مضى أكثر من 45 يوميًا على ظهور تشكيل  “سرايا درع الثورة” شمال غربي سوريا، منفذًا تهديداته باستهداف أحد “الأمنيين” في “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، لعدم استجابتها له بالإفراج عن معتقلين في سجونها.
تشكيل عسكري حديث الظهور تبنى عمليا ظهر “سرايا درع الثورة” في وقت تشهد فيه صفوف “الهيئة” اختراقًا واتهامات بوجود متعاملين لمصلحة أطراف داخلية وخارجية، إذ وصل الاستهداف إلى رأس الهرم وقيادات الصف الأول لديها.
كل ما سبق يفتح الباب أمام تساؤلات حول إمكانية أن يسبب تشكيل “سرايا درع الثورة” إرباكًا وإنهاكًا لـ”تحرير الشام”، ومدى تأثيره على صفوفها، والآلية أو الاستراتيجية الممكن اتباعها في التعامل مع “خلية متخفية” تقاتل “تحرير الشام” في ملعبها.

تشكيل يهدد ويستهدف ويتوعد

عبر تسجيل مصور، ظهر ستة أشخاص ملثمين، في 15 من حزيران الماضي، أعلنوا تشكيل “سرايا درع الثورة “، وأمهلوا “تحرير الشام” ثلاثة أيام لإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات على رأسهم وجهاء المناطق وأعيانها.
وتوعد المتحدث في التسجيل حينها، بأنه في حالة عدم الاستجابة ستكون جميع مصالح “الهيئة” وجميع المنتسبين لها هدفًا مشروعًا للتشكيل، ودعا “المرابطين” في صفوفها إلى التبرؤ منها، لافتًا إلى أنه لا عذر لهم بعد أن “اعتدت (الهيئة) على الأحرار والحرائر، وإلا سيكونون شركاء لها في الظلم في الإجرام”، حسب قوله.
أواخر حزيران الماضي، نشر التشكيل تسجيل ً ا  مصورًا قال فيه إنه استهدف مقرًا أمنيًا لـ”الهيئة” في قرية حرزة شمالي إدلب، وذكر أن الهجوم أسفر عن مقتل ستة “أمنيين” وإصابة آخرين، في حين لم تنشر “الهيئة” أخبارًا عن الاستهداف المذكور.
وفي 14 من تموز الحالي، أعلن التشكيل مسؤوليته عن مقتل القيادي الأمني في “تحرير الشام” إبراهيم محمد العلي المعروف بـ”أبو صهيب سرمدا”، وقال عبر “تلجرام “، إن عناصره نفذوا عملية نوعية بريف إدلب وقتلوا “الأمني”، ونشر بعدها تسجيلًا لعملية القتل، وصورًا لأسلحة ومبلغ قيل إنها لـ”أبو صهيب”، دون أن يتضمن اعترافات بانتهاكات أو تجاوزات ارتكبها.
في تسجيل مصور آخر، يظهر عناصر التشكيل وهم ينصبون حاجزًا على طريق حلب- اللاذقية الدولي (4M)، وما يلفت النظر هو مرور سيارة أمنية لـ”الهيئة ” بطريق مجاور قرب الحاجز، وإلقاء التحية على العناصر.
وفي 20 من تموز الحالي، ظهر متحدث باسم التشكيل في تسجيل مصور، جدد تحذيره لـ”تحرير الشام”، وقال متوعدًا، إنه في حال عدم تراجعها عن “ظلمها للشعب”، “لنقصمن ظهرهم ونشتت شملهم حتى لا يأمنوا على أنفسهم أينما كانوا وحلّوا”.

كيف تعاملت “الهيئة”؟

لـ”تحرير الشام” تاريخ طويل في حلّ وقتال بعض فصائل المعارضة والتشكيلات وإقصائها لبسط نفوذها وتعزيز سيطرتها، وحتى على مستوى المقاتلين الأجانب رغم نفيها وجود سياسة “تضييق”.
وعلى مستوى “الخلايا”، تكرر إعلان “الهيئة” عن اعتقال “عملاء وعصابات”، سواء عبر “جهاز الأمن العام” العامل في مناطق سيطرتها، أو وزارة الداخلية في حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة”.
ولم تعلق “تحرير الشام” على ظهور التشكيل وتسجيلاته ومسؤوليته عن استهداف الأمني “أبو صهيب سرمدا”، كما أنها لم تفرج عن المعتقلين في سجونها، خاصة الذين اعتقلتهم بعد حملة شنتها في 7 من أيار الماضي.
وكان معظم المعتقلين من حزب “التحرير” (حزب إسلامي سياسي، لا يعترف بحدود الدول الوطنية، ويطالب بعودة الخلافة الإسلامية)، ثم اعتقلت وجهاء ومهجرين من ريف حماة.
القيادي العسكري في “الهيئة” ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني “، علّق على مقتل “أبو صهيب” في “تلجرام” قائلًا، إن “الخونة فرحوا بقتل قشعم من قشاعمنا، لكن للباطل جولة وللحق صولة”، لافتًا إلى أن إدلب مر عليها كثير من هذه “العصابات” وحاربهم عناصر “الهيئة” وقضوا عليهم، وأن مصير “سرايا درع الثورة” مصير سابقيهم.
وقالت الإدارة العامة للحواجز التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بعد ثمانية أيام من مقتل الأمني “أبو صهيب”، إنها فعّلت ثمانية حواجز ثابتة، منها أربعة على طريق إدلب- سرمدا، وحاجزان على طريق “4M”، وحاجز على طريق إدلب- ملّس، وآخر في جبل الزاوية، وأصدرت تعليمات تتضمن إشارات لتمييز الحواجز التابعة لها في إدلب.
في 25 من تموز الحالي، قتل عناصر “تحرير الشام” الشاب صهيبًا، وهو ابن القائد السابق لـ”الهيئة” هاشم الشيخ (أبو جابر)، وأصابوا ابنه الآخر، في اشتباكات على طريق “باب الهوى” قرب بلدة باتبو.
مصدر في “تحرير الشام” (غير مخوّل بالتصريح)، قال لعنب بلدي، إن صهيبًا وأخاه فوجئا بوجود حاجز جديد على أربعة تقاطعات، وحاولا الفرار بالدراجة النارية، ظنًا منهما أنه حاجز لـ”سرايا درع الثورة”، ومع فرارهما أطلق الحاجز النار عليهما، وقُتل أحدهما وأُصيب الآخر بجروح طفيفة.

على وقع “الاختراق”

يأتي ظهور “سرايا درع الثورة” بعد أن تصدّرت قضية وجود “اختراقات” في صفوف “تحرير الشام”، ومتعاملين لمصلحة التحالف الدولي وروسيا والنظام السوري، الواجهة الإعلامية، وأثارت جدلًا واسعًا في المنطقة.
من بين المعتقلين شخصيات تشغل مناصب حساسة في “الهيئة” على مستوى الإدارة والعسكرة، ومقربون من قيادات الصف الأول ومن الشرعيين في “الهيئة”، وتأكدت عنب بلدي من اعتقال بعض الأسماء التي أوردتها وسائل إعلام وقياديون منشقون عن “تحرير الشام”.
القيادي السابق في “تحرير الشام” والمنشق عنها صالح الحموي، وحسابه المعروف بـ”أس الصراع في الشام “، ذكر أن عدد معتقلي “خلايا التحالف وروسيا” في صفوف “الهيئة” وصل إلى 220 معتقلًا، لافتًا إلى أنه ليس كل معتقل متورطًا، إنما هناك تصفيات وخصومات داخلية.
وفي منشور آخر قال الحموي، إنه تم تسريب حوالي 72 ألف ملف بطاقة شخصية من البطاقات الجديدة التي تصدرها حكومة “الإنقاذ” إلى النظام السوري.
ولم تعلّق “الهيئة” أو قياديون فيها أو إعلامها الرديف على ما تم تداوله، وبعد أن أثارت القضية جدلًا واسعًا في الشمال السوري، نشر القيادي “أبو ماريا القحطاني ” أن الأخبار المتداولة عن اتهامات مرة بـ”الإرهاب” ومرة بـ”العمالة” هي محاولة لـ”تقويض البناء وهدم الثقة وتشكيك الناس بحملة المشروع الإسلامي”، حسب قوله.
واعتبر “القحطاني” أنه ليس من المعيب أن “يكشف أهل الإيمان في أحد جيوشهم عينًا للأعداء، وأن تطهير أي جماعة لصفها من فرد تدور حوله شبهات لهو دليل طهر وصدق”.
وفي 16 من تموز الحالي، قال المتحدث باسم “جهاز الأمن العام ” العامل في إدلب، ضياء العمر، إن أجهزة استخبارات (لم يسمِّ تبعيتها)، وخدمة لأجنداتها الخاصة، لجأت إلى استدراج وتوريط من أسماهم “ضعاف النفوس”، والتغرير بهم لجمع المعلومات منهم.
وأضاف أن “الأمن العام” اعتقل “خلية جاسوسية” تعمل لمصلحة جهات “معادية”، وأن عمليات الرصد والتحقيق في “تواصلات مريبة” جارية منذ ستة أشهر، وبعد انتهاء التحقيق سيتم تقديم “المتورطين” إلى القضاء، وفق العمر.

تنظيم سري أم ذريعة لترتيب البيت الداخلي

يعد ظهور تشكيل جديد في مناطق سيطرة “تحرير الشام” أمرًا غير مألوف، رغم ظهور عدة تشكيلات سابقة نفّذت عمليات مختلفة، منها “سرية أنصار أبي بكر ” التي استهدفت القوات التركية في إدلب، وحواجز عسكرية للفصائل، وأعلن “الأمن العام” القبض عليها في تموز 2022.
الباحث المتخصص بدراسة الحركات الإسلامية وتحولات “السلفية الجهادية” عزام القصير، قال لعنب بلدي، إنه في حال كان هناك حقًا تنظيم سري جديد، فإنه سيتسبب بإرباك بسيط لـ”الهيئة”، ولن يشكّل تهديدًا وجوديًا لها.
ويميل القصير إلى الاعتقاد بعدم وجود تنظيم مستقل كهذا، أو أن “الهيئة” تعلم بوجوده، ولكنها كعادتها تقوم باتباع استراتيجية توظيف الفرص واستغلالها، لافتًا إلى أن وجود معارضة محلية وأعداء لـ”الهيئة” في مناطق سيطرتها، يمكن استغلاله كحجة لإعادة ترتيب البيت الداخلي لـ”تحرير الشام” وتوزيع القوة وإقصاء المعارضين الخطرين.
في إعلان المتحدث باسم “جهاز الأمن العام” عن اعتقال ما أسماه “خلية جاسوسية”، لم يذكر أي معلومات عن أعداد “المتورطين” ولا تبعيتهم ولا مناصبهم داخل “تحرير الشام” ولا صورهم ولا اعترافاتهم، كما جرى في مرات سابقة.
ويرى القصير أن “الهيئة” ليست كلية القدرة، لكن بمقدورها مراقبة وضبط الأوضاع في مناطق سيطرتها التي لم تعد تحتل مساحات شاسعة، كما انحسر فيها وجود الفصائل الأخرى مقارنة بفترات زمنية سابقة.
وتسيطر “تحرير الشام” عسكريًا وأمنيًا على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية، وسهل الغاب شمال غربي حماة، وعملت على بسط سيطرتها من خلال حلّ بعض الفصائل وإزاحتها، ومصادرة أسلحتها، أو إجبارها على التماشي مع سياستها، ثم اتجهت لتفكيك الجماعات “الجهادية” التي يطغى المقاتلون الأجانب على تشكيلاتها العسكرية.
نشأت “تحرير الشام” في سوريا تحت مسمى “جبهة النصرة” نهاية عام 2011، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
ولا يزال “أبو محمد الجولاني”، وهو القائد العام لـ”تحرير الشام”، م ُ درج ً ا  ضمن المطلوبين لأمريكا، وبمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.