خطر المشروعين الصهيوني والإيراني: رؤية نقدية لتقاطع المصالح والتهديدات
خالد ابو صلاح ينقد مقال ياسر الزعاترة
على الرغم من التباين الظاهري بين المشروعين الصهيوني والإيراني، إلا أن هناك نقاط تقاطع وتوافق في المصالح تستحق التحليل العميق. فقد شهدنا في العراق كيف قاتلت الميليشيات المدعومة من إيران تحت غطاء طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”. وفي سوريا، دعمت روسيا تلك الميليشيات جويًا، مع غض طرف من القوى الدولية عن تدخلها. هذا التوافق غير المعلن ساهم في تحقيق أهداف مشتركة، أبرزها تفتيت الدول العربية وإضعافها.
إن تفتيت الدول العربية وإضعافها يخدم بشكل مباشر مصلحة إسرائيل، التي تسعى إلى إبقاء نفسها قوة مهيمنة في المنطقة دون منافس. وفي الوقت نفسه، يسعى المشروع الإيراني إلى توسيع نفوذه الإقليمي عبر استغلال الفراغات الناجمة عن ضعف الدول العربية وانهيار مؤسساتها. هذا التقاطع في المصالح، سواء كان مقصودًا أم لا، أدى إلى نتائج كارثية على الشعوب العربية.
الاستفادة الصهيونية من التشرذم العربي
لا يخفى على أحد أن إسرائيل تستفيد من حالة التشرذم والضعف التي تعاني منها الدول العربية. تحقيق هذا الهدف يتطلب إغراق الدول العربية في صراعات داخلية وحروب أهلية تستنزف مواردها وتشتت جهودها. وهنا، لعبت إيران دورًا محوريًا في تنفيذ هذا السيناريو، من خلال دعم الميليشيات المسلحة وتأجيج النزاعات الطائفية والمذهبية.
فعلى سبيل المثال، أدى دعم إيران لجماعة الحوثي في اليمن إلى اندلاع حرب أهلية مستمرة منذ سنوات، تسببت في كارثة إنسانية وأضعفت من قدرة اليمن على التصدي للتحديات الخارجية. وفي العراق، أدى دعمها للمليشيات الطائفية إلى تفتيت النسيج الاجتماعي وزيادة حدة الانقسامات الداخلية.
إيران وتمزيق النسيج الاجتماعي العربي
بينما فشل الاستعمار الغربي في مطلع القرن العشرين في تفتيت المجتمعات العربية بشكل كامل، نجحت إيران خلال العقدين الماضيين في تحقيق ما عجز عنه الآخرون على مدى قرون. تدخلاتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان أدت إلى كوارث إنسانية، وملايين اللاجئين والنازحين، وعمقت الانقسامات الداخلية، وأعادت بعض الدول إلى عصور الفوضى والاقتتال القبلي والطائفي.
نقد حجج التقليل من خطورة المشروع الإيراني
1. التقليل من خطورة التدخل الإيراني:
يقلل الأستاذ الزعاترة من تأثير إيران في المنطقة، معتبرًا أن نفوذها محدود مقارنة بالغرب. لكن الواقع يشير إلى أن إيران تلعب دورًا محوريًا في زعزعة استقرار عدة دول عربية عبر دعمها للمليشيات المسلحة وتدخلها العسكري المباشر. هذه التدخلات أدت إلى كوارث إنسانية لا يمكن تجاهلها، وتشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي العربي.
2. تجاهل الدور الإيراني في تأجيج الصراعات الطائفية:
يشير الزعاترة إلى أن المخاوف من التشييع مبالغ فيها، وأنها تقلل من شأن المذهب السني. ولكن السياسات الإيرانية القائمة على نشر نفوذها المذهبي ساهمت في تأجيج الانقسامات الطائفية وتعميق الخلافات بين مكونات المجتمعات العربية، مما أدى إلى صراعات دامية وأضعف مناعة المجتمعات ضد التدخلات الخارجية.
3. التدخل الإيراني الحاسم في إجهاض الثورة السورية ودوره الاستراتيجي:
يشير الكاتب إلى أن الغرب وبعض الدول العربية هم المسؤولون عن إجهاض الثورة السورية، وهذا صحيح نظريًا، حيث لم تكن هناك إرادة دولية حقيقية لتغيير النظام في سوريا، بل كانت الاستراتيجية تتمثل في إدارة صراع يستنزف جميع الأطراف المعنية. ومع ذلك، فمن الناحية العملية، لم يكن لهذا المخطط أن ينجح لولا التدخل الإيراني المباشر والحاسم لدعم النظام السوري بالأسلحة والمقاتلين والخبراء، مما لعب دورًا جوهريًا في قمع تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والكرامة.
بالإضافة إلى ذلك، اعترف مسؤولون إيرانيون بأن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني آنذاك، توجه إلى موسكو لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة التدخل العسكري في سوريا لوقف انهيار النظام السوري في النصف الثاني من عام 2015. في المقابل، لم يتبنَ الغرب هذا النهج ولم يتدخل بشكل مباشر في قمع الثورة، بل ترك الأحداث تتطور كما هي، مدركًا طموحات إيران الإمبراطورية، ومفضلًا أن تغرق هي وغيرها في مستنقع الصراع ووهم السيطرة.
هذا التحليل يبرز الدور الحاسم للتدخل الإيراني في تغيير موازين القوى على الأرض، ويعكس كيفية استغلال القوى الإقليمية للفراغ الناجم عن التردد الدولي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. كما يشير إلى أن التخطيط الغربي لإدارة الصراع لم يكن ليحقق أهدافه دون التحركات الإيرانية، مما أدى إلى تعقيد الأزمة السورية وإطالة أمدها.
4. التفاضل غير المنصف بين تهديد الغرب وإيران:
الاعتراف بتاريخ التدخلات الغربية لا يبرر التغاضي عن السياسات التوسعية الإيرانية وتأثيرها المدمر على الدول العربية. فكلاهما يشكل تهديدًا يجب مواجهته بحزم، والتركيز على خطر واحد دون الآخر يُعد تقصيرًا في فهم التحديات الحقيقية التي تواجهها الأمة.
5. تأثير النفوذ الإيراني على الشرعية السياسية وإرادة الشعوب العربية:
يشير الكاتب إلى فكرة أن الدول التي تتمتع فيها إيران بنفوذ قوي ما زالت محكومة من قبل بعض أبنائها، مما يُضفي انطباعًا بوجود شرعية داخلية. ولكن هذا التصور يُعد مغالطة منطقية كبيرة. فعلى سبيل المثال، في سوريا، يحكم بشار الأسد ونظامه بدعم مباشر من إيران، وليس من خلال عملية تمثيلية تعكس إرادة الشعب السوري. وفي اليمن، يسيطر الحوثيون بقيادة عبد الملك الحوثي على أجزاء من البلاد بفضل الدعم الإيراني، متجاوزين الشرعية المعترف بها دوليًا.
وبالمثل، في لبنان، يمارس حزب الله نفوذًا سياسيًا وعسكريًا يفوق حجمه الديمغرافي، مستندًا إلى الدعم الإيراني، مما يُضعف من دور المؤسسات الوطنية ويُعقّد المشهد السياسي. وفي العراق، تلعب ميليشيات الحشد الشعبي وممثلوها السياسيون دورًا حاسمًا في المشهد السياسي والأمني، مدعومين من إيران، مما يؤثر على استقلالية القرار العراقي.
هذه الأنظمة والجماعات لا تستمد شرعيتها من عمليات ديمقراطية تمثيلية أو من تفويض شعبي حقيقي، بل من خلال دعم خارجي ساهم في تصفية الخصوم السياسيين وإقصاء النخب الوطنية. أدى هذا التدخل إلى تفكيك البنية الاجتماعية للدول المعنية، وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية، وتهجير أعداد كبيرة من السكان، مما يقوّض مفهوم السيادة الوطنية وإرادة الشعوب.
6. تقليل حجم الأضرار التي تسببت بها إيران:
يذكر الزعاترة أن إيران لا تستطيع أن تفعل بالأمة ما فعله الغرب عبر القرون، ولكن التدخلات الإيرانية في العقدين الأخيرين ألحقت أضرارًا جسيمة بالمنطقة وأدت إلى تفتيت مجتمعات وتدمير دول، وهو ما لم يستطع الغرب فعله طيلة تاريخ تدخلاته في المنقطة.
7. تحميل الغرب مسؤولية كل المشكلات:
إلقاء اللوم بالكامل على الغرب يتجاهل مسؤولية الأنظمة الإقليمية، بما فيها إيران، في قمع الشعوب وتدمير الدول من أجل مصالحها الضيقة. هذا التجاهل يمنعنا من فهم الصورة الكاملة للأحداث وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق.
8. إيران مستهدفة بسبب تحديها للغرب ودعم المقاومة:
يرى الأستاذ الزعاترة أن استهداف إيران من قبل الغرب يرتبط بتحديها لاحتكار الولايات المتحدة وإسرائيل للأسلحة الاستراتيجية، إضافة إلى دعمها للمقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، يبرز تساؤل حول ما إذا كان هذا التحدي يُبرر لإيران اتباع سياسات تساهم في زعزعة استقرار محيطها الإقليمي وإعادة بعض الدول العربية إلى حالات من التدهور والفوضى.
من منظور استراتيجي، يُعتبر سعي إيران لامتلاك قدرات نووية أو تطوير أسلحة استراتيجية مصدر قلق للدول العربية، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار سياساتها التوسعية وتدخلاتها في شؤون الدول المجاورة قبل تحقيق هذا الامتلاك المحتمل. فالدول العربية قد تتساءل عن مصلحتها في امتلاك إيران لسلاح نووي في ظل تصرفاتها الحالية التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات الإقليمية وتؤثر سلبًا على الأمن القومي العربي.
فيما يتعلق بدعم إيران للمقاومة الفلسطينية، يلاحظ أن هذا الدعم غالبًا ما يُستخدم كذريعة لتبرير تدخلاتها في الدول العربية، دون أن يترجم ذلك إلى إنجازات حقيقية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. الأحداث الأخيرة في غزة، على سبيل المثال، كشفت عن محدودية تأثير هذا الدعم على تغيير موازين القوى، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الاستراتيجية ودوافعها الحقيقية.
من الناحية التحليلية، يمكن القول إن سياسات إيران في المنطقة تُسهم في زيادة التوترات الإقليمية بدلاً من تعزيز الأمن والاستقرار. تدخلاتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان أدت إلى تفاقم الصراعات الداخلية وتعطيل جهود التنمية وإعادة الإعمار. هذا الوضع يُضعف من قدرة الدول العربية على مواجهة التحديات الخارجية، بما في ذلك التصدي للمشروع الصهيوني.
بالإضافة إلى ذلك، يُثير استخدام إيران لدعم المقاومة كوسيلة لتحقيق أهدافها الإقليمية تساؤلات حول مدى التزامها الحقيقي بالقضية الفلسطينية، وما إذا كان هذا الدعم يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني أم يُستخدم لتحقيق مصالحها الوطنية والإقليمية.
9. الدعوة إلى التفاهم مع إيران دون مراعاة سياساتها العدائية:
يقترح الزعاترة أن التفاهم مع إيران يمكن أن يُضعف النفوذ الغربي، متجاهلًا أن أي تقارب دون تغيير حقيقي في سياسات إيران التوسعية سيؤدي إلى مزيد من الهيمنة والاضطهاد للشعوب العربية. من الضروري أن تظهر إيران حسن النية وتراجع سياساتها العدائية قبل الحديث عن أي تفاهمات إقليمية.
10. تجاهل تعدد مصادر التهديد:
يركز الزعاترة على خطر واحد، متجاهلًا أن المنطقة تواجه تهديدات متعددة من قوى إقليمية ودولية مختلفة. التصدي لهذه التهديدات يتطلب رؤية شاملة لا تقلل من خطر طرف على حساب آخر، بل تعترف بجميع مصادر التهديد وتتعامل معها بحكمة.
الخلاصة: ضرورة رؤية شاملة لمواجهة التحديات
في الوقت الذي يمثل فيه المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب تهديدًا واضحًا للأمة العربية، فإن التقليل من خطورة المشروع الإيراني وسياساته التوسعية يُعد تجاهلًا للواقع المأساوي الذي تعيشه العديد من الدول العربية. لا يمكن إنكار أن كلا من التدخلات الغربية والإيرانية ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة.
يجب تبني موقف متوازن يأخذ في الاعتبار جميع التحديات والتهديدات. المثقفون وقادة الرأي مطالبون بأن يكونوا أكثر وعيًا وشمولية في تحليلهم للأحداث، والاعتراف بجميع مصادر التهديد دون تحيز. فقط من خلال مواجهة الحقيقة بكل جوانبها، يمكننا العمل نحو مستقبل أفضل لأمتنا وشعوبنا، وتحقيق تطلعاتها في الحرية والكرامة والاستقلال.
في الختام،
إن الحوار الموضوعي والنقد البناء هما السبيل الأمثل لفهم التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية. تقديرنا للأستاذ ياسر الزعاترة كبير، ونرى أن النقاش المفتوح يعزز الوعي الجماعي ويدفع نحو إيجاد حلول واقعية للتحديات المشتركة. نتطلع إلى مزيد من النقاشات الهادفة التي تخدم مصلحة شعوبنا وأمتنا.
-----------
الشرق نيوز
خالد ابو صلاح ينقد مقال ياسر الزعاترة
على الرغم من التباين الظاهري بين المشروعين الصهيوني والإيراني، إلا أن هناك نقاط تقاطع وتوافق في المصالح تستحق التحليل العميق. فقد شهدنا في العراق كيف قاتلت الميليشيات المدعومة من إيران تحت غطاء طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”. وفي سوريا، دعمت روسيا تلك الميليشيات جويًا، مع غض طرف من القوى الدولية عن تدخلها. هذا التوافق غير المعلن ساهم في تحقيق أهداف مشتركة، أبرزها تفتيت الدول العربية وإضعافها.
إن تفتيت الدول العربية وإضعافها يخدم بشكل مباشر مصلحة إسرائيل، التي تسعى إلى إبقاء نفسها قوة مهيمنة في المنطقة دون منافس. وفي الوقت نفسه، يسعى المشروع الإيراني إلى توسيع نفوذه الإقليمي عبر استغلال الفراغات الناجمة عن ضعف الدول العربية وانهيار مؤسساتها. هذا التقاطع في المصالح، سواء كان مقصودًا أم لا، أدى إلى نتائج كارثية على الشعوب العربية.
الاستفادة الصهيونية من التشرذم العربي
لا يخفى على أحد أن إسرائيل تستفيد من حالة التشرذم والضعف التي تعاني منها الدول العربية. تحقيق هذا الهدف يتطلب إغراق الدول العربية في صراعات داخلية وحروب أهلية تستنزف مواردها وتشتت جهودها. وهنا، لعبت إيران دورًا محوريًا في تنفيذ هذا السيناريو، من خلال دعم الميليشيات المسلحة وتأجيج النزاعات الطائفية والمذهبية.
فعلى سبيل المثال، أدى دعم إيران لجماعة الحوثي في اليمن إلى اندلاع حرب أهلية مستمرة منذ سنوات، تسببت في كارثة إنسانية وأضعفت من قدرة اليمن على التصدي للتحديات الخارجية. وفي العراق، أدى دعمها للمليشيات الطائفية إلى تفتيت النسيج الاجتماعي وزيادة حدة الانقسامات الداخلية.
إيران وتمزيق النسيج الاجتماعي العربي
بينما فشل الاستعمار الغربي في مطلع القرن العشرين في تفتيت المجتمعات العربية بشكل كامل، نجحت إيران خلال العقدين الماضيين في تحقيق ما عجز عنه الآخرون على مدى قرون. تدخلاتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان أدت إلى كوارث إنسانية، وملايين اللاجئين والنازحين، وعمقت الانقسامات الداخلية، وأعادت بعض الدول إلى عصور الفوضى والاقتتال القبلي والطائفي.
نقد حجج التقليل من خطورة المشروع الإيراني
1. التقليل من خطورة التدخل الإيراني:
يقلل الأستاذ الزعاترة من تأثير إيران في المنطقة، معتبرًا أن نفوذها محدود مقارنة بالغرب. لكن الواقع يشير إلى أن إيران تلعب دورًا محوريًا في زعزعة استقرار عدة دول عربية عبر دعمها للمليشيات المسلحة وتدخلها العسكري المباشر. هذه التدخلات أدت إلى كوارث إنسانية لا يمكن تجاهلها، وتشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي العربي.
2. تجاهل الدور الإيراني في تأجيج الصراعات الطائفية:
يشير الزعاترة إلى أن المخاوف من التشييع مبالغ فيها، وأنها تقلل من شأن المذهب السني. ولكن السياسات الإيرانية القائمة على نشر نفوذها المذهبي ساهمت في تأجيج الانقسامات الطائفية وتعميق الخلافات بين مكونات المجتمعات العربية، مما أدى إلى صراعات دامية وأضعف مناعة المجتمعات ضد التدخلات الخارجية.
3. التدخل الإيراني الحاسم في إجهاض الثورة السورية ودوره الاستراتيجي:
يشير الكاتب إلى أن الغرب وبعض الدول العربية هم المسؤولون عن إجهاض الثورة السورية، وهذا صحيح نظريًا، حيث لم تكن هناك إرادة دولية حقيقية لتغيير النظام في سوريا، بل كانت الاستراتيجية تتمثل في إدارة صراع يستنزف جميع الأطراف المعنية. ومع ذلك، فمن الناحية العملية، لم يكن لهذا المخطط أن ينجح لولا التدخل الإيراني المباشر والحاسم لدعم النظام السوري بالأسلحة والمقاتلين والخبراء، مما لعب دورًا جوهريًا في قمع تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والكرامة.
بالإضافة إلى ذلك، اعترف مسؤولون إيرانيون بأن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني آنذاك، توجه إلى موسكو لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة التدخل العسكري في سوريا لوقف انهيار النظام السوري في النصف الثاني من عام 2015. في المقابل، لم يتبنَ الغرب هذا النهج ولم يتدخل بشكل مباشر في قمع الثورة، بل ترك الأحداث تتطور كما هي، مدركًا طموحات إيران الإمبراطورية، ومفضلًا أن تغرق هي وغيرها في مستنقع الصراع ووهم السيطرة.
هذا التحليل يبرز الدور الحاسم للتدخل الإيراني في تغيير موازين القوى على الأرض، ويعكس كيفية استغلال القوى الإقليمية للفراغ الناجم عن التردد الدولي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. كما يشير إلى أن التخطيط الغربي لإدارة الصراع لم يكن ليحقق أهدافه دون التحركات الإيرانية، مما أدى إلى تعقيد الأزمة السورية وإطالة أمدها.
4. التفاضل غير المنصف بين تهديد الغرب وإيران:
الاعتراف بتاريخ التدخلات الغربية لا يبرر التغاضي عن السياسات التوسعية الإيرانية وتأثيرها المدمر على الدول العربية. فكلاهما يشكل تهديدًا يجب مواجهته بحزم، والتركيز على خطر واحد دون الآخر يُعد تقصيرًا في فهم التحديات الحقيقية التي تواجهها الأمة.
5. تأثير النفوذ الإيراني على الشرعية السياسية وإرادة الشعوب العربية:
يشير الكاتب إلى فكرة أن الدول التي تتمتع فيها إيران بنفوذ قوي ما زالت محكومة من قبل بعض أبنائها، مما يُضفي انطباعًا بوجود شرعية داخلية. ولكن هذا التصور يُعد مغالطة منطقية كبيرة. فعلى سبيل المثال، في سوريا، يحكم بشار الأسد ونظامه بدعم مباشر من إيران، وليس من خلال عملية تمثيلية تعكس إرادة الشعب السوري. وفي اليمن، يسيطر الحوثيون بقيادة عبد الملك الحوثي على أجزاء من البلاد بفضل الدعم الإيراني، متجاوزين الشرعية المعترف بها دوليًا.
وبالمثل، في لبنان، يمارس حزب الله نفوذًا سياسيًا وعسكريًا يفوق حجمه الديمغرافي، مستندًا إلى الدعم الإيراني، مما يُضعف من دور المؤسسات الوطنية ويُعقّد المشهد السياسي. وفي العراق، تلعب ميليشيات الحشد الشعبي وممثلوها السياسيون دورًا حاسمًا في المشهد السياسي والأمني، مدعومين من إيران، مما يؤثر على استقلالية القرار العراقي.
هذه الأنظمة والجماعات لا تستمد شرعيتها من عمليات ديمقراطية تمثيلية أو من تفويض شعبي حقيقي، بل من خلال دعم خارجي ساهم في تصفية الخصوم السياسيين وإقصاء النخب الوطنية. أدى هذا التدخل إلى تفكيك البنية الاجتماعية للدول المعنية، وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية، وتهجير أعداد كبيرة من السكان، مما يقوّض مفهوم السيادة الوطنية وإرادة الشعوب.
6. تقليل حجم الأضرار التي تسببت بها إيران:
يذكر الزعاترة أن إيران لا تستطيع أن تفعل بالأمة ما فعله الغرب عبر القرون، ولكن التدخلات الإيرانية في العقدين الأخيرين ألحقت أضرارًا جسيمة بالمنطقة وأدت إلى تفتيت مجتمعات وتدمير دول، وهو ما لم يستطع الغرب فعله طيلة تاريخ تدخلاته في المنقطة.
7. تحميل الغرب مسؤولية كل المشكلات:
إلقاء اللوم بالكامل على الغرب يتجاهل مسؤولية الأنظمة الإقليمية، بما فيها إيران، في قمع الشعوب وتدمير الدول من أجل مصالحها الضيقة. هذا التجاهل يمنعنا من فهم الصورة الكاملة للأحداث وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق.
8. إيران مستهدفة بسبب تحديها للغرب ودعم المقاومة:
يرى الأستاذ الزعاترة أن استهداف إيران من قبل الغرب يرتبط بتحديها لاحتكار الولايات المتحدة وإسرائيل للأسلحة الاستراتيجية، إضافة إلى دعمها للمقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، يبرز تساؤل حول ما إذا كان هذا التحدي يُبرر لإيران اتباع سياسات تساهم في زعزعة استقرار محيطها الإقليمي وإعادة بعض الدول العربية إلى حالات من التدهور والفوضى.
من منظور استراتيجي، يُعتبر سعي إيران لامتلاك قدرات نووية أو تطوير أسلحة استراتيجية مصدر قلق للدول العربية، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار سياساتها التوسعية وتدخلاتها في شؤون الدول المجاورة قبل تحقيق هذا الامتلاك المحتمل. فالدول العربية قد تتساءل عن مصلحتها في امتلاك إيران لسلاح نووي في ظل تصرفاتها الحالية التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات الإقليمية وتؤثر سلبًا على الأمن القومي العربي.
فيما يتعلق بدعم إيران للمقاومة الفلسطينية، يلاحظ أن هذا الدعم غالبًا ما يُستخدم كذريعة لتبرير تدخلاتها في الدول العربية، دون أن يترجم ذلك إلى إنجازات حقيقية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. الأحداث الأخيرة في غزة، على سبيل المثال، كشفت عن محدودية تأثير هذا الدعم على تغيير موازين القوى، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الاستراتيجية ودوافعها الحقيقية.
من الناحية التحليلية، يمكن القول إن سياسات إيران في المنطقة تُسهم في زيادة التوترات الإقليمية بدلاً من تعزيز الأمن والاستقرار. تدخلاتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان أدت إلى تفاقم الصراعات الداخلية وتعطيل جهود التنمية وإعادة الإعمار. هذا الوضع يُضعف من قدرة الدول العربية على مواجهة التحديات الخارجية، بما في ذلك التصدي للمشروع الصهيوني.
بالإضافة إلى ذلك، يُثير استخدام إيران لدعم المقاومة كوسيلة لتحقيق أهدافها الإقليمية تساؤلات حول مدى التزامها الحقيقي بالقضية الفلسطينية، وما إذا كان هذا الدعم يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني أم يُستخدم لتحقيق مصالحها الوطنية والإقليمية.
9. الدعوة إلى التفاهم مع إيران دون مراعاة سياساتها العدائية:
يقترح الزعاترة أن التفاهم مع إيران يمكن أن يُضعف النفوذ الغربي، متجاهلًا أن أي تقارب دون تغيير حقيقي في سياسات إيران التوسعية سيؤدي إلى مزيد من الهيمنة والاضطهاد للشعوب العربية. من الضروري أن تظهر إيران حسن النية وتراجع سياساتها العدائية قبل الحديث عن أي تفاهمات إقليمية.
10. تجاهل تعدد مصادر التهديد:
يركز الزعاترة على خطر واحد، متجاهلًا أن المنطقة تواجه تهديدات متعددة من قوى إقليمية ودولية مختلفة. التصدي لهذه التهديدات يتطلب رؤية شاملة لا تقلل من خطر طرف على حساب آخر، بل تعترف بجميع مصادر التهديد وتتعامل معها بحكمة.
الخلاصة: ضرورة رؤية شاملة لمواجهة التحديات
في الوقت الذي يمثل فيه المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب تهديدًا واضحًا للأمة العربية، فإن التقليل من خطورة المشروع الإيراني وسياساته التوسعية يُعد تجاهلًا للواقع المأساوي الذي تعيشه العديد من الدول العربية. لا يمكن إنكار أن كلا من التدخلات الغربية والإيرانية ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة.
يجب تبني موقف متوازن يأخذ في الاعتبار جميع التحديات والتهديدات. المثقفون وقادة الرأي مطالبون بأن يكونوا أكثر وعيًا وشمولية في تحليلهم للأحداث، والاعتراف بجميع مصادر التهديد دون تحيز. فقط من خلال مواجهة الحقيقة بكل جوانبها، يمكننا العمل نحو مستقبل أفضل لأمتنا وشعوبنا، وتحقيق تطلعاتها في الحرية والكرامة والاستقلال.
في الختام،
إن الحوار الموضوعي والنقد البناء هما السبيل الأمثل لفهم التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية. تقديرنا للأستاذ ياسر الزعاترة كبير، ونرى أن النقاش المفتوح يعزز الوعي الجماعي ويدفع نحو إيجاد حلول واقعية للتحديات المشتركة. نتطلع إلى مزيد من النقاشات الهادفة التي تخدم مصلحة شعوبنا وأمتنا.
-----------
الشرق نيوز