نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

محاولة في فهم خطاب أحمد الشرع

05/02/2025 - وائل السواح

ابتكار الجماعة السياسية

31/01/2025 - مضر رياض الدبس

ترامب يرسم خارطة جديدة للعالم

31/01/2025 - ‎علاء الخطيب

هل صحيح أن الثورة خلصت

16/01/2025 - وائل الشيخ أمين

هونداية في المالديف

13/01/2025 - عروة خليفة

من دمشق... سقط المشروع الإيراني

08/01/2025 - عالية منصور

من بطاركة العرب إلى بطرك كرسي الأسد!

06/01/2025 - المحامي أدوار حشوة

جماعة ماذا لو ...؟ وجماعة وماذا عن ....؟

01/01/2025 - د.محيي الدين اللاذقاني


التعليم في شرق سوريا.. عقود من التهميش الممنهج





شهدت المناطق الشرقية (القامشلي والحسكة والرقة ودير الزور) من سوريا تهميشا ممنهجا على مدى عقود امتد ليشمل قطاع التعليم الذي يشكل أساس بناء المجتمعات وتحقيق التنمية والنهضة.
الإهمال الذي عانى منه قطاع التعليم يرويه مختصون لـ”الحل نت”، مبينين أثره على الأجيال المتعاقبة، مرورا بتعقيدات العملية التعليمية وأطر التدريس في قبل وبعد نشوب “الثورة السورية” وما واكبها من تهجير ونزوح وعمليات عسكرية، وصولا إلى رؤى وحلول عملية مقترحة تتناسب مع هذه المرحلة الهامة في بناء سوريا الحديثة.


التعليم في القامشلي - عين الفرات
التعليم في القامشلي - عين الفرات
 ولأن الحديث عن الواقع التعليمي لابد أن ينطلق من العناصر الأربعة الأساسية التي تشكّل العملية التعليمية، وهي “البيئة التعليمية، والمعلم، والطالب وأخيرا المنهج”.

إهمال المدارس بالمناطق الشرقية

يتحدث عبد المسيح قرياقس، مدرس التاريخ والسجين السياسي المعتقل بين عامي 1975-1992 من مدينة  الحسكة، عن البيئة التعليمية المتراجعة والمفككة وغياب البنى التحتية في قطاع التعليم. ويؤكد لموقع “الحل نت” أن المدارس في المناطق الشرقية تفتقر إلى أبسط مقومات التعليم، والصفوف المدرسية مكتظة بالطلبة، وفي بعض الحالات تجد أربعة أو خمسة طلاب يجلسون في مقعد مخصص لطالبين فقط.
مدارس في دير الزور شرق سوريا- “المرصد السوري”
وأردف قرياقس: “حتى التدفئة والتكييف في فصلي الشتاء والصيف كانت معدومة، بينما كانت السبورات خشبية وأقلام الطباشير هي الأدوات المتاحة”.
من جهته، أكد زكريا العاني، مدرس الفيزياء والكيمياء، أن هذا الإهمال كان جزءا من سياسة ممنهجة مارسها النظام السوري البائد، “لم يهتم نظام الأسدين، الأب والابن، بتطوير البنية التعليمية بما يتناسب مع المعايير الدولية، بل تعامل مع التعليم كأداة لتكريس سلطته”.
 
أما العنصر الثاني والأساسي فهو المعلم الذي عانى من الإهمال والتهميش، ويعدهم المجتمع الأكثر تضررا من هذه السياسات.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ الفيزياء زكريا العاني إن “أجور المعلمين كانت من أدنى أجور العاملين في الدولة، مما دفعهم للعمل في مهن أخرى لا تتناسب مع قدسية مهنتهم” وأضاف أن “هذا الوضع أضعف مكانة المعلم اجتماعيا وأفقده هيبته مما انعكس سلبا تاليا على جودة التعليم”. بدوره، لفت أستاذ التاريخ عبد المسيح قرياقس إلى أن التعيينات كانت تخضع للولاءات السياسية “وغالبا ما كان المعلمون المعينون في الريف من أقارب المتنفذين ولم يكونون من الملتزمين بالدوام المنتظم، مما أحدث فجوة كبيرة في التعليم الأساسي”.
وعلاوة على كل ذلك، تعتبر المناهج التعليمية هي الركيزة الأساسية بما تحتويه من محتوى معرفي متنوع، نجد أن نظام “البعث” حولها إلى أداة لتعزيز سلطته. وكانت مناهج التعليم مثار انتقادات من قبل العديد من المختصين، الذين يرون أنها كانت تخدم أهداف النظام السابق السياسية أكثر من إعداد الطلاب للمستقبل.
ووصف زكريا العاني المناهج بأنها “مبنية على تقديس مصطلح القائد الخالد، في إشارة إلى الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، وتجاهل الاحتياجات الحقيقية للطلبة، خاصة في المرحلة الثانوية التي لم يتهيأ فيها الطلبة لدخول سوق العمل بقدرات وإمكانيات كافية”.

فرض اللغة

تميزت محافظات المنطقة الشرقية عن المحافظات الأخرى بتنوعها العرقي والطائفي والديني، حيث تعددت المكونات فيها، من عرب وكُرد ومسيحيين، إلا أن هذا التنوع لم ينعكس إيجابا عليهم، بسبب بطش سياسات “البعث”، فعلى سبيل المثال، كانت ثمة تحديات لغوية في المناطق ذات الأغلبية الكُردية، إذ كان التعليم فيه يواجه تحديات إضافية.
إحدى المدارس في منطقة الحاوي ببلدة أبو حمام شرقي دير الزور- أيلول 2022- “الناشط محمد العبيد”
سعاد، موجهة تربوية في مناطق “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق الفرات تحدثت لـ”الحل نت” عن مسألة فرض السلطات السورية السابقة اللغة العربية كلغة تعليم دون مراعاة الواقع اللغوي للسكان.
ونوّهت سعاد إلى أن “النظام البائد لم يقدم برامج تأهيلية للطلاب الكُرد للتغلب على حاجز اللغة، بل أرسل معلمين ومعلمات من المدن الأخرى وتحديدا الساحل السوري (زوجات ضباط)، لا يتقنون اللغة الكُردية، مما زاد من صعوبة التواصل مع الطلاب “.
 
وأردفت سعاد في سياق حديثها مع “الحل نت” أن “هذا الوضع كان جزءا من سياسة أوسع لتهميش القومية الكُردية وتعطيل فرصهم في التعليم”.
واللافت أن “النظام البعثي اعتمد سياسة التمييز ضد الطلبة الكُرد، وخاصة غير المسجلين في السجلات العائلية (مكتومي القيد)، حيث صنفهم إلى مجموعتين؛ الأولى الطلاب غير المسجلين الذين سمح لهم بالدراسة حتى المرحلة الثانوية، لكن شهاداتهم كانت مشروطة بالمحسوبيات”. 
 
والمجموعة الثانية؛ أجانب الحسكة الذين حُرموا من حقوق المواطنة والعمل الحكومي دون النظر إلى تفوقهم وكفاءتهم، وحملوا ما يعرف بـ”الوثيقة الحمراء”، وهي قطعة ورق هشة يسجل فيها جميع أفراد الأسرة ويتم منحهم نسخة واحدة فقط منه، طبقا لحديث سعاد.
وأكدت سعاد على أن العديد من الطلاب الكُرد المتفوقين حُرموا من المنح الدراسية الخارجية بسبب تصنيفهم كأجانب في وطنهم.

المناطق الشرقية كـ”منفى”

قرياقس تحدث لـ”الحل نت ” عن الفساد الإداري، حيث “فرض النظام البعثي تعيين مدراء مدارس من (البعثيين) في المناطق ذات الأغلبية الكُردية مع تهميش واضح للكفاءات الكُردية، وغالبا ما كان الحصول على منصب مدير مدرسة يتطلب دفع رشاوى للمتنفذين مما جعل هدف المديرين الأساسي استرداد الأموال المدفوعة بدلا من التركيز على تحسين العملية التعليمية”.
أما المرحلتين الإعدادية والثانوية فقد شهدتا تدهورا أكبر حيث استمرت ذات العيوب البنيوية من اكتظاظ الصفوف وتعيين مدراء بعثيين غير أكفاء، لكن التدخلات الأمنية والسياسية في الامتحانات النهائية خصوصا امتحانات شهادة الثالث الثانوي كانت أبرز مظاهر التدهور. فقد أجبرت الأجهزة الأمنية البعثية المدرسين على حل أسئلة الامتحانات لأبناء المتنفذين مع تهديد المعلمين الذين يرفضون الانصياع. 
يمكن القول إن ما شهدته مناطق شرق سوريا من تهميش ممنهج للقطاع التعليمي، وتحويل مدارسها إلى ساحات للعقاب أثناء فترة النظام البعثي، لم يكن مجرد إهمال عابر، بل سياسة متعمدة تركت آثارا مدمرة على أجيال بأكملها.
كما شهدت الامتحانات شراء ذمم المراقبين عبر التهديد أو الإغراء وتعيين مدراء مراكز امتحانية متعاونين مع المتنفذين، ما أدى إلى وصول غير المؤهلين إلى الجامعات، خاصة في الاختصاصات العلمية وهو ما أضر بالمجتمع على المدى البعيد.
لم تكن المنطقة الشرقية في سوريا مجرد مساحة جغرافية مهمشة، بل تحولت إلى ما يشبه “منفى” للمعلمين الذين طالتهم عقوبات النظام الأسدي، ما ألقى بظلاله القاتمة على العملية التعليمية. وبحسب شهادات من داخل المنطقة كان يتم إرسال المعلمين المعاقبين أو “المغضوب عليهم” إلى تلك المناطق كإجراء تأديبي دون أدنى اعتبار لحاجة الطلاب إلى كوادر تعليمية مؤهلة ومتفاعلة.
هؤلاء المعلمون، المثقلون بمخاوف العقاب والغربة، افتقروا إلى الدافع للتدريس ووجدوا أنفسهم في بيئة عمل فُرضت عليهم دون خيار. 
وبطبيعة الحال، كان لهذا الوضع تأثير سلبي على أدائهم، وبدلا من أن يكونون مصدر إلهام ودعم للطلاب، أصبحوا عائقا أمام تطورهم.

حلول مقترحة للنهوض بالتعليم

مع اندلاع “الثورة السورية”، تعرض قطاع التعليم لضربات متتالية. وتحدث زكريا العاني عن استهداف النظام السابق للمدارس بالقصف خلال ساعات الدراسة. وقال: “في إحدى المرات، قصف النظام مدرسة مجاورة لسوق الخضار، ما أثار حالة من الذعر بين الأهالي الذين جاؤوا حفاة للاطمئنان على أبنائهم”.
مشهد عام لدير الزور في سوريا- “أ ف ب”
هذا فضلا عن تحويل المدارس إلى مراكز إيواء أو مشافي ميدانية، نتيجة ضربات النظام السوري على مناطق عديدة في دير الزور.
وفي فترة حكم تنظيم “داعش” الإرهابي، بين 2014-2017 كان التعليم هناك خارج تصنيف أي تعليم، كما يقول أستاذ العاني “خلال فترة سيطرة تنظيم (داعش) تدهور التعليم بشكل غير مسبوق”، ووصفه بأنها أسوأ مرحلة، مؤكدا أن “داعش منعت التعليم في قطاعات معينة وفرضت قيودا على تعليم الفتيات مما جعل التعليم خارج إطار العملية التعليمية”.
 
وبعد سقوط نظام بشار الأسد، لا يجب تهميش المناطق الشرقية كما كانت من قبل، بل يجب أن تكون جميع المحافظات متساوية في كافة الجوانب، سواء في الخدمات أو غيرها من الحقوق، ولا سيما قطاع التعليم، فأهمية التعليم كأولوية لإعادة بناء سوريا. زكريا العاني شدد على أن “إعادة تهيئة البنية التعليمية يجب أن تكون قبل الخبز والماء والكهرباء”، مؤكدا أن الحلول “تبدأ بتطوير البنية التحتية للمدارس لتلبية المعايير الحديثة، إضافة إلى تدريب الكوادر التعليمية وتأهيلها بما يتناسب مع التكنولوجيا الحديث”.
وأضاف العاني أن “إعداد مناهج جديدة وعصرية تناسب مرحلة الأزمات ستكون بمثابة جسر ينقل التدريس من واقع محزن إلى مرحلة أكثر اتزان، كما أن تكاتف الجهود لإعادة بناء العملية التعليمية من جديد سيعمل على تسريع وتيرة التعافي في هذا المجال”.
في العموم يمكن القول إن ما شهدته مناطق شرق سوريا من تهميش ممنهج للقطاع التعليمي، وتحويل مدارسها إلى ساحات للعقاب أثناء فترة النظام البعثي، لم يكن مجرد إهمال عابر، بل سياسة متعمدة تركت آثارا مدمرة على أجيال بأكملها. هؤلاء الطلبة الذين حُرموا من حقهم الأساسي في التعليم، يدفعون اليوم ثمن السياسات القائمة على الإقصاء والتمييز.
ومع كل ما جرى ماتزال هناك فرصة لإعادة بناء هذا القطاع الأساسي في ال”سوريا الجديدة”، شرط أن تتكاتف الجهود لإعادة هيكلة العملية التعليمية من جذورها.
--------
الحل نت

هناء درويش
الخميس 6 فبراير 2025