نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


فيلم عن البابا السابق بنديكت السادس عشر يظهر تناقضاته







ميونيخ - بريتا شولتيانز - "نحن أصبحنا البابا"، جاء هذا العنوان في صدر صحيفة الإثارة الألمانية "بيلد"، بتاريخ 20 نيسان/ أبريل 2005، في اليوم السابق كان جوزيف راتسنجر قد انتخب لتولي رئاسة الكرسي الرسولي، ليصبح أول بابا ألماني للفاتيكان خلال خمسة قرون. قدم راتسنجر، الذي تم ترسيمه "البابا بنديكت السادس عشر"، على أنه "خادم في حظيرة الرب"، إلا أنه كان معروفا بمنهجه المنتمي للتيار المحافظ في الكنيسة الكاثوليكية، ومع ذلك اجتاحت ألمانيا في ذلك الوقت فرحة عارمة.


بنديكت السادس عشر
بنديكت السادس عشر
 
بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، وجدت الكنيسة نفسها غارقة في أكبر أزمة مرت بها في تاريخها، تتعلق بمصداقيتها وشرعيتها، نتيجة لظهور الآلاف من الشكاوى والتنديدات بحالات لا حصر لها من الانتهاك الجنسي بالأحداث، منسوبة إلى قساوسة، مما عرض الثقة في المؤسسة الكنسية لهزة كبيرة.
هذا السياق، وجد المخرج الألماني البريطاني كريستوف رول، ارتباطا وثيقا بين هذين الحدثين الكبيرين: انتخاب راتسنجر حبرا أعظما للكرسي الرسولي، تحت مسمى بنديكت السادس عشر، والأزمة الكبرى التي عصفت بمصداقية الكنيسة. لذا يقدم في فيلمه بعنوان "المدافع عن العقيدة" أو (Verteidiger des Glaubens) والذي عرض مؤخرا، يقدم راتسنجر في شخصية مأسوية بالفعل كان يود عمل الكثير، ولكن انقلبت كل الأمور ضده.
يستهل رول فيلمه بمقولة لرجل الدين الفرنسي بليز باسكال نصها: "الانسان ليس شيطانا ولا ملاكا، وتكمن المأساة في أن من يسعى لأن يكون الملاك ينتهي به الحال شيطانا".
تتمحور رسالة الفيلم الأساسية حول الأحداث التي جرت بعد انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني، الذي وعد بمزيد من التحرر، ومع ذلك تدخل راتسنجر بطريقة مؤثرة ليدفع الكنيسة للتراجع عن مواقفها، ولهذا يتهمه الفيلم بشكل غير مباشر بالمسؤولية غير المباشرة عن إقامة تلك البنى المستبدة التي شجعت على التحرش بالأحداث واستمرار حماية الفاعلين.
يقول جورج جانسوين، وزير خارجية راتسنجر: "الشجرة التي لم يتم تقليمها تنمو بسرعة". مبررا بذلك لماذا قمع راتسنجر الحركات الإصلاحية داخل الكنيسة خلال فترة 23 عامًا تدرج فيها من منصب حامي للعقيدة ثم لمنهج العقيدة، وأخيرا للإيمان ثم خلال تقلده لمنصب البابا.
يتحدث عالم اللاهوت هرمان هارنج، مستشار أحد أكبر منتقدي راتسنجر المعروفين هانز كونج عن "نظام رقابة" أو "عيون وآذان الفاتيكان"، التي انتشرت في كل مكان.

يتناول الفيلم الوثائقي في البداية مراحل ترقي راتسنجر، من رجل دين شاب تقدمي إلى حد ما إلى أن يصبح رأس الكنيسة الأكثر تحفظا وتشددا. جدير بالذكر أنه قبل انتخابه بالتحديد، صدرت عنه بادرة سلبية تنم عن رفضه المطلق لأي نوع من أنواع التحرر في الكنيسة الكاثوليكية وذلك خلال موعظته حول "دكتاتورية النسبية". من وجهة نظر رول، كان هذا الموقف على وجه الخصوص السبب الرئيسي وراء انتخابه لمنصب الحبر الأعظم. ينتقل رول بعد ذلك لاستعراض توجه آخر يكشف عن تغير في وجهة نظره، يتمثل في تعامله مع ضحايا هذه المنظومة التي تتدعي امتلاكها للحقيقة المطلقة.
يقول تشارلز شيكلونا، أسقف مالطا، الذي عمل مع راتسنجر جنبا إلى جنب في إدارة منهج العقيدة، إن حالات التحرش الجنسي التي تم الكشف عنها تسببت للبابا في حالة إحباط شديد، معربا عن عدم استيعابه لقيام بعض رجال الدين في هذا الموقف بخيانة رسالتهم الدينية المقدسة. استنادا إلى شهادات كهذه، يؤسس رول لنظريته حول الكنيسة الكاثوليكية خلال عهد بابوية راتسنجر الذي شغل أكثر بصورته الشخصية وبحماية قدسية المنصب الديني أكثر من الاهتمام بمعاناة الضحايا.
في هذا السياق، يبرز المخرج الألماني البريطاني دور الأسقف المكسيكي مارسيال ماسييل، في الفيلم، فهو مؤسس ما يعرف بـ"كتائب المسيح"، وفي الوقت نفسه، يعيش حياة مزدوجة، فقد رزق بالعديد من الأطفال، والزواج محظور على رجال الدين الكاثوليك، وانتهك جنسيا على مدار عقود براءة العشرات من الأطفال والصبيان. لم ينف الفيلم أن راتسنجر عزل الأسقف الفاسد من جميع مناصبه بعد توليه منصب رئاسة الكرسي الرسولي.
جاءت صادمة شهادة الآيرلندية ماري كولينز، التي عملت في اللجنة البابوية لحماية القاصرين، معجبة جدًا، وقد تعرضت في سن الثالثة عشر للاغتصاب على يد كاهن. "كان ينتهك جسدي في الليل، ويعتدي علي جنسيا. وفي صباح اليوم التالي ناولني خبز القربان بنفس اليد التي أساء إليّ بها."

عندما تحلت بالشجاعة لتجأر بشكواها منه، وجدت أن رجال الكنيسة لم يصدموا كثيرا بسبب انتهاكه جنسيا لها بل كان أكثر ما شغلهم، كيف يمس القس خبز القربان باليد التي ارتكبت الخطيئة، وتقول "إن جسدي كان يجب أن تكون له نفس القدسية كذلك".

انتقد المجمع الأسقفي الألماني الفيلم الوثائقي ووصفه ماتياس كوب، المتحدث باسم المجمع في تصريحات من بون بأنه "عبثي إلى حد ما، ويظهر صورة مشوهة كثيرا للكاردينال جوزيف راتسنجر/ بنديكت السادس عشر"، حيث يرى أنه عندما كان يشغل منصب البابا ومن قبل كاردينال وأمينا على قسم مجمع العقيدة والإيمان، كان بمثابة حائط صد منيع ضد الانتهاكات الجنسية للأطفال، بالتحديد من خلال الإجراءات العقابية الخاصة التي أقرها داخل المجمع نفسه. كما أكد كوب أن راتسنجر كان أول بابا يجتمع خلال أسفاره المتعددة بكثير من ضحايا الانتهاكات الجنسية، مشيرا إلى أن الفيلم تعمد إخفاء هذه الجوانب لأنه "عمل غير جاد".
يشار إلى أن بنديكت السادس عشر استقال من منصبه عام 2013، ليحل محله الأرجنتيني خورخي برجوليو، والذي تم ترسيمه تحت مسمى فرنسيس الأول.


أخرج رول فيلمين عن الانتهاكات الجنسية التي وقعت في مدرسة الصفوة الداخلية الدينية "أودنفالدشولي"، مؤكدا وجود عملية توازي بين المؤسستين، في إدانة صريحة، يصفها على النحو التالي "المؤسسة تقول: نحن الأخيار ومؤسستنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يهدد رسالتها شيئ على الإطلاق".

بريتا شولتيانز
الاحد 17 نونبر 2019