وفي ظل الإهمال الأوروبي والأمريكي للملف السوري، كانت روسيا وإيران وتركيا لسنوات طويلة، هي الجهات الأجنبية الفاعلة الرئيسية في البلاد.
وأضافت الصحيفة أن الفكرة القائلة إن ستة ملايين لاجئ سوري في الخارج سوف يندفعون إلى الوطن إذا ضخت دول الخليج أو غيرها أموالًا لإعادة بناء المدن التي دمرتها قوات الأسد هي فكرة خيالية، إذ يخشى الكثير على حياتهم، ولا يزال عشرات الآلاف من السوريين محتجزين بشكل تعسفي أو مختفين.

الجامعة العربية “هيئة بلا أسنان”

عام 2011، قرر معظم أعضاء جامعة الدول العربية معاقبة النظام السوري بسبب قمعه العنيف لانتفاضة السوريين المطالبين بالحرية سلميًا، وفشله في الالتزام بمبادرة سلام عربية.
وبينما أدت محاولات النظام “الوحشية”، بحسب “فايننشال تايمز”، لسحق الاحتجاجات إلى اندلاع “حرب أهلية”، دعمت دول الخليج خلالها فصائل المعارضة التي تقاتل للإطاحة بالأسد.
دول الخليج العربي عادت بعد مضي أكثر من عشر سنوات، مع مقتل مئات الآلاف من السوريين، ونزوح أكثر من عشرة ملايين، للترحيب بعودة رئيس النظام إلى ما وصفته الصحيفة البريطانية بـ”الحظيرة”.
وأضافت، “جامعة الدول العربية هي هيئة بلا أسنان إلى حد كبير، لكن قرار إعادة قبول سوريا فيها يمنح انتصارًا دبلوماسيًا غير ضروري وغير مبرر لمجرم حرب وشركائه في الجريمة من إيران وروسيا”.
التقرير أشار إلى أن النظام مستمر بتسليح المساعدات الإنسانية وأي دعم مالي من شأنه أن يدعم جهوده لتعزيز سيطرته على السوريين، مطالبًا بضرورة أن تظل الولايات المتحدة وأوروبا متحدتين في فرض العقوبات عليه.
إضافة إلى ذلك، يجب على أمريكا وأوروبا استخدام نفوذهما مع العرب للحد من الانجراف نحو “التطبيع الكامل”.
يعاني ملايين السوريين بشكل مروّع في البلد الذي مزقته الحرب، واقتصاده في حالة انهيار، ولا توجد حلول بسيطة للتخفيف من محنتهم طالما الأسد في السلطة، لكن مكافأة النظام المسؤول عن الكارثة بحرية ليست هي الحل.  
فاينانشال تايمز

ما دوافع العرب؟

الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية نادر الخليل، يرى أن التحليلات التي ترد حول دوافع العرب لتقربهم من النظام تهدف إلى تقديم إغراءات له على أمل التوقف عن أذيتهم وتحقيق مصالحهم.
وأضاف، خلال حديثه لعنب بلدي، أن النظام لم يقدم أي تنازلات “عملية” بعد صدور القرارات الدولية السابقة، وكانت تنازلاته “شكلية” تهدف إلى اللعب على الوقت وعلى التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، فهل سيعجز الآن مع قرار عربي لطالما لم يكُن له أي أثر أو دور مؤثر بمنعطفات تاريخ القضية السورية المصيرية والقضايا العربية.
ما يجري الآن، بحسب ما يرى الخليل، هو محاولات تحصين العرب لأنفسهم من شرور يمكن تجنبها عبر أذرع النظام وإيران، وتحقيق مصالح دولهم، فكل دولة منهم لها ترتيباتها ومصالحها، والنظام يلاعب ويبتز ويحاول الحصول على منافع مقابل أوراق قد يمكنه التخلي عنها.
ورجح أن يمارس النظام ألاعيبه التي يبرع بها، فمثلًا قدم للأردن مرعي الرمثان (تاجر مخدرات ينشط في الجنوب السوري قتل بغارة يعتقد أنها أردنية)، وهو إحدى الأوراق المحترقة منذ العام الماضي، وسبق أن صدرت بحقه مذكرة اعتقال من دمشق، وبذلك تخلص منه وأظهر نفسه كمتعاون.
وطبعًا ستظهر لاحقًا واجهة بديلة عن الرمثان بكل بساطة، بحسب الخليل، إذ اعتبر أن ما حدث سابقًا هو استغلال لهذه الورقة وفق مصلحة النظام، والقصف الذي يرجح أنه أردني جنوبي سوريا كان بتنسيق مع النظام وهدفه ذرّ الرماد في العيون ليظهر نفسه متعاونًا في مكافحة تجارة وتهريب المخدرات.
وعلى المدى البعيد، يرى الخليل أن التخلص أو التعاون على التخلص من النظام ممكن، شرط أن يصبح النظام “عبئًا غير محتمل” من جانب الإقليم، ولكن لايزال ذلك مستبعدًا على المدى القريب أو المتوسط.

أمريكا.. الحاضر الغائب

في 26 من أيار الحالي، نقل موقع  " ذا كريدل " الصحفي الأمريكي، عن مسؤول دبلوماسي رفيع في جامعة الدول العربية، لم يسمّه، أن مفاوضات سرية ومباشرة جرت، في 16 من أيار الحالي، بين الحكومتين الأمريكية والسورية في العاصمة العمانية مسقط.
وتركزت المفاوضات بين الجانبين، بحسب الموقع، حول قضية الصحفي الأمريكي المختفي في سوريا أوستن تايس، بينما طالب النظام من جانبه القوات الأمريكية بالانسحاب من سوريا.
وعلى الرغم من تكرار التصريحات الأمريكية حول موقفها من التطبيع مع “النظام” السوري، والعقوبات المفروضة عليه، يرى الباحث نادر الخليل، أن أمريكا لا تشعر من جانبها بأي تهديد مباشر لمصالحها من التقارب العربي معه، وعلى العكس من ذلك يبدو أنها ترى ذلك فرصة لـ”جس النبض” على مبدأ “دع العرب يجربون وسنرى ما يحدث”.
أما عن إمكانية الوصول إلى تسوية أمريكية مع النظام أو إمكانية “تغيير سلوكه”، قال الخليل لعنب بلدي إن واشنطن لا تزال تراهن على الانهيار الاقتصادي في سوريا، وتتعامل مع التقارب العربي مع الأسد وفق مصلحة تكتيكية، مرحلية، ولن ترفع العقوبات دون مقابل كونها أهم الأدوات المتاحة بين أيدي الأمريكان للضغط والتحكم به.
وبالنظر إلى أن النشاط الأمريكي اختفى عن أرض الواقع في الملف السوري منذ سنوات، بحسب الخليل، فإن السياسة الأمريكية لن تتغير بعد الانتخابات الأمريكية القادمة، على اعتبار أن السياسة العامة الأمريكية لها خطوطها العريضة ولا تتغير بتغير الإدارات الحاكمة فيها.
وأضاف الباحث أن تغير المنظور الأمريكي تجاه الملف السوري، قد يتغير بتغير الظروف والمصالح لا الإدارة الحاكمة، فأمريكا تريد أشياء كثيرة، أبسطها قضية الصحفي الأمريكي المعتقل لدى النظام مثلًا (أوستن تايس)، وغيرها كقضية النفوذ الإيراني.
ولدى الأمريكان أيضًا رغبة أن يكون للمعارضة السورية دور مؤثر داخل تركيبة الحكم للتخفيف من قبضة النظام على السلطة، بحيث يصبح الحكم في سوريا “غير متمركز” في كفة واحدة، وهذا لا يعني إسقاطه.
ولطالما كانت رهانات واشنطن على “تغيير سلوك النظام” مستمرة دون العمل على إسقاطه، لعدم توفر بديل مناسب لها حسبما تراه، فكان ولا يزال سعيهم التخفيف من نفوذه ليصبح أكثر “مطواعية” لهم، مع إضعاف وتخفيف من نفوذ إيران أيضًا، بحسب الباحث في مركز “عمران” نادر الخليل.

الأسد يسرق الأضواء

تزامن الموقف الذي عبرت عنه الصحيفة البريطانية، مع آخر نشرته وكالة “رويترز “، توقعت خلاله أن يسرق الأسد، المنبوذ منذ أكثر من عقد من الزمان، الأضواء، في قمة جامعة الدول العربية التي ستعقد غدًا الجمعة، في المملكة العربية السعودية.

وبينما يبدو أن الدول العربية “أخرجت الأسد من البرد”، إلا أنها لا تزال تطالبه بالحد من تجارة المخدرات “المزدهرة” في سوريا وأن يتمكن لاجئو الحرب من العودة، بحسب الوكالة.

وصف الوكالة حضور الأسد بـ”سرقة الأضواء” جاء نظرًا لكون الملف السوري ليس القضية الخلافية الوحيدة بين العرب، إذ تنقسم الجامعة اليوم حول مسائل تتراوح بين التطبيع مع إسرائيل وكيفية دعم القضية الفلسطينية، والأدوار الإقليمية لتركيا وإيران، وأي جانب تختاره في السياسة العالمية المستقطبة.

وإلى جانب ما سبق، يوجد في مدينة جدة مبعوثون للفصائل العسكرية السودانية المتحاربة، ومن المتوقع أن يهيمن هذا الصراع الذي لا يزال مستمرًا على المناقشات بين الأطراف، بحسب التقرير.

وتطرح الأزمة السورية والصراعات الإقليمية الأخرى، بما في ذلك اليمن وليبيا، مزيدًا من التحديات لجامعة الدول العربية، والتي غالبًا ما تقوضها الانقسامات الداخلية، بحسب “رويترز”، إذ يرى القادة العرب أن “الأمن أهم من الديمقراطية”.