بداية ان الاجابة عن هذه التساؤلات ليس رجما بالغيب بل استنطاق لواقع الحال من خلال التفاعل السياسي في سورية حيث كان النظام الساقط الفاعل الأكبر لستة عقود وكان المجتمع السوري كاملا وضمنا القوى السياسية المعارضة ضحايا القمع والفساد والتنكيل والإقصاء والافناء المجازي والواقعي.
لقد غابت الأحزاب السياسية السورية المعارضة عن مشهد اسقاط النظام لعدة اسباب اهمها ان هذه الاحزاب السياسية المعارضة كانت قد ولدت مع حزب البعث او قبله او بعده بدء من الاخوان المسلمين و الحزب الشيوعي السوري ومرورا بـ القوميين السوريين والقوميين العرب الذين انتهوا كبنية تنظيمية لكن توالد بعدهم الأحزاب الناصرية بعد حصول الوحدة المصرية السورية وسقوطها. كل هذه الأحزاب كانوا يريدون ان يصلوا الى السلطة “ثوريا” لتحقيق أجنداتهم ورؤاهم التي يرونها الطريق الافضل لصناعة مستقبل سورية. وذلك بعد جلاء الاستعمار الفرنسي عن سورية.
كان المتغير الأهم في سورية حصول الوحدة المصرية السورية عام ١٩٥٨م. بقيادة جمال عبد الناصر. وتم حل الأحزاب كلها في سورية. وحصل الانفصال عام ١٩٦١م. وسرعان ما تحالف الضباط البعثيين والناصريين في الجيش السوري واسقطوا الانفصال عام ١٩٦٣م.
واستطاع الجناح العسكري لحزب البعث في الجيش أن يقصي الضباط الوحدويين الناصريين واستفرد بالحكم في سورية.
ومن عام ١٩٦٣م حتى عام ٢٠٠٠م. حصل انقلاب من اللجنة العسكرية بقيادة الثنائي حافظ الأسد و صلاح جديد لحزب البعث على قيادته السياسية ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار. ومن ثم سيطر حافظ الأسد على السلطة في سورية بالمطلق وأقصى صلاح جديد عام ٢٠٠٠م.
وكان بدأ الأسد وجديد تقديم وعود للقوى السياسية الاخرى انه سيبني معهم جبهة وطنية لتحقيق الأهداف المتفق عليها بينهم “الحرية والوحدة والاشتراكية” . ولكن الحقيقة كانت التسويف لأخذ فرصة لتمهيد الأرضية السلطوية للاستحواذ على السلطة في سورية بخلفية طائفية علوية وواجهة مدّعاة قومية بعثية. وإبعاد القوى المعارضة بالقمع كما حصل بحق الإسلاميين باكرا. أو بالوعود بالمشاركة السياسية كما حصل مع القوى القومية وتم بناء الجبهة الوطنية التقدمية بعد استفراد حافظ الأسد بالحكم وكانت هيكلا أجوفا أدى لانسحاب الأحزاب المعارضة من الجبهة. وكان ذلك أول تصرف ادى لشق هذه الأحزاب حيث التحق البعض منهم بالنظام ضمن جبهته وأصبحوا ضمن ديكور “الديمقراطية الشعبية” المزيف للنظام واستمرت اقساما اخرى معارضا.
ومنذ بدايات السبعينات تصرف نظام حافظ الأسد على قاعدة أن امنه خط أحمر وأن أي حزب معارض يراه ضمن حساباته خطرا عليه سرعان ما يسعى لاقصائه.
وبدأ بالإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة التي استعملت العنف المسلح ضد النظام بدء من أواسط السبعينات حتى أواسط الثمانينات وحصلت مجازر من النظام في حماة وحلب وجسر الشغور وبقية سورية راح ضحيتها عشرات الآلاف من السوريين. ومن يومها اصبح الاخوان المسلمين محكومين بالإعدام في سورية ، هرب البعض من سورية والبعض سجنوا أو قتلوا في تدمر وبقية سجون النظام.
لذلك نقول ان سورية منذ عقود لا وجود حزبي للإخوان المسلمين فيها. طبعا الا الانتماء النفسي لدى البعض.
وكذلك حصل مع الحزب الشيوعي المنشق “المكتب السياسي” عن الحزب الأم بقيادة رياض الترك الذي أخذ مواقف جذرية من النظام. وقرر حافظ الأسد استئصال الحزب. حيث اعتقل اغلب كوادره وهرب البعض خارج سورية وبقي البعض متواريا داخلها. وهكذا أصبح التواجد الحقيقي للحزب في سورية شبه معدوم وبقي له رموز متوزعة على الخارطة السورية.
أما الحزب الناصري المعارض الاتحاد الاشتراكي فقد كان يقف على مسافة من النظام يعارضه ضمنا لكن دون تصعيد كما فعل الإخوان والمكتب السياسي للحزب الشيوعي. لذلك كان نصيبه من الاعتقال والتنكيل أقل. ومع ذلك فقد طال الكثير من كوادره الاعتقال وحتى السجن وبعضهم لسنوات، لكن لم يصل الموقف الى اعتبار الحزب كله مستهدفا حيث بقيت القيادة ممثلة بقيادة جمال الأتاسي وبعد وفاته بقيادة حسن عبد العظيم ومن خلفه متواجدين في سورية تحت عين النظام و مراقبته ومتابعته كل الوقت. وكذلك الحال بالنسبة للاحزاب المعارضة للنظام الاشتراكيين العرب وحزب البعث القومي فرع العراق فقد نكل بهم النظام وحزب البعث التابع لبقايا انصار صلاح جديد. واغلبهم إعداد رمزية.
أما الحزب القومي السوري الاجتماعي فقد تم استئصاله منذ أن نسب له مقتل الضابط عدنان المالكي البعثي عام ١٩٥٥م .وقبل ذلك ساهم إبان رئاسته لسورية حسني الزعيم بإلقاء القبض على مؤسسه أنطون سعادة وإعدامه في لبنان عام ١٩٤٩م. لكن ذلك تغير بعد دخول النظام السوري الى لبنان عام ١٩٧٦م والسيطرة عليه سياسيا وعسكريا. وانشق الحزب القومي السوري الى قسمين أحدهما مع النظام السوري. مما ادى لعودة الحزب للنشاط في سورية ليكون جزء من الجبهة الوطنية التقدمية لاحقا و التي تحوي الحزب الشيوعي الام والاتحاد الاشتراكي المتحالف مع النظام والاشتراكيين العرب ايضا المتحالفين مع النظام و الوحدويين الاشتراكيين. وكانوا مجرد ديكور للعبة الديمقراطية الشعبية المدعاة ويوقعوا على كل قرارات النظام المصيرية التي حصلت في سورية ورأسه حافظ الأسد وابنه بشار بعده ادعاء الشرعية السياسية.
ولا بد من ذكر رابطة العمل الشيوعي التي أصبحت حزب العمل الشيوعي التي عارضت النظام وتلقى ضربة أمنية أدت لاستئصاله تنظيميا وبقي ممثلا ببعض رموزه.
وكذلك الحال حزب التحرير الإسلامي الذي كان منكفئ عن السياسة ينتظر بناء الخلافة الإسلامية لكنه تورط بموقف سياسي مما ادى لاعتقال الحزب كله حوالي الاف منتمي وادى لاستئصاله ايضا.
كما كان من أهم ما قام به النظام بقيادة حافظ الأسد منذ ١٩٧٠م وقد قرره في ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية. إن النشاط الحزبي في الجيش وبين الطلبة فقط لحزب البعث. هذا غير اقتصار الحكم في سورية على حزب البعث قائد الدولة والمجتمع كما ثبت ذلك بالدستور.
تكامل القمع والاعتقال والتنكيل ومنع تجديد بنية الأحزاب بالعناصر الشبابية الجديدة لتصبح الأحزاب أقرب لحضور رمزي لبعض القادة التاريخيين والناشطين الذين تصرفوا كونهم أصحاب قضية ورسالة ولم تهمهم حسابات الربح والخسارة وعاشوا قابضين على جمرة السياسة والمعارضة رغم الأثمان الباهظة التي دفعوها واستمروا يدفعونها. لذلك انحسر الى درجة الانعدام وجود الاحزاب المعارضة في سورية في عقود حكم الاسد الاب.
--------------
ملتقى العروبيين