نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


جينات البداوة تقود الخليجيين باتجاه الصحراء




الدوحة - نور محمد : في الوقت الذي تتماهى فيه المدن الخليجية في صورة المدن الاوربيه أو الأمريكية الكبري ، فتنشأ الأبراج الضخمة و الأسواق العملاقة ، يعاود الحنين أهالى المنطقة للمناطق الصحراوية و العودة للطبيعة ، فتغزو الخيام مساحات كبيرة من الأراضى الخالية في موسم الشتاء .


جينات البداوة تقود الخليجيين باتجاه الصحراء
ما أن يحل موسم الشتاء في منطقة الخليج ، حتى يشد عدد كبير من المواطنون رحالهم نحو أرض خلاء ، تذكرهم بالشكل الأول للبداوة و الإعتماد على الطبيعة ، ففي جميع دول الخليج العربي - الذي يشترك مواطنوه في جذورهم القبلية أو البدوية – تبدأ ظاهرة " التخيًم" و هذه كلمة مشتقة من إنشاء المخيمات مختلفة الأحجام و متعددة الاستخدامات ، فلا شيئ يضاهي حب الخليجيون – من جميع الأعمار و الأجناس – للعودة الى الصحراء أو "البر" كما يطلق عليه هنا في المنطقة ، و ذاك هرباً من الهجوم الشرس للمباني الضخمة و الصروح الاسمنتية العملاقة ، و المعتمدة على التكيفات الكهربية الى لا تكف عن الطنين و العمل ربما طوال ساعات النهار و الليل و أحيانا طوال أيام العام ، في هذا السبيل يجد الخليجيون مبتغاهم في الخروج الى المناطق التي لم يطلها بعد مس الحضاروة و جنون البناء ، حيث تبدأ أعداد الخيام في التزايد منذ بداية الموسم حتى تصبح أشبة بمعسكرات للجيش ، فالمتعة الموجوة هنا هي تنفس هواء خال من عادمات السيارات و مخافات المصانع و أيضاً من الضجيج ، و قد تسمع في الصباح أصوات الطيور و رفرفات الخمام ، و اذا كنت في صلاله فستسمع خرير المياة المنسابة من شلالات الخريف ، أما في المنطقة الحدودية بين السعودية و الكويت ، فصوت الماشية يغدو رفيق اصحاب الخيام في فترة التخيم تلك .
في البحرين التي هي أصغر دول الخليج مساحة ، تعتبر منطقة الصخير هي المنصقة التخييم ، فهي منطقة صحراوية منبسطة و متسعة نسبياً ، أما في موسم الشتاء ، فلا تكاد تجد موطئ خيمة جديدة ، فالعائلات تعمد الى حجز خيامها في المنطقة مبكرا لتضمن مكانها لرحلات الشتاء ، فمن لا يقضى الشتاء كله أو جزءً منه ، يكتفي بإجازة نهاية الاسبوع من الجمعة و السبت لقضاء ليلتين هادئتين في ربوع الطبيعة ، على الرغم من ان الزحام الان يعتبر سمة الصخير في السنوات الأخيرة بعد أن أقتطعت منه الدوله ما يقرب من نصفه من أجل المنفعة العامه ، أما اذا دهبنا الى السعودية فالأمر يختلف لاتساع الأرضى السعودية و امتداد الصحراء الواسع الذي يعطي الفرصة للعائلات بأن تتمتع بالخصوصية و الرفاهية في انشاء الخيام و إحاطتها بمساحات خالية و بأسوارتحدد الملكية الخاصة و المؤقتة مع الحرص على التمتع بمساحات خالية لتكون فناء خاص للعائلة فيستطيع الأطفال الركض في فنائهم الخاص دون خوف من تداخل " الأغراب" في منطقة وضع اليد هذة ، لكن الأرضى السعودية لا تصلح جميعها لهذا الغرض الترفيهي ، فلا بد للمنطقة المختارة أن تكون ذات طبيعة خصبة بحيث تكون قد نمت فيها الأعشاب و اصطبغت باللون الأخضر الذي يبحث عنه و يعشقة المخيمون ، و الذي يعبر عن خصوبة الطبيعة و يهدي راحة البال لهواة التخييم أو رحلات البر، وعلى ذلك فإن مواصفات مناطق التخيم المثالية لا تنطبق على صحراء الربع الخالي التي تلتهم أغلب مساحة السعودية ، لتكون مناطق مثل المناطق المحيطة بمدينة أبها مثلاً أو المناطق الحدودية مع الكويت ، من أكثر المناطق الجاذبة للمخيمين ليس من السعودين بحسب بل ومن الخليج كله ، حيث لا تمنع السلطات الخليجيون الاستمتاع بالصحاري أو الوديان الخضراء التي قد لا تصدق من فور جمالها أنك في نطاق الخليج أو المملكة السعودية ، وهنا صار بعض الخليجيون يحرصون على ابقاء خيامهم طوال العام مع العهد الى أحد العاملين – آسيوى في أغلب الحال – بحراسة المخيم فترة غياب اهله وذلك لأن الخيام المستخدمة لهذا الغرض لم تعد خيام الشعر القليدية و القديمة التي يقضى فيها البدوي طوال عمره ولكن خيام اليوم مجهزة بكل وسائل الرحة و الرفاهية من مولدات كهربية للاضاءة وأفران كهربيه و ساخانات و تلفزيونات وصحون لاقطة للبث التلفزيوني الفضائي و غيرها من الأدوات الى تجعل التخيم يجمع بين التواجد بين أحضان الطبيعة مع عدم التخلي عن تكنولوجيا العصر بكل نمنماتها و تفاصيلها.

في قطر ، فرضت ظاهرة التخيم نفسها على المؤسسات الحكومية أيضا ، فقد لجأت بعض المؤسسات مثل اللجنة الالمبية للرياضة و شركة الاتصالات الوطنية "كيوتل" الى انشاء مخيمات ضخمة لموظفيها ، حيث تصير المنطقة – مثل منطقة سيلين الجنوبية - منطقة معسكرات خاصة بالمنتمين للمؤسسة صاحبة المشروع و الانتفاع بها يكون مجاناً للموظفيها ، ويمكن أن تسمح المؤسسة للجمهور بالانتفاع بالمخيم في بعض أيام الإجازات كمل تفعل اللجنة الالمبية للرياضة التي أنشئت داخل المعسكر الخاص مساحات خاصة ملئتها بألعاب الاطفال كما وفرت عربات البر التى تعتبر قيادتها متعة حقة للكبار و الصغار ، بل أن اللجنة ذهبت في توفير وسائل الترفيه الى أكثر من ذلك ، فقامت بتعليق شاشات سينمائية ضخمة لتكون سينما للسيارات ، تلك الشاشات متصلة مباشرة مع مجمع سينمات الستي سنتر بالدوحة و الذي يعرض أحدث أفلام هوليود التي ربما لم تكن بعد قد وصلت لقاعات العرض في أوربا ، و ذلك أيضا مجاناً لرواد المخيم من المنتمين للمؤسسة أو الجمهور في فترات السماح التى طول أغلب الأوقات ، لكن هذة المخيمات المجهزة بالخيام و الراقية المستوى والمؤثثة بالأسرة ووسائل الراحة بجميع أنواعها الحديثة ، لم تنمع المواطنين من إنشاء مخيمات خاصة بعائلاتهم وذلك في المناطق التى تسمح فيها وزارة البيئة بإنشاء الخيام ، و لفترة محددة تحددها ايضا وزارة البيئة و التى مددتها هذا العام لشهر كامل و لكن الراغبين في التخيم ما زالوا يطالبون الوزارة بزيادة فترة السماح هذة ،كما جاء في تحقيق صحفي أجرتة احدى الصحف المحلية.
في الكويت ايضا ، يعشق الكويتون العودة الى روح البداوة بالخروج من رحم المدينة الباردة الى فضاء الطبيعة الرحب ، و للكويت مناطق صحراوية تصطبغ باللون الأخضر بعد موسم الأمطار ، خاصة تلك المناطق التي تجاور الحدود السعودية ، وفي المناطق الغير مطروقة بالسيارات ينمو "الفقع" وهو فطر أرضى ينمو في ظروف بيئية و جغرافية خاصة ، و الخليجيون يعشقون أكل هذا النبات الأرضى و هو يباع بأسعار عالية خاصة الأنواع الجيدة منه ، و نمو الفقع في الأراضي الكويتية و السعودية ، يشجع هواة البر في التخيم في مناطق مجاورة لمناطق نمو الفقع و القيام بجولات للبحث عن الفقع الذى يختبئ تحت الأرض و يحتاج الى أعين مدربة ، حيث يعتبر إلتقاط الفقع من الأرض متعة خاصة لعديد من مواطنوا الخليج .
و لا تختلف الامارات و مواطنوها كثيراً عن باقي شعوب المنطقة ، وتساعد الاماراتيون – كما السعودية – إمتداد الأراضى الخالية من الإعمار و خاصة في شمال البلاد ، في المناطق المجاورة لجبال رأس الخيمة و هي منطقة تهطل عليها الأمطار بغزارة ، بل أن قطع الثلج أو يسمى البرد تتساقط عليها بكثرة مما يساعد عل نمو الأعشاب و النباتات الموسمية بعد ان تهدأ الأمطار ، اما هذا العام فأن جبال رأس الخيمة قد أكتست بالثلوج لتشابها في منظر خلاب جبال أوربا ، و عندما تمتص الأرض تلك الثلوج الذائبة ، سوف تكتسى الجبال بلون أخظر يجلب هواة التخيم و الخلاء الى غزو تلك الجبال و ما يحيط بها من مناطق منبسطة ، أما سلطنة عمان فلها قصة طويلة مع استقطاب هواة التخيم من الخليج كافة و خاصة لمنطقة صلاله – انظر زاوية مدن في الهدهد - و قد قامت الدولة بتسخير طاقات خاصة و حهود حثيثة لتشجيع المخيمن من الخليج لزيارة تلك المناطق و ثتبيتها على خارطة السياحة في الخليج .
و بعد ، فالملاحظ أنه كلما زادت آلة البناء و التشيد في ضخ ترسانات الأسمنت في مدن مثل دبي أو الدوحة أو الرياض ، كلما زاد الشوق و الحنين بل و اللهفة على الهروب من ضجيج الآله الى سكينة الطبيعة و بكارتها ، فهل من سبب وراء هذا الهروب غير الرغبه في الهدوء الابتعاد عن رتابة الحياة في المدينة الحديثة ، أم ان بذرة من بداوة ما تزال تسكن الجينات الخليجية رغم استطان المدينة لأكثر من ثلاث أجيال حتى الآن ، سؤال يستحق من الباحثين الدوران حوله .



الدوحة - نور محمد
الثلاثاء 3 مارس 2009