يقترح البعض في الإدارة الأمريكية أن الأمر الذي وقعه بايدن لاستهداف عناصر مزعزعة للاستقرار في الضفة الغربية يجب أن يُستخدم ضد سموتريش، الذي أدى قراره بحجب الأموال عن السلطة الفلسطينية إلى الدفع بها إلى شفا الانهيار
وردت مساعدة وزير الخارجية بأن الإدارة لا تناقش علنا هوية الأفراد الذي تدرس فرض عقوبات عليهم، مما أنهى خط الاستجواب.
ولكن وراء أبواب مغلقة، تم طرح الفكرة من قبل كبار مساعدي بايدن في الأسابيع الأخيرة، مع وصول القلق والإحباط في واشنطن بشأن الانهيار الوشيك المحتمل للسلطة الفلسطينية إلى ذروتهما، حسبما قال مسؤول أمريكي لـ”تايمز أوف إسرائيل”، مشيرا إلى أن سلطة رام الله لا يمكنها الاستمرار في دفع رواتب موظفيها دون عائدات الضرائب التي يحجبها سموتريش.
ولم يتم اتخاذ مثل هذه الخطوة قط ضد وزير إسرائيلي، وأقر المسؤول الأمريكي بأنه من غير المرجح أن يتم تنفيذها. لكن حقيقة أنه يجري النظر فيها تسلط الضوء على مدى قلق الولايات المتحدة بشأن احتمال توقف رام الله عن العمل
وقال مسؤول أمريكي ثان إن إدارة بايدن تخشى أن يؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى فوضى في الضفة الغربية ستستغلها خلايا تابعة لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” لفتح جبهة جديدة للحرب في غزة.
ومن شأن مثل هذا الانهيار أن يقوض أيضا التخطيط الأمريكي لغزة ما بعد الحرب، حيث تأمل واشنطن عودة السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها في نهاية المطاف، وتوحيد الضفة الغربية والقطاع تحت كيان سياسي واحد وتمهيد الطريق إلى دولة فلسطينية مستقبلية.
ولهذين السببين، لا تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على إسرائيل للإفراج عن الأموال فحسب، بل تعتمد أيضا على الحلفاء العرب للتبرع لرام الله أيضا.
وأثار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذه القضية خلال الاجتماعات الأخيرة مع نظرائه العرب، بحسب المسؤول الأمريكي الثاني ودبلوماسي عربي.
لكن بلينكن تلقى نفس الجواب في كل مرة – من قطر أو من المملكة العربية السعودية أو من الإمارات المتحدة أو من الجزائر أو من الكويت: “سوف نتبرع، ولكن ليس قبل أن تفرج إسرائيل عن الأموال التي تحتجزها”، حسبما قال الدبلوماسي العربي، الذي أضاف أنه لا توجد أي حكومة في المنطقة تريد دعم كيان تنوي إسرائيل دفعه إلى الركوع بعد ذلك بوقف قصير.
وقال المسؤول الأمريكي الثاني أنه بينما لا تزال الإدارة تضغط على حلفائها العرب، فإنها تدرك أن إسرائيل هي الطرف الأكثر صلة بمعالجة هذه القضية. وقال المسؤول الأمريكي إن الولايات المتحدة وجدت قضية مشتركة مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تشعر بالقلق بنفس القدر بشأن احتمال أن تجد القدس نفسها مسؤولة عن توفير الخدمات المدنية لثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية.
لكن سموتريش والعديد من أعضاء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة لا يتفقون مع هذه النظرة، ويلقون اللوم بشكل روتيني على الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) لفشلهما في توقع هجوم 7 أكتوبر.
وقال مسؤول إسرائيلي: “البعض في الحكومة يريد انهيار السلطة الفلسطينية حتى تتمكن إسرائيل من ضم الضفة الغربية، بينما يعتقد آخرون أن المؤسسة الأمنية تطلق نداءات استغاثة كاذبة”، مقرا بأن الجيش الإسرائيلي والشاباك يحذران منذ فترة طويلة من انهيار محتمل للسلطة الفلسطينية ومن انتفاضة ثالثة.
وأضاف: “لكن تم تجنب ذلك في الماضي من خلال حلول إسعافات أولية”.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن الظروف الحالية متقلبة بشكل فريد، مشيرا إلى ما يقارب من 150 ألف عامل فلسطيني مُنعوا من العودة إلى عملهم في إسرائيل أو في المستوطنات منذ 7 أكتوبر. كما أن هناك عدد مماثل من موظفي القطاع العام في الضفة الغربية الذين تلقوا 50% فقط من رواتبهم خلال الشهرين الماضيين على الأقل، ومن بينهم أفراد في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الذين يتعاونون مع إسرائيل لمكافحة العنف والهجمات في الضفة الغربية.
وحذر المسؤول الإسرائيلي “هذا الشهر [يمكن للسلطة الفلسطينية أن تدفع] 50% [من رواتب القطاع العام]. وفي الشهر المقبل سيكون الراتب أقل – ربما 25%. سيتوقف الناس عن الحضور للعمل، والسلطة الفلسطينية لن تكون قادرة على العمل”.
ردا على طلب للتعليق، قال مكتب سموتريتش لتايمز أوف إسرائيل “يعتقد الوزير أن إقامة دولة فلسطينية أمر خطير ويقوض دولة إسرائيل”.
وأضاف: “[إن الوزير يحجب هذه الأموال] لأن السلطة الفلسطينية تمول الإرهابيين وتعمل ضد دولة إسرائيل على الساحة الدولية. إذا أرادت السلطة الفلسطينية تجنب الانهيار، فعليها ببساطة أن تتوقف عن تمويل الإرهاب”. حلول إسعافات أولية
تقوم إسرائيل بجمع معظم عائدات الضرائب الفلسطينية نيابة عن السلطة الفلسطينية، وهي ملزمة بموجب اتفاقيات أوسلو بتحويلها إلى رام الله على أساس شهري. وتشكل هذه الأموال حوالي 70% من الإيرادات السنوية للسلطة الفلسطينية.
في السنوات الأخيرة، بدأت إسرائيل بسحب عشرات الملايين من الدولارات من جانب واحد لخصم الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل وعائلات منفذي الهجمات – وهي سياسة أشارت ليف يوم الثلاثاء إلى أن رام الله على وشك الانتهاء من تعديلها.
ولكن منذ تعيينه من قبل نتنياهو في منصب وزير المالية في ديسمبر 2022 – وبدرجة أكبر منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس – عمل سموتريتش على الحد بشكل أكبر من مقدار الأموال التي تحولها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية.
بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، دفع الوزير اليميني المتطرف مجلس الوزراء إلى إصدار قرار بحجب ما يصل إلى ربع إجمالي عائدات الضرائب – التي تستخدمها السلطة الفلسطينية لدفع تكاليف الخدمات ورواتب الموظفين في غزة – بدعوى أن الأموال يمكن أن تصل إلى حماس.
ورفضت السلطة الفلسطينية لأشهر قبول أي من عائدات الضرائب احتجاجا على هذه الخطوة، لكن الولايات المتحدة أقنعتها بقبول إطار عمل جديد في فبراير تحتفظ بموجبه النرويج بالجزء الخاص بغزة من عائدات الضرائب بدلا من إسرائيل إلى أن يوافق سموتريتش على الافراج عن الأموال.
وأعلن وزير المالية نهاية هذا الإطار في مايو بعد انضمام النرويج إلى إسبانيا وأيرلندا في الاعتراف بدولة فلسطين. ومنذ ذلك الحين، تسعى الولايات المتحدة والجهات المعنية الدولية الأخرى جاهدة لإيجاد دولة جديدة تكون بمثابة الضامن لاستمرار قيام إسرائيل بتحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية.
في غضون ذلك، تعهد سموتريش بحجب كامل الأموال الفلسطينية حتى تتبنى الحكومة الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات العقابية ضد السلطة الفلسطينية على خلفية التحركات التي اتخذتها النرويج وإسبانيا وإيرلندا، إضافة إلى دعم رام الله للقضايا المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
كما هدد سموتريش بعدم تجديد إعفاء يمنح الحصانة للبنوك الإسرائيلية التي تحول الأموال إلى البنوك الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد شهر يونيو. ومن شأن انتهاء فترة الاعفاء أن يعيق بشدة اقتصاد الضفة الغربية، الذي يعتمد بشكل جوهري على إسرائيل بسبب اختلال توازن القوى بين الجانبين.
يوم الأحد، عقد مجلس الوزراء اجتماعا لمناقشة الإجراءات العقابية التي طالب بها سموتريتش، والتي ستشمل شرعنة سلسلة من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية التي تم بناؤها في انتهاك للقانون الإسرائيلي، والمضي قدما في خطط بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة.
وتهدف هذه الخطوات إلى استرضاء سموتريتش حتى يقوم بالإفراج عن بعض عائدات الضرائب الفلسطينية وتمديد الحصانة للبنوك الإسرائيلية، بحسب المسؤول الإسرائيلي. وقال المسؤول الإسرائيلي إن نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر يعتقدان أن سموتريتش سيوافق على الإفراج عن عائدات الضرائب التي يحتجزها في الشهرين الأخيرين بمجرد موافقة مجلس الوزراء على الخطوات العقابية ضد السلطة الفلسطينية.
إلا أن هذه المخطط لا يرضي المسؤول الأمريكي، الذي قال إن الجانبين سيجدان نفسيهما في نفس الوضع بعد شهر أو شهرين “إذا وعندما يقرر [سموتريتش] تعليق الأموال مرة أخرى”.
وقال المسؤول: “لا يمكن الاستمرار في احتجاز هذه الأموال للحصول على فدية، فهي تخص الفلسطينيين”.
لعدم رغبتها في إضفاء الشرعية على العديد من آرائه المتطرفة فيما يتعلق بالفلسطينيين، فرضت إدارة بايدن مقاطعة فعلية على سموتريش، ورفضت مقابلته أو مقابلة زميله الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير.
وبناء على ذلك، فإن قدرة واشنطن على التأثير على وزير المالية محدودة، وليس من الواضح ما إذا كان سموتريش سيكون أكثر استعدادا للتعاون مع إدارة بايدن في حال فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه.
وقال المسؤول الأمريكي الأول إن الفكرة تتمثل في التهديد أولا بإضافة سموتريش إلى قائمة عقوبات وزارة الخزانة، لكن هذا لن يتم إلا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لتنفيذ تهديدها، مشيرا إلى أن الإدارة لم تصل إلى هذا الحد بعد.
وأقر الدبلوماسي العربي بأن الحلول المؤقتة قد تكون أفضل ما يمكن أن تأمله إدارة بايدن وحلفاؤها في الشرق الأوسط من الحكومة الإسرائيلية الحالية، وجادل بأنه ستكون هناك حاجة إلى إئتلاف حكومي جديد من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الاستقرار على المدى الطويل في الضفة الغربية وغزة.
ومع ذلك، تبدو كتلة نتنياهو في الكنيست مستقرة نسبيا، وحتى لو تم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، فمن المحتمل ألا يتم إجراؤها قبل نهاية العام على الأقل.
وقال الدبلوماسي العربي: “لست متأكدا من أن السلطة الفلسطينية لديها كل هذا الوقت”.