نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

جماعة ماذا لو ...؟ وجماعة وماذا عن ....؟

01/01/2025 - د.محيي الدين اللاذقاني

الشعب السوري يصنع مستقبله

28/12/2024 - أحمد العربي

‏ أسلمة سوريا..وتركة الأسد

26/12/2024 - ساطع نورالدين

عن الطغيان الذي زال وسوريا التي نريد

23/12/2024 - العقيد عبد الجبار العكيدي

لا منجا ولا ملجأ لمجرم الحرب بشار أسد

18/12/2024 - عبد الناصر حوشان


أعزائي في الائتلاف.. "دستور من خاطركم"




وأخيراً عاد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة "سابقاً، وهيئة التفاوض السورية "سابقاً"، إلى أرض الوطن، لكنهم لم يعودوا من ساحة الأمويين التي يحتشد فيها السوريون احتفالاً بسقوط نظام المجرم الهارب، ولم يعودوا من نبض الشارع السوري، ولم يعودوا من باب شرقي أو باب توما وباب الجابية والباب الصغير، بل عادوا من باب بعثة الاتحاد الأوروبي في دمشق، ليكون أول ظهورهم وهم يهبطون درج مقر البعثة، مصحوبين بالقائم بأعمال هذه البعثة السفير ميخائيل أونماخت، وبكثير من الابتسامات والفخر الذي لا يخفى على أعين الناظرين، وبعيداً عن هذه الصورة الرمزية التي تختزل مسيرة ائتلافٍ، قام على إدارة ظهره للسوريين، وفتح يديه وقلبه وآذانه وعقله للسفراء، أقله في السنوات السبعة الأخيرة ، فإن ما يهمنا في هذا الصدد هو لماذا عادوا، وبماذا يفكرون، وهل سيبقون على رهانهم القائل، بأن الحل في سوريا هو في يد سفراء وقناصل الدول، وأن خارجيات الدول هي التي ستفرض توازنات المعادلة السياسية في البلاد، وأنها هي من ستمنحهم أدواراً تنسجم مع تطلعاتهم وطموحاتهم الشخصية..؟!


 للأسف لا أملك إجابة على هذه الأسئلة التي دارت في ذهني وأنا أشاهد صورتهم على درج مقر البعثة الأوروبية في دمشق، لكني وكما قلت سابقاً في أكثر من لقاء أن يوم 8/ ديسمبر لم يشهد سقوط نظام المجرم الهارب فحسب، بل شهد في حقيقة الأمر سقوط المعارضة أيضاً، فهذا اليوم شهد بداية ولادة سوريا جديدة يختلف فيها السياق السياسي عن سابقه، فنحن الآن لسنا أمام حالة انتقال سياسي، تتطلب وجود نظام ومعارضة، بل إننا أمام لحظة ولادة أمة وشعب ودولة، ومهمتنا الآن أن نبدأ بعملية بناء اجتماعنا السياسي السوري، وأن نحدد شكل هذا الاجتماع والعقد المؤسس له، أي الدستور، وهذا البناء لا يمكن أن يتم إلا عبر ممثلين حقيقيين للسوريين، يعبرون عن شبكة التوازنات والتفاهمات والمصالح المجتمعية المختلفة، وقد آلمني كثيراً، التصريح الذي أدلى به السيد هادي البحرة لمحطة العربية في 31/كانون الأول، عندما قال إن الدستور لا يحتاج لأكثر من ستة أشهر لكتابته لأننا لن نبدأ من الصفر على حد قوله، وأنه "لدينا عشرات الوثائق والفصول الجاهزة، ومشاريع الدساتير"، هذا التصريح الصادر عن رئيس الائتلاف الوطني لدورتين، والرئيس المتمترس في اللجنة الدستورية لأكثر من خمسة أعوام، دفعني لكثير من القلق والشفقة، القلق على مستقبل البلاد، والشفقة على حلم مشروع بناء الدولة التي ضحى السوريون بمهج القلوب وبماء العيون وبملايين الشهداء والجرحى والمهجرين والمعذبين في السجون، فأن يصدر مثل هذا الكلام عن الرئيس المتمترس في اللجنة الدستورية التي أسستها روسيا في مؤتمر سوتشي عام 2018، هو دليل على الخفة والاستخفاف بموضوع الدستور، بل ربما تكون تعبيراً عن عدم إدراك حقيقي وشامل لمفهوم الدستور بحد ذاته، فرئيس اللجنة الدستورية خلط بين الوثائق التي أنتجتها " ورش العمل الكثيرة" وذلك حسب قول السيد البحرة نفسه، وبين الدستور، وأي مبتدئ في القانون أو علم السياسة يعلم أن الدستور هو مجموعة التفاهمات المجتمعية التي تحكم المصالح المختلفة في المجتمع، والتي تحدد طبيعة الاجتماع السياسي لشعب ما، وأن هذه التفاهمات هي التي يتم صياغتها لاحقاً بشكل مكتوب أو أن تبقى غير مكتوبة، كما هو الحال في بريطانيا مثلاً التي لا يوجد فيها وثيقة مكتوبة، لكنها تملك دستوراً عرفياً متفقاً عليه، وعندما يقول السيد البحرة أنه لدينا فصول جاهزة من الدستور، يثور السؤال، ما هي التفاهمات المجتمعية التي تعبر عنها هذه الفصول، وكيف تم التوصل لها، وهل يكفي عقد ورشة عمل -أو ورش عمل- من متدربين لنقول أنها تمثل المصالح الحقيقية للسوريين.

إن اختزال الدستور إلى عملية تقنية خالصة، خالية من كل دلالة مجتمعية، يتجاوز مفهوم الخطأ ليصل إلى حدود الخطيئة، وللأسف كثير من الآراء التي أسمعها، تعبر عن هذا الفهم المغلوط، حتى أن الإدارة العسكرية الانتقالية الحاكمة حالياً في سوريا، تتحدث بمنطق شبيه بهذا المنطق، عندما يقول قائد هذه الإدارة السيد أحمد الشرع من أن هناك لجان قانونية متخصصة ستضع دستور البلاد.

إن وضع دستور البلاد، يختلف عن صياغة الدستور، فوضع الدستور هو مهمة الأمة التي يمثلها هيئة تأسيسية يتم انتخابها سواء بالانتخاب الشعبي المفتوح أو بالانتخاب المقيد، وهذه الهيئة التأسيسية يجب أن تعمل وفق التفاهمات التي يتوصل لها مؤتمر الحوار الوطني

إن وضع دستور البلاد، يختلف عن صياغة الدستور، فوضع الدستور هو مهمة الأمة التي يمثلها هيئة تأسيسية يتم انتخابها سواء بالانتخاب الشعبي المفتوح أو بالانتخاب المقيد، وهذه الهيئة التأسيسية يجب أن تعمل وفق التفاهمات التي يتوصل إليها مؤتمر الحوار الوطني، الذي يجب أن يضم الممثلين الحقيقيين عن شبكة المصالح والتوازنات السياسية والاقتصادية والمجتمعية السورية، وعملية البدء بوضع الدستور وهو القانون الأسمى في البلاد، والذي سيحكم كل القوانين الأخرى، تبدأ بتحديد الحاجات التي يجب تلبيتها، والمصالح التي يجب حمايتها وضمانها قانوناً، فالخطوة الأولى هي حصر هذه الحاجات والمصالح ومن ثم تقييمها بشكل عام لمعرفة ما يجب الاعتراف به كقيمة أساسية في المجتمع، ورسم حدود فاعلية هذه الحاجات والمصالح، بالنسبة للمصالح الأخرى.

فالدستور يجب أن يكون التعبير الأصدق عن جوهر العلاقات في المجتمع المنظم سياسياً، وكتابة الدستور لا تكون عبر انتقاء النص الأجمل أو العابرات البراقة، أو تجميع النصوص من مدارس فقهية وقانونية مختلفة، لأن أي مجتمع يرتكز في اجتماعه السياسي على مجموعة من العناصر الأخلاقية والفلسفية والمادية، ويعرف نفسه وفقا لهذه العناصر، فالمجتمع الأميركي مثلاً يضع أساس اجتماعه السياسي هو الحرية الاقتصادية، وبالتالي فإن الدستور الأميركي ومجموعة القوانين الأميركية، تجعل من حرية الإرادة البشرية هي القيمة الأسمى الأولى بالحماية، ومنها تنبثق كل المنظومات القانونية الأخرى، بينما المجتمع الفرنسي مثلاً يضع فكرة السيادة الشعبية أو سيادة الأمة والتي تتجلى في الدولة، كقيمة أعلى وبالتالي فإن الدستور الفرنسي ومجموعة القوانين تأتي تلبية لحماية هذه القيمة والتي تنبثق عنها كل القيم الأخرى، وبعيداً عن الإغراق في الشروحات القانونية، فإن لكل أمة من الأمم مجموعة من القيم الأساسية التي تحكم عملية وضع الدستور، ويأتي الدستور لتحقيق الغاية التي تتوخاها الأمة، فالدستور والقانون عموما هو ابن الحاجة، وليس ابن الرغبة، أي أنه يأتي لتنظيم الحياة في مجتمع سياسي منظم.

وبالتالي فإن الحوار الوطني الذي يجب أن ينطلق في سوريا من خلال ممثلين حقيقيين للسوريين، عليه أن يحدد ما هي المصالح والحاجات التي يريد المجتمع السوري تلبيتها وحمايتها، وبعد تحديد هذه المصالح يأتي دور صياغة الدستور ليكون تعبيرا عن هذه التفاهمات والتوافقات في المجتمع، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، مطلوب منا نحن السوريين أن نحدد التوافقات التي ستحكم القضايا التالية:

  1. قضية الحرية، وما هي حدودها وما هي الضوابط التي سيتم وضعها، أو عدم وضعها، على تصرفات الأفراد لتتعايش مع الإرادات الحرة للآخرين، ومن قضية الحرية ينبثق مدى قدرة السلطات على التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين، ومفاهيم السيادة الشعبية والقدرة على اختيار مؤسسات الحكم وعزلها، وما إلى ذلك من قواعد يتم إفراغها لاحقاً بشكل نصوص قانونية تحمي الحرية وتضع الإطار العام لممارستها على كل الصعد السياسية، والاجتماعية الاقتصادية، والدينية، والثقافية.  
  2. قضية الملكية الخاصة، وحدود هذه الملكية ودورها، وهل سيكون لها وظيفة اجتماعية أم لا، وهذه التحديدات والتوافقات ستؤثر إلى حد كبير على النظام الاقتصادي الذي سيتفق المجتمع السوري عليه، كذلك فإننا سنواجه حقيقة صعبة تتمثل في كيفية الحفاظ على الملكيات الخاصة في ظل عملية إعادة الإعمار والتي تتطلب في كثير من الأحيان حل الملكيات الخاصة أو استملاكها لصالح البدء بعمليات إعادة الإعمار الكبرى.   
  3. النظام الاقتصادي الذي سيطبق في الدولة، وهل سيكون اقتصادا حرا بالمعنى الليبرالي الكامل، أم سيكون هناك دور للدولة في الاقتصاد، وما هو موقف المجتمع من السياسات الاجتماعية للدولة والضمانات التي يجب أن تعطى للفئات الأكثر عوزاً، وقضايا التعليم والصحة والرعاية الطبية، وضمان الشيخوخة والبطالة، كل هذه القضايا هي قضايا مترابطة ومنسجمة، ويجب التوافق عليها كمفاهيم، قبل الذهاب لصياغة النص الدستوري المعبر عن هذه التفاهمات، فلا يجوز مثلاً أن أقول إن الاقتصاد في سوريا هو اقتصاد حر، ومن ثم أذهب في الدستور لوضع نصوص مستعارة من دساتير أخرى تتحدث عن كفالة الدولة للسكن والتعليم، كذلك لا يجوز أن أقول أن الاقتصاد هو اقتصاد مقيد بوظيفة اجتماعية ثم أرفع كل القيود عن الممارسة الاقتصادية في المجتمع، وقد فوجئت بتصريح قائد الإدارة العسكرية الانتقالية، عندما قال لأحد الصحف بأن الاقتصاد في سوريا سيكون حرا وسترفع عنه كل القيود، وهذا التصريح الخطير تعبير عن مصادرة حق السوريين في اختيار نظامهم الاقتصادي الأنسب لهم، والذي يجب أن يراعي أننا نخرج من حرب مدمرة شنها نظام المجرم الهارب على الشعب طوال أربعة عشر عاماً، ودمر فيها كل مقدرات البلاد، وبالتالي فإن عملية إعادة الإعمار وإعادة تشغيل الاقتصاد وإطلاق التعليم وتقديم الرعاية الطبية، قد تحتاج لمقاربة أخرى مختلفة، تراعي هذه الظروف.
  4. قضية المساواة، المفترضة أخلاقيا وقانونياً، وما هو تعريف هذا المفهوم، لأن مفهوم المساواة بين البشر أخلاقيا وقانونيا، يجعل من الإرادات البشرية قابلة للقياس الكمي، واستناداً لهذا المفهوم تم تحديد أسس الديمقراطية استناداً إلى مفهوم الأغلبية العددية، وبالتالي فإن الحديث عن حقوق مكونات يتناقض مع أسس المساواة الأخلاقية والقانونية المفترضة في المجتمع السياسي المنظم.
  5. قضية دور الدين في المجتمع، فالسوريون جميعاً من كل الأديان والطوائف، يتزوجون ويطلقون ويثبت أنساب أبنائهم، ويورثون ويوصون، بناء على شرائع دينية، تطبقها المحاكم الشرعية للمسلمين والمحاكم الملية للطوائف المسيحية ولطائفة الموحدين الدروز، وبالتالي يجب أن يناقش مؤتمر الحوار الوطني، دور الدين في الحياة الاجتماعية وهل سيتم الحفاظ على دوره في الحيز الشخصي الناظم للأحوال الشخصية، أم سيتم توسيعه أو تضييق نطاقه، إلى آخر هذه القضايا.

هذه عينة فقط من المفاهيم التي يجب أن يتم النقاش حولها، وأن يتم بناء التوافقات عليها بين فئات المجتمع السوري، وهذه التوافقات هي الأساس الذي سيتم صياغة الدستور السوري استنادا لها، لأن دستور البلاد يأتي لتنظيم عملية الاجتماع السياسي من خلال واقع هذه التفاهمات والمصالح التي يجب أن يحميها، أما كتابة نصوص دستورية من دون إدراك شامل للواقع، فإنه يعني أننا سنأتي بدستور يعطل الحياة ويعيق عملية بناء سوريا الجديدة التي نحلم بها جميعا، ولذلك علينا أن نكون أكثر حذراً وهدوءا في إطلاق التصريحات التي تتحدث عن سهولة كتابة الدستور أو أن هذا الأمر من مهام لجان قانونية متخصصة، فالدستور من حق الشعب ولا يجب أن يكتبه إلا الشعب عبر ممثليه الحقيقيين المعبرين عن جوهر المصالح التي يريد حمايتها، ولذلك فإن التريث وعدم الاستعجال واجب في هذا الصدد، وخاصة أن المواطن الذين ما زال يعاني للحصول على الخدمات الأساسية، ربما يسمع نقاشاتنا، وهو يقف على طابور طويل، ولسان حاله يقول : " دستور من خاطركم"، ليتمكن من المضي في طريقه ليحصل على ربطة خبز يطعم بها عياله.
-------------
تلفزيون سوريا

 


محمد صبرا
الخميس 2 يناير 2025