الاثرياء ورجال الأعمال يسرقون من الفقراء أعزّ ما يملكونه، تكاد لا تصدق إن الأغنياء من تفوح منهم عطور باذخة
ويرتدون البدلات الغالية وينتعلون الأحذية المصنوعة من جلود التماسيح والأفاعي النادرة، إنهم يزاحمون الفقراء وأهل (التعتير) على أهم ما يميزهم وأفضل ما لديهم، إنهم يخطفون الشكوى.الشكوى والتذمر التي لازمت الفقير والمتعب والكادح طوال قرون، بات عليهم أن يتقاسموها هذه الأيام مع أعدائهم التاريخيين في عالم صار عليه إعادة الاعتبار للحية ماركس وعصا أبي ذر الغفاري.
ترى رجل أعمال، قبل سنة كان حديثه متخما بالغرور، مستعرضا أمام الحاضرين والغائبين عبقرية انجازاته، متمثلا أن الاقتصاد هو الحل السحري لكل مشاكل العصر، وأن الأنفتاح والسوق المفتوحة تجعل الأمم تتفرغ للعمل وان السياسة مضيعة للوقت والثقافة (شغلة من لا شغلة له) فتضحك سكرتيرته الحسناء وهي تطري على عبقريته.أرقام حساباته تتغير بالثواني وأرباحه تكاد لا تحصى، هذه ليست شخصية افتراضية بل رجل أعمال ألتقيته قبل عام ونصف يملك أربع سيارات، بورش ولمبرغيني ومرسيدس بنز، مع أخرى بنتلي وارقام نهاب ذكرها، جلدنا يومها بعبقريته ولم ينس أن يخص دبي بوافر جامح من المديح، ألتقيت نفس الشخص فوجدته رجلا أخرهو ذاته ولكنه شكّاء بكّاء بلا سكرتيرة حسناء، مرعوبا من القادم غامزا في تجربة دبي متهما ضمنا المدينة التي منحته كل ما سبق قبل عام ونصف بأنها ورطته في مجازفة غير محسوبة .هذا النموذج ليس وحيدا بل بات من السهل سماع أصواتهم هذه الأيام في المقاهي والمحلات العامة لتزداد النبرة في الجلسات الخاصة؟ فتسأل نفسك هذا السؤال الأفتراضي الجارح ماذا يحصل في دبي؟ثمة كآبة في المدينة وشعور ما بالأحباط، شعور بالشماتة من الأقرباء والأباعد، تكشف الأزمة في دبي إنها عليها فعلا أن تعيد تقييم تجربتها، إعادة بناء الإنساني فيها التركيز على ما لا يتغير بتغير المؤشرات، ترى المستثمرين والموظفين الأجانب والوافدين هم الأكثر انتهازية، وشماتة
.ترى الموظفين الاجانب المسؤولين عن أنهاء العقود يركزون على العرب (على حد ادعاء أحدى العاملات في شركة سياحية كبرى) خمس سنوات من الكد والتفاني، النتيجة ببساطة قرار بالايقاف عن العمل تحت عنوان عريض: الأزمة الاقتصادية، لنكتشف أنه تم استبدالنا بفريق عمل من بريطانية، بعد تغير المدير اللبناني وجلب مديرة بريطانية.الشركات تعيد هيكلة نفسها والأجانب يستغلون الأزمة لتدعيم حضورهم والعرب والآسيويون هم أول الضحايا للتغيرات، أين يمكن أن تمسك بالمزاج في مدينة حققت بعشر سنوات ما عجزت دول على تحقيقه في قرن، تستقصي حال واحوال العابرين والمقيمين، مشارب المدينة التي كانت تمور بالحياة لن تعطيك الاجابات الشافية.مؤسسات دبي الأكثر حصولا على الأيزو في العالم العربي، مدينة المعجزة والأمنيات، مدينة الأضواء والصفقات التاريخية، مدينة الأبراج والآلات الحاسبة التي لا تتوقف عن الهدير، مدينة الجزر العائمة والرفاهية المدهشة، مدينة الوجوه الطيبة والأقنعة المسالمة، مدينة السلم والامان والتعايش، مدينة عربية دخلت العالمية بثقل وثقة وثقافة جديدة، دبي مدينة من المستقبل غير انها تعيش الآن شيئا يربك كل ما سبق
.إشاعات، أخبار غير موثوقة، تضارب في التصريحات، شركات تلقفت الأزمة، وجميعها بدأت تعد العدة للأسوأ، مؤشر البورصة اعتاد متابعوه خلال الأشهر الماضية على احمراره، وفقد بعام واحد 60 بالمئة من قيمته.ينتاب الجميع القلق، تسريحات هنا وإقفال هناك، نصف رواتب ولا علاوات، 1500 عامل ينهون أعمالهم يوميا في الإمارات، يصحح آخر الرقم أكبر بكثير، يرد آخر لا يا أخي الرقم عادي لأن 600 إقامة تأتي يوميا، ولكن أنظر الشوارع خالية! ما نفع نظام سالك؟ تأجل تسليم المترو حتى 2011، توقف العمل في البرج العملاق، توقف التوظيف في عشرات الشركات الكبرى، العقارات تعرض بلا مشتر، المشاريع لن تسلم في موعدها، شركة طيران الإمارات بيعت
.لا لم تبع يكذب المسؤولون الخبر.شركة إعمار باعت أكثر من النصف أسهمها؟ لا لم تبع يكذب المدير الخبر.بيع وشراء، خسائر وارباح، توقف عن العمل أو تأجيل للعمل، الشركات ستسلم في موعدها هذا العام.الأيجارات التي وصلت أرقاما فلكية هدأت أخيرا، إنها حركة تصحيح ولكن ماذا يحصل في دبي؟الأجابات ليست شافية الاشاعات سيدة الموقف هي التي تحدد مدار العمليات، الأثار بدأت تلاحظ في المدينة الهادئة في هذا الوقت، نسبة إشغال الفنادق تنخفض على ذمة أصحاب الفنادق،ومهرجان التسوق هذا العام يكاد لا يلاحظ
.والقرية العالمية يبدو واضحا أن الأزمة طالت القطاعات والأشخاص الأكثر كسلا والأكثر ربحا، من سماسرة ومضاربين ورجال الأعمال المغامرين ممن أدمنوا المرابح السريعة والجهد القليل، هؤلاء اليوم هم الأكثر أنانية والأكثر شكوى وتأففا وإثارة للشائعات هم الاقل مسؤولية الأقل تعاطفا مع المكان الذي منحهم فرصا لم يحلموا بها.نحن نبيع (تشكلس) على الاشارة هكذا كان يصنف اصحاب التجارة الحقيقية ذات المرابح المنطقية، والاهداف الطبيعية في النمو، عندما يسمع عن مرابح تجار البورصة أو سماسرة العقارات، نحرك مليوني دولار، لنربح ثلاثين ألف دولار.بينما يحقق سمسار أو مضارب في البورصة أو شاري شقة في دبي عشرة أضعاف المربح وبنصف رأس المال وفي أقل من أسبوع هكذا كان الوضع سابقا ورغم ذلك لم تغرِ القطاعات الربحية رجال الأعمال الحقيقيين، الذين وجدوا أنهم كانوا على صواب، لم تغرهم الأرقام الفلكية في المرابح، لذلك هم مطمئنون وهم من يحاولون أن يطمئنوا الآخرين.هي سيارات مرهونة للبنوك يتركها المغادرون ممن تم إيقافهم عن العمل أو أنهوا أعمالهم أو طردوا منها، يتركونها في موقف المطار، ويغادرون، بالغ الكثير في العدد حيث قالوا أنه بالآلاف، وقلل المسؤولون في الشرطة الرقم واعتبروه انه ضمن المعدل الطبيعي، الرقم المهول الذي نقلته جريدة الكترونية سعودية مشكوك به، أستدعى قائد شرطة دبي تكذيبه وإنها لم تصل إلى 11 سيارة ويتهم الإعلام بالتهويل.أيا كان العدد بالمئات أو الألاف أو العشرات، فهو يعكس حجم المشكلة التي تواجهها دبي، التي وجدت نفسها فجأة بحاجة إليها (الشفافية والمصدر الموثوق للاخبار) فإعلام الإمارة الفتية، هو إعلام فتيٌ أيضا وحقق قفزة نوعية بعد أن تقدم على العديد من الدول العربية حسب تصنيف مؤسسات الشفافية العالمية، ولكن الأمر الذي ما زال بحاجته هو تحريره فعلا، كشرط حقيقي ليواكب تحرير السوق الكبير الذي نجحت فيه الإمارة، فمؤسسات مثل دبي للإعلام والمجموعة العربية للأعلام حققت حضوراً كبيراً، ونوعياً في الشكل فتطورت الصحف العريقة مثل 'البيان' وشكل تلفزيون 'دبي' أصبح عصريا، وجريدة 'الإمارات اليوم' أصبحت حاضرة في المشهد الصباحي، والتلفزيونات والإذاعات زودت بأكفأ الخبرات وأحدث التقنيات ولكن ها هي جميعا تبدو بلا فعالية في حالٍ تشتمُ منه رائحة َالأزمات، الناس لا يصدقونها، أو لا يركنون كثيرا لتحليلاتها الاقتصادية فاصرار الإعلام في دبي على أن كل شيء بخير لا وبل رائع، وخلو الإعلام من الجانب التوعوي لمواجهة مفاعيل الأزمة، أسوة بباقي دول العالم التي خصصت برامج للتعامل مع الاستثمار والـ'كردت كارد' والقروض، وافضل السبل للتعاطي الاجتماعي مع الأزمة
.نجد الجميع يلفظون عبارة واحدة: احتفظ بـ'الكاش'.مختصر القول: الإعلام الاقتصادي الاجتماعي في الامارات عامة ودبي خاصة، لم يلعب الدور المنوط به، حتى انه لم يصل إلى السقف الممنوح له، فرؤساء التحرير تجدهم يغيرون في الشكل ويبقون على المضامين القديمة ذاتها، رغم الاشارات الإيجابية من الحكومة بفتح الإعلام وربطه بالمسؤولية، وهي الكلمة الفضفاضة التي يجب أن تحدد مع المعنيين لأن كل واحد يفسرها على مزاجه ومركزه ودرجة ثباته في موقعه. مما جعل الإعلام الإماراتي عامة ودبي خاصة، يبدو بأداء ضعيف في الأزمة وجعل باب الشائعة وأحاديث المقاهي، والإعلام القادم من الخارج هو من يبلبل الأمور.خليجية عربية عالمية، يبدو أن هناك شماتة من الجميع الأقرباء والأباعد بدبي خصوصا، فترى نوادي الانترنت والتعليقات والتحليلات، يصورون الفقاعة التي انتهت، والمغامرة التي توقفت، كل هذا يمكن الرد عليه ولكن الغريب هو روح الشماتة والسخرية المبطنة بحق هذه المدينة، التي تشعر حتى المحايدين بالأسف، فدبي فتحت أبوابها للجميع، وأعطت فرصا للجميع، فترى خلال السنوات الماضية، من لم يفقه حرفا بالاقتصاد أخذ فرصة للاستثمار بتحقيق حلمه، ببيئة عمل متساوية، بالحد الطبيعي والمعقول، فأوجدت نصف حل لمشكلة الكفيل، عن طريق المناطق الحرة المنتشرة في كل مكان، وقدمت فرصا للشباب العربي على كافة مستوياته ليأتي بأفكاره واجتهاده، ساعدت البيئة المسالمة والمريحة والواضحة الكثيرين على فتح عملهم الخاص، وجعلت منهم رجال أعمال بمقاييس عالمية، حصدوا خلال السنوات الماضية الارباح والبذخ الرغيد، لم تمل دبي ولا الإمارات ضرورة الشراكة مع أبناء الشيوخ والمسؤولين أسوة بالبلدان العربية الأخرى لم تتدخل الحكومة في الأعمال، لم تطالبهم بضرائب، أو حصص في الأرباح وها هم مع اول أزمة كانوا أول المسيئين للمدينة الحالمة، عن طريق بثهم الروح السلبية، والإدعاء والتهويل، فكأن هذه المدينة لا تستحق منهم وقفة معها
.ثمة قلة وفاء واضحة قال رجل أعمال عربي، الأزمة موجودة ولكن التهويل أكبر من الحقيقة.الأحساس الدائم إنك لست في بلدك مهما بلغت ومهما فعلت ومهما انفقت من حياة ونقود واستثمار فلن تكون سوى وافد عليك المغادرة يوما من الإيام هذا هو السبب يصرح (سمسار) عقارات تضرر بشدة بالأزمة.لقد توهمنا أنه يمكن أن نبقى هنا إلى الأبد الحقيقة لا، حان وقت العودة إلى مكان نكون فيه مواطنين ولسنا وافدين.حتى لو كان فقيرا أو معدما التجربة الاخيرة في دبي جعلت الجميع يستفيق.مجرد ان تنتهي السنة الدراسية للأولاد، سأغادر للأبد ولن أعود.تركنا الأحاديث المخضبة بدخان (الأراكيل) داخل المقاهي، وقررنا أن نقوم بجولة ميدانية في المدينة التي تحتفل بشهر التسوق السنوي الذي أضحى تقليدا.داخل مراكز التسوق تخفيضات تصل إلى سبعين بالمئة.المحلات نفسها تضج بالملابس، والعطور، الكماليات، أطعمة لجميع الفئات، حذاء بعشرة دولارات أو بثلاثة آلاف دولار، فلكل سلعة زبائنها ولكل محل استراتيجيته، وتنزيلاته.نغافل المدير لنسأل شابا من الجزائر يعمل في أحدى محلات الماركات العالمية.كيف الأزمة هل انخفض البيع.يتلفت قليلا وبعد أن يطمئن يقول بصوت خافت لا يوجد أزمة عندنا، الشهر الماضي وضعت الشركة حوافز لنا إذا بعنا بأربعة مليون أن نأخذ (بونص) مكافأة سنوية النتيجة أننا بعنا بستة ملايين، وحصلنا على نصف مرتب متحججين بوجود الأزمة، وعندما واجهناهم بأرقام البيع قالوا لكم الخيار الاستقالة أو الاستمرار
.القرية العالمية، التي أضحت واحدة من تقاليد دبي الشتائية، نتجول بين محلاتها، كلام واحد من البائعين، نحن نبيع أفضل من العام الماضي والذي سبقه، ولكن أعداد الزوار انخفضت.ربما يعود السبب أن سعر التذكرة ارتفع وحصول تلكؤ من اصحاب العمل أن العمل لم يعد مجديا كسابق.مدير شركة كمبيوتر في جبل علي، يقول لنا، بكل صراحة وبدون مواربة، الشهر الأول هذا العام حققنا نتائج لم نعهدها منذ أربع سنوات، إذا كانت الأزمة الاقتصادية ستجعلنا نعمل بهذه الربحية، يا مرحبا بالأزمات يضيف ضاحكا.نحاول الاستفسار ماذا يحصل لدى رجال الأعمال؟الجواب السريع إنهم يختلقون أزمة أخرى ؟ إنه جبن رأس المال، الذي يضحي أول ما يضحي به هو العامل البسيط، يمكن لهم أن يتحملوا ببساطة لأن خسائرهم ليس إلا من الأرباح، ثم أن ما يحدث في العالم وفر لهم غطاء
.قبل عام بالتمام والكمال، نشرنا مادة في 'القدس العربي' بعنوان (دبي مدينة الوهم) يومها لم تكن الأزمة موجودة أو واضحة، وكان كل صباح يستيقظ أكثر من 500 صحافي يلمعون جسد المدينة، ويكتبون بأنشاء بلاغي لتعظيم المنجز وتبهير الفعل، قلنا الجسد جميل والروح مفقودة، قلنا يومها إننا نخشى على روح المدينة، على ثقافتها على انسانها الذي اختفى في غمرة بنيانها، يومها لامنا بعض المسؤولين، وأتصل آخرون معاتبين، على سلبيتنا من المدينة، اليوم نقول مرة أخرى أننا نحترم دبي
.يمكن أن لا نحبها ولكن حتما لا نكرهها، نطالب المؤتمنين على تسويق المدينة، من الإعلاميين على وجه الخصوص الأرتقاء للحظة صدق مع الذات والمكان والإنسان، مع الشفافية وإن كانت مؤلمة، مع الصراحة في زمن الشائعة، فالأزمة كشفت إن مشروع دبي يحظى بكم من الحساد والمراهنين على فشله أكبر بكثير من الداعمين له، وإن شباب الإمارات مطالبون بهذا الوقت برد ديونهم لدبي قبل غيرهم، وأن يقفوا مع مدينتهم ويدخلوا إلى عصبها الحيوي ويستلموا هم المبادرة، قبل بدئهم بإيجاد شماعة لحالهم واحوالهم.ستجتاز دبي هذه التجربة، فهذه الأزمة جاءت في موعدها لتصحيح الكثير من الأفكار ومراجعة التجربة، ووضعها في سياقها الإنساني أولا فالبقاء للإنسان وليس للعمران على عكس ما يتوقعه الكثيرون فمن يراهن على العقار، يمكن له أن يخسر من قيمته ومن يؤمن بالإنسان فاستثماره سيبقيه رابحا مهما تأرجحت البورصات.
ويرتدون البدلات الغالية وينتعلون الأحذية المصنوعة من جلود التماسيح والأفاعي النادرة، إنهم يزاحمون الفقراء وأهل (التعتير) على أهم ما يميزهم وأفضل ما لديهم، إنهم يخطفون الشكوى.الشكوى والتذمر التي لازمت الفقير والمتعب والكادح طوال قرون، بات عليهم أن يتقاسموها هذه الأيام مع أعدائهم التاريخيين في عالم صار عليه إعادة الاعتبار للحية ماركس وعصا أبي ذر الغفاري.
ترى رجل أعمال، قبل سنة كان حديثه متخما بالغرور، مستعرضا أمام الحاضرين والغائبين عبقرية انجازاته، متمثلا أن الاقتصاد هو الحل السحري لكل مشاكل العصر، وأن الأنفتاح والسوق المفتوحة تجعل الأمم تتفرغ للعمل وان السياسة مضيعة للوقت والثقافة (شغلة من لا شغلة له) فتضحك سكرتيرته الحسناء وهي تطري على عبقريته.أرقام حساباته تتغير بالثواني وأرباحه تكاد لا تحصى، هذه ليست شخصية افتراضية بل رجل أعمال ألتقيته قبل عام ونصف يملك أربع سيارات، بورش ولمبرغيني ومرسيدس بنز، مع أخرى بنتلي وارقام نهاب ذكرها، جلدنا يومها بعبقريته ولم ينس أن يخص دبي بوافر جامح من المديح، ألتقيت نفس الشخص فوجدته رجلا أخرهو ذاته ولكنه شكّاء بكّاء بلا سكرتيرة حسناء، مرعوبا من القادم غامزا في تجربة دبي متهما ضمنا المدينة التي منحته كل ما سبق قبل عام ونصف بأنها ورطته في مجازفة غير محسوبة .هذا النموذج ليس وحيدا بل بات من السهل سماع أصواتهم هذه الأيام في المقاهي والمحلات العامة لتزداد النبرة في الجلسات الخاصة؟ فتسأل نفسك هذا السؤال الأفتراضي الجارح ماذا يحصل في دبي؟ثمة كآبة في المدينة وشعور ما بالأحباط، شعور بالشماتة من الأقرباء والأباعد، تكشف الأزمة في دبي إنها عليها فعلا أن تعيد تقييم تجربتها، إعادة بناء الإنساني فيها التركيز على ما لا يتغير بتغير المؤشرات، ترى المستثمرين والموظفين الأجانب والوافدين هم الأكثر انتهازية، وشماتة
.ترى الموظفين الاجانب المسؤولين عن أنهاء العقود يركزون على العرب (على حد ادعاء أحدى العاملات في شركة سياحية كبرى) خمس سنوات من الكد والتفاني، النتيجة ببساطة قرار بالايقاف عن العمل تحت عنوان عريض: الأزمة الاقتصادية، لنكتشف أنه تم استبدالنا بفريق عمل من بريطانية، بعد تغير المدير اللبناني وجلب مديرة بريطانية.الشركات تعيد هيكلة نفسها والأجانب يستغلون الأزمة لتدعيم حضورهم والعرب والآسيويون هم أول الضحايا للتغيرات، أين يمكن أن تمسك بالمزاج في مدينة حققت بعشر سنوات ما عجزت دول على تحقيقه في قرن، تستقصي حال واحوال العابرين والمقيمين، مشارب المدينة التي كانت تمور بالحياة لن تعطيك الاجابات الشافية.مؤسسات دبي الأكثر حصولا على الأيزو في العالم العربي، مدينة المعجزة والأمنيات، مدينة الأضواء والصفقات التاريخية، مدينة الأبراج والآلات الحاسبة التي لا تتوقف عن الهدير، مدينة الجزر العائمة والرفاهية المدهشة، مدينة الوجوه الطيبة والأقنعة المسالمة، مدينة السلم والامان والتعايش، مدينة عربية دخلت العالمية بثقل وثقة وثقافة جديدة، دبي مدينة من المستقبل غير انها تعيش الآن شيئا يربك كل ما سبق
.إشاعات، أخبار غير موثوقة، تضارب في التصريحات، شركات تلقفت الأزمة، وجميعها بدأت تعد العدة للأسوأ، مؤشر البورصة اعتاد متابعوه خلال الأشهر الماضية على احمراره، وفقد بعام واحد 60 بالمئة من قيمته.ينتاب الجميع القلق، تسريحات هنا وإقفال هناك، نصف رواتب ولا علاوات، 1500 عامل ينهون أعمالهم يوميا في الإمارات، يصحح آخر الرقم أكبر بكثير، يرد آخر لا يا أخي الرقم عادي لأن 600 إقامة تأتي يوميا، ولكن أنظر الشوارع خالية! ما نفع نظام سالك؟ تأجل تسليم المترو حتى 2011، توقف العمل في البرج العملاق، توقف التوظيف في عشرات الشركات الكبرى، العقارات تعرض بلا مشتر، المشاريع لن تسلم في موعدها، شركة طيران الإمارات بيعت
.لا لم تبع يكذب المسؤولون الخبر.شركة إعمار باعت أكثر من النصف أسهمها؟ لا لم تبع يكذب المدير الخبر.بيع وشراء، خسائر وارباح، توقف عن العمل أو تأجيل للعمل، الشركات ستسلم في موعدها هذا العام.الأيجارات التي وصلت أرقاما فلكية هدأت أخيرا، إنها حركة تصحيح ولكن ماذا يحصل في دبي؟الأجابات ليست شافية الاشاعات سيدة الموقف هي التي تحدد مدار العمليات، الأثار بدأت تلاحظ في المدينة الهادئة في هذا الوقت، نسبة إشغال الفنادق تنخفض على ذمة أصحاب الفنادق،ومهرجان التسوق هذا العام يكاد لا يلاحظ
.والقرية العالمية يبدو واضحا أن الأزمة طالت القطاعات والأشخاص الأكثر كسلا والأكثر ربحا، من سماسرة ومضاربين ورجال الأعمال المغامرين ممن أدمنوا المرابح السريعة والجهد القليل، هؤلاء اليوم هم الأكثر أنانية والأكثر شكوى وتأففا وإثارة للشائعات هم الاقل مسؤولية الأقل تعاطفا مع المكان الذي منحهم فرصا لم يحلموا بها.نحن نبيع (تشكلس) على الاشارة هكذا كان يصنف اصحاب التجارة الحقيقية ذات المرابح المنطقية، والاهداف الطبيعية في النمو، عندما يسمع عن مرابح تجار البورصة أو سماسرة العقارات، نحرك مليوني دولار، لنربح ثلاثين ألف دولار.بينما يحقق سمسار أو مضارب في البورصة أو شاري شقة في دبي عشرة أضعاف المربح وبنصف رأس المال وفي أقل من أسبوع هكذا كان الوضع سابقا ورغم ذلك لم تغرِ القطاعات الربحية رجال الأعمال الحقيقيين، الذين وجدوا أنهم كانوا على صواب، لم تغرهم الأرقام الفلكية في المرابح، لذلك هم مطمئنون وهم من يحاولون أن يطمئنوا الآخرين.هي سيارات مرهونة للبنوك يتركها المغادرون ممن تم إيقافهم عن العمل أو أنهوا أعمالهم أو طردوا منها، يتركونها في موقف المطار، ويغادرون، بالغ الكثير في العدد حيث قالوا أنه بالآلاف، وقلل المسؤولون في الشرطة الرقم واعتبروه انه ضمن المعدل الطبيعي، الرقم المهول الذي نقلته جريدة الكترونية سعودية مشكوك به، أستدعى قائد شرطة دبي تكذيبه وإنها لم تصل إلى 11 سيارة ويتهم الإعلام بالتهويل.أيا كان العدد بالمئات أو الألاف أو العشرات، فهو يعكس حجم المشكلة التي تواجهها دبي، التي وجدت نفسها فجأة بحاجة إليها (الشفافية والمصدر الموثوق للاخبار) فإعلام الإمارة الفتية، هو إعلام فتيٌ أيضا وحقق قفزة نوعية بعد أن تقدم على العديد من الدول العربية حسب تصنيف مؤسسات الشفافية العالمية، ولكن الأمر الذي ما زال بحاجته هو تحريره فعلا، كشرط حقيقي ليواكب تحرير السوق الكبير الذي نجحت فيه الإمارة، فمؤسسات مثل دبي للإعلام والمجموعة العربية للأعلام حققت حضوراً كبيراً، ونوعياً في الشكل فتطورت الصحف العريقة مثل 'البيان' وشكل تلفزيون 'دبي' أصبح عصريا، وجريدة 'الإمارات اليوم' أصبحت حاضرة في المشهد الصباحي، والتلفزيونات والإذاعات زودت بأكفأ الخبرات وأحدث التقنيات ولكن ها هي جميعا تبدو بلا فعالية في حالٍ تشتمُ منه رائحة َالأزمات، الناس لا يصدقونها، أو لا يركنون كثيرا لتحليلاتها الاقتصادية فاصرار الإعلام في دبي على أن كل شيء بخير لا وبل رائع، وخلو الإعلام من الجانب التوعوي لمواجهة مفاعيل الأزمة، أسوة بباقي دول العالم التي خصصت برامج للتعامل مع الاستثمار والـ'كردت كارد' والقروض، وافضل السبل للتعاطي الاجتماعي مع الأزمة
.نجد الجميع يلفظون عبارة واحدة: احتفظ بـ'الكاش'.مختصر القول: الإعلام الاقتصادي الاجتماعي في الامارات عامة ودبي خاصة، لم يلعب الدور المنوط به، حتى انه لم يصل إلى السقف الممنوح له، فرؤساء التحرير تجدهم يغيرون في الشكل ويبقون على المضامين القديمة ذاتها، رغم الاشارات الإيجابية من الحكومة بفتح الإعلام وربطه بالمسؤولية، وهي الكلمة الفضفاضة التي يجب أن تحدد مع المعنيين لأن كل واحد يفسرها على مزاجه ومركزه ودرجة ثباته في موقعه. مما جعل الإعلام الإماراتي عامة ودبي خاصة، يبدو بأداء ضعيف في الأزمة وجعل باب الشائعة وأحاديث المقاهي، والإعلام القادم من الخارج هو من يبلبل الأمور.خليجية عربية عالمية، يبدو أن هناك شماتة من الجميع الأقرباء والأباعد بدبي خصوصا، فترى نوادي الانترنت والتعليقات والتحليلات، يصورون الفقاعة التي انتهت، والمغامرة التي توقفت، كل هذا يمكن الرد عليه ولكن الغريب هو روح الشماتة والسخرية المبطنة بحق هذه المدينة، التي تشعر حتى المحايدين بالأسف، فدبي فتحت أبوابها للجميع، وأعطت فرصا للجميع، فترى خلال السنوات الماضية، من لم يفقه حرفا بالاقتصاد أخذ فرصة للاستثمار بتحقيق حلمه، ببيئة عمل متساوية، بالحد الطبيعي والمعقول، فأوجدت نصف حل لمشكلة الكفيل، عن طريق المناطق الحرة المنتشرة في كل مكان، وقدمت فرصا للشباب العربي على كافة مستوياته ليأتي بأفكاره واجتهاده، ساعدت البيئة المسالمة والمريحة والواضحة الكثيرين على فتح عملهم الخاص، وجعلت منهم رجال أعمال بمقاييس عالمية، حصدوا خلال السنوات الماضية الارباح والبذخ الرغيد، لم تمل دبي ولا الإمارات ضرورة الشراكة مع أبناء الشيوخ والمسؤولين أسوة بالبلدان العربية الأخرى لم تتدخل الحكومة في الأعمال، لم تطالبهم بضرائب، أو حصص في الأرباح وها هم مع اول أزمة كانوا أول المسيئين للمدينة الحالمة، عن طريق بثهم الروح السلبية، والإدعاء والتهويل، فكأن هذه المدينة لا تستحق منهم وقفة معها
.ثمة قلة وفاء واضحة قال رجل أعمال عربي، الأزمة موجودة ولكن التهويل أكبر من الحقيقة.الأحساس الدائم إنك لست في بلدك مهما بلغت ومهما فعلت ومهما انفقت من حياة ونقود واستثمار فلن تكون سوى وافد عليك المغادرة يوما من الإيام هذا هو السبب يصرح (سمسار) عقارات تضرر بشدة بالأزمة.لقد توهمنا أنه يمكن أن نبقى هنا إلى الأبد الحقيقة لا، حان وقت العودة إلى مكان نكون فيه مواطنين ولسنا وافدين.حتى لو كان فقيرا أو معدما التجربة الاخيرة في دبي جعلت الجميع يستفيق.مجرد ان تنتهي السنة الدراسية للأولاد، سأغادر للأبد ولن أعود.تركنا الأحاديث المخضبة بدخان (الأراكيل) داخل المقاهي، وقررنا أن نقوم بجولة ميدانية في المدينة التي تحتفل بشهر التسوق السنوي الذي أضحى تقليدا.داخل مراكز التسوق تخفيضات تصل إلى سبعين بالمئة.المحلات نفسها تضج بالملابس، والعطور، الكماليات، أطعمة لجميع الفئات، حذاء بعشرة دولارات أو بثلاثة آلاف دولار، فلكل سلعة زبائنها ولكل محل استراتيجيته، وتنزيلاته.نغافل المدير لنسأل شابا من الجزائر يعمل في أحدى محلات الماركات العالمية.كيف الأزمة هل انخفض البيع.يتلفت قليلا وبعد أن يطمئن يقول بصوت خافت لا يوجد أزمة عندنا، الشهر الماضي وضعت الشركة حوافز لنا إذا بعنا بأربعة مليون أن نأخذ (بونص) مكافأة سنوية النتيجة أننا بعنا بستة ملايين، وحصلنا على نصف مرتب متحججين بوجود الأزمة، وعندما واجهناهم بأرقام البيع قالوا لكم الخيار الاستقالة أو الاستمرار
.القرية العالمية، التي أضحت واحدة من تقاليد دبي الشتائية، نتجول بين محلاتها، كلام واحد من البائعين، نحن نبيع أفضل من العام الماضي والذي سبقه، ولكن أعداد الزوار انخفضت.ربما يعود السبب أن سعر التذكرة ارتفع وحصول تلكؤ من اصحاب العمل أن العمل لم يعد مجديا كسابق.مدير شركة كمبيوتر في جبل علي، يقول لنا، بكل صراحة وبدون مواربة، الشهر الأول هذا العام حققنا نتائج لم نعهدها منذ أربع سنوات، إذا كانت الأزمة الاقتصادية ستجعلنا نعمل بهذه الربحية، يا مرحبا بالأزمات يضيف ضاحكا.نحاول الاستفسار ماذا يحصل لدى رجال الأعمال؟الجواب السريع إنهم يختلقون أزمة أخرى ؟ إنه جبن رأس المال، الذي يضحي أول ما يضحي به هو العامل البسيط، يمكن لهم أن يتحملوا ببساطة لأن خسائرهم ليس إلا من الأرباح، ثم أن ما يحدث في العالم وفر لهم غطاء
.قبل عام بالتمام والكمال، نشرنا مادة في 'القدس العربي' بعنوان (دبي مدينة الوهم) يومها لم تكن الأزمة موجودة أو واضحة، وكان كل صباح يستيقظ أكثر من 500 صحافي يلمعون جسد المدينة، ويكتبون بأنشاء بلاغي لتعظيم المنجز وتبهير الفعل، قلنا الجسد جميل والروح مفقودة، قلنا يومها إننا نخشى على روح المدينة، على ثقافتها على انسانها الذي اختفى في غمرة بنيانها، يومها لامنا بعض المسؤولين، وأتصل آخرون معاتبين، على سلبيتنا من المدينة، اليوم نقول مرة أخرى أننا نحترم دبي
.يمكن أن لا نحبها ولكن حتما لا نكرهها، نطالب المؤتمنين على تسويق المدينة، من الإعلاميين على وجه الخصوص الأرتقاء للحظة صدق مع الذات والمكان والإنسان، مع الشفافية وإن كانت مؤلمة، مع الصراحة في زمن الشائعة، فالأزمة كشفت إن مشروع دبي يحظى بكم من الحساد والمراهنين على فشله أكبر بكثير من الداعمين له، وإن شباب الإمارات مطالبون بهذا الوقت برد ديونهم لدبي قبل غيرهم، وأن يقفوا مع مدينتهم ويدخلوا إلى عصبها الحيوي ويستلموا هم المبادرة، قبل بدئهم بإيجاد شماعة لحالهم واحوالهم.ستجتاز دبي هذه التجربة، فهذه الأزمة جاءت في موعدها لتصحيح الكثير من الأفكار ومراجعة التجربة، ووضعها في سياقها الإنساني أولا فالبقاء للإنسان وليس للعمران على عكس ما يتوقعه الكثيرون فمن يراهن على العقار، يمكن له أن يخسر من قيمته ومن يؤمن بالإنسان فاستثماره سيبقيه رابحا مهما تأرجحت البورصات.
يمكن قراءة المقال من المصدر مع قضايا اخرى على الرابط التالي
http://alaqariya.blogspot.com/2009/02/10-3.html
http://alaqariya.blogspot.com/2009/02/10-3.html