نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الطائفة المظلومة في سوريا

02/03/2025 - ميشيل كيلو

لا تنخدعوا بأوهام تجربة نيلسون مانديلا

22/02/2025 - د.محيي الدين اللاذقاني

ماكس فيبر وسوريا الجديدة

22/02/2025 - غسان زكريا

حُباً بالسوريين.. وأملاً بسوريا

17/02/2025 - هوشيار زيباري

الشرع والموعد السعودي

13/02/2025 - غسان شربل

ترامب يرسم خارطة جديدة للعالم

08/02/2025 - ‎علاء الخطيب


سياسات المرحلة الانتقالية في سوريا الفرص والتحدِّيات




مقدمة.. بدأت المرحلة الانتقالية في سوريا فَوْر سقوط النظام السابق ووصول إدارة العمليات العسكرية للسلطة بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ومنذ ذلك الحين قام أحمد الشرع وفريقه باتخاذ جملة من السياسات والإجراءات التي تهدف إلى إدارة عملية الانتقال السياسي في البلاد، وذلك على الصُّعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، وخارجياً في رسم علاقاتها الدولية، ومحاولة تنويعها، وإقامة التوازُن بينها، وعدم الوقوع في سياسة المحاور الإقليمية والدولية.
هناك فرص كبيرة أمام الدولة السورية لتعبر المرحلة الانتقالية وَفْق الرؤية التي تم الإعلان عنها، واتخاذ عدد من القرارات فعلياً لتطبيقها، لكنها بالمقابل تواجه تحدِّيات وتهديدات كبيرة أيضاً، وهو ما يجعل المشهدَ السوري عرضةً لأكثر من سيناريو محتمل


 

أولاً: سياسات المرحلة الانتقالية داخلياً  

1. على الصعيد السياسي:  
في خطابه أمام "مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية" بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2025، حدد "الشرع 5 أولويات للمرحلة الانتقالية هي: ملء فراغ السلطة، والحفاظ على السِّلْم الأهلي، وبناء مؤسسات الدولة، والعمل على بناء بِنْية اقتصادية تنموية، واستعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية.     
أخذ ملء فراغ السلطة من الإدارة أقل من يوم، فبعد سقوط النظام بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، تم إنهاء تكليف رئيس الوزراء السابق محمد الجلالي وتكليف رئيس وزراء حكومة الإنقاذ محمد البشير برئاسة الحكومة الجديدة، وكان هذا التعيين أحد أهم المؤشرات على تطوُّر أداء هيئة تحرير الشام التي لم تشكل أول حكومة تابعة لها في إدلب إلا بعد مضيّ قرابة 3 سنوات على بسط سيطرتها على المنطقة.  
تتابعت خُطوات حلّ سلطة النظام، وملء الفراغ الناتج بتعيين عدد من الوزراء، وفي مؤتمر إعلان انتصار الثورة تم اتخاذ عدة قرارات: هي إلغاء العمل بدستور 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحلّ مجلس الشعب واللجان المنبثِقة عنه، وحلّ جيش النظام، وحلّ جميع الأجهزة الأمنية التابعة له، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدُّمية، وما يتبعها من منظمات ومؤسسات ولجان، وإلى جانب ذلك حلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية. ولملء الفراغ الدستوري كلّف المؤتمر الشرع برئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، وبمهامّ رئاسة الجمهورية العربية السورية، وتمثيلها في المحافل الدولية، وتلاه إعلان الشرع عن خطته المقبلة لاستكمال ملء الفراغ عَبْر تشكيل مجلس تشريعي مؤقَّت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد، ودخوله حيّز التنفيذ، واتخاذ قرار إعادة بناء الجيش على أُسُس وطنية، ودمج الأجسام الثورية السياسية والمدنية في مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لمؤتمر الحوار الوطني العامّ.  
استند الشرع في خُطوات ملء فراغ السلطة على اعتبار أنّ "الأعراف الدولية تقول إن القوة المنتصرة التي حققت انتصار الثورة هي المؤهَّلة لاختيار الرئيس"، وأن ذلك لا يُعَدّ رسالة بأن البلاد ستُدار من قِبل العسكريين، بل طمأنة للشعب السوري بأن الفصائل التي تحمل السلاح اتفقت على رئاسة الدولة طواعية دون الدخول في مشاكل كبيرة؛ حيث إن كثيراً من الدول تصبح مهدَّدة بالفوضى بعد انتصار الثورات بسبب اختلاف الفصائل العسكرية فيما بينها [[1] ]urlblank:https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2025/02/03/an-interview-with-ahmed-al-sharaa-syrias-president .  
لقد أراد الشرع من خلال منح نفسه الصلاحيات القانونية التمهيد في المرحلة الانتقالية لبسط سلطة الدولة على كامل مساحة البلاد، ومعالجة الهواجس الأمنية، وترسيخ الاستقرار الداخلي، بما يساهم في الحفاظ على السِّلْم الأهلي، وبَدْء بناء مؤسسات الدولة على أُسُس قانونية ودستورية. وقد انعكس ذلك بالفعل على مكانة الإدارة دولياً؛ حيث زار أميرُ قطر سوريا والتقى رئيسَها الشرع، الذي أجرى زيارتين رئاسيتين إلى كل من المملكة العربية السعودية، وتركيا.  
أبقى الشرع مسار الانتقال السياسي مرتبطاً بمؤتمر الحوار الوطني؛ حيث صرّح بأنه سيتم تشكيل لجنة تحضيرية، وستجري مشاورات موسّعة مع مختلف الأطياف السورية قبل انعقاد المؤتمر، وأن نتائجه ستتمثل في صدور بيان ختامي يُمهّد الطريق نحو إعلان دستوري يحدّد مستقبل البلاد، وأن إعداد وكتابة دستور جديد في البلاد، قد يستغرق نحو 3 سنوات، وتنظيم انتخابات قد يتطلب فترة بين 4 و5 سنوات [[2] ]urlblank:https://www.syria.tv/%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D9%84%D8%AA%D9%84%D9%81%D8%B2%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84%D8%A9 .  
بينما وعد الشرع بتشكيل حكومة انتقالية قائمة على مبادئ الشمول والتنوُّع والكفاءة، وليس على العِرْق والدِّين بما يضمن تمثيل جميع مكوّنات المجتمع، وذلك فَوْر انتهاء مهلة تكليف حكومة تصريف الأعمال مطلع آذار/ مارس 2025.  
هناك تحدِّيات ستواجه الشرع خلال المرحلة القادمة، منها: تأخير تشكيل الحكومة التشارُكية التمثيلية الشاملة عن موعده المقرر، أو عدم إقناع المجتمع الدولي بأنها حكومة تشارُكية تضمّ كل مكوّنات الشعب السوري، وتُهدِّئ مخاوفهم، وتُلبي مطالب المجتمع الدولي وشروطه للانفتاح على الحكومة، والاعتراف الكامل بها، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي في مواضيع رفع العقوبات، وبَدْء مشاريع إعادة الإعمار، ما قد ينعكس بعدم تحسُّن مستوى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطاقة والصحة والنقل وغيرها، وقد ينشأ من ذلك سيناريو حالة تذمُّر بسبب عجز الحكومة عن تقديم الخدمات المطلوبة منها، ويضعها في حالة مواجهة أمام الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين مستوى المعيشة.  
هناك أيضاً تحدِّيات أخرى ترتبط بعدم وضوح رؤية الشرع حول مستقبل الأحزاب السياسية، وإمكانية أن يكون لها دور في تقديم مرشحيها للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، وتشكيل الحكومة في المرحلة ما بعد الانتقالية، استناداً إلى نتائج الانتخابات البرلمانية، وإحالة كل ذلك إلى اللجنة الدستورية التي ستعمل على صياغة الدستور، وإلى القوانين التي ستصدر على أساسه، ومن بينها قانون الأحزاب، وعدم وضوح الرؤية هذا سيدفع إلى مواجهة مبكرة مع الأحزاب السياسية، ونشوء تحالُفات معارِضة عديدة.  
عموماً، تحظى السلطة الجديدة بفرصة كبيرة لنجاح المرحلة الانتقالية، لكن ذلك يتطلب ضمان نجاح الخُطوات الأولى دون معوّقات داخلية، ودون اعتراضات دولية عليها، بمعنى الالتزام بتشكيل حكومة تمثيلية شاملة لتوسيع نطاق التعامل الدولي معها، إضافة إلى أهمية تضمين دور الأحزاب، وطبيعة مشاركتها في الحياة السياسية في الإعلان الدستوري، وعدم تأجيل ذلك إلى الدستور النهائي، والقوانين اللاحقة له.  
2. على الصعيد الاقتصادي:  
تحدّث الشرع عن الرؤية الاقتصادية القادمة للحكومة من خلال خطة إستراتيجية مقسَّمة إلى 3 مراحل: إسعافية، ومتوسطة المدى، وبعيدة المدى تصل إلى نحو 10 سنوات"، لكن دون توضيح تفاصيلها، باستثناء تقديم وعود بإحداث "تغييرات كبيرة على بنية الاقتصاد السوري، بعد عقود من الاعتماد على النظام الاشتراكي [[3] ]urlblank:https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2025/02/03/an-interview-with-ahmed-al-sharaa-syrias-president .  
سارعت هيئة تحرير الشام منذ الأيام الأولى لتوليها الحكم الجديد لإعلان اعتماد نهج اقتصادي جديد يقوم على اقتصاد السوق الحرّ التنافسي، وأنّ الحكومة ستقوم بخصخصة 107 شركات صناعية مملوكة للدولة، معظمها غير مربحة، وأنّها تعتزم إغلاق الشركات المملوكة للدولة التي لا تقدم قيمة اقتصادية حقيقية، مع تبني سياسة توظيف جديدة في القطاع الحكومي تقوم على خفض عدد الموظفين؛ حيث قيّمت الإدارة احتياجات الدولة من الموظفين إلى 600 ألف شخص، أي أقل من نصف العدد الحالي، وأن هذا الإجراء سيوفر موارد كبيرة يمكن إعادة توجيهها نحو إعادة بناء الاقتصاد.  
تعتبر السلطة الجديدة أنّ التحدي الأكبر أمام الاقتصاد السوري هو العقوبات الغربية على سوريا، وأن من أهم الأولويات حالياً رفع هذه العقوبات، مع أنّ تعليق العقوبات وَفْق القرارات الصادرة حتى الآن محدود بقطاعات معينة ومؤقت ومشروط بشروط لا تبدو الرؤية السياسية والاقتصادية للسلطة منسجمة معها، ولا كافية لتلبيتها، لذا يبقى احتمال تراجُع الدول الغربية عن تعليق العقوبات قائماً، مما سيعيد حالة الشلل إلى الاقتصاد السوري، فالعقوبات لا سيما الأمريكية لا تشمل سوريا فقط، إنما تمتد إلى الدول والمؤسسات التي تتعامل مع سوريا، وهذا يعني إحجامها عن إبرام أي صفقات، أو مشاريع اقتصادية خوفاً من الخضوع للعقوبات الأمريكية.  
من التحديات أيضاً أنّ سياسة خصخصة الشركات المملوكة للدولة في ظل غياب بيئة استثمارية آمنة ونشطة قد ينعكس سلباً على الحياة الاقتصادية من ناحية إهدار الموارد وإفقاد هذه المؤسسات لقيمتها الحقيقية، كما أنّ سياسة التوظيف الجديدة قد تخلق مشاكل في المرحلة القادمة؛ فتسريح مئات الآلاف من العاملين في الدولة، إضافة إلى تسريح مئات الآلاف من المنتسبين للأجهزة العسكرية والأمنية ربما يدفع البلاد نحو سيناريو سلبي، إذ إن تطبيق هذه الإجراءات في بدايات المرحلة الانتقالية يعني تحويل هؤلاء المسرّحين إلى "جيش" من العاطلين عن العمل، مع عدم وجود قطاع خاص قادر على استيعابهم.  
كما قد يُشكّل النهج الضريبي الجديد عبئاً على الاقتصاد السوري ما لم تكن هناك خطة واضحة ومتكاملة لإعادة تنشيط وإحياء القطاع الصناعي والتجاري؛ حيث تهدف الضرائب الجمركية الجديدة إلى توحيد التعرفة في جميع المنافذ الحدودية ورفع إيرادات الخزينة منها، في استجابة لمطالبات الصناعيين بفرض رسوم أعلى على المستوردات بينما ما تزال السوق تحتاج إلى المزيد من السلع ولا يستطيع القطاع الصناعي تلبيتها بسبب مشاكل البِنْية التحتية وغياب الاستثمارات [[4] ]urlblank:https://www.syria.tv/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9 .  
مع ذلك، هناك فرصة أمام السلطة الجديدة تستطيع من خلالها تدارُك هذه التحديات من خلال مراجعة أفكارها الاقتصادية، والتريث والتدرّج في تطبيقها، إلى حين التأكد من رفع العقوبات، ودخول الاستثمارات الأجنبية حيز التنفيذ، ونشوء قطاع خاص قادر على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة.  
3. على الصعيد العسكري:  
تمثلت رؤية الإدارة على الصعيد العسكري بحلّ جيش النظام، وحلّ جميع الأجهزة الأمنية التابعة له، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وحلّ جميع فصائل المعارضة المسلّحة، وإدماجها في الجيش السوري الجديد، وهي خطوات دخلت حيّز التنفيذ. تواجه هذه الرؤية تحديات عدّة أبرزها:  
• قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي بقيت وحدها خارج ترتيبات الجيش الجديد، حيث ما تزال المفاوضات جارية لضمها إلى القوات المسلحة الحكومية، لكن قد تصطدم رغبة دمشق في حل هذا الملف تفاوضياً بتعنُّت حزب العمال الكردستاني الذي يُهيمن على قرار قسد، إضافة إلى ضغوط تركيا بإنهاء الملف بأسرع وقت، حتى لو كان عسكرياً. التحدي هنا لا يتمثل في حجم المعركة، وطبيعتها إذا بدأت، فالجيش السوري قادر على حسمها، وخصوصاً مع ترجيح انشقاق المكون العربي عن قسد، وانضمامه إلى الجيش، لكن التحدي يكمن في عدم إمكانية القيام بعملية عسكرية حال قررت الولايات المتحدة عدم سحب قواتها من سوريا، وبالتالي استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، مما يُلقي بظلاله السلبية على تطوُّرات العملية السياسية نحو صياغة الدستور، وإجراء الانتخابات، وعلى الوضع الاقتصادي إذ تتمتع المنطقة بالعديد من الثروات اللازمة للنهوض بالاقتصاد، وبقاء مناطق واسعة خارج سيطرة الدولة.  
• فلول جيش نظام الأسد، وأجهزته الأمنية، الذين رفضوا حتى الآن تسوية أوضاعهم، وهم يتوزعون في المناطق الجبلية في الساحل، وفي لبنان بإيواء وحماية من حزب الله، وقد يلجؤون إلى شنّ حرب عصابات ضد قوات الأمن العامّ، ونشر الفوضى والاضطرابات، مما يمنع الاستقرار والأمان اللازميْنِ لتحسين الأوضاع الاقتصادية.  
• العمليات الإسرائيلية التي دمرت معظم القدرات العسكرية السورية، إضافة للخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار المبرَم عام 1974 وتجاوُزها المنطقة العازلة، وتوغلها في الأراضي السورية، ورغم أنّ السلطة السورية الجديدة أكدت على أنّ مواجهة هذه الخروقات سيكون عَبْر الوسائل الدبلوماسية مستفيدة من الإدانة الدولية لها، لكن إسرائيل لم تستجِبْ لها، واستمرّت بتوسيع عملياتها داخل الأراضي السورية.  
• خلايا داعش، التي ما تزال تنشط بشكل محدود في البادية السورية، ورغم أنّ السلطة الجديدة قلّلت من حجم هذا التحدي باعتبار أنّ قوات الأمن العامّ تتابع هذا الملف، وأحبطت عدة محاولات للتنظيم، يبقى وجود هذه الخلايا عاملاً يستنزف موارد الأمن والدولة دون أن يُهدد السلطة.  
• الفصائل المسلّحة، التي أعلنت قبولها بالانضمام إلى تشكيلة الجيش الجديد وحل نفسها ضِمنه، لكن يبقى تطبيق ذلك صعباً على المدى المتوسط، خاصة الفصائل التي تمتلك مهامَّ خارجية.  
عموماً تمتلك السلطة فرصاً لتجاوُز التحديات العسكرية التي تواجهها في المرحلة الانتقالية منها: إحداث هيئة للعدالة الانتقالية تُحدّد قوائم المطلوبين بالجرائم والانتهاكات ضد الشعب السوري، فمن شأن ذلك أن يُساهم في معالجة ملف فلول النظام، إضافة لإقناع التحالف الدولي بأنّ الجيش السوري هو الشريك الأمثل لمكافحة الإرهاب وضمان عدم عودة داعش وحماية المرافق والمنشآت الأمنية التي يُحجز فيها عناصر التنظيم، فضلاً عن بَدْء مفاوضات مع الدول لإعادة مواطنيها ومحاكمتهم، بالتزامن مع استمرار المفاوضات مع المكون العربي لتحييده عن قسد وحشد الدعم العربي الإقليمي لذلك، وأخيراً ضرورة أن تذهب السلطة الجديدة نحو تكريس دور قوات حفظ السلام الأممية على الحدود مع الجولان المحتل والمحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار.  

ثانياً: سياسات المرحلة الانتقالية خارجياً  

منذ بَدْء عملية ردع العدوان في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 انتهج الشرع سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار وإطفاء الحرائق التي أشعلها النظام السابق، في محاولة لإخراج سوريا من العزلة الكبيرة التي كانت عليها إبان حكم آل الأسد.  
لقد تسبَّب النظام السابق في خلق مشاكل عديدة داخل لبنان، فاغتال معظم القادة السياسيين والشخصيات البارزة فيه، وحين انسحب ترك وراءه حزب الله الذي سيطر على لبنان [[5] ]urlblank:https://www.youtube.com/watch?v=cts54_WY4sA . وكان الأردن مستهدفاً بتصدير المخدرات والمشاكل الأمنية بشكل مباشر، وواجهت سوريا قطيعة طويلة مع العراق خلال حكم صدام حسين، وبعد الوجود الأمريكي فيه كانت سوريا تُصدّر المشاكل الأمنية إليه، كذلك لم تسلم تركيا من النظام السابق الذي تسبّب لها في مشاكل أمنية كثيرة بدعمه لحزب العمال الكردستاني، وهُدّد الأمن القومي لدول الخليج بتوفير النظامِ الغطاءَ لأنشطة إيران وميليشياتها في سوريا والمنطقة. كما تضررت الدول الأوروبية أيضاً من النظام الذي كان يُصدّر اللاجئين إليها، ويستخدمهم لتحقيق مكاسب مالية، معتمِداً على الاتجار بالمخدرات والبشر وتهجيرهم المتعمَّد إلى دول الاتحاد، مع التهديد بتصدير المشاكل الأمنية إليه.  
يكمن التحدي الأكبر أمام السلطة الجديدة في إقناع دول الإقليم بتحوُّل سوريا إلى دولة مستقرة وغير معادية، حيث ينتظر الجميع واقعاً سياسياً جديداً في سوريا والإقليم، فيما يتطلع الشرع إلى تعاوُن إستراتيجي مع دول الخليج، لا سيما قطر التي أجرى أميرها تميم بن حمد آل ثاني زيارة إلى دمشق هي الأولى لزعيم عربي إلى الحكومة الجديدة، وقد أبدى الشرع فَوْر وصوله للسلطة رغبة بالتقارب مع المملكة العربية السعودية، معتبِراً أنّها تسعى لاستقرار سوريا، وأنّها تحظى بفرصة استثمارية كبيرة ودور كبير في مستقبل البلاد.  
بالمقابل يُحاول الشرع إعادة تعريف دور سوريا في العلاقة مع دول الإقليم؛ حيث أعرب عن أمله بإعادة طهران لحساباتها وسياساتها حول التدخُّلات في المنطقة، وأوضح أن الحكومة الجديدة قامت بالإجراءات اللازمة لحماية المنشآت الدبلوماسية والدينية رغم الجراح. وخلال زيارته إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان قال الشرع: إن حكومته سعت إلى شراكة إستراتيجية مع تركيا، لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة لضمان الأمن والاستقرار الدائم لسوريا وتركيا.  
من الواضح أنّ الشرع لا يريد أن تخرج روسيا من سوريا، باعتبارها ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة، وأن لدمشق مصالح إستراتيجية مع موسكو، وأنه يجري تقييم الوجود العسكري الروسي، وقد يتم التوصُّل إلى اتفاق معها، لكن بطريقة أو بأخرى. أما القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي السورية، فقد اعتبر الشرع أن وجودها غير شرعي، ويجب ألَّا يستمر، وأنّ أيّ وجود عسكري في دولة ذات سيادة يجب أن يتم بموجب اتفاق معيَّن، مُعرِباً عن أمله في رفع العقوبات عن سوريا، وهذا ينطبق أيضاً على العقوبات الأوروبية.  
تُشكّل العلاقة مع إسرائيل تحدياً بارزاً أيضاً للسلطة الجديدة، التي أكّدت أنها لن تدخل في أيّ مواجهات ضدّها، وأنه من المبكر جداً مناقشة تطبيع العلاقات معها فيما لو حصل تقدُّم نحو اتفاق سلام في المنطقة؛ لأنه يتطلب رأياً عاماً واسعاً، كما أنه يحتاج إلى الكثير من الإجراءات والقوانين من أجل مناقشته، وأن السلطة لم تفكر في ذلك بعدُ.  
يبدو الطريق ممهَّداً أمام السلطة السورية لتوسيع علاقاتها الخارجية، وإصلاح سياسات النظام السابق، لكن سيناريو التراجُع في هذا الملفّ يبقى قائماً، وهو مرتبط بعاملين: أحدهما سياسات الحكم الجديد، وقدرته على تلبية متطلبات وشروط المجتمع الدولي في الالتزام بعملية سياسية شاملة للجميع، وإقامة حكم مطمئن لدول الجوار، والعامل الآخر مرتبِط بموقف الإدارة الأمريكية، والذي لم يتمّ الإعلان عنه حتى الآن بشكل واضح، حيث إن أيّ موقف سلبي منها ستتداعى آثاره بشكل سلبي على علاقات الحكومة السورية عربياً، وإقليمياً، ودولياً.  

الخُلاصة  

أعلنت السلطة السورية الجديدة في العديد من تصريحاتها وبياناتها، عن سياستها للمرحلة الانتقالية على الصعيد الداخلي، وعلى الصعيد الخارجي، وتُظهر الفترةُ الماضيةُ وجودَ فرص كبيرة أمام الدولة السورية لتعبر المرحلة الانتقالية وَفْق الرؤية التي تم الإعلان عنها، حيث إنها طبقت فعلياً جزءاً منها، لكنها بالمقابل تواجه تحدِّيات وتهديدات كبيرة أيضاً، وهو ما يجعل المشهد السوري عرضة لأكثر من سيناريو محتمل. على أي حال تحظى السلطة الجديدة بفرصة كبيرة لتحقيق انتقال سياسي سَلِس للسلطة عَبْر إقامة مؤتمر وطني، يرسم خريطة المرحلة الانتقالية بما ينسجم مع المتطلبات المحلية والدولية، مترافِقاً مع إحداث هيئة تشريعية مؤقّتة، وتشكيل حكومة شاملة ومتنوِّعة وذات كفاءة.  
 
 
 
[1] An interview with Ahmed al-Sharaa, Syria’s president. The Economist, 03-02-2025,    Link .  
[2]  نظام جمهوري وانتخابات.. الرئيس السوري يكشف لتلفزيون سوريا ملامح المرحلة المقبلة، تلفزيون سوريا، 03-02-2025،    الرابط .  
[3]  المرجع السابق،    الرابط .  
[4]  عبد العظيم المغربل، التعرفة الجمركية في سوريا.. تداعيات القرار الأخير وآثاره الاقتصادية، تلفزيون سوريا، 12-01-2025،    الرابط .  
[5]  فيديو: كلمة الشرع في لقاء جنبلاط تختصر فكره ورؤيته لمستقبل سوريا، زمان الوصل، 23-12-2024،    الرابط .  

 
  •  الباحثون
رياض الحسن
عضو فريق وحدة الدراسات تتركّز اهتماماته على قضايا المسارات السياسية وأطرافها في سورية عضو سابق في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عضو في اللجنة الدستورية حاصل على إجازة في الهندسة الزراعية

رياض الحسن
الاحد 2 مارس 2025