نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان

هل يشعل العراق حرباً إقليمية؟

09/11/2024 - عاصم عبد الرحمن


إلياس خوري تودعه الضمائر الحية: أحزان عشاق الحرية وتهافت أزلام الاستبداد





لم يخل خبر وفاة الروائي اللبناني الياس إسكندر خوري، الذي رحل في بيروت يوم أمس الأحد (15/9) عن عمر ناهز الثالثة وسبعين عاماً، من تجاذبات في الفضاء الأزرق السوري. سببها مواقفه المبدئية الصلبة من الثورة السورية ودفاعه الرائع عن عثراتها وأخطائها، قبل مشروعيتها وضرورتها، وموقفه الحاسم من إجرام وهمجية نظام الأسد الذي طالما عبر عنه عشرات المقالات التي كان ينشرها من خلال زاويته الأسبوعية في صحيفة (القدس العربي)


نزيه أبو عفش: عزاء وانحطاط

ووسط اندفاع المثقفين السوريين المعارضين للنظام في التعبير عن خسارتهم وألمهم بفقد الياس خوري مثقفاً حقيقياً ضرب مثلا ناصعا في الشرف الأدبي الرفيع الذي لا يهادن قاتلا ولا يناصر ديكتاتوراً…. ووسط الصمت المتحفظ أو الممتعض من  قبل معظم  الكتاب والمثقفين الذين يقميون مناطق سيطرة الأسد، والذين يدعي بعضهم أنه يفصل الثقافة عن السياسة، برز تعليق نافر مثير للاستهجان للشاعر نزيه أبو عفش يقول فيه:
“خسارة فادحة؟ ربما. قد يكون خسارة ليسار النصرة حتى قبل أن توجد… خسارة لحاضنة جريدة النهار “الفادحة” التي تعلم منها كراهية كل ما ومن هو سوري حتى لو كانت المفاضلة بين “جيش الدفاع” إياه والجيش السوري الذي حضرتُه يتغنى بقول “أحدهم” إنه لن يدخل سورية حتى يرحل آخر جندي سوري عن دمشق. “المثقف”؟… وما أكثر المثقفين! “
انحطاط نزيه أبو عفش
وقد فتح هذا السقوط المدوي الباب أما العديد من المثقفين السوريين لإعادة تقييم أبو عفش فكتب القاص والمسرحي نجم الدين السمان: ” كنا نظن بأن الشعر مضاد حيوي لأي استبداد وفساد، وبأن الشاعر محصن ولديه مناعة تحميه من الانحراف عن أحلام البشر وتوقهم للحرية والكرامة. ربما كنا رومانسيين آنذاك، أفلاطونيين، نؤمن بأن الكلمة تغير النفوس فيقوم أصحابها بتغيير العالم، ولم نكن نحسبه من شعراء البلاط مثل الجواهري وسواه، ونحرص على تراتبيته بعد محمد الماغوط وقبل رياض الصالخ الحسين.. لكنه قد خانهما بعد أن خان نفسه. اقترح عليه منذ سنوات أن يغير كنيته إلى أبو تعفيش، تماشيا مع متطلبات مهنته الجديدة، وبخاصة بعد تشبيحه على قامة مثل اليأس خوري بعد رحيله”.
 
وكتب مصطفى عنتابلي في منشور له على صفحته الشخصية معلقاُ:
” سأحكي هنا عن نزيه.. الذي قابلته أيضا مرة واحدة قبل عام 2010 في اللاذقية.. بحضور اصدقاء.. وكنت له وقتها قارئا معجبا ومحبا بصفته انسان شاعر. حصل بعدها اني تجنبته في دبي.. رغم بعض النظرات الفالتة المتقاطعة المتبادلة معه.. حين جرى تكريمه من قبل منظمي جائزة العويس.. تجنبته وقتها  بدل عناقه بصفته كائن انتهازي.
اليوم وقد وصل في انحداره للمكان الذي لم يصله أحد من معارفي ومعارف معارفي من قبل.. أحار حقا فيما أفعل إن حصل والتقيته مجددا. هل أعامله كسافل منحط.. أم كمجنون يثير الشفقة؟. شخص يقوم بنشر المرفق (منقول عن صفحة العزيز إسلام أبو شكير   لأنه ولكثرة شفافيته أغلق صفحته في وجه الجمهور). شخص يفعلها.. بعد ساعة أو أقل من اعلان رحيل الياس عن عالمنا. لا ريب أنه خارج التصنيف”
وكتب هافال بوظو معلقاً: ” من زمان كان يعجبني شعره كثيراً لنزيه ابو عفش، وكنت أعتبره من أفضل الشعراء السوريين وأنه مثال لليساري المتمرد على بيئته كونه مسيحي ومسمي ابنه (عمر) مع أني  في نفس الوقت كنت أسمع نميمة رفقائه عنه (لأن من أصدقاء أهلي كان هناك عدد من الشيوعيين جماعة يوسف فيصل يحكوا عنه وأنه عصبي واخلاقه زفت) كونه كان رفيقهم بالحزب. هلق قاعد عم فكر أني أتوقع قريبا أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً اننا إذا أعطيناه قصيدة، يشوف لنا إذا كانت مسروقة من شعر بلغة تانية، لأن غالبا اشعار نزيه ابو عفش منحولة من الادب الروسي”.

بصمة لافتة في الصحافة الثقافية

وُلد إلياس خوري عام 1948 في منطقة الأشرفية في بيروت التي درس في مدارسها فنال الثانوية العامة من ثانوية الراعي الصالح عام 1966 ثن انتسب إلى الجامعة اللبنانية ليدرس التاريخ وتخرج منها عام 1971، ثم نال درجة الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس عام 1973.
عام 1972 بدأ الياس خوري مسيرته مع الصحافة الثقافية عضواً في هيئة التحرير مجلة (مواقف) التي كان يصدرها أدونيس في بيروت، وخلال الفترة من 1975 إلى 1979 ترأس تحرير مجلة (شؤون فلسطينية) بالتعاون مع الشاعر محمود درويش، وعمل محرراً لسلسلة (ذكريات الشعب) الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، وكان مدير تحرير مجلة (الكرمل) بين عامي 1981-1982، قبل أن ينتقل للعمل في صحيفة (السفير) حيث  ترأس القسم الثقافي مدة سبع سنوات بين عامي 1983 إلى 1990، ليترك إسهامه الأبرز في الملحق الثقافي لجريدة (النهار) الذي تولى رئاسته مدة 17 عاماً بين عامي 1992 و 2009. ثم شغل منصب رئيس تحرير مجلة (الدراسات الفلسطينية).
 
خلال عمله في رئاسة تحرير (ملحق النهار) كان الملحق ملاذ المثقفين السوريين ومنبر بوحهم وقضاياهم. لم يكن يمر عدد من دون مادة لكاتب سوري أو مقال عن سورية,,, ولم تكن تمر فضيحة أو تجاوز للنظام لم يكن الملحق حاضرا في رصدها. كان الكتاب يرسلون مقالاتهم بالبريد العادي، وأحيانا باليد خوفا من رقابة البريد… وكان صدر الياس خوري الواسع يتسع للجميع بمعرفة مسبقة أو دون أي معرفة. وأذكر وكنت في الرابعة والعشرين من العمر حين نشر لي مادة عن رقابة اتحاد الكتاب العرب التي رفضت الموافقة على نشر مجموعتي القصصية الأولى… رغم أنني لم أتقدم بها للنشر ضمن مطبوعات الاتحاد، بل في دار نشر خاصة!

عاشق المسرح ومبدع الرواية

إلى جانب عمله في الصحافة الثقافية كان الياس خوري قريبا من النشاط المسرحي  وعاشقا للمسرح… وإذا كانت شهرته كروائي قد غطت على نشاطه المسرحي فإنه لا بد من الإشارة إلى أنه كتب العديد من النصوص المسرحية، كما تولى إدارة مسرح بيروت من 1992 إلى 1998، وعمل مديراً مشاركاً  في مهرجان أيلول للفنون المعاصرة بين عامي  1997-2000
كما العديد من الروائيين جاء الياس خوري إلى الرواية من بوابة القصة القصيرة… فقد شكلت مجموعته (المبتدأ والخبر) التي صدرت في بيروت عام 1984 إطلالته الأولى في عالم الأدب. وتمرينه الأولي على سردية القص التي ستتع أفقا حين نشر الياس خوري روايته الأولى عام 1985 بعنوان (عن علاقات الدائرة)… التي لم تحظ باهتمام يذكر. وفي عام 1989  قدم روايته الثانية التي لفتت الأنظار لموهبته الروائية (رحلة غاندي الصغير) وهي تحكي قصة مهاجر ريفي يعيش في بيروت خلال أحداث الحرب الأهلية. وبعدها بعام نشر روايته الثالثة (مملكة الغرباء) . ثم تتالت رواياته التي تولت دار الآداب البيروتية نشرها: (مجمع الأسرار) 1994،  (باب الشمس)  1998 و(كأنها نائمة) 2013
وظلت باب الشمس أشهر روايات الياس خوري رغم ما نشره بعدها من روايات وفيها قدم إعادة سرد ملحمية لحياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومعاناتهم الطويلة منذ نزوح الفلسطينيين عام 1948، كما تناولت أيضاً أفكار الذاكرة والحقيقة وصراع الهوية.
اهتم الياس خوري إلى جانب الموضوع الفلسطيني لديه بالحرب الأهلية في لبنان التي كان قد كتب لها سيناريو فيلم “الجبل الصغير” في 1977 أما في روايته (يالو) التي أصدرها عام 2002، وترجمها بيتر ثيروكس إلى الإنكليزية في 2008، فقد تناول سيرة أحد أفراد الميليشيات السابق المتهم بارتكاب جرائم أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وتحدّث عن التعذيب في النظام القضائي اللبناني، وأشار في عنوانها إلى اسم قرية عربية فلسطينية هجرت إسرائيل سكانها واحتلتها في حرب 1967، ونزح مُعظم سكانها إلى الأردن.
 

أستاذ جامعي وناقد ومفكر سياسي

عمل الياس خوري أستاذا جاميعا فدّرس في الجامعة اللبنانية، والجامعة اللبنانية الأميركية، والجامعة الأميركية في بيروت، وعمل أيضاً أستاذاً زائراً في جامعة نيويورك. وإلى جانب كتابته المتواصلة في مجال الرواية، كان له العديد من الكتابات النقدية سواء في الأدب (كتابه عن غسان كنفاني بالاشتراك مع إحسان عباس، وعن محمود درويش وحكاية الديوان الأخير) أو في السياسية، ولعل أهم كتبه السياسية التي شرحت الواقع العربي قبل ثورات الربيع العربي التي آمن بها إيمانا مطلقا (تأملات في شقاء العرب) الذي وضعه بالاشتراك مع  سمير قصير، وهاشم جان، وأمين هيثم، وصدر عن دار النهار للنشر عام 2005.
تُرجمت أعماله ونُشرت دولياً باللغات الكاتالانية والهولندية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والعبرية والإيطالية والبرتغالية والنرويجية والإسبانية.
حولت رواية (باب الشمس) عام 2002 إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه لعب بطولته (باسم سمرة) من مصر و(هيام عباس) من فلسطين، و(باسل خياط وحلا عمران وعروة نيربية) من سورية، وكتب السيناريو له وأخرجه المخرج المصري يسري نصر الله الذي تحدث عن أصداء عرض الفيلم في مهرجان كان بالقول: “لقد أحدث الفيلم صدمة كبيرة، وكان يكفي أن يكون هناك مخرج سينمائي إسرائيلي يصرخ ويكذب، وكان هناك مدير بنك يهودي اتصل بجده وأخبره أنه شاهد فيلماً يتحدث عن الأهوال التي عانى منها الشعب الفلسطيني، ليؤكد صحة ذلك”.
وعلى الدوام كان إبداع الياس خوري الذي يمتح من صدق التجرية ونقاء الضمير ونزاهة الموقف، الصدمة لدى كل من يكذبون الحقائق ويزورون آلام الشعوب سواء في فلسطين أو لبنان أو سورية أو أي بقعة أخرى منكوبة بآلام البشر وطبائع الاستبداد وسفالة المثقفين الانتهازيين الذين لا يعرف لسقوطهم قاع! 

محمد منصور- العربي القديم
الاربعاء 18 سبتمبر 2024