ويروي لفرانس برس "كنت اعمل في صناعة وتجارة الاقمشة في سوق المدينة التي تعد من اقدم اسواق العالم"، قبل ان تدمر بشكل شبه كامل في المعارك في حلب في نهاية 2012.
ويضيف ياسر "لدي الكثير من الذكريات في سوق المدينة، ولكن لم يعد بامكاني دخولها. فالشوارع يرصدها القناصة والقذائف تسقط بين الحين والاخر".
وبعدما تحولت الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الاسد في 2011 الى نزاع مسلح، حمل ياسر السلاح، وابقى التحاقه بالفصائل المقاتلة كقناص سرا في بادئ الامر، مواصلا عمله.
ويقول "كنت اذهب الى محلي في النهار، وعندما انتهي من العمل اذهب الى احدى الجبهات"، الا ان حدة المعارك دفعته الى "التفرغ للقتال".
وفي 2013، فقد ياسر ساقه اليمنى في معارك في ريف حلب الشرقي. وعندها "حصلت نقلة نوعية في حياتي حيث لم يعد بامكاني القتال (...) واصبح عملي في الجيش الحر اداريا" ضمن كتائب "فاستقم كما امرت".
يعيش ياسر حاليا في منزله وحيداً بعدما ارسل زوجته وبناته الاربع قبل حوالى شهر الى تركيا مع اشتداد القصف والمعارك، وخشية حصار كامل يهدد الاحياء الشرقية.
يحاول ياسر قدر المستطاع ان يعيش حياة طبيعية، وبرغم ساقه الاصطناعية يقضي وقتا مع اطفال الحي في لعب كرة القدم.
يتذكر حياته السابقة ويقول "ما زلت افكر في مهنتي السابقة، فتلك الايام كانت من اجمل ايام حياتي، واذا ما انتهت الثورة ربما أعود لبيع الاقمشة".
- من حلم بالهندسة الى ورشة سيارات -
يخرج الفتى عثمان النجار (12 عاما) من تحت سيارة يصلحها في المنطقة الصناعية جنوب دمشق. يمسح يديه الملطختين بزيت السيارات وشحم المحركات التي يتعامل معها منذ خروجه مع عائلته من الغوطة الشرقية لدمشق قبل عامين.تغيّرت حياة عثمان مع دخول النزاع عامه الثاني، حين اضطر الى ترك مقاعد الدراسة والعمل مع شقيقه راشد (13 عاما ونصف) في ورشة للميكانيك.
ويقول لفرانس برس "أشعر أنني كبرت. كنت قبل الأحداث أدرس وألعب، أما الآن، فوجهي بوجه محركات السيارات والزيت والشحم. هكذا أصبحت حياتي، وليس بيدي حيلة".
يبتسم عثمان، او "أبو عيسى" كما يحبّ أن يُنادى عليه، بحسرة، موضحا انه يعمل مع شقيقه في المحل ويعيشان مع والديهما وشقيقتيهما في "العلية فوقنا". ويقول "حياتنا كلها من الفرشة للورشة".
يجلس ابو راشد (43 عاما)، والد عثمان، في احدى زوايا الورشة، وقد اقعده المرض وبات عاجزا عن مزاولة عمل. يراقب عثمان بثيابه البالية وهو يحمل قطع الحديد لينظفها قبل إعادتها الى محرك السيارة.
يقول وقد غزا الشيب رأسه وذقنه "كنا نقطن قرية حتيتة التركمان في الغوطة الشرقية، فهجّرتنا الأحداث، وخرجنا إلى هذه الورشة".
يتنهّد أبو راشد طويلا ويضيف "كان عندي في الغوطة معمل طوب للبناء وسيارة ومنزل ومضافة كبيرة. أما الآن فتحوّلت من رب عمل وصاحب معمل إلى عاطل عن العمل".
يتقاضى عثمان اجرا اسبوعيا لا يتجاوز الألفي ليرة سورية (حوالي خمسة دولارات) يجمعها مع ما يتقاضاه شقيقه، ليؤمنا جزءا من مصروف العائلة.
يقول عثمان والدموع في عينيه "اتمنى ان اعود الى المدرسة، وان امتلك هاتفا جوالا. اتمنى ان يكون لدي لعبة بدلا من هذا الشحم الذي يغطي يدي".
ويتابع بوجوم "كنت أتمنى أن أدرس الهندسة، وكنت أحبّ مادة الرياضيات، كنت اود ان أكمل دراستي".
-حياة تبدلت بين دمشق وبيروت-
خالد حلبي (31 عاما) هو من الشبان السوريين الذين غير النزاع اولوياتهم واحلامهم، فانتقل من دمشق الى بيروت حاملا معه حرفة صناعة العود الشرقي التي ورثها عن عائلته.يقول خالد، وهو اب لطفلة، في غرفة تحت الارض حولها مشغلا لصناعة العود في احد احياء بيروت الشعبية، "علمتنا الحرب القسوة، قسيت علينا الايام كثيرا. كان كل شيء ملكنا، لم اكن اعرف معنى الايجار، بيتنا ومعملنا ملكنا (...) اما هنا، فأكد طيلة الشهر لاتمكن من دفع ايجار البيت والمحل".
تعمل عائلة خالد في صناعة العود منذ اكثر من 120 عاما في دمشق، ويخبر بحماس ان جدّه، وهو صانع آلات قانون ذائع الصيت وعازف على الات موسيقية عدة، اهدى ام كلثوم عودا من القصب لا يزال موجودا في متحف خاص بها في القاهرة.
ويتذكر "معملنا كان في داريا وانتاجنا كان جيدا بالنسبة للسوق السورية، لكن عندما بدأت الازمة لم يعد بامكاننا الوصول اليه (...) اتيت منذ عامين الى لبنان، هنا اتقدم ببطء لكنني احاول ان ابني نفسي من جديد".
وبعدما كان انتاج المعمل في داريا، المدينة المحاصرة من قوات النظام في ريف دمشق، يتراوح بين 50 و75 عودا شهريا، لم يعد انتاج خالد يتجاوز العشر قطع شهريا في بيروت حيث يعمل وحده مع صديقه خليل، اللاجئ من حلب.
ويقول "في سوريا كلفة العود مئة دولار ولكنها كانت تكفي لاعالة عائلة. اما هنا فلا تكفي لفاتورة التعاونية".
ويعيش عدد كبير من اللاجئين السوريين في لبنان في ظروف صعبة. وبرغم تأمينه مدخولا يكفي عائلته الصغيرة، يعبر خالد عن غصة.
ويقول "ظروفنا لا تسمح لنا بالتفكير بالمستقبل. بالكاد نعيش اليوم، لكن اذا اردنا ان نفكر بالغد، طبعا لن تجد احدا لا يحب العودة الى بلده".