نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

ترامب يرسم خارطة جديدة للعالم

08/02/2025 - ‎علاء الخطيب

معنى المعارضة في سورية الجديدة

08/02/2025 - مضر رياض الدبس

( لا يمكن الاستخفاف بأحمد الشرع )

08/02/2025 - خيرالله خيرالله

معارضة أم ثورة مضادة؟

08/02/2025 - معقل زهور عدي

محاولة في فهم خطاب أحمد الشرع

05/02/2025 - وائل السواح

ابتكار الجماعة السياسية

31/01/2025 - مضر رياض الدبس

هل صحيح أن الثورة خلصت

16/01/2025 - وائل الشيخ أمين

هونداية في المالديف

13/01/2025 - عروة خليفة


مطلوب على وجه السرعة.. معارضة وطنية فاعلة




قد يعتبر البعض مطلب وجود معارضة سياسية في هذا التوقيت مجردَ ترفٍ سياسي بعيدٍ عن الواقع، في بلد خرج للتوّ من حرب طويلة كاد أن يُجهز فيها نظام الأسد على ما تبقى من البلاد والعباد، لا سيما في ظل مرحلة انتقالية تواجه حجماً هائلاً من المصاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تقودها سلطة لم تحظَ بعدُ بكامل الشرعية داخلياً وخارجياً


 

"حيث تنعدم المعارضة ينعدم التوازن، وتصبح السلطة طريقاً للاستبداد".

جون لوك .

وقد ينظر آخرون إلى هذا المطلب بعين الشك، ويرون فيه مؤامرة تسعى لإفشال السلطة الانتقالية، وإحراجها، وتعطيل مسار عملها. لكنّ الواقع والتجارب تؤكد أن وجود معارضة وطنية فاعلة تراقب وتضغط، تصحّح وتقوّم، تنتقد وتقدّم البدائل، هو أفضل وسيلة لنجاح التجربة الانتقالية وعبور البلاد إلى برّ الأمان. فتاريخ ألمانيا القريب يخبرنا أنّ المعارضة السياسية لعبت دوراً محورياً في توحيد البلاد عام 1990، بعد مسارٍ سياسيّ طويل انطلق بعد الحرب العالمية الثانية، وأسهمت فيه المعارضة بتعزيز الاستقرار السياسي والتوازن داخل النظام الديمقراطي.

معارضة وطنية.. وفاعلة

من ينتقد الدعوة إلى وجود معارضة سياسية اليوم، لا شكّ أنّه ينطلق من حقيقة أنّ أداء المعارضة الرسمية في السنوات الأخيرة كان هزيلاً، بل عبئاً على الثورة في بعض المراحل. وهذه حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، فتشرذم المعارضة، وارتهانُ معظمها للخارج، وعدم تحقيقها أي نتائج سياسية على الأرض، ترك انطباعاً سلبياً لدى السوريين، ورأوا في معارضةٍ كهذه مثالاً غيرَ قابلٍ للإصلاح أو التطوير. كما دفعت نشوةُ النصر العسكري بعضهم إلى الوصول لخلاصات متسرّعة، مفادها عدمُ جدوى العمل السياسي، فضلاً عن القبول بمعارضة سياسية هزيلة.

حتماً، ليس هذا شكل المعارضة التي ندعو إليها، بل معارضة وطنية، أي أنْ تكون بلا ارتباطات أو أجندات خارجية، إقليمية أو دولية، ولا تمثّل نفوذ دول أخرى. وهذا، بطبيعة الحال، سيُخرج كثيراً من القوى والمنصات المعارضة للنظام البائد من دائرة التصنيف بشكل تلقائي، بصرف النظر عن المبرّرات السياسية التي يمكن أنْ تقدّمها في معرض الدفاع عن سلوكياتها السابقة.

دفعت نشوةُ النصر العسكري بعضهم إلى الوصول لخلاصات متسرّعة، مفادها عدمُ جدوى العمل السياسي، فضلاً عن القبول بمعارضة سياسية هزيلة

لكن كيف تكون المعارضة نشطةً وفاعلة؟ تعْمد كثير من المعارضات في الدول المتقدمة، لا سيما ذات أنظمة الحكم البرلمانية، إلى تشكيل حكومة ظلّ تكون بمنزلة حكومة بديلة غير رسمية، وتُسند إلى أعضائها أدوار ومسؤوليات أعضاء الحكومة الرسمية، وتدرّبهم على تولي المناصب الحكومية مستقبلاً، ليكونوا على اطلاع دائم بأعمال الوزارات والمؤسسات العامة، ومكامن الخطأ في أدائها، واقتراح البرامج والسياسات البديلة.

لستُ أدعو إلى تطبيق هذا النموذج المثالي من حكومة الظلّ على واقعنا الحالي، لكن ألفتُ النظر إلى أنّ الفاعلية تستند، في المقام الأول، إلى الانغماس في الواقع، والمتابعة اليومية، ودراسة الخيارات، وتقديم البدائل انطلاقاً من الإمكانات المتوافرة.

فالمعارضة الفاعلة هي سلطةٌ بديلة جاهزة، أي أنها لا تكتفي بردود الأفعال وانتقاد سلوك السلطة والبحث عن أخطائها، وإنما تمتلك رؤية متكاملة تُترجم عبر برامج سياسية وخطط واضحة تقدّم حلولاً للمشكلات والمصاعب التي تواجه البلاد.

كيف تستفيد السلطة الانتقالية من وجود معارضة؟

إنّ وجود حكومة قوية يتطلّب وجود معارضة قوية، لكن كيف يمكن للسلطة الحالية الاستفادة من وجود معارضة سياسية والتعامل معها على أنّها واحدةٌ من حوامل العملية الانتقالية؟

فضلاً عن دورها الاعتيادي في تعزيز النّظم الديمقراطية، والحفاظ على التوازن السياسي، وتصويب عمل الحكومة ومساءلتها، فإن وجود معارضة سياسية سيكون مفيداً للسلطة، وسينعكس بشكل إيجابي على العملية الانتقالية التي تشهدها سوريا اليوم. لأنّ وجود هذه المعارضة سيعكس صورةَ الحكم الانتقالي المتّجه نحو الاستقرار والديمقراطية، ما يسهم في تعزيز شرعية السلطة في الداخل والخارج.

وجود معارضة سياسية سيكون مفيداً للسلطة، وسينعكس بشكل إيجابي على العملية الانتقالية التي تشهدها سوريا اليوم

ثم إنّ وجود أحزاب وقوى معارضة ربما يسهم في تعزيز السلم الأهلي، ورأب الصدع الاجتماعي، ويزيد من الاستقرار السياسي، لأنها سوف تستوعب في صفوفها الجماعات والأفراد غير الراضين عن الحكومة ضمن الأطر السياسية الشرعية، وتجنبهم بذلك اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير عن غضبهم من الحكومة.

كما ستجنّب البلاد أيضاً ثورات جديدة واضطرابات اجتماعية هي بغنىً عنها اليوم. إلى جانب أنّ كل ذلك ربما يؤدي تدريجياً إلى سحب الذرائع من المجتمع الدولي، ويدفعه إلى التخفيف من العقوبات عن سوريا، وربما إلغائها لاحقاً، لأنه طالما اشترط وجود عملية سياسية تشمل جميع المكوّنات والقوى السياسية.

أخيراً، أمام حجم التحديات الهائل، لا يُنتظر من السلطة الانتقالية فعلُ كثير على هذا الصعيد، لكنْ ليس أقلَّ من ضمان مساحة آمنة للممارسة السياسية، وعدم احتكارها للموالين لها، وفتح المجال أمام الأطر السياسية القائمة على أساس وطني، والنظر إلى المعارضة الوطنية على أنها ضرورةٌ وليست خياراً.

قد يبدو مثل هذا الطرح حالماً، لكن أثبت السوريون أنّ أحلام الأمس، مع الرغبة والإصرار، تغدو واقعاً
--------
تلفزيون سوريا.


محمد سبسبي
السبت 8 فبراير 2025