وقالت رازاو صالحي، الباحثة المعنية بالعراق في منظمة العفو الدولية: “منذ تظاهرات تشرين، نكثت الحكومات العراقية المتعاقبة بوعودها بضمان الحقيقة والعدالة لضحايا عنف الدولة والميليشيات بحق المتظاهرين، والنشطاء، والمحامين العراقيين، وعائلاتهم. إن الملاحقات القضائية والتحقيقات المحدودة – التي تتضاءل بالمقارنة مع حجم الانتهاكات – تظهر بوضوح أن السلطات لا تكترث للمساءلة”.
“لقد طال انتظار العدالة لضحايا تظاهرات تشرين. ويجب على السلطات العراقية ضمان إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في الجرائم المرتكبة منذ عام 2019 ضد المحتجين والنشطاء وعائلاتهم، ونشر النتائج، ومحاسبة المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية في محاكمات عادلة تفي بالمعايير الدولية. كما يجب عليها حماية العائلات التي تطالب بالعدالة من العمليات الانتقامية”.
أعمال انتقامية لإسكات الأصوات المطالبة بتحقيق العدالة
بينما استمرت بعض العائلات في الإصرار على الدعوة إلى المساءلة ومتابعة التحقيقات التي تُركت معلقة، فإن الأعمال الانتقامية ضد مَن تحدثوا علنًا قد ردع عائلات أخرى عن مواصلة سعيها لتحقيق العدالة.وفي إحدى الحالات الصارخة، قُتل في مارس/آذار 2021 والد محامٍ حقوقي كان قد أُخفيَ قسرًا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد مواصلة الوالد حملة للحصول على إجابات حول مكان وجود إبنه. وكانت منظمة العفو الدولية قد حذرت من تهديدات تطال سلامة الأسرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ودعت السلطات العراقية إلى ضمان حمايتها.
كما تعرضت عائلة سجاد العراقي، وهو ناشط بارز آخر أُخفي قسرًا في سبتمبر/أيلول 2020 في الناصرية لتهديدات عديدة من قبل أشخاص يُعتقد أنهم على صلة بالخاطفين وفصائل الحشد الشعبي. وقد اتصل هؤلاء الأفراد بالأسرة في عدة مناسبات أو قصدوا منزلهم للضغط عليهم لإسقاط قضيتهم المتعلقة باختفاء سجاد العراقي. وتمحور نشاط سجاد العراقي على مكافحة الفساد.
غياب المحاسبة الحقيقية
لم تجرِ سوى ملاحقات قضائية محدودة جدًا لأفراد قوات الأمن أو الميليشيات التابعة لها لدورهم في العنف ضد المتظاهرين والنشطاء.إن الملاحقات القضائية والتحقيقات المحدودة – التي تتضاءل بالمقارنة مع حجم الانتهاكات – تظهر بوضوح أن السلطات لا تكترث للمساءلة.ففي تقرير صدر في يونيو/حزيران 2022، لم تتمكن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) إلا من تحديد إدانة أربعة “عناصر مسلحة مجهولة الهوية” منذ مايو/أيار 2021 وستة أفراد من قوات الأمن بعمليات إطلاق نار مستهدفة وقتل واختطاف. وأضاف التقرير: “لم تتمكن البعثة الدولية لمساعدة العراق/مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من تحديد أي قضايا أخرى تجاوزت مرحلة التحقيق خلال الفترة المشمولة بالتحقيق”.
رازاو صالحي، منظمة العفو الدولية
وأبلغ أحد أفراد أسرة سجاد العراقي منظمة العفو الدولية أنهم التقوا برئيس الوزراء أحمد شياع السوداني قبل تسعة أشهر، وأنه وعد بمتابعة قضية سجاد. وفي 22 مارس/آذار 2023، أدانت محكمة جنايات ذي قار فردَيْن غيابيًا لاختطافهما سجاد.
ومع ذلك، لا يزال مكان سجاد العراقي مجهولًا، ولم يتم القبض على أحد بعد على ذمة قضيته. وقال أحد الأقارب لمنظمة العفو الدولية: “لا يوجد اهتمام بقضية سجاد العراقي. لا نتلقّى سوى وعودًا وتطمينات. إنها مجرد حبر على ورق”.
غياب الشفافية
منذ 2019، شكلت الحكومات العراقية المتعاقبة العديد من اللجان للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في سياق الاحتجاجات على المستوى الوطني ومستوى المحافظات، لكن هذه اللجان أخفقت في تحقيق الحقيقة أو العدالة.وكانت أبرز تلك اللجان “لجنة تقصي الحقائق”، التي أنشئت بموجب الأمر الديواني رقم 293 الصادر عن رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بهدف جمع الأدلة، ونشر تقرير شامل، وتحديد المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. وبموجب هذا الأمر، يحق للّجنة إحالة القضايا للقضاء، لكن، غابت الشفافية عمّا إذا كان هذا الأمر قد نُفّذ فعليًا.
وفي رسالة من مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى منظمة العفو الدولية والمؤرخة في 2 أبريل/نيسان 2023، قال المكتب إنَّ “رئيس الوزراء أمر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بتفعيل عمل اللجنة [لجنة تقصي الحقائق] والتواصل مع ممثلين عن المتظاهرين”. وحدد مكتب رئيس الوزراء التدابير التي اتخذتها لجنة تقصي الحقائق، بما في ذلك “تدقيق أكثر من 215 قضية حصلت عليها من محكمة التحقيق المركزية في الرصافة والاطلاع على أكثر من 5,375 وثيقة رسمية تتضمن تقارير طبية واستمارات تشريح المجني عليهم وتقارير خبراء الأدلة الجنائية، وما زالت اللجنة مستمرة في تدقيق الوثائق والمستندات الواردة إليها من محاكم الاستئناف”.
كما أكد مكتب رئيس الوزراء أنه تم دفع تعويضات لذوي القتلى، بلغت عشرة ملايين دينار عن كل ضحية.
ومع ذلك فإن التعويضات ليست بديلًا عن إثبات الحقيقة أو تقديم الجناة إلى العدالة، وبعد نحو ثلاث سنوات من تشكيلها، لم تنشر لجنة تقصي الحقائق بعد أي نتائج.
لا يعتبر القانون العراقي الاختفاء القسري جريمة في الوقت الراهن، وبالتالي لا يمكن المقاضاة عليه كجريمة قائمة بذاتها. في 6 أغسطس/آب 2023، أصدر مجلس الوزراء العراقي مشروع “قانون المفقودين” وأرسله إلى البرلمان. الهدف المعلن من المشروع هو مساعدة أقارب المخفيين قسرًا على معرفة مصير أحبائهم والحصول على تعويضات، بما في ذلك عن طريق إنشاء لجنة وطنية للمفقودين. ومع ذلك، لا يجرم مشروع القانون هذا الاختفاء القسري أو يحدد العقوبات المفروضة على الجناة.