها المدنيين في إدلب. كل تلك المعطيات أصابت السوريين بالذهول وهم يرون أن فرار الأسد ودخول الهيئة إلى دمشق واستلامها للسلطة تم بأقل الخسائر الممكنة مبددا المخاوف والرهاب المستقر في الوعي الجمعي السوري حول تلك اللحظة. لكن هذا لم يكن مناسبا لكثير من المستفيدين من الوضع السابق، سواء في الداخل السوري أو في دول الإقليم، أو في الدول والقوى التي لها مصلحة في ألا تقوم لسوريا قائمة.
لم تمر أيام قليلة جدا على التحرير حتى بدأنا نسمع عن مجازر مرتكبة وعن انتهاكات وخطف وجثث يتم العثور عليها. خصوصا في أماكن احتقان طائفي سابقة، وعن قتل لـ(علماء) لم يسمع بهم أحد سابقا. وتبين لاحقا أن معظم تلك الأخبار كانت أخبارا مزيفة، أسهم في انتشارها تداولها من قبل أعداد كبيرة جدا من المثقفين العرب ممن كانوا يعتقدون أن نظام الأسد نظام وطني عروبي، رافضين كل ما أثبته السوريون عن جرائمه.
لكن أيضا، فإن فوضى السلاح الذي كان مرميا في الشوارع إثر انهيار نظام الأسد، وانتشار الفصائل الجهادية وانتقالها بعد التحرير من إدلب إلي كل المحافظات السورية، وعدم التزام الكثير من عناصر الهيئة بتعليمات قياداتهم بضرورة التعامل باحترام مع جميع السوريين، ووجود عناصر جهادية ليست سورية ضمن الهيئة، عناصر قدمت إلى سوريا بقصد الجهاد وما ينتج عنه من مكتسبات في الدنيا والآخرة، وعدم قدرة الكثير من العناصر على انتظار العدالة الانتقالية، إضافة إلى قرارت التسريح العشوائية التي اعتمدتها الهيئة ، وطالت أكثر ما طالت العلويين (لأسباب يطول شرحها) هذا كله أدى إلى حالة من الفوضى والتوتر والتحفز بين السوريين، كان مترافقا مع خوف، يمكن فهم أسبابه، لدى العلويين تحديدا، هذا الخوف، الذي أعرفه جيدا بحكم انتمائي البيولوجي وسماعي عنه من أقارب وأهل لي في سوريا، لا يمكن الاستهانة به، ويجب التعامل معه بحذر شديد وبروية عالية وبقدرة على ضبط إيقاع الحياة السورية بالابتعاد عن الانتقامات الطائفية في القرارات الرسمية، لأن تراكمه سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة تدخل سوريا في مجاهل جديدة من مجاهل الدم والفوضى وربما التقسيم الذي لا تخفي بعض القوى الإقليمية رغبتها في حدوثه.
وليس مفاجئا أن تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي كلها، حسابات لا تحصى معظمها حسابات مزيفة تحت أسماء متعددة، وكلها تصب في خانة واحدة: التحريض اليومي على العنف الطائفي، وبث أخبار يومية، أغلبها مزيف، عن مجازر ترتكب بحق العلويين، وتضخيم الحقيقي منها واعتباره نهجا تعتمده الهيئة ثم الحكومة الجديدة في سلوكها تجاه العلويين؛ دون أي حديث، إلا ما ندر، عن حوادث أمنية يومية في باقي المحافظات السورية من خطف وقتل وسرقات وانتهاكات، ما يزيد الشك والريبة في توجه تلك الحسابات وارتباطاتها بمشاريع خارجية تهدف إلى تثبيت الفوضى في سوريا ومنع الاستقرار، وهي محاولات لا يمكن الإنكار أنها تؤتي نتائج باتت معلنة، حيث نسمع يوميا عن مطالبات بالحماية الدولية خصوصا لمناطق العلويين والدروز والأكراد، مثلما نسمع تصريحات إسرائيلية بوقوفها إلي جانب الأقليات السورية (المضطهدة) ووجوب حمايتها لهم. ومن تتبع لمصادر تلك الحسابات المؤججة للعنف الطائفي، سواء الوهمية منها أو الحقيقية، وسواء التي تدعو لإبادة العلويين أو تلك التي تدعي الحرص والخوف عليهم فإنه ليس من المفاجئ الاكتشاف أنها كلها، تقريبا، مرتبطة بإسرائيل بشكل من الأشكال، وهو ما استطاع ناشطون سوريون إثباته خلال هذه الفترة وتوضيحه للسوريين ولكن في حالة الاستقطاب الحاصلة فإن أصوات هؤلاء الناشطين سوف تضيع وسط الصراخ الطائفي المحموم الذي يساهم فيه، عن جهل أو عن سابق قصد، بعض ممن يدعون أنهم إعلاميون يرافقون السلطة الحالية بكل خطواتها، ويقال إن بعضهم يكاد لا يفارق قصر الشعب.
سنكون واهمين جدا إن ظننا، ولو لحظة، أن إسرائيل تريد الاستقرار لسوريا، هذا أمر يخالف ليس فقط طبيعتها الاستعمارية، بل يخالف أيضا كل ما قامت بها عبر تاريخها من تكريس وتأييد للخراب في الدول المحيطة بها، لن تتوقف إسرائيل عن دعم الأصوات المخربة في سوريا، ولن تتوقف عن محاولاتها بث الرعب وتكريس الفوضى، ولن تتوقف أياديها عن العبث بالأمن السوري، هذا بالنسبة لي، لا جدال فيه، حتى لو اعتبره البعض انحيازا لنظرية المؤامرة. لكن أيضا المؤامرات الخارجية تحتاج بيئة مناسبة لها كي تتحقق، وسوريا حاليا، للأسف، هي بيئة مناسبة جدا بكل ما يحدث فيها، وإن استمر الوضع على ما هو عليه فليس بعيدا جدا أن يحصل ما لا يريده وطنيو سوريا من عملية تقسيم تقضي على آخر حلم بسوريا حرة وعادلة وموحدة.
الكرة الآن في ملعب السلطة الجديدة وفي ملعب السيد أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية الذي يقدم في مقابلاته كلاما بالغ الأهمية والوطنية، لكننا لا نرى له على أرض الواقع وجودا. فالسيد الرئيس حاليا مطالب بالبدء بأعمار سوريا والتخلص من عقلية الفصيل إلى عقلية الدولة، كما قال هو، وعقلية الدولة تلزمه بالعدل في كل شيء، العدل في المناصب والعدل في العقوبات والعدل في المحاكمات والعدل في الوظائف والعدل في الأمان والعدل في التنمية. وتلزمه التعامل مع كل السوريين، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومشاربهم، بوصفهم مواطنين سوريين متساوين في الحقوق والواجبات. تلزمه بإنشاء جيش وطني مؤلف من كل السوريين، وبإنشاء شرطة وطنية تحفظ أمن جميع السوريين، تلزمه أولا بالقضاء على ظاهرة الملثمين الذين يدخلون المنازل والقرى ويقتلون ويسرقون باسم الهيئة، وتلزمه بالقضاء على ظاهرة الجهاديين غير السوريين الذين يتدخلون في نمط عيش السوريين هنا وهناك، وتلزمه بالتوقف عن إجراء تسويات مع كبار المجرمين والمرتكبين والتنكيل بالبسطاء ممن اضطروا لخدمة العلم وتنفيذ الأوامر، وتلزمه بالعدل في التسريحات والتعيينات بعيدا عن المحصصات والعقاب كما صرح هو في غير مقابلة معه. وتلزمه أولا وأخيرا بالاستماع إلى كل السوريين، كلهم من دون استثناء، بوصفهم مواطنين لا رعايا طوائف يمثلهم رجال دين أفاكون ودجالون، يلزمه الاستماع إلى رجال ونساء سوريا من المثقفين والمفكرين والفنانين والموسيقيين، ممن لا يشبهون توجهه ولا يشبهون نمطه. يلزمه الاعتماد على كفاءات وطنية من كل سوريا في الداخل والخارج، متنوعون ومختلفون لا أبناء محافظة واحدة ومذهب واحد وإيديولوجية واحدة.
العدل أيها السيد الرئيس هو ما يحقق لسوريا الأمان، العدل والقانون لا الشريعة التي يطبقها شيوخ دين بينما يترك المختصون وأصحاب الكفاءات القانونية والقضائية والعسكرية خارجا. العدل أيها السيد الرئيس هو ما يحمي سوريا من المؤامرات والتصيد والتحريض ويحمي مواطنيها من الخوف المدمر. وباستثناء المستفيدين من العهد السابق لا يوجد سوري واحد يريد الخراب لسوريا، والمستفيدون من العهد السابق هم قلة قليلة تنتمي لكل الطوائف والمذاهب والقوميات عليك أن تحمي سوريا والسوريين منهم ومن من يدعمهم من قوى خارجية لن تهدأ محاولاتها عن بث الخراب في سوريا إلا برؤية كل السوريين على قلب رجل واحد، وهذا الأمر بيدك حاليا أيها السيد الرئيس.
-----------
موقع تلفزيون سوريا:
   
   
 

رشا عمران
الاثنين 17 فبراير 2025