بمناسبة دعوته لحضور النسخة الثالثة والعشرين من مهرجان ليما للكتاب في بيرو، كان لـ(د. ب. أ) معه هذا الحوار حول مشواره، ومنجزه الأدبي-السينمائي وعوالمه البائسة المرفوضة، المضادة لمفهوم المدينة الفاضلة (اليوتوبيا)، التي تميز أعماله السردية، والتي وفقا لما يؤكده لم تعد من نسج الخيال، بل حاضرة ومتجذرة في عالم الواقع.
(د ب أ): عندما يتبادر إلى ذهنك كتابة قصة، كيف تقرر إذا كنت ستحولها إلى فيلم أم تبقيها عملا روائيا؟
لوريجا: الأمر واضح تماما في ذهني تماما، وهناك انفصال صريح بمجرد تولد الفكرة في رأسي، على الرغم من أني اعترف بأن معظم أعمالي في السينما كانت بتكليف، حيث كانوا يعرضون عليّ فكرة أو معالجة لرواية، وحينئذ كنت أمارس العمل الذي أحبه. في الوقت نفسه، عندما أفكر في موضوعات تناسب فيلم، تنفصل الفكرة تماما عن الأفكار الأدبية. لا أعرف كيف، أتصور أنني اتخيل أكثر في نسيج بصري، حركة وإيقاع. أما عندما أكتب رواية، فلا يشغلني كثيرا إذا كانت تصلح أم لا لأن تكون معالجة سينمائية. الآن على سبيل المثال، أميل إلى تقديم معالجة سينمائية لرواية "استسلام"، ولكن أفضل أن يقوم بإعداد المعالجة شخص آخر، أتصور أنه سيقوم بذلك أفضل مني.
(د ب أ): وما هو الفارق الجوهري بين هذا الفن وذاك؟
لوريجا: الميزة الأساسية في الأدب أنه لا يخضع لبنية محددة مثل العمل السينمائي: البداية، الذروة، النهاية، وهذا يمنح الكاتب مساحة حرية أكبر، أما السينما فهي فن الممكن، بداية أنت محكوم بميزانية، ويجب التفكير في نجم شباك، وفي شخصيات محددة وفي قصة تثير الحماس أو أحداث مثيرة، جريمة وأكشن، أو حبكة كوميدية، فحتى التنويع في السينما محدود، على عكس الأدب الذي يمنح المبدع خيارات لا حدود لها.
(د ب أ): عندما يشاهد القارئ عملا سينمائيا مأخوذ عن رواية، عادة ما يعقد مقارنة بين الاثنين، وفي الغالب تكون في صالح النسخة المكتوبة .
لوريجا: هذا العبارة إكليشيه. الأمر وما فيه أن الروايات المقتبسة سينمائيا، هي تلك التي حققت نجاحا جماهيريا ضخما، ومن المنطقي أن يتخيل القارئ وجوه الأبطال والمشاهد، وحتى نمط الأزياء التي يظهرون بها خلال الأحداث. يشكل القارئ في رأسه مخيلة بصرية عن العمل ولو افتتن بالعمل، فسوف يكون من الصعب إرضائه، مهما اجتهد المخرج في تقديم معالجته على الشاشة.
(د ب أ): هل ينحاز شبان هذه الأيام بصورة أكبر للذاكرة المرئية والمسموعة أكثر من ذي قبل؟ وهل ينعكس هذا سلبا على الأدب المكتوب؟
لوريجا: ربما تتسبب أدوات التسلية، والتي تشمل ألعاب الفيديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، والفيديوهات التي تنشر من مستخدم لمستخدم بدون توقف، في سحب البساط من الوقت المخصص للقراءة، ولكن من ناحية أخرى، من خلال جولتي الواسعة التي شملت عددا من الدول، بعد فوزي بجائزة الفاجوارا، أدهشني التعرف إلى قراء تنحصر أعمارهم في المرحلة بين 18 و25 عاما، علاوة على أنه عندما كنت طفلا، في المدرسة، في فصل يضم 40 طالبا، لم يكن عدد من يقرأون منهم يتجاوز اثنين أو ثلاثة.
(د ب أ): هل تعتبر العوالم البائسة بعيدة عن الواقع؟
لوريجا: إنها على الأرجح ترسم بورتريه للمكان والزمان الذي نعيش فيه. لا أحب أن أبدو متشائما، وأقول إن الأمور أسوأ في الواقع، ولكن بكل أسف اعتقد أن الوضع على نفس القدر من السوء. عندما أفكر في أوروبا زمن الحرب العالمية الثانية، سواء في بلادي، أو إيطاليا أو ألمانيا، حينما كانت تحكمنا أنظمة دكتاتورية فاشية، قتلت الملايين، أتصور أننا عشنا دوما في ظروف رهيبة.
(د ب أ): وهل أصبح الأمل بعيد المنال ولم تعد هناك يوتوبيا؟
لوريجا: فلنتابع الأمثلة: من ناحية، هناك الرأسمالية المتفشية بأنانيتها المتوحشة (مع إدارة الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب، ومن ناحية أخرى، نظام حكم دانييل أورتيجا الذي وضع نهاية مأسوية مروعة لتجسيد الحلم الماركسي. فلنتأمل تلك اللحظة الراهنة التي يسودها يأس من يقف بين المطرقة والسندان، بين فكرة لم تعد فعالة وحلم يتحول إلى كابوس. احتضن جيلي الحلم الاشتراكي، لأنه كان أكثر الخيارات أخلاقية ومنطقية، ولكن رأينا كم تم إهدار الكثير من هذه الأحلام.
(د ب أ): وهيمنة الفساد وانعدام اليقين على كل شيء ...
لوريجا: تكمن المشكلة في الصراع بين دولة تحكم سيطرتها المطلقة على الحسابات مما يفتح الباب أمام الفساد الرهيب، ونظام رأسمالي، يعد الفرد بالتمكن من التحكم في أرباحه، وهذا خداع، لأن المال، على عكس ما يدعيه خبراء الاقتصاد، لا ينهال على الفقراء، بل يتبخر دوما إلى أعلى، ويتراكم كسحاب، ولكن لا يمطر أبدا. لا تتوافق اشتراكية الدول الاسكندنافية، ذات الشعوب فائقة التقدم، وذات التعداد الأقل بظروف حياة تصلح لمجتمعات شبه كاملة، مع مجتمعاتنا ويصعب تطبيق نموذجها على الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا.
(د ب أ): وما هي مشاريعك الأدبية الحالية؟
لوريجا: انتهي حاليا من تصويب عمل روائي، اكتمل بالفعل. ويتعين علي الاتصال بدار النشر، وبالتأكيد سوف يظهر للنور مطلع 2019، ويعتبر العمل استكمالا للتوجه الذي اتبعته منذ بداية مشواري، على الرغم من أن هذا الأمر لم اتبعه مع "استسلام".
يذكر أن راي لوريجا، أديب وسينمائي إسباني ذو باع طويل، من أشهر أعماله الروائية "أسوأ الأشياء"، و"أبطال"، و"سقطوا من السماء"، و"قبعة مسيسبي"، و"زازا، وامبراطور إيبيزا"، و"استسلام"، ومن أشهر أعماله السينمائية "مسدس شقيقي" 1997، و"تيريسا، وجسد المسيح" 2007.
(د ب أ): عندما يتبادر إلى ذهنك كتابة قصة، كيف تقرر إذا كنت ستحولها إلى فيلم أم تبقيها عملا روائيا؟
لوريجا: الأمر واضح تماما في ذهني تماما، وهناك انفصال صريح بمجرد تولد الفكرة في رأسي، على الرغم من أني اعترف بأن معظم أعمالي في السينما كانت بتكليف، حيث كانوا يعرضون عليّ فكرة أو معالجة لرواية، وحينئذ كنت أمارس العمل الذي أحبه. في الوقت نفسه، عندما أفكر في موضوعات تناسب فيلم، تنفصل الفكرة تماما عن الأفكار الأدبية. لا أعرف كيف، أتصور أنني اتخيل أكثر في نسيج بصري، حركة وإيقاع. أما عندما أكتب رواية، فلا يشغلني كثيرا إذا كانت تصلح أم لا لأن تكون معالجة سينمائية. الآن على سبيل المثال، أميل إلى تقديم معالجة سينمائية لرواية "استسلام"، ولكن أفضل أن يقوم بإعداد المعالجة شخص آخر، أتصور أنه سيقوم بذلك أفضل مني.
(د ب أ): وما هو الفارق الجوهري بين هذا الفن وذاك؟
لوريجا: الميزة الأساسية في الأدب أنه لا يخضع لبنية محددة مثل العمل السينمائي: البداية، الذروة، النهاية، وهذا يمنح الكاتب مساحة حرية أكبر، أما السينما فهي فن الممكن، بداية أنت محكوم بميزانية، ويجب التفكير في نجم شباك، وفي شخصيات محددة وفي قصة تثير الحماس أو أحداث مثيرة، جريمة وأكشن، أو حبكة كوميدية، فحتى التنويع في السينما محدود، على عكس الأدب الذي يمنح المبدع خيارات لا حدود لها.
(د ب أ): عندما يشاهد القارئ عملا سينمائيا مأخوذ عن رواية، عادة ما يعقد مقارنة بين الاثنين، وفي الغالب تكون في صالح النسخة المكتوبة .
لوريجا: هذا العبارة إكليشيه. الأمر وما فيه أن الروايات المقتبسة سينمائيا، هي تلك التي حققت نجاحا جماهيريا ضخما، ومن المنطقي أن يتخيل القارئ وجوه الأبطال والمشاهد، وحتى نمط الأزياء التي يظهرون بها خلال الأحداث. يشكل القارئ في رأسه مخيلة بصرية عن العمل ولو افتتن بالعمل، فسوف يكون من الصعب إرضائه، مهما اجتهد المخرج في تقديم معالجته على الشاشة.
(د ب أ): هل ينحاز شبان هذه الأيام بصورة أكبر للذاكرة المرئية والمسموعة أكثر من ذي قبل؟ وهل ينعكس هذا سلبا على الأدب المكتوب؟
لوريجا: ربما تتسبب أدوات التسلية، والتي تشمل ألعاب الفيديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، والفيديوهات التي تنشر من مستخدم لمستخدم بدون توقف، في سحب البساط من الوقت المخصص للقراءة، ولكن من ناحية أخرى، من خلال جولتي الواسعة التي شملت عددا من الدول، بعد فوزي بجائزة الفاجوارا، أدهشني التعرف إلى قراء تنحصر أعمارهم في المرحلة بين 18 و25 عاما، علاوة على أنه عندما كنت طفلا، في المدرسة، في فصل يضم 40 طالبا، لم يكن عدد من يقرأون منهم يتجاوز اثنين أو ثلاثة.
(د ب أ): هل تعتبر العوالم البائسة بعيدة عن الواقع؟
لوريجا: إنها على الأرجح ترسم بورتريه للمكان والزمان الذي نعيش فيه. لا أحب أن أبدو متشائما، وأقول إن الأمور أسوأ في الواقع، ولكن بكل أسف اعتقد أن الوضع على نفس القدر من السوء. عندما أفكر في أوروبا زمن الحرب العالمية الثانية، سواء في بلادي، أو إيطاليا أو ألمانيا، حينما كانت تحكمنا أنظمة دكتاتورية فاشية، قتلت الملايين، أتصور أننا عشنا دوما في ظروف رهيبة.
(د ب أ): وهل أصبح الأمل بعيد المنال ولم تعد هناك يوتوبيا؟
لوريجا: فلنتابع الأمثلة: من ناحية، هناك الرأسمالية المتفشية بأنانيتها المتوحشة (مع إدارة الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب، ومن ناحية أخرى، نظام حكم دانييل أورتيجا الذي وضع نهاية مأسوية مروعة لتجسيد الحلم الماركسي. فلنتأمل تلك اللحظة الراهنة التي يسودها يأس من يقف بين المطرقة والسندان، بين فكرة لم تعد فعالة وحلم يتحول إلى كابوس. احتضن جيلي الحلم الاشتراكي، لأنه كان أكثر الخيارات أخلاقية ومنطقية، ولكن رأينا كم تم إهدار الكثير من هذه الأحلام.
(د ب أ): وهيمنة الفساد وانعدام اليقين على كل شيء ...
لوريجا: تكمن المشكلة في الصراع بين دولة تحكم سيطرتها المطلقة على الحسابات مما يفتح الباب أمام الفساد الرهيب، ونظام رأسمالي، يعد الفرد بالتمكن من التحكم في أرباحه، وهذا خداع، لأن المال، على عكس ما يدعيه خبراء الاقتصاد، لا ينهال على الفقراء، بل يتبخر دوما إلى أعلى، ويتراكم كسحاب، ولكن لا يمطر أبدا. لا تتوافق اشتراكية الدول الاسكندنافية، ذات الشعوب فائقة التقدم، وذات التعداد الأقل بظروف حياة تصلح لمجتمعات شبه كاملة، مع مجتمعاتنا ويصعب تطبيق نموذجها على الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا.
(د ب أ): وما هي مشاريعك الأدبية الحالية؟
لوريجا: انتهي حاليا من تصويب عمل روائي، اكتمل بالفعل. ويتعين علي الاتصال بدار النشر، وبالتأكيد سوف يظهر للنور مطلع 2019، ويعتبر العمل استكمالا للتوجه الذي اتبعته منذ بداية مشواري، على الرغم من أن هذا الأمر لم اتبعه مع "استسلام".
يذكر أن راي لوريجا، أديب وسينمائي إسباني ذو باع طويل، من أشهر أعماله الروائية "أسوأ الأشياء"، و"أبطال"، و"سقطوا من السماء"، و"قبعة مسيسبي"، و"زازا، وامبراطور إيبيزا"، و"استسلام"، ومن أشهر أعماله السينمائية "مسدس شقيقي" 1997، و"تيريسا، وجسد المسيح" 2007.