عند ذكر اسم الفاتح، يتطرق إلى الذهن فتح القسطنطينية، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش". فمن الفاتح؟
تحل ذكرى وفاة السلطان العثماني محمد الفاتح في 3 مايو/أيار من كل عام، ويستذكر فيها المسلمون ما أنجزه هذا السلطان من فتح عظيم.
من محمد الفاتح؟
يقول المؤرخ والفقيه الدكتور علي الصلابي في تعريف محمد الفاتح: "هو محمد بن مراد الثاني ولد في أدرنه عام 1481م، ويعتبر السلطان العثماني السابع في سلسلة آل عثمان يلقب بالفاتح وأبي الخيرات. حكم ما يقرب من ثلاثين عاماً كانت خيراً وعزة للمسلمين".
تولى محمد الثاني حكم الدولة العثمانية بعد وفاة والده بتاريخ 18 فبراير/شباط عام 1451م، وكان عمره آنذاك 22 سنة. ولقد امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل، كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة الأمراء، وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة التاريخ، ممَّا ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال حتى إنه اشتهر أخيراً في التاريخ بلقب محمد الفاتح، لفتحه القسطنطينية.
الاستعداد للفتح
انتهج محمد الفاتح المنهج الذي سار عليه أجداده في الفتوحات، ولقد برز بعد توليه السلطة بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف. وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر.
شجع العلماء مثل أحمد بن إسماعيل الكوراني "معلم الفاتح"، وآق شمس الدين "الملهم الروحي للفتح" السلطان على مضاعفة حركة الجهاد، والإيحاء له بأنه الأمير المقصود بحديث النبي الكريم.
ومن بداية تسلمه السلطنة قام السلطان محمد الفاتح بإعداد جيش كبير بلغ نحو مئتين وخمسين ألف مقاتل، وشرع بتجهيز الحصون والقلاع على أطراف القسطنطينية، ولم تفلح محاولات الإمبراطور البيزنطي في ثنيه بالأموال ومعاهدات الصلح، وقام الفاتح ببناء قلعة روملي حصار على البوسفور من الطرف الأوروبي مقابل قلعة عثمانية شيدت على البر الآسيوي زمن السلطان بايزيد الثاني.
كانت القسطنطينية محاطة بالمياه البحرية في ثلاث جبهات، مضيق البسفور، وبحر مرمرة ، والقرن الذهبي الذي كان محمياً بسلسلة ضخمة جداً تتحكم في دخول السفن إليه، بالإضافة الى ذلك فإن خطين من الأسوار كانا يحيطان بها من الناحية البرية من شاطئ بحر مرمرة إلى القرن الذهبي.
الفتح
وعند الساعة الواحدة صباحاً من يوم الثلاثاء 29 مايو/أيار 1435م بدأ الهجوم العام على المدينة بعد أن صدرت الأوامر للمجاهدين الذين علت أصواتهم بالتكبير وانطلقوا نحو الأسوار، وخاف البيزنطيون خوفاً عظيماً، وشرعوا في دق نواقيس الكنائس والتجأ إليها كثير من النصارى وكان الهجوم النهائي متزامناً برياً وبحرياً في وقت واحد، وكان الهجوم موزعاً على كثير من المناطق، ومع استبسال البيزنطيين وشجاعة العثمانيين كان الضحايا من الطرفين يسقطون بأعداد كبيرة.
بعد دخول قلب المدينة، توجه محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا، وأمر الفاتح بعد ذلك بتحويل الكنيسة إلى مسجد وأن يعد لهذا الأمر حتى تقام بها أول جمعة قادمة.
توسعت الدولة العثمانية في عهد محمد الفاتح بسبب الفتوحات التي قام بها واشتهر في جميع أنحاء العالم، واعتبر المؤرخون عهده نقطة انتقالية من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة.
وفاته
توفي السلطان محمد الفاتح يوم 3 مايو/أيار 1481م عن عمر ناهز 49 عاماً، بعد أن حكم 30 عاماً.
وصل خبر موت السلطان إلى البندقية بعد 16 يوماً، جاء الخبر في رسالة البريد السياسي إلى سفارة البندقية في القسطنطينية، بجملة واحدة: "لقد مات العقاب الكبير".
وانتشر الخبر في البندقية ثم في باقي أوروبا، وراحت الكنائس تدق أجراسها مدة ثلاثة أيام بأمر من البابا، إضافة إلى تأديتهم صلاة الشكر.
وكان لموته دوي هائل في أوروبا، التي تنفست الصعداء عندما علمت بوفاته.
دُفن السلطان محمد الفاتح في المدفن المخصوص الذي أنشأه في أحد الجوامع التي أسسها في إسطنبول، وسُمّي الجامع باسمه "جامع الفاتح"، ويقصده المسلمون من جميع بقاع الأرض لزيارة ضريحه، كما يقصده السياح.
ترك الفاتح وراءه سمعة مهيبة في جميع أصقاع الأرض، وحقق في حياته مع الفتوحات، الكثير من الإنجازات اﻹدارية الداخلية.