الجولة الوشيكة، المرتقبة خلال أيام او ربما ساعات، تبدو وكأنها تدور خارج سياق الحرب الضارية التي يشهدها المشرق العربي: هي تقررت فجأة، من جهة الفريق الإيراني، الذي لاحظ، بعد بحث وتدقيق مطول، أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة، لم تكن نزهة جوية وصاروخية عديمة الأثر، بل هي دمّرت أنظمة الرادار ووحدات الدفاع الجوي الأهم ( صواريخ أس 300) ومصانع إنتاج مكونات الصواريخ البعيدة المدى..
جردُ تلك الخسائر استغرق نحو أسبوع، قبل ان يطلق الفريق الإيراني تهديداته الجديدة ويبدأ استعداداته المتسارعة للرد، الذي يرجح ألا يقتصر في الجولة المقبلة، على إسرائيل، لكنه سيشمل هذه المرة توجيه ضربات مباشرة الى الفريق الأميركي، وزواياه المتعددة من المباراة، بإعتبارها أهدافاً أسهل وأكثر جدوى، وأبلغ أثراً.. حتى ولو تم الاعتماد بشكل رئيسي هذه المرة على الحلفاء والشركاء في العراق واليمن، ولبنان أيضاً، حسبما هو شائع هذه الأيام.
ولهذا السبب كما يبدو أختير توقيت الضربة الإيرانية الآتية، في الساعات التي تسبق او تواكب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة الثلاثاء، ربما للاعتقاد بأن أميركا ستكون منهمكة بشأنها الداخلي، الذي يشهد واحداً من أشد أشكال التنافس في التاريخ الأميركي بين مرشحيَن متعادلين، وكتلة ناخبة منقسمة بالتعادل بينهما، وينذر بأن يؤدي الى شرخ اجتماعي عميق وربما الى اضطراب أمني واسع النطاق، ليس فقط في الولايات السبع المتأرجحة بل في معظم الولايات الخمسين.
بعدما ثبت للمرشد علي خامنئي ان الضربة الإسرائيلية الأخيرة كانت قاسية فعلاً، قرر كما يبدو المضي قدماً نحو الجولة الجديدة، لكي يبلغ الجميع انه لا يخشى الحرب، بل هو يطلبها فعلا، حتى ولو نشرت أميركا طائرات ومدمّرات وصواريخ استراتيجية. واذا كانت واشنطن قد لوحت بالسلاح النووي الإسرائيلي، من خلال تسريب وثيقتي البنتاغون مؤخراً، فإن طهران أعلنت أنها مستعدة لتعديل عقيدتها النووية حسب تعبير أحد كبار المسؤولين الإيرانيين كمال خرازي.. بعدما كانت قد وجهت بعض صواريخها البعيدة المدى نحو مفاعل ديمونا الاسرائيلي في الجولة التي جرت مطلع الشهر الماضي.
ما يجدر التنبه له هو ان الانتشار العسكري الأميركي الجديد في إسرائيل ومحيطها، لا يوحي بأن أميركا، المنهمكة فعلا بانتخاباتها، ما زالت عند حاجز الردع النفسي لإيران، بل هي اقتربت خطوة حاسمة، لم يسبق لها مثيل منذ حربها على العراق وأفغانستان في مطلع العقد الماضي، نحو استخدام قدراتها العسكرية الاستراتيجية.. بما يتجاوز التزامها بالدفاع عن إسرائيل، ليصل الى ترويج فكرة تشكيل " الشرق الأوسط الجديد"، وهو التعبير المجازي المغفل الذي يستخدمه الاميركيون في كل حرب يشنونها على بلدان الشرق وشعوبه.
الادعاء بان الجولة المقبلة، ستكون أقسى وأعنف من سابقاتها، ليس مبنياً على رغبات أو أمنيات، بل على قراءة قوانين لعبة الملاكمة، المتوحشة، التي يمكن ان تؤدي الى الموت البطيء أو الغياب عن الوعي، أو الجرح النازف أو التشوه الدائم.. وهو ما يكسبها شعبيتها الواسعة بالمقارنة مع رياضات قتالية فردية قاسية. وعليه يمكن التقدير بأن عدد المتفرجين على المدرجات والشاشات، سيتضاعف هذه المرة، باستثناء الفلسطينيين واللبنانيين الذين خسروا أو تخلوا عن مقاعد لم يعد بإمكانهم العودة إليها.. قبل ان تختتم جولات الملاكمة بصافرة الحَكَم النهائية، التي طال انتظارها.
-------
المدن