وسريعا ما امتلأ الشارع، الذي يعد من أقدم شوارع المدينة برجال الشرطة وسيارات الإسعاف. ونُصبت الحواجز الأمنية حول المزار الأثري الذي تحول إلى مسرح جريمة، ونقلت سيارات الإسعاف القتلى والمصابين، وتم إجلاء بقية السياح الذين كانوا داخل المزار الأثري تحت حراسة أمنية مشددة.
الرواية الرسمية للحادث
حتى اللحظة لم تصدر القاهرة بيانا رسميا بشأن ملابسات الحادث، لكن وكالة أنباء الشرق الأوسط وقنوات الإعلام الرسمية المصرية نشرت عن مصدر أمني أنه أثناء وجود أحد الأفواج السياحية الإسرائيلية بمزار عامود السواري بالإسكندرية، أطلق أحد أفراد الشرطة المعنيين بخدمة تأمين المنطقة أعيرة نارية من سلاحه الشخصي بشكل عشوائي.
وأضاف المصدر الأمني أن الحادث أسفر عن مقتل اثنين من أعضاء الفوج وشخص مصري وإصابة آخر. مشيرا إلى إلقاء القبض على الشرطي.
على الجانب الآخر، أكدت السفارة الإسرائيلية في القاهرة في بيان مقتل السائحين، وإصابة ثالث بجروح متوسطة، كما أوضحت أن المصري الذي قُتل هو مرشد سياحي محلي.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن طائرة عسكرية نقلت الجثتين والشخص المصاب في الهجوم يوم الأحد إلى إسرائيل.
كانت كل المحال والمقاهي المحيطة بعامود السواري مغلقة في مشهد معتاد يوم الأحد، يوم الإجازة الأسبوعي لعشرات من الباعة الجائلين ومحال الملابس الشعبية في منطقة كرموز، لكن هذا الأحد كان مختلفا، فقد تجمع العشرات من السكان أمام المزار الأثري الذي أحاطته القوات الأمنية، في محاولة لفهم ما حدث.
وقف متولي أمام المقهى الذي يعمل به وأبوابه نصف مغلقة، ينقل عينيه بين المزار الأثري ورجال الأمن المنتشرين في الشارع.
وقال لبي بي سي إنه كان يعرف الشرطي المتهم بقتل السائحين، فهو يعمل على تأمين هذا الموقع السياحي منذ نحو 5 سنوات.
"كان شخصا طيبا، لا أعرف كيف قام بهذا التصرف... لم يحدث أي شيء مثل هذا هنا سابقا".
شخص آخر من أصحاب المحال المجاورة للعامود قال لبي بي سي إن الحادث وقع داخل المزار الأثري، سمعنا صوت ضرب النار، ثم انقلبت الأمور عقب ذلك، هذا المكان دائما ما كان يأتيه السياح، تختلف الأعداد على حسب الموسم السياحي، لكن دائما ما نرى حافلات السياح تذهب وتجيء أمام أعيننا، ولم يحدث أن تعرض لهم أي شخص بالأذى، ما حدث بالتأكيد سيؤثر على السياحة.
ساكن آخر قال لبي بي سي إن أغلب الأهالي انتبهوا مع صوت ضرب النار، "لم نتمكن من رؤية أي شيء، كذلك أوقفت الشرطة كل من كانوا في موقع الحادث للتحقيق معهم، سمعنا أن السياح أرادوا التصوير بعلم إسرائيل وحاول الشرطي منعهم، وسمعنا أنهم استفزوا الشرطي، لكن لم نر أي شيء".
وكان فيديو تم التقاطه لجثث القتلى من داخل موقع الحدث يظهر شخصين مقتولين، وآخر مصاب بطلقة في صدره، تقف إلى جوارهم سيدتان في حالة من الصدمة، كانت إحداهما تصرخ "إسعاف، إسعاف"، ويحيط بهم جميعا عدد من رجال الأمن.
حجم السياحة الإسرائيلية في مصر
بدأت مصر في استقبال السياحة الإسرائيلية عقب توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد عام 1978، وبحسب إحصائيات إسرائيلية رسمية زار مصر خلال عام 2022 نحو 735 ألف سائح، أغلبهم يدخل إلى البلاد عبر معبر طابا البري.
تتركز زيارات السياح الإسرائيليين لمصر في مناطق جنوب سيناء والمدن المطلة على البحر الأحمر، لكن نحو 45 ألف سائح إسرائيلي سافروا إلى القاهرة عبر مطار بن غوريون، بحسب بيانات الخارجية الإسرائيلية.
ويوضح الرئيس السابق لهيئة تنشيط السياحة المصرية أحمد الخادم، أن زيارات السياح الإسرائيليين إلى مصر تتركز في المناطق المسموح دخولها بدون تأشيرة مثل طابا ومنتجعات البحر الأحمر الموجودة في شمال سيناء، لكن الأعداد تقل في القاهرة وبقية المدن المصرية، لأنهم يحتاجون إلى تأشيرة لدخول البلاد عبر مطار القاهرة.
كما يشير الخادم إلى أن أغلب السياح الإسرائيليين يأتون إلى مصر في مواسم إجازاتهم، كالوضع حاليا بسبب إجازات عيد الغفران في إسرائيل.
وبحسب الوكيل السابق لنقابة المرشدين السياحيين في مصر أمير العتمة، فإن اهتمام السائحين الإسرائيليين تتزايد بالمزارات السياحية الثقافية في مصر مؤخرا.
وأوضح لبي بي سي أنهم يأتون إلى القاهرة والإسكندرية، كما يذهبون في رحلات نيلية بين الأقصر وأسوان لزيارة الآثار الفرعونية وغيرها من المزارات السياحية المصرية.
هل ستتأثر السياحة المصرية؟
رغم المخاوف العديدة من احتمالية تأثر السياحة في مصر بسبب هذا الحادث، يرى الخادم أن تأثير هذا الحادث سيكون محدودا ومقتصرا على السياح الإسرائيليين.
ويقول الخادم في تصريح لبي بي سي: "يبدو أن مرتكب هذا العمل كان يستهدف السياح الإسرائيليين تحديدا، وليس السياح عموما، لذلك أعتقد أن تأثير هذه الحادثة سيكون محدودا، ومقتصرا على السياحة الإسرائيلية إلى مصر".
ويتفق مع الرأي ذاته الوكيل السابق لنقابة المرشدين السياحيين، حيث قال لبي بي سي: "ربما يكون هذا الشرطي استُفز من التصعيد الحاصل في غزة وإسرائيل، لكن لا شيء يبرر هذا التصرف، ويجب إدانة هذا الحادث الإرهابي".
وقال "لا أتوقع أن يكون تأثيره كبيرا على السياحة في مصر، خاصة مع انشغال العالم بالتطورات بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وعقب الحادث، دعا مجلس الأمن القومي الإسرائيلي المواطنين الإسرائيليين إلى مغادرة مصر في أسرع وقت ممكن، بسبب ما وصفه بـ"مخاوف من هجمات انتقامية"، كما حذر المجلس الإسرائيليين من السفر إلى دول الشرق الأوسط عموما.
كذلك دعت السفارة الأمريكية في مصر مواطنيها لتوخي الحذر، وقالت في بيان إنها "أحيطت علما بالتقارير التي تفيد بمقتل سياح أجانب بهجوم في الإسكندرية"، لافتة إلى أن "هذا الحادث قد يكون مرتبطا بالأعمال العدائية المستمرة في غزة وإسرائيل".