وقد كتب بعض آداب الأمازيغ بلغات أخرى كاللاتينية، إذ تنسب واحدة من أولى روايات التاريخ "الحمار الذهبي" للكاتب الأمازيغي الكبير لوكيوس أبوليوس (125م – 180م)، وهو الكتاب الذي ترجم 3 مرات إلى العربية في ترجمة ليبية عن الإنجليزية وجزائرية عن الفرنسية وتونسية عن اللاتينية.
وصف أبوليوس كما يقول عبداللطيف هسوف في كتابه "الأمازيغ قصة شعب" بـ"أمير خطباء أفريقيا وأكثرهم نفوذا وشهرة في عصره" ويسمى بالأمازيغية أفيلاي المولود في مدينة دارووش المدينة الجزائرية بالقرب من الحدود التونسية واختار الإقامة في قرطاج، وكانت له مؤلفات كثيرة منها كتاب الدفاع أو السحر وكتاب الفلوريدات وكتب فلسفية وعلمية ودينية.
كما عرفت الأمازيغية الكاتب ترتنيوس أو ترنس أفير أحد أعلام المسرح عند الرومان وأهم مسرحياته فتاة أندروس والأخوة والحماة وجلاد ذاته.
وتواصل هذا العطاء منذ سنوات ما قبل الميلاد إلى اليوم، فما مرت حضارة على المنطقة إلا وظهر ضمن هذه الحضارة المهيمنة كتاب أمازيغ موهوبون يكتبون بلغة ذلك المهيمن حضاريا، وفي العصر الحديث برز كُتاب ناطقون بالفرنسية من الأمازيغ كمحمد خير الدين وميلود فرعون وبالعربية كان محمد شكري أحد أهم هؤلاء الكُتاب وفي الإيطالية والعربية يبرز اليوم الروائي الجزائري عمارة لخوص كواحد من أهم كُتاب الأمازيغ في العالم.
وتحاول دور نشر حديثة الآن، في الجزائر والمغرب وتونس، أن تعيد النصوص إلى الأمازيغية أو الكتابة بالأمازيغية مباشرة وإن كانت تتخذ أحيانا بعدا سياسيا.
وبعيدا عن النشاط السياسي الأمازيغي، يسعى بعض المثقفين التونسيين إلى تجسير العلاقة بين الثقافتين الأمازيغية والعربية عبر التأليف والتجاور والتحاور، ومن هؤلاء الدكتور فتحي بن معمر الذي أطلق مؤخرا كتابه القصصي "حكايات أمازيغية جربية" الصادر عن دار منوال. إن التأمل في سيرة المؤلف يوضح لنا موقع الكاتب من المسألة الأمازيغية فهو ليس ناشطا سياسيا وليس في قطيعة مع الثقافة العربية الإسلامية بل هو مندمج ومختص فيها، وفي الوقت نفسه متشبث بهويته الأمازيغية ويسعى للتعريف بها.
ودعمت الحكايات بهوامش دقيقة في آخر كل حكاية، قسم منها يتوجه به نحو المتلقي الأمازيغي، وقسم يتوجه به نحو القارئ العربي. وهي 10 حكايات مشفوعة بمقدمة واستهلال يضعان التجربة في إطارها. وتتنوع إلى قصص تدون حياة الناس وترصد أيامهم وأخرى ترصد عاداتهم وتقاليدهم واعتقاداتهم. وجاءت الحكايات تحت العناوين التالية:
الخيط الأحمر، وعشب الذئاب، والحمار والناقة، والأفعى ونصيف، والمكتوب وزقدود، وعمر بن مسعود، وكالولد وكالفتاة، وإذا ما القلب مات، والأصدقاء.
يذكر الكاتب في مقدمة الكتاب أن دوافعه لتأليفه هي دوافع شخصية باعتباره أمازيغيا اصطدم في طفولته بموقف وهو يمازح شيخا محييا إياه بالفرنسية.
فيقول "مازلت أذكر كيف رماني ذلك الشيخ الذي كنت أختلف إليه كل ظهيرة وأجالسه لأسمع منه الحكايات بعكازه، يوم برزت له بقبعة رعاة البقر وحييته بالفرنسية في استفزاز مقصود. كان ذلك ما أملته عليّ شقاوة المراهقة وأنا في سن السادسة عشرة. يومها سمعت منه عبارة "اللغتك تمدورتيك" أي لغتك حياتك "قبل أن يروي عليه حكاية عن قوة اللغة وخطورتها. فانطلق الشاب يدوّن سرا ما كان يسمعه مما "يقال بتلقائية في المجالس والأعراس ومختلف المناسبات"، غير أن تلك الحكايات كانت مشطورة وضاع الكثير مما سجله منها فانطلق في ترميم تلك الشذرات والقصص المشطورة بالتخييل وفق "أسلوب الحكي الأمازيغي" كما سمعه من الكبار.
ومن ثم قاده الوعي باللغة إلى استعادتها عبر القص والمحافظة عليها عبر توثيق الحكايات الأمازيغية، فاللغة تعيش في القص وبه تأليفا وتلقيا.
والحق أن قراءة تلك القصص الأمازيغية لا يشعر المتلقي العربي بغربة فهي من موروثه الشفوي أحيانا أو تماثله وليس هذا التوثيق إلا بابا للتعرف على خصوصية هذه الثقافة التونسية العربية الأمازيغية التي تعرف ثراء وتنوعا مهما، من شأنه أن يؤصل القيم الثابتة في واقع جديد، فالقيم التي تدافع عنها القصص لا تتناقض بالمرة مع القيم التي تنادي بها الثقافة العربية الإسلامية.
فالقصص تدور حول مواضيع التمسك بالأصول واحترام الكبير والابتعاد عن الطمع وكذلك الحذر من الغدر والسحر والثروة فضلا عن الزواج واللغة الأم والسعادة ونظرة الناس للعالم "والحياة والوجود وما يعتقدونه". وكالخرافات العربية تتشكل هذه الحكايات من قصص الحيوان وقصص البشر وتتخذ أشكالا مختلفة بين واقعية أو عجائبية أو أحداث خارقة.
ويأخذ أغلبها طابعا تعليميا أو تربويا، وهذا حال الخرافات في كل ثقافات العالم باعتبارها حكايات تروى شفويا في مجالس عائلية ويرويها الكبار في الغالب للصغار، لتشكل القصص جزءا من دروس فهم الحياة التي يتلقاها الأطفال والشباب لمجابهة مستقبلهم الشخصي والجمعي.
ولذلك تكتسب هذه القصص الأمازيغية قيمة أنثروبولوجية لقراءة واقع مجتمع جزيرة جربة اليوم والأمس، وهي تنخرط في ما بدأه الباحث الأنثروبولوجي التونسي محمد الجويني في مؤلفه "أنثروبولوجيا الحكاية" مع فارق أن فتحي بن معمر يدخل المشروع من زاوية المبدع، فيعمد إلى استثمار الموروث الأمازيغي ليكتب على منواله، وهو بذلك يحيي الخرافة من خلال إعادة كتابها بالترميم أو بالتمثيل فندخل معه ضمن باب التجريب في الكتابة القصصية.
يضع فتحي بن معمر حكاياته بلغة عربية بسيطة قريبة من العامية ليوهم بالحكي الشفهي، لذلك فهي لغة متخففة من الزخرف لا تتكئ على ثقافة واضعها بل على شخصية راويها. وهو ما يدفع بالقصص نحو الخرافة ويفسر اختيار الكاتب أن يسمي قصصه على غلاف الكتاب بـ"حكايات" فيبدأ مثلا حكاية المكتوب بقوله:
"قالت جدتنا الأولى: في الأيام الغابرة كان هناك رجل صالح. يعيش مع زوجته وأبنائه في سعادة. وهو دائما يعمل. لا يتكبر على أي عمل".
وتوطين الحكايات بجزيرة "جربة" تحديدا يجعل من الكتاب منجزا توثيقيا للمنطقة وثقافتها، وهي المنطقة الأكثر ثراء بحكم تنوع سكانها عبر التاريخ بين مسيحيين ويهود وأمازيغ وسود أفارقة وحتى من فرق إسلامية مختلفة.
ولا ينكر الكاتب أهدافه التعليمية لوضع هذا الكتاب عندما يقول في مقدمته، إن الكتاب سيجعل القارئ العربي يتعرف على الموروث الأمازيغي ويجعل الأمازيغي يتعرف على أصوله وثقافته وتنوعها وثرائها بوضع اللغة الأمازيغية في نسختها العربية، ما يجعل من الكتاب مادة جاهزة للجهات التي تشتغل على النص الإبداعي الأمازيغي واللغة الأمازيغية.
وينهي مقدمته بأن "الأكيد أن هذه الحكايات والخرافات كانت تلعب دورا مهما في التسلية وتزجية الوقت في أزمان غابرة ليس للإنسان فيها مما يمكن أن يسليه إلا ما يسمعه مشافهة في ليالي الشتاء المظلمة الباردة أو في ليالي الصيف المقمرة بشكل أقل بحكم أن الأجواء الدافئة تتيح للأطفال وللكبار أحيانا الفرصة للحركة واللعب على ضوء القمر. غير أن لهذه الحكايات غايات تعليمية وتوجيهية لا تخفى على أحد، فهي تمتدح السلوك الحسن وتنفر من السلوك القبيح.. فلا حكاية دون مغزى أو درس".
لقد قدم فتحي بن معمر نموذجا للعمل التثاقفي البنّاء الذي يسعى إلى توطيد العلاقة بين الثقافات والحضارات المتعاقبة على منطقة ما خارج الصراعات الأيديولوجية والسياسية لبناء الطفل المواطن التونسي الذي يؤمن بأنه نتاج هذا التراكم والثراء الذي عاشته تونس من مرور حضارات وثقافات مختلفة على أرضها وكل حضارة تركت ثقافتها الإنسانية التي تتداخل في الحياة اليومية والتقاليد الاجتماعية حتى لا نكاد نفرزها من أي حضارة أتت. وهكذا يَنهض الإنسان وجودا تراكميا للثقافات، اكتسب أشياء عبر دينه وعرقه وأخرى عبر الذاكرة وذاكرة أرضه.
وصف أبوليوس كما يقول عبداللطيف هسوف في كتابه "الأمازيغ قصة شعب" بـ"أمير خطباء أفريقيا وأكثرهم نفوذا وشهرة في عصره" ويسمى بالأمازيغية أفيلاي المولود في مدينة دارووش المدينة الجزائرية بالقرب من الحدود التونسية واختار الإقامة في قرطاج، وكانت له مؤلفات كثيرة منها كتاب الدفاع أو السحر وكتاب الفلوريدات وكتب فلسفية وعلمية ودينية.
كما عرفت الأمازيغية الكاتب ترتنيوس أو ترنس أفير أحد أعلام المسرح عند الرومان وأهم مسرحياته فتاة أندروس والأخوة والحماة وجلاد ذاته.
وتواصل هذا العطاء منذ سنوات ما قبل الميلاد إلى اليوم، فما مرت حضارة على المنطقة إلا وظهر ضمن هذه الحضارة المهيمنة كتاب أمازيغ موهوبون يكتبون بلغة ذلك المهيمن حضاريا، وفي العصر الحديث برز كُتاب ناطقون بالفرنسية من الأمازيغ كمحمد خير الدين وميلود فرعون وبالعربية كان محمد شكري أحد أهم هؤلاء الكُتاب وفي الإيطالية والعربية يبرز اليوم الروائي الجزائري عمارة لخوص كواحد من أهم كُتاب الأمازيغ في العالم.
وتحاول دور نشر حديثة الآن، في الجزائر والمغرب وتونس، أن تعيد النصوص إلى الأمازيغية أو الكتابة بالأمازيغية مباشرة وإن كانت تتخذ أحيانا بعدا سياسيا.
وبعيدا عن النشاط السياسي الأمازيغي، يسعى بعض المثقفين التونسيين إلى تجسير العلاقة بين الثقافتين الأمازيغية والعربية عبر التأليف والتجاور والتحاور، ومن هؤلاء الدكتور فتحي بن معمر الذي أطلق مؤخرا كتابه القصصي "حكايات أمازيغية جربية" الصادر عن دار منوال.
الكاتب فتحي بن معمر
من مواليد منطقة قلالة بجزيرة جربة سنة 1967 يدرس اللغة العربية والأدب العربي وحاصل على دكتوراه من جامعة الزيتونة بأطروحة "أصل فكرة الشر من خلال كتاب أخنوخ وتجلياتها في اليهودية والمسيحية والإسلام" وكان قد حصل على الماجستير في الحضارة الإسلامية من الجامعة نفسها تحت عنوان "الوصايا العشر وتجلياتها في التوراة والإنجيل والقرآن". ويشتغل بالنقد الأدبي والفكري وينشط في مؤسسات المجتمع المدني الثقافي ويدير جائزة توفيق بكار للرواية.الحكايات الأمازيغية
يقدم الكتاب مصنفا خاصا فهو مجموعة حكايات قدمت باللغة الأم الأمازيغية بحروف عربية ونقلها المؤلف بنفسه إلى العربية وتجاور النص الأمازيغي والنص العربي صفحة بصفحة.ودعمت الحكايات بهوامش دقيقة في آخر كل حكاية، قسم منها يتوجه به نحو المتلقي الأمازيغي، وقسم يتوجه به نحو القارئ العربي. وهي 10 حكايات مشفوعة بمقدمة واستهلال يضعان التجربة في إطارها. وتتنوع إلى قصص تدون حياة الناس وترصد أيامهم وأخرى ترصد عاداتهم وتقاليدهم واعتقاداتهم. وجاءت الحكايات تحت العناوين التالية:
الخيط الأحمر، وعشب الذئاب، والحمار والناقة، والأفعى ونصيف، والمكتوب وزقدود، وعمر بن مسعود، وكالولد وكالفتاة، وإذا ما القلب مات، والأصدقاء.
يذكر الكاتب في مقدمة الكتاب أن دوافعه لتأليفه هي دوافع شخصية باعتباره أمازيغيا اصطدم في طفولته بموقف وهو يمازح شيخا محييا إياه بالفرنسية.
فيقول "مازلت أذكر كيف رماني ذلك الشيخ الذي كنت أختلف إليه كل ظهيرة وأجالسه لأسمع منه الحكايات بعكازه، يوم برزت له بقبعة رعاة البقر وحييته بالفرنسية في استفزاز مقصود. كان ذلك ما أملته عليّ شقاوة المراهقة وأنا في سن السادسة عشرة. يومها سمعت منه عبارة "اللغتك تمدورتيك" أي لغتك حياتك "قبل أن يروي عليه حكاية عن قوة اللغة وخطورتها. فانطلق الشاب يدوّن سرا ما كان يسمعه مما "يقال بتلقائية في المجالس والأعراس ومختلف المناسبات"، غير أن تلك الحكايات كانت مشطورة وضاع الكثير مما سجله منها فانطلق في ترميم تلك الشذرات والقصص المشطورة بالتخييل وفق "أسلوب الحكي الأمازيغي" كما سمعه من الكبار.
ومن ثم قاده الوعي باللغة إلى استعادتها عبر القص والمحافظة عليها عبر توثيق الحكايات الأمازيغية، فاللغة تعيش في القص وبه تأليفا وتلقيا.
التجاور وتمازج النص والمتن
إن التجاور بين النصين الأمازيغي والعربي في كتاب واحد واختيار الكاتب الحروف العربية يؤكد مدى هذا التعالق بين الثقافتين وقدرة الثقافة الأمازيغية على التأقلم مع اللغات الأخرى.والحق أن قراءة تلك القصص الأمازيغية لا يشعر المتلقي العربي بغربة فهي من موروثه الشفوي أحيانا أو تماثله وليس هذا التوثيق إلا بابا للتعرف على خصوصية هذه الثقافة التونسية العربية الأمازيغية التي تعرف ثراء وتنوعا مهما، من شأنه أن يؤصل القيم الثابتة في واقع جديد، فالقيم التي تدافع عنها القصص لا تتناقض بالمرة مع القيم التي تنادي بها الثقافة العربية الإسلامية.
فالقصص تدور حول مواضيع التمسك بالأصول واحترام الكبير والابتعاد عن الطمع وكذلك الحذر من الغدر والسحر والثروة فضلا عن الزواج واللغة الأم والسعادة ونظرة الناس للعالم "والحياة والوجود وما يعتقدونه". وكالخرافات العربية تتشكل هذه الحكايات من قصص الحيوان وقصص البشر وتتخذ أشكالا مختلفة بين واقعية أو عجائبية أو أحداث خارقة.
ويأخذ أغلبها طابعا تعليميا أو تربويا، وهذا حال الخرافات في كل ثقافات العالم باعتبارها حكايات تروى شفويا في مجالس عائلية ويرويها الكبار في الغالب للصغار، لتشكل القصص جزءا من دروس فهم الحياة التي يتلقاها الأطفال والشباب لمجابهة مستقبلهم الشخصي والجمعي.
ولذلك تكتسب هذه القصص الأمازيغية قيمة أنثروبولوجية لقراءة واقع مجتمع جزيرة جربة اليوم والأمس، وهي تنخرط في ما بدأه الباحث الأنثروبولوجي التونسي محمد الجويني في مؤلفه "أنثروبولوجيا الحكاية" مع فارق أن فتحي بن معمر يدخل المشروع من زاوية المبدع، فيعمد إلى استثمار الموروث الأمازيغي ليكتب على منواله، وهو بذلك يحيي الخرافة من خلال إعادة كتابها بالترميم أو بالتمثيل فندخل معه ضمن باب التجريب في الكتابة القصصية.
يضع فتحي بن معمر حكاياته بلغة عربية بسيطة قريبة من العامية ليوهم بالحكي الشفهي، لذلك فهي لغة متخففة من الزخرف لا تتكئ على ثقافة واضعها بل على شخصية راويها. وهو ما يدفع بالقصص نحو الخرافة ويفسر اختيار الكاتب أن يسمي قصصه على غلاف الكتاب بـ"حكايات" فيبدأ مثلا حكاية المكتوب بقوله:
"قالت جدتنا الأولى: في الأيام الغابرة كان هناك رجل صالح. يعيش مع زوجته وأبنائه في سعادة. وهو دائما يعمل. لا يتكبر على أي عمل".
وتوطين الحكايات بجزيرة "جربة" تحديدا يجعل من الكتاب منجزا توثيقيا للمنطقة وثقافتها، وهي المنطقة الأكثر ثراء بحكم تنوع سكانها عبر التاريخ بين مسيحيين ويهود وأمازيغ وسود أفارقة وحتى من فرق إسلامية مختلفة.
ولا ينكر الكاتب أهدافه التعليمية لوضع هذا الكتاب عندما يقول في مقدمته، إن الكتاب سيجعل القارئ العربي يتعرف على الموروث الأمازيغي ويجعل الأمازيغي يتعرف على أصوله وثقافته وتنوعها وثرائها بوضع اللغة الأمازيغية في نسختها العربية، ما يجعل من الكتاب مادة جاهزة للجهات التي تشتغل على النص الإبداعي الأمازيغي واللغة الأمازيغية.
وينهي مقدمته بأن "الأكيد أن هذه الحكايات والخرافات كانت تلعب دورا مهما في التسلية وتزجية الوقت في أزمان غابرة ليس للإنسان فيها مما يمكن أن يسليه إلا ما يسمعه مشافهة في ليالي الشتاء المظلمة الباردة أو في ليالي الصيف المقمرة بشكل أقل بحكم أن الأجواء الدافئة تتيح للأطفال وللكبار أحيانا الفرصة للحركة واللعب على ضوء القمر. غير أن لهذه الحكايات غايات تعليمية وتوجيهية لا تخفى على أحد، فهي تمتدح السلوك الحسن وتنفر من السلوك القبيح.. فلا حكاية دون مغزى أو درس".
لقد قدم فتحي بن معمر نموذجا للعمل التثاقفي البنّاء الذي يسعى إلى توطيد العلاقة بين الثقافات والحضارات المتعاقبة على منطقة ما خارج الصراعات الأيديولوجية والسياسية لبناء الطفل المواطن التونسي الذي يؤمن بأنه نتاج هذا التراكم والثراء الذي عاشته تونس من مرور حضارات وثقافات مختلفة على أرضها وكل حضارة تركت ثقافتها الإنسانية التي تتداخل في الحياة اليومية والتقاليد الاجتماعية حتى لا نكاد نفرزها من أي حضارة أتت. وهكذا يَنهض الإنسان وجودا تراكميا للثقافات، اكتسب أشياء عبر دينه وعرقه وأخرى عبر الذاكرة وذاكرة أرضه.