نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


سنوات بعد ممدوح عدوان ...دوامة اسئلة ينيرها جمر الوحشة




لماذا اجد الدمع يغطي شغاف القلب كلما مرت ذاكرتي على وجوه الابداع العربي التي تساقطت زمن الشتات وزمن الهزائم ، الا اني كنت مشغولة بملاحقة مجنزرات الاحتلال وهي تجوس برشاقة على خارطتنا العربية ، وهي تطمس ملامح حلمنا العربي وهي تشظي هويتنا العربية ؟!


 سنوات بعد ممدوح عدوان ...دوامة اسئلة ينيرها جمر الوحشة
لماذا اجدني اشرق بالمرارة وانا اتذكر وجه ممدوح عدوان الشاعر القدير والمبدع المتألق والانسان الذي خذلته الحياة ، فلم تمنحه سانحة اكمال مشروعه الابداعي الفخم ، وتحديدا حين تأملت وجهه عبر شاشة التلفاز وهو يصرخ بمحاوره ضاحكا وباللهجة السورية: (مابدي الان اموت ؟) ؟! لماذا احس باللوعة وانا ارود فراديسه الشعرية احس بنار فجيعته تحرق اشجار ذاكرتي ، تهز اغصانها بعنف لتتساقط وجعا ودموعا ، فيأتيني صوته الراعف :
ضاقت بي الارض
ضاق بي الوطن
وثيابي ومقبرتي
ليلفح وجهي بجمر الالم جمر الاغتراب جمر الوحشة الذي يوقد فيض الاسئلة ويشغل دواماتها التي تغوص بي الى اللاقرار : لماذا تضيق بنا الاوطان ؟ لماذا ..؟؟ لماذا لاتمنحنا الا تأشيرات للموت او للشتات ؟؟!او لم يقل ممدوح عدوان :
متّ انا
مات الذئب الآكل من لحمي
مات النمل الآكل من لحم الذئب
والموؤود الغائب في قلبي لم يتحرك
ها انا منتظر امرك
فتحرك
بالضرورة فان وجه الذئب المنعكس على مرايا النص ليس ذئب يوسف بل هو اشد فتكا ، هو الاخوة الاعداء ، الاصدقاء الذين ينقشون على الجراح ، الامكنة المفخخة بالموت ، الاحلام المستحيلة ، الزمن الشرس ، الانهار الممتزجة برائحة الموت ، هي صرخة بوجه الموت ، بوجه التهميش بوجه الذات الحالمة التي لم تنجح انياب الذئب في ايقاظها ولا حتى دبيب النمل على جسدها ، انها الجسد العربي المسجى داخل قوقعة الحلم ، لذلك تجد ممدوح عدوان يؤكد : (انا اصرخ ويجب ان تبقى لي هذه الحرية ، الموجوع الذي لايصرخ هو ميت ، مايسمونه صراخا هو ما اسميه لمس المواجع ، ) ...
ممدوح عدوان الذي تحدى الموت حين قال :
ها اني عثرت الان
على شيء سافعله بلا استئذان
اموت لكي افاجىء راحة الموتى
واحرم قاتلي متعة التصويب
نحو دريئة القلب
الذي لم يعرف الاذعان
سأحرم ظالمي من جعل عمري
مرتعا لسهام احقاد
وارضا اجبرت كي تكتم البركان
هي قبضة مسددة بوجه اليومي الملبد بثقافة الوأد الثقافي والفكري ، ومتخم برائحة التهميش والمصادرة ، بل انه يسخر في منجزه (عليك تتكأ الحياة ) بمرارة من الذات المتبلدة الممسكة بتلابيب الحياة حين يزجرها :
امسك بصورتك التي في النسل انبتا
امسك بما غرست يداك
من المهانة في الصدور
ارحم اذا
كم تخسر الدنيا اذا متا
إرهم بانك تستطيع بهمة
ان تنتقي موتا
هي ليست دعوة للموت بقدر ماهي دعوة للحياة ، هي عملية بزوغ الحياة من قلب الموت ، هي انتفاضة بوجه العتمة وروادها وساكنيها ليفتحوا نوافذ النور والخلاص ،،
ممدوح عدوان هذا الرمز الثقافي الذي اختصر منجزه الاخير رؤاه واعلن عن انتسابه للعازفين خارج السرب ،للحالمين بزمن لن يأتي ، يقول في هذا الكتاب : (اكتشفت انني لا اريد الا ان انام بطمأنينة ، ان امشي دون خوف ، ان اختلف عن قطيعي .. فنحن متشابهون مثل الخيار المقطوف ... مثل فراريج المداجن ) هذه القامة التي كلما تأملتها ، شهقت من شموخ عذاباتها ، من احتراقاتها حد الترميد ، او لم يصرح بان (اكبر فاجعتين في حياتي هما : موت امي وهزيمة حزيران 1967 لان الاثنتين كانتا ماساة اكبر مما نستحق ، وفوق طاقة احتمالنا ) هو يربط بالضرورة بين (الانثى /الرحم والمكان/ الهوية والانتماء) لنفهم ارتباطه المصيري بالاثنين معا ، وما يمنحه المكان اليه من احساسات باليتم الذي بقي متأبطا اياه حتى رحيله او لم يشهد يتما آخر قبل رحيله حين ابصر سقوط بغداد في 9/ 4/ 2003 ، الانثى هي المكان والمكان هو الانثى اولم يخاطبها في مجموعته الاولى (الظل الاخضر ):
اتيتك سنديانا ظامئا
وحدي بغير جذور
وانت اميرة لجزيرة
الاوهام خلف بحور
تركت ورائي الدنيا ورائي
وجئت لصدرك المرشوش بالاحلام
كي ابكي
اتيتك مترعا بالصمت والاحزان
فاستمعي
مرايا النص تجعلك بالضرورة ازاء حركة دلالية دائرية فمن عذاب المكان الى الانثى المعشوقة التي ستعيده بالضرورة الى المكان وهكذا ...
ممدوح عدوان المبدع الذي اتقن حرفة الكتابة فأسرته غوايتها والذي قال عنها:( لم يكن يشغلني وانا منهمك في كافة انواع الكتابة التي مارستها في حياتي الا التعبير عن نفسي ، من الناحية الفنية كنت انشغل في اتقان اصول الفن الذي اتعامل معه : المسرح مسرح ، والشعر شعر، والمقالة مقالة ،انني رجل ايقاعي ، أي انني كنت اشعر بان حياتي مليئة بالايقاعات ، ولهذا كنت استنفد ايقاعاتي الداخلية ) بل انه يجد حتى الزواية الصحفية ضرب من الابداع فهو يقول : (حتى الزاوية الصحفية حين اكتبها ، اكتبها بحماس وكأني اكتب القصيدة ، فابحث عمن يسمعها مني قبل نشرها )
وختاما ؛ فما الذي نفعله حين نوقد الشموع لرحيل المبدع القدير ممدوح عدوان الا نعيده الى حاضرنا الثقافي ومشهدنا الثقافي المشغول بقوته اليومي والمأخوذ بفحيح الفضائيات واختلاط الاوراق ، ام لنهيل عليه مرة اخرى تراب النسيان ؟!
----------------------
الصورة : ممدوح عدوان

د. وجدان الصائغ
الاثنين 2 مارس 2009