ويختلف المحرِّض عن الفاعل المعنوي بأن المحرض يحمل أو يحاول أن يحمل شخصاً ’’مسؤولاً‘‘ على ارتكاب جريمة ويعاقب على تحريضه وإن لم يفض التحريض إلى أية نتيجة وذلك لأن تبعة المحرض مستقلة تبعة الذي وقع عليه التحريض والتشريع السوري اعتبر التحريض جريمة مستقلة قائمة بحد ذاتها ولا تعد صورة من صور التدخل أو الاشتراك في الجريمة.
أما الفاعل المعنوي فهو من يحمل شخص ’’غير مسؤول‘‘ كالمجنون أو القاصر أو شخص حسن نية على ارتكاب الجريمة ولكن الفاعل المعنوي لا يعاقب إلا إذا ارتكب المجنون أو القاصر أو الشخص حسن النية الجريمة التي أرادها الفاعل المعنوي.
أركان التحريض:
أولاً: الركن المادي: وقوامه النشاط الذي يصدر من المحرض والموضوع الذي ينصب عليه، وهو كل عمل إيجابي غايته التأثير على تفكير شخص من أجل خلق التفكير الجرمي لديه وتذليل الصعاب في مواجهته وتقليل أهمية النتائج والعواقب التي تنجم عن الجريمة ولابد في التحريض من القيام بعمل إيجابي مفاده الإقناع وخلق الفكرة ودعمها، ويجب أن ينصب نشاط المحرض على جريمة أو جرائم معينة.
ثانيا: الركن المعنوي: للتحريض فهو صورة القصد المتجه إلى تنفيذ الجريمة أو جرائم موضوعة عن طريق شخص آخر، ويقوم هذا الركن على عنصرين هما العلم والإرادة فيتعين على المحرض أن يعلم ويفهم دلالة عباراته ومدى التأثير المحتمل للوسائل التي يستعملها ويتوقع أن يقدم من حرضه على ارتكاب الجريمة.
عقوبة التحريض في التشريع الجزائي السوري:
التحريض جريمة مستقلة قائمة بحد ذاتها ويسال المحرض على تحريضه سواء نجح الفاعل في ارتكاب الجريمة أو أخفق.
وقد تشدّد المشرّع السوري حيال جريمة التحريض والمحرض وعاقبه بالعقوبة المقررة قانوناً للجريمة التي أرادها أن ترتكب سواء وقعت تامة أو ظلت في حيز الشروع وفقاً لما نصّت عليه المادة ’’217‘‘ من قانون العقوبات السوري التي نصّت على أن: يتعرض المحرَّض لعقوبة الجريمة التي أراد أن تقترف سواء كانت الجريمة ناجزة أو مشروعاً فيها أو ناقصة. إذا لم يفض التحريض على ارتكاب جناية أو جنحة إلى نتيجة خففت العقوبة بالنسبة التي حددتها المادة “219” في فقراتها 2-3-4. التحريض على ارتكاب مخالفة لا يعاقب عليها إذا لم يلق قبولاً. تنزل التدابير الاحترازية بالمحرِّض كما لو كان فاعل الجريمة.
أثر التقادم على جريمة التحريض:
نصّت المادة’’437‘‘ من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة على أنّه: ’’تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي بانقضاء عشر سنوات من تاريخ وقوع الجناية إذا لم تجر ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة. وتسقط أيضاً الدعويان المذكورتان بانقضاء عشر سنوات على المعاملة الأخيرة إذا أقيمت الدعوى وأجريت التحقيقات ولم يصدر حكم بها‘‘.
نصّت المادة’’438‘‘ منه على أنّه: ’’تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في الجنحة بانقضاء ثلاث سنوات على الوجه المبين في الحالتين المذكورتين في المادة السابقة.
التحريض في ميثاق المحكمة الجنائية الدولية:
المــادة ’’25‘‘ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليّة المتعلقة بأحكام المسئولية الجنائية الفردية تنصّ على أن يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي.
الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي، ووفقاً لهذا النظام الأساسي يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال قيام هذا الشخص بما يلي:
– ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسئولاً جنائياً.
– الأمر أو الإغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.
– تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
– المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص يعملون بقصد مشترك بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تقدم:
– إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.
– أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة.
فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية: الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير ذات صلة بنوايا الشخص ومع ذلك فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام الجريمة لا يكون عرضة للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة إذا هو تخلى تماماً وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي.
الركن المعنوي في جريمة التحريض: وفقاً للمادة ’’30‘‘ من ميثاق المحكمة: مالم ينص على غير ذلك لا يسأل الشخص جنائياً عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ولا يكون عرضة للعقاب على هذه الجريمة إلا إذا تحققت الأركان المادية مع توافر القصد والعلم.
ولأغراض هذه المادة يتوافر القصد لدى الشخص عندما: يقصد هذا الشخص فيما يتعلق بسلوكه ارتكاب هذا السلوك.
يقصد هذا الشخص فيما يتعلق بالنتيجة التسبب في تلك النتيجة أو يدرك أنها ستحدث في إطار المسار العادي للأحداث.
لأغراض هذه المادة تعني لفظة “العلم” أن يكون الشخص مدركاً أنه توجد ظروف أو ستحدث نتائج في المسار العادي للأحداث، وتفسر لفظتا “يعلم” أو “عن علم” تبعاً لذلك.
أثر التقادم على جرائم التحريض في ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة: نصّت المادة ’’29‘‘ منه على عدم سقوط الجرائم بالتقادم: ’’لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه‘‘.
آلية تحريك الادعاء:
استناداً الى نص المادة ’’20‘‘ من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة الذي جاء فيه: ’’يتلقى النائب العام الإخبارات والشكاوى التي ترد إليه‘‘.
وإلى المادة ’’21‘‘ منه التي تنصّ على أنّ: على وكلاء ومعاوني النائب العام حال علمهم بوقوع جرم خطير أن يخبروا فوراً النائب العام به وأن ينفذوا تعليماته بشأن الاجراءات القانونية.
وإلى المادة’’22‘‘ منه التي تنصّ على أن: ’’يجري النائب العام التتبعات القانونية بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه إما من تلقاء نفسه أو بناء على أمر من وزير العدلية.
وإلى المادة ’’26‘‘ منه التي تنصّ على أنّ: ’’من شاهد اعتداء على الأمن العام أو على حياة أحد الناس أو على ماله يلزمه أن يعلم بذلك النائب العام المختص. ولكل من علم في الأحوال الأخرى بوقوع جريمة أن يخبر عنها النائب العام.
وبناءً على ما سبق:
– التحريض على ارتكاب الجرائم سواء كان مباشراً أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر جريمة كاملة الأركان لأن ’’وسائل التواصل الاجتماعي‘‘ تدخل تحت مفهوم ’’بأي وسيلة كانت‘‘ الوارد في المادة ’’216‘‘ المذكورة أعلاه.
– المحرّض مسؤول عن تبعات تحريضه سواء وقع الفعل الجرمي أم لم يقع.
– يعاقب المحرّض بعقوبة الجريمة التي حرّض على ارتكابها.
– لا يستفيد المحرّض من أسباب التبرير أو التخفيف التي يمكن أن يستفيد منها ’’المُحرَّض‘‘.
– تعتبر الصور والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من الأدلة المقبولة لتحريك الدعوى العامة على المحرِّضين.
لذلك ندعو جميع الأحرار إلى جمع كل هذه الأدلة وتنظيم قوائم بهؤلاء المحرِّضين تمهيداً لتقديم الادعاء عند بدء المحاكم باستئناف عملها قريباً.
----------
نينار برس