ويقول تقرير صادر عن جمعية المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا إن الحرس والقضاة وأفراد الجيش وفي بعض الحالات الوسطاء يتلقون عمولات كجزء من شبكة فاسدة تضخ مبالغ كبيرة من النقود لتغذية جهاز الأمن في سورية.
ويؤكد التقرير أنّ حوالي ربع الذين شملهم الاستطلاع كان قد طُلب منهم أتاوات، وقد دفع البعض بضعة آلاف من الدولارات أو أقل، بينما دفع البعض الآخر - خاصة العائلات التي تعيش في المنفى - ما يصل مجموعه إلى 30 ألف دولار، كما يشير التقرير إلى أن المسؤولين في أحد السجون قاموا بابتزاز أهالي المعتقلين بالمجمل بحوالي 2.7 مليون دولار.
ويقول دياب سريح، معد التقرير والشريك المؤسس لـجمعية المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، إن الأموال انتهى بها المطاف في جيوب المسؤولين الفاسدين وأمراء الحرب؛ وما أسماه "الحكومة العميقة التي تحكم سوريا من وراء الكواليس".
ويضيف سريح: "إنها صناعة الاحتجاز" حيث أن "النظام السوري مبني على أفرع أمنية واستخباراتية تدفع رواتب متدنية لتشجيع الفساد، في الوقت الذي تقوم فيه المبالغ المالية المدفوعة كرشاوى بتمويل البنية التحتية للاحتجاز".
ويفيد سريح بأن شخصيات داخل النظام قامت بالمصادقة على ذلك الأسلوب، وكثير منهم يخضعون للعقوبات وغير قادرين على الاحتفاظ بحسابات مصرفية في الخارج، ومن المرجح أن يكون المبلغ الإجمالي للرشاوى أعلى بكثير مما تم الكشف عنه في التقرير.
ووفقًا لتقديرات هيئات الرقابة الإنسانية، فقد تم اعتقال أو إخفاء ما بين 100 و250 ألف شخص قسريًا، قبل بدء الانتفاضة ضد بشار الأسد في عام 2011. وقد تصاعد هذا العدد بشكل حاد بحلول نهاية عام ،2012 إذ يُعتقد أن عشرات الآلاف من الأشخاص قد تعرضوا للتعذيب أو القتل في السجون السورية منذ بدء الربيع العربي. ويُعتَبر سجن صيدنايا، وهو منشأة عسكرية في ضواحي دمشق، إحدى أكثر المؤسسات رعباً في سوريا.
لقد تمّ اعتقال "سريح" في عام 2006 بعد تشكيل مجموعة شبابية معارضة وقضى خمس سنوات كسجين سياسي قبل إطلاق سراحه في 2011، وهي السنة التي قام فيه النظام باخلاء السجون من المعارضين لإفساح المجال لتدفق النشطاء والمتظاهرين. وقد أمضى "سريح" طفولته في منطقة صيدنايا قبل أن ينتقل إلى دمشق، وبعد فراره إلى تركيا، انتقل إلى أوروبا، وهو يعيش الآن في هولندا.
يقول التقرير إن الاختفاء القسري هو استراتيجية رئيسية للدولة السورية، تهدف إلى السيطرة على الناس وترهيبهم، وجاء في التقرير أن "الاعتقال والابتزاز بالمال للسكان يشكلان مصدراً كبيراً لتمويل الدولة وجهازها القمعي على وجه التحديد".
وطالب التقرير المجتمع الدولي بالضغط على حلفاء النظام، وخاصة روسيا ، للكشف عن مصير المفقودين والسماح لأهاليهم بزيارة من لا يزالون على قيد الحياة، كما يطالب المسؤولين بالكشف عن مكان دفن الموتى والسماح باختبار الحمض النووي للرفات حتى يمكن إعادة الضحايا إلى عائلاتهم.
وفي شهادات لمعتقلين سابقين دفعوا آلاف الدولارات كرشاوى مقابل حريتهم، قال أحمد، وهو سجين سابق اعتقَدَ أنه لن يرى عائلته مرة أخرى، وكان قد تم اعتقاله في تسعة سجون مختلفة خلال ثلاث سنوات ودفعت عائلته 30 ألف دولار كرشاوى لإخراجه: "استمرت عائلتي في دفع 1000 دولار هنا و1000 دولار هناك، على أمل أن يصلوا لشخص يقدم لهم معلومات، وفي النهاية دفعوا مبلغاً كبيراً لمحام قال لهم، إن بعضاً من المبلغ سيصل إلى قاض والبعض الآخر سيصل إلى أجهزة الأمن".
أما عبد الله فهو في التاسعة عشرة من عمره وكان يخطط للفرار من الجيش، حيث كان يقضي خدمته العسكرية الإجبارية عندما تم ايقافه عند نقطة تفتيش في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2012 وتم اقتياده إلى السجن وتعرض للتعذيب والاستجواب، وقال في شهادته: "كل يوم يموت أربعة أو خمسة أشخاص ويخرجون من الزنزانة"، و"يتم تجويعهم حتى الموت، فقد كان الحراس يدخلون الزنزانة ويقومون بالضرب الفوري، مما يترك السجناء في حالة من الرعب النفسي".
تمت إدانة عبد الله في المحكمة بتهمة سرقة أسلحة وأعمال إرهابية، وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً في صيدنايا، وقال إن الطعام كان يقدم للسجناء في بعض الأحيان، لكن ليس إذا كان الحراس في حالة مزاجية سيئة، أما الكلام والقراءة فهما أمران ممنوعان، وكان التعذيب يُمارس على السجناء من السُنَّة وليس على من هم من طائفة الأسد العلوية.
قال عبد الله: "وكّلَ والداي محاميًا لتقليص عقوبتي إلى ست سنوات، حيث دفع المحامي 10 آلاف دولار كرشوة، وهو مبلغ استدانه أبي، ولا زلنا أنا وإخوتي الثلاثة نعمل على سداده".
لقد أنفقت عائلات كثيرة آلاف الدولارات في محاولة للحصول على أخبار عن أحبائها، لكنهم لم يتلقوا شيئًا في المقابل.
قالت ناديا، وهي لاجئة سورية في لبنان، إنها رأت زوجها آخر مرة عندما سافر إلى دمشق في كانون الأول/ ديسمبر عام 2012 لتجديد أوراق الهوية، وأكدت أنه "كان في سيارة مع والده وسبعة آخرين، وكان آخر ما سمعناه عنهم هو أنهم وصلوا إلى حمص وقد اختفى الأشخاص التسعة منذ ذلك الحين".
في عام 2016، أخبر أحد الجيران ناديا أن ابن أخيها في الجيش يمكن أن يساعد في إطلاق سراح زوجها ووالد زوجها مقابل المال ومن أجل جمع المبلغ، باعت أرضًا ومنزلاً في سوريا، واقترضت أموالًا من أقاربها كما أنها باعت مجوهراتها.
قالت ناديا: "لقد دفعنا 5 آلاف دولار وبعدها تم إخبارنا أن إطلاق سراحهم وشيك، لكن هناك حاجة لدفع 5 آلاف دولار أخرى، وبعد أن قمنا بالتحويل عبر شركة ويسترن يونيون، اختفى الأشخاص الذين كنا نتواصل معهم وتبين لنا أنها عملية احتيال.
وتقول ناديا: "شعرت أن عملية الإفراج عنهم كانت قاب قوسين أو أدنى، وأحسست أن الأمر في متناول يداي.... لكنني تعرضت للانهيار عندما لم يتحقق ذلك".
--------------------
ترجمة عبدالحميد فحام - مركز جسور