نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

لا منجا ولا ملجأ لمجرم الحرب بشار أسد

18/12/2024 - عبد الناصر حوشان

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي


عن أدلبة سوريا وحتمية الصوت الآخر




في السنوات الأولى من المأساة السورية، سمعنا بأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لم يكن يطيق أن يسمع أي شيء عن الثورة السورية، لأنه ما كان يقيم وزناً أبداً للمعارضات السورية ويعتبر أفرادها مجموعة هواة لا يفقهون في العمل السياسي ولا يتمتعون بالمؤهلات والمعرفة العلمية والحيثية كي يؤسسوا دولة. وبالتالي، لم يبدي حماساً لصوتهم وطرحهم.



واليوم، وبعد السقوط التاريخي والعظيم والمبين للنظام الأسدي المجرم في سوريا وتحرر الشعب السوري من عصره الأسود، لم نسمع بعد صوت أو رأي تلك المعارضة بالمشهد السوري الذي تتسارع أحداثه ومجرياته بشكل يقطع الأنفاس ويقول لنا بأن البديل الإسلاموي الذي تم فرضه على المشهد هو حالياً الصوت الوحيد الموجود في الشارع. وكما يبدو، فإن الصوت المذكور يقدم لنا طرحاً لا يعمل على "طلبنة" سوريا أو أفغنتها (فالسياق السوري مختلف سوسيولوجياً)، كما يخاف كثيرون، ولا حتى "ليببتها" (من ليبيا) (فالموقع السوري الجغرافي له حيثيات وحسابات أخرى). بل يبدو لي أن هناك عمل على "أدلبة" سوريا، أي على اعتماد تجربة جبهة النصرة في أدلب السورية كنموذج معياري ومقياسي يمكن تطبيقه على سوريا برمتها. يظهر هذا من خلال تعيين الجولاني الفردي (بنفس المنطق الرئاسي الذي مارسه النظام السابق) لحكومة انتقالية رئيسها وأعضائها هم نفس من كانوا يمثلون حكومة دويلته في أدلب، وعلى قاعدة أنهم يتمتعون بخبرات عظيمة ومؤهلات عالية تؤهلهم، برأيه، لتقرير مصير بلد منهار ويحتاج إعادة خلق من الصفر ومجتمع متشظي ومتفتت ومكلوم ويحتاج لإعادة خلق. يبدو جلياً أن صوت "الأدلبة" هو الصوت الوحيد الموجود في الشارع اليوم. وهو صوت يقلق الكثيرين ويصيبهم باليأس ويشعرهم بالخديعة والغدر، بعد أن رهنوا أحلامهم ومصيرهم ووجودهم السوري بخطابات الثورة والمعارضات السورية، لا بصوت وخطاب الجهات الإسلاموية الجهادية التي ناهضت الثورة المدنية السورية، في حقيقة الأمر، وحاربت ممثليها ونكلت بهم واحتقرتهم، بل وحاربت باقي كتائب الجيش الحر ودخلت معها في نزاعات دموية، وكل ذلك انطلاقاً من جغرافيا نموذج "الأدلبة" الذي خلقته تلك الجهات. اليوم هذا هو الصوت الوحيد الموجود، بل والمفروض، والذي لا يسمع سواه الشارع السوري. والمخيف أن لا يتمكن، أو لا يسمح له، من سماع سواه في المرحلة القادمة.
 
 
إنِّ اولى خطوات ممارسة الحرية وخلق فضاء تعددي وتنوعي ونقدي في سوريا (مقومات الفضاء السياسي) هي أن يخلق أصحاب الفكر الديمقراطي والمدني والدولتي والقانوني والتعددي والليبرالي أصواتا فاعلة ومسموعة أمام السوريين. هناك في هذه اللحظة صوت وحيد إسلاموي ويميني ودوغماءي ولادولتي حاضر في الساحة، وعلينا ان لا نسمح بأن يكون الصوت الوحيد الموجود والمهيمن. فخلق سوريا جديدة لا-أحادية يعني أن يسمع السوريين اصواتاً أخرى وأن يختاروا بحرية ما يمثلهم بينها. هذه طبيعة التعدد والتنوع وعلينا أن نحتضنها، وإلا فنحن لسنا جاهزين لنكون أحرار. ينبغي الخروج من معادلة، إما صوت اسلاموي وصاءي ايديولوجي، أو صوت تذمُّري خاءف ومتشائم. نحتاج صوت عاقل، نقدي، حر، ديمقراطي، تعددي، دولتي، علمي لطالما عرفت الثورة السورية نفسها به بالدرجة الأولى.
 
 
إن الأطراف التي ينبغي عليها رفع هذا الصوت في قلب الشارع السوري الحالي لا تحتاج للخلق من عدم، بل ينبغي أن تكون الأجسام التمثيلية الرسمية والحراكات وحتى الأحزاب السياسية والمدنية والثقافية للمعارضة السورية. في الوقت الذي نسمع فيه صوت الخط الداعي إلى "أدلبة" سوريا ينتشر بسرعة، تختفي تماماً عن الساحة وعن المشهد وتغيب أصوات المعارضات والحراكات السورية المدنية والعلمانية والديمقراطية والسياسية السورية التي تأسست في أوروبا وأمريكا. أين هي تلك الأصوات والجهات في هذه اللحظة المصيرية؟ لم نسمع من أي من ممثلي الهيثة أو الائتلاف مثلاً، أو من أي من ممثلي الأحزاب والحراكات التي تم تأسيسها أي بيان أو تعليق رسمي أو موقف معلن عام يتعلق بما جرى ويجري في سوريا حتى الآن. وكأن تلك الجهات المعارضة استكانت لقرار أمريكا وإسرائيل وأوروبا بتسليم البلد حالياً لأدوات اللاعب التركي الإسلاموية، وهم الذين كانوا يُقرِّعون رؤوسنا بأنهم هم البديل القادم الذي سيعيد تأسيس سوريا على مبادئ وأهداف الثورة. هل هذا يعني أنهم كلهم مجرد دماً في أيدي تركيا وأنهم طوع بنان استراتيجيات الأسلمة الأدلبية التجربة؟ لن استغرب إن كان هذا الحال. فالسنوات الماضية أتاحت لي مشاهدة تواصل المعارضات السورية المدنية مع قادة الكتائب المسلحة بما فيها جبهة النصرة، وشهدت بعيني الخنوع والاستكانة والانبطاح والرهبة والتذلف التي كان يمارسها أولئك المعارضون المذكورون في الهيئات المعروفة تجاه حملة السلاح والكتائب المتعسكرة.
 
إن كان هناك من أطراف ينبغي أن تعمل في الميدان وأن ترفع الصوت الآخر في المشهد فهي ليست أفراد مستقلة حرة، مثلي ومثل أصحاب الرأي السوريين الكثيرون جداً، تلك الفئة التي ناضلت مع الثورة ودافعت عنها وحملت صوتها طوال السنوات الماضية ولم تتوقف عن معارضة ومحاربة كل من النظام المجرم البائد والفئات المسلحة ذات التوجه السلفي الجهادي أمثال جبهة النصرة. من ينبغي أن يقوم بهذا هم الهيئات والمجالس والأحزاب والحراكات والتجمعات التي أسستها المعارضات السورية المدنية والديمقراطية والدولتية المعارضة خلال السنوات الماضية. هؤلاء من ينبغي أن يرفعوا الصوت الآن وأن يدخلوا إلى المشهد وأن يواجهوا الواقع الجديد. تقاعسهم وصمتهم وغيابهم المريب والمؤذي حالياً يقول أنهم استسلموا أمام مشروع الأدلبة الصريح وأنهم كانوا مجرد عدة عمل بيد صاحب الصوت الإسلاموي الممسك بالسلطة حالياً. عليهم أن يثبتوا لنا وللسورين أجمعين العكس، وأن يبرهنوا عن مصداقية معارضتهم وثورويتهم. والأيام القادمة هي الشاهد
على هذا... حان وقت رفع الصوت: أين أنتم؟ أين أصواتكم؟ أين أدواركم؟
---------
نداء الوطن

نجيب جورج عوض
الاربعاء 18 ديسمبر 2024