نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

معنى المعارضة في سورية الجديدة

08/02/2025 - مضر رياض الدبس

( لا يمكن الاستخفاف بأحمد الشرع )

08/02/2025 - خيرالله خيرالله

معارضة أم ثورة مضادة؟

08/02/2025 - معقل زهور عدي

محاولة في فهم خطاب أحمد الشرع

05/02/2025 - وائل السواح

ابتكار الجماعة السياسية

31/01/2025 - مضر رياض الدبس

ترامب يرسم خارطة جديدة للعالم

31/01/2025 - ‎علاء الخطيب

هل صحيح أن الثورة خلصت

16/01/2025 - وائل الشيخ أمين

هونداية في المالديف

13/01/2025 - عروة خليفة

من دمشق... سقط المشروع الإيراني

08/01/2025 - عالية منصور

من بطاركة العرب إلى بطرك كرسي الأسد!

06/01/2025 - المحامي أدوار حشوة


معنى المعارضة في سورية الجديدة






وصلَ مفهومُ المعارضة إلى سورية المنتصرة مُنهكاً، يحتاج إلى استرخاءٍ دلالي وإعادة فهم. بل يمكن القول إن هذا المفهومَ بالمعنى الذي عرفناه في السنوات الأربع عشرة الماضية انتهى. ولأنه مفهومٌ مهمٌّ ولا يمكن الاستغناء عنه أبداً، ينبغي أن نُفكِّر في إعادة بنائه بصورةٍ حديثة، كما نُفكِّر في بناء المؤسّسات والدستور. ونتناول هذه الفكرة في جُزأين. الأول في معنى المعارضة الذي كان في زمان النظام البائد، والثاني في معنى المعارضة في المرحلة الانتقالية، ومن ثمّ في سورية الجديدة.



كانت المعارضة في فترة حكم حافظ الأسد كلمةً مخيفةً، وتحديداً بعد أن مكّن قبضته في النصف الأول من ثمانينيّات القرن الماضي؛ وكانت عملاً يتطلّب شجاعةً كبيرةً واستعداداً للتضحية، من ثمّ كانت موقفاً أخلاقياً في جذره. وكثيرٌ من المعارضين لم يكونوا سياسيين متمرّسين بطبيعة الحال، فالنظام لم يشارك معارضيه السياسة، وطرائق الوصول إلى المعلومات، واحتكر ذلك دائماً. لذلك ظلَّ الرفض الأخلاقي لممارسات الأسد الإجرامية المُحدِّد الرئيس لمعنى المعارضة، أو ربّما نقول: المعارضون هم الشجعان الأخلاقيون، ومعظمهم كانوا مؤدلجين، تبنّوا أيديولوجيات ذات جذور إسلامية، أو يسارية، في الأغلب. مع قدوم الابن، في عام 2000، لم تتغيّر المعادلة كثيراً، وظلّت صفتا الشجاعة والأخلاق ملازمتَين لمعنى المعارضة بالعموم، وتحديداً مع قمع "ربيع دمشق"، والعودة إلى القبضة الأمنية الشديدة بعد عام 2005. وكانت علاقة مفهوم المعارضة بالمجتمع علاقة ضعيفة دائماً، ولم تتمكّن المعارضة من حشد شعبي (إلا نادراً)، بل كانت المعارضة بوصفها نخبةً سياسيةً تشعر بخذلان المجتمع.

بعد 2011، تغيّر الخطاب الذي كان يقاوم النظام البائد، من عقلية المعارضة النخبوية الضيّقة الضعيّفة إلى الذهنية العمومية المفتوحة القوية التي يشارك فيها الكلّ

وفي المجمل، ظلَّ معنى المعارضة يوجد في عتبة السياسة، وهي عتبة كانت محظورةً بطبيعة الحال، حتى إن عائلات المعارضين وأصدقاءهم ومُحبيهم والخيِّرين الذين يريدون لهم الخير (يعني غالبية السوريين) صاروا يتصرّفون وكأنهم حرَّاس لهذه العتبة أيضاً، يمنعون أبناءهم من دخولها، لا لأنهم لا يحبّون أن يدخلوها، ولكن خوفاً عليهم من البطش والسجن والموت. وبمرور الوقت، تَأقلَمَ السوريون مع الربط الوثيق بين حزمة الشجاعة والأخلاق وحُبّ الوطن، وحزمة مصطلحات محاكم أمن الدولة مثل "وهن نفسية الأمة" أو "النيل من هيبة الدولة" أو "عداء أهداف الثورة"، وإلى ما هنالك. وليكون المرء أكثر إنصافاً، لا بدّ من القول إن لهذه المعارضة خصوصية، فهي لم تكن معارضةً حقيقةً لنظام سياسي، بل كانت معارضةً لعصابة لها امتداد إقليمي، وعلاقات دولية، اختطفت الدولة السورية، وسيطرت على مقدراتها بالشرّ والهمجية. ومع هذه الخصوصية، لم تعمل كلمة "معارضة" كما ينبغي أن تعمل نظرياً في العلوم السياسية.
بعد 2011، تغيّرت هذه المعادلة كلّها، فتغيّر الخطاب الذي كان يقاوم النظام البائد من عقلية المعارضة النخبوية الضيّقة الضعيّفة إلى الذهنية العمومية المفتوحة القوية التي يشارك فيها الكلّ. وتغيّر مكان الخطاب من أماكن مغلقة محدودة، مثل المنتديات وبيوت المعارضين، إلى مكان مفتوح في الشوارع والساحات. ولم تتمكّن المعارضة السياسة التقليدية من التقاط هذا التغيير ومواكبته، وتطوير نفسها بموجبه، لكنّها ظلّت نخبةً أيديولوجيةً. ولم تتمكّن المعارضة طيلة السنوات الأربع عشرة من عمر الثورة من أن تُنجز شيئاً كبيراً بحقّ، ولم تتمكّن من نيل ثقة السوريين.
على أيّ حال، الآن سُحِق النظام، ونحن الآن في مرحلة انتقالية؛ فكيف نُفكِّر في مفهوم المعارضة في هذه المرحلة؟... نقترح أن معنى المعارضة في هذه المرحلة فيه ثلاث ركائز: الشراكة، والحماية، والكياسة. ويتناول كاتب هذه السطور بتكثيفٍ كلَّ ركيزةٍ على حدة. ونبدأ من الشراكة؛ ففي المراحل المصيرية، ومنها التي نعيشها اليوم، لا شراكة أفضل في البلاد من شراكة السلطة ومعارضيها. بل ثمّة ارتباط وجودي بين المفهومين، فالسلطة التي تدير البلاد الآن بموجب مخرجات مؤتمر النصر لا يمكن أن تكون إلا بوجود معارضة. وجود معارضةٍ لها يشرعنها، ويدعمها، ولكن عندما يكون للمعارضة معنى الشراكة، ليس بالضرورة الشراكة في السلطة (مع أنها مهمة)، لكن الشراكة في تقاسم الهموم الوطنية العمومية المشتركة كلّها، وفي أن يفكّر كلٌّ من الشريكَين من منظور الآخر دائماً، يتفهم مشكلاته، والمسائل التي تحدُّ من تحرّكاته برشاقة، ويساعد دائماً في حلّها. حان الوقت الآن ليعبر مفهوم المعارضة في سورية عتبةَ السياسة، وألَّا يبقى هذا المفهوم على العتبة كما كان، بل أن يدخل المجتمع السياسي للبلاد بوصفه شريكاً. وأيضاً أن تستمدّ المعارضة قوتها من السوريين مباشرةً؛ فتفهمهم دائماً، وتحلّل توجّهاتهم، وميولهم، وتبني ثقتهم بها، وتُعمِّقُ هذه الثقة باستمرار. ويتناسب هذا النوع من الشراكة عكساً مع الأيديولوجيا، فتزداد هذه الشراكة قوةً بضعف الأيديولوجيا وتضعف بقوتها، لأنها تحتاج إلى مقاربات وطنية منفتحة، وإلى تطوير قابلية التناغم مع الآخر لتحقيق الأهداف الكبرى. وأيضاً، يعني مفهوم الشراكة هذا أن يصير النقد حقيقياً، لا يكون بهدف النيل من السلطة، ولأغراض "المنفخة"، والاستعراض، ووضع العصي في الدواليب، بل يكون عقلانياً، وموجّهاً نحو هدف البناء، والتضامن من أجل المستقبل.

حان الوقت ليعبر مفهوم المعارضة في سورية عتبةَ السياسة، وأن يدخل المجتمع السياسي للبلاد بوصفه شريكاً

الركيزة الثانية هي الحماية، وتكون في ثلاثة مستويات. الأول أن تحمي المعارضةُ السلطةَ من نفسها، ومن احتمالات نشوب خلافات ضمنها، ومن أيّ نوعٍ من الغرور الذي قد يتسرّب إلى القائمين عليها. وهذه مفارقة، ولكنّها ضرورية في هذه الأيام التأسيسية من تاريخ البلاد، لضمان الاستقرار الملائم لبناء المؤسّسات، والدستور، وشكل الاجتماع السياسي السوري كلّه. والمستوى الثاني أن تحمي المعارضةُ المجتمعَ السوري من مفهوماتٍ قديمةٍ هدامة، مثل التكتّلات ذات الجذر الطائفي، أو القبلي، ومثل تمجيد السياسيين، ورفعهم خارج إطار النقد، وغيرها. والمستوى الثالث أن تحمي المعارضةُ نفسَها، من طغيان الأيديولوجيا، ومن التبعية للخارج، ومن المصالح الشخصية الضيّقة، ومن المال السياسي، ومن ظاهرة قديمة يعرفها أصحاب النيّات الطيّبة في أثناء فترة الثورة، وهي الانتهازية، والوصولية، التي ابتُليت بها معارضة النظام البائد السياسية منذ 2011، ومزج هذه الانتهازية مع المزاودة والاستعلاء على الطيّبين. ومن الانتهازيين من جمع أموالاً من ألم البشر (مغسولةً بعنايةٍ وخبث)، وطوَّروا نوعاً من الجشع والغرور الذي يتغذَّى على البؤس السوري. يعتقد هؤلاء الآن أنهم لا يزالون مؤهّلين لإعادة المراوغة، وإعادة تأهيل قلّة الشرف بخبثٍ وتلوّن يلائم كلَّ زمان ومكان. من هؤلاء جميعهم ينبغي حماية مفهوم المعارضة دائماً، وهذا بطبيعة الحال لا يكون من دون ضوابط أخلاقية (وربّما قانونية)، وشفافية تمنع استغلال هذه النقطة الأخيرة من دون أدلّةٍ واضحة، بحيث لا تصير حُجّةً تُستخدَم كيفما اتفق.
والركيزة الثالثة هي الكياسة، وهذه فكرة تتعلّق بتغيير أسلوب الهجوم اللاذع المُستفز، واللغة الشعبوية، والتشهير الرخيص، وتغليب العقل، والبعد الأخلاقي. وتجنب بناء جماعات ضغطٍ ذات مصالح ضيّقة وشخصية، من النوع الذي يستهدف النيل من فلان وعلان، أو الكسب المادي، أو التابعية لدولٍ، أو جماعاتٍ خارجية، أو مشاريع عابرة للحدود، وما إلى ذلك. تتعلّق الكياسة ببناء اللباقة في تدبير الاختلاف السياسي، وتطوير لغة تبني الثقة، والنيّات الطيّبة.
أخيراً، لا يجب (تحت أي ظرف) أن يتطلّب مفهومُ المعارضة في سورية الجديدة كثيراً من الشجاعة والاستعداد للتضحية، وأيّاً كانت السلطة، فإنها قد تصبح في يومٍ معارضة والعكس؛ فالمفهومان شريكان في الدلالة والأهلية.
-----------
العربي الجديد


مضر رياض الدبس
السبت 8 فبراير 2025