وقالت مينسك إن بوتين شكر نظيره البيلاروسي على جهوده في المحادثات مع رئيس مجموعة فاغنر من أجل التوصل إلى الاتفاق على نزع فتيل الأزمة.
وعم الهدوء المشوب بالحذر شوارع العاصمة موسكو مساء السبت، حيث كان الجنود الروس قد استعدوا لمواجهة رتل من المرتزقة المتمردين، من خلال إقامة مواقع للرشاشات ونقاط التفتيش حول المدينة.
وكان عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، وهو حليف للرئيس فلاديمير بوتين، قد أعلن العمل بنظام لمكافحة الإرهاب، قبل أن يعلن رئيس مجموعة فاغنر عن تراجع محاربيه لتجنب إراقة الدماء.
وعلى الصعيد الدولي، أعلن قصر الإليزيه في باريس أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحث السبت "التأثير المحتمل" لتمرد مجموعة فاغنر على الحرب في أوكرانيا مع قادة بعض الدول ومن بينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقد تحدث ماكرون مع كل من الرئيس الأمريكي والرئيس البولندي أندريه دودا والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن القادة "أكدوا على التزامهم وتصميمهم على دعم أوكرانيا من أجل إتاحة المجال لها لاستعادة سيادتها الكاملة".
وكانت قوات فاغنر للمرتزقة الروس واصلت التقدم نحو العاصمة الروسية موسكو، وأصبحت مساء السبت على بعد نحو 370 كيلومتر منها تقريبا قبل أن تصدر لها الأوامر بالتراجع.
وقال حاكم إقليم ليبتسك، إيغور أرتامونوف، إن قوات فاغنر عبرت المنطقة قرب الساعة الثانية ظهرا بتوقيت غرينتش.
وكتب أرتامونوف على وسائل التواصل الاجتماعي: "تتخذ جميع العناصر الأمنية والسلطات كل الإجراءات اللازمة لتأمين السكان، والوضع تحت السيطرة".
وأظهر مقطع مصور نشر على مواقع التواصل الاجتماعي قوات فاغنر تتقدم بمركباتها المدرعة في مدينة فورونزه على الطريق الواصل بين روستوف في أقصى الجنوب، وموسكو.
وتمكنت بي بي سي من التأكد من صحة المقطع المصور.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصدرقرارا يتيح للسلطات اعتقال الأشخاص في الأماكن التي فرضت فيها الأحكام العرفية لمدة 30 يوما.
ومن جانبه قال فلاديسلاف شابسا، عمدة منطقة كيلوغا على تخوم موسكو، إنه تم تقييد حركة المدنيين في المنطقة حتى إشعار آخر.
وقال شابسا: "من فضلكم لا تسافروا على الطرق، ولا تستخدموا السيارات الخاصة إلا في حالات الضرورة"
وكان بوتين قال صباح السبت إن الأحداث الجارية في جنوبي البلاد، تعد بمثابة "طعنة في الظهر"، و"خيانة" تستوجب "عقابا صارما".
وفي خطاب وجهه السبت للأمة عبر التليفزيون ووسائل الإعلام المحلية الروسية، أكد بوتين أن جميع الأوامر والتوجيهات المناسبة قد أعطيت للقادة والجنود في الوقت المناسب.
يأتي ذلك بعد التصريحات والقرارات المتحدية للقيادة من جانب زعيم ومؤسس مجموعة فاغنر المرتزقة الروس يفجيني بريغوجين، والذي يتهم قيادة الجيش بشن هجمات صاروخية على قواته في أوكرانيا.
وأعلنت فاغنر السيطرة على مدينة روستوف أون دون القريبة من الحدود الأوكرانية، كما قالت في وقت لاحق إنها سيطرت أيضا على مدينة فورونزه على الطريق الواصل بين روستوف والعاصمة موسكو.
ودعا بريغوجين إلى انتفاضة ضد قيادات الجيش الروسي، لكنه أكد أنه لا يطالب بانقلاب.
وكانت أجهزة استخباراتية بريطانية قد أشارت إلى أن جنود فاغنر يتحركون منذ صبيحة السبت باتجاه العاصمة موسكو من مدينة فورونزه الجنوبية، التي سيطروا عليها قبل ساعات.
ورغم أن بوتين لم يذكر بريغوجين صراحه باسمه خلال خطابه، إلا أنه تعهد بمعاقبة جميع من يقفون وراء "العصيان المسلح".
واعترف بوتين بأن الوضع الأمني في مدينة روستوف صعب بعدما سيطرت عناصر فاغنر عليها.
وكان بريغوجين قد وجه انتقادات حادة إلى قادة الجيش الروسي، الجمعة، متهما إياهم بشن هجوم صاروخي مميت على قواته في أوكرانيا.
وعقب إعلان السلطات الروسية فتح تحقيق مع بريغوجين، تعهد الأخير بأن "يستمر حتى النهاية" و "يدمّر كل ما يعترض طريقه"، مؤكدا أن قواته دخلت الأراضي الروسية.
وقال، في رسالة صوتية نُشرت على منصة التواصل الاجتماعي "تليغرام"، إن "الشر الذي تحمله القيادة العسكرية الروسية يجب أن يتوقف".
وقال: "أولئك الذين قتلوا أبناءنا وعشرات الآلاف من الجنود الروس (في الحرب في أوكرانيا) سيعاقبون".
وأضاف: "أطلب منكم عدم المقاومة، أي شخص يفعل ذلك سيعتبر تهديداً لنا وسيتم تدميره. ينطبق ذلك على أي نقاط تفتيش وطيران على طريقنا".
وقال: "هذا ليس انقلاباً عسكرياً بل مسيرة نحو العدالة. أفعالنا لا تؤثر على القوات الروسية بأي شكل من الأشكال".
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إن "جميع التقارير التي نشرها بريغوجين على مواقع التواصل الاجتماعي" عن الضربات الروسية على معسكرات لفاغنر "غير صحيحة وهي استفزاز إعلامي".
وفي منشورصوتي له السبت على تليغرام، أكد بريغوجين إن جميع قوات فاغنر، التي يفوق عددها 25 ألف شخص، "على استعداد للموت " لتحقيق هدفهم بعزل القيادات العسكرية الروسية.
وقال "جميعنا على استعداد للموت، جميعنا 25 ألفا، وبعدهم 25 ألفا، من أجل الشعب الروسي".
وشهدت روسيا، مساء الجمعة انقطاعا لخدمات الإنترنت، وتشديدا للإجراءات الأمنية، وسط انتشار واسع للمركبات العسكرية، خاصة في شوارع العاصمة.
وكان بريغوجين خلال الأشهر الماضية يتهم قيادات الجيش الروسي، بإعاقة عمل قواته في أوكرانيا، ومنع الإمدادات عنها على الجبهات المختلفة، وهدد مرارا بسحب قواته.
تحليل ستيف روزنبيرغ
محرر الشؤون الروسية - موسكو
بريغوجين قال إنه يزحف من روستوف أون دون على الحدود مع أوكرانيا في الجنوب الروسي، إلى العاصمة موسكو.
الإجراءات الأمنية حول موسكو ستزداد بشكل مستمر، وسيتم نشر الاستحكامات العسكرية لوقف قواته.
اليوم سمعنا بالفعل عن تفعيل إجراءات "لمكافحة الإرهاب" في موسكو، وتقوم السلطات ببذل ما في وسعها لاحتواء الموقف.
ويبدو أن الموقف شديد الصعوبة بالنسبة لموسكو، كما أن سيطرة قوات فاغنر على مدينة روستوف الرئيسية في الجنوب، يحرج بشدة الرئيس الروسي بوتين.
اتهامات بريغوجين لشويغو تزيد الموقف توترا، خاصة اتهامه ببدء الحرب ليس بهدف نزع النازية من أوكرانيا كما برر بوتين في بداية الحرب، ولكن بهدف الحصول على مكاسب شخصية، وتخالف هذه الاتهامات الرواية التي يتبناها بوتين وبرر بها "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا في أوقات سابقة.
وهذا الموقف من جانب بريغوجين يهدم سردية الكرملين بخصوص الحرب في أوكرانيا، ويشكل خطرا على الحكومة الروسية، خاصة في ظل عدم سير العمليات العسكرية في أوكرانيا كما خططت موسكو، وعدم وجود أي إشارات لتحقيق النصر رغم مرو نحو 16 شهرا على بدء الحرب.