تفجيران خلال يومين

في 28 من تموز الماضي، جاء في بيان نشره التنظيم عبر معرفه الرسمي في “تلجرام”، أن الهجوم الأحدث، قبل يوم، استهدف تجمعًا لزوار شيعة كانوا يؤدون طقوسًا دينية في منطقة السيدة زينب، قائلًا إن الاستهداف نفسه أسفر عن مقتل نحو عشرة أشخاص، وجرح نحو 40 آخرين، وإلحاق أضرار مادية في المكان.
وزارة الداخلية  بحكومة النظام السوري قالت، إن التفجير الذي وصفته بـ”الإرهابي”، أسفر عن مقتل ستة مواطنين وإصابة نحو 23 آخرين في حصيلة أولية، (لم تضف عليها تحديث لاحقًا)، لافتة إلى أنه حدث على شارع “كوع سودان”، بسبب انفجار دراجة نارية قرب سيارة أجرة عمومية “تاكسي”، من طراز “سابا”.
وذكر التنظيم أن الهجوم الأول (25 من تموز) أسفر عن إصابة اثنين من الزوار الشيعة، وإعطاب حافلة كانوا يستقلونها، مضيفًا أن مقاتليه “نجحوا في اختراق التشديدات الأمنية التي يفرضها النظام السوري على منطقة السيدة زينب والتي تُعد مقصدا للزوار الشيعة من سوريا وخارجها”.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر في قيادة شرطة محافظة ريف دمشق (لم تسمِّه) قوله، إن الدراجة انفجرت في منطقة السيدة زينب، خلال مرور إحدى سيارات النقل العام، أسفرت عن إصابة شخصين.
تفجير استهدف منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق- 27 من تموز 2023 (وزارة الداخلية)

تفجير استهدف منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق- 27 من تموز 2023 (وزارة الداخلية)

منطقة نفوذ إيراني

عقب عام 2011 تحولت منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق إلى مكان لإدارة عمليات ميليشيات مدعومة من إيران، تدفقت إلى سوريا لمساندة قوات النظام في حربها ضد فصائل المعارضة السورية، واكتسبت بعد ذلك بعدًا عسكريًا.
وفي أيار الماضي، زار الرئيس الإيراني ، إبراهيم رئيسي، مقام السيدة زينب، والتقى حشدًا من الأهالي، بينهم عدد من أهالي “الشهداء”.
في تشرين الأول 2022، استهدفت غارة جوية إسرائيلية موقعًا بمحيط دمشق بعدة صواريخ، واكتفت “سانا ” بقول إن الدفاعات الجوية تصدت لـ”عدوان جوي” واقتصرت الأضرار على الماديات.
مركز “ألما ” الإسرائيلي للأبحاث قال حينها، إن سلاح الجو الإسرائيلي نفذ غارة جوية استهدفت موقعًا يحتوي “أسلحة متطورة” بمنطقة البحدلية في السيدة زينب، وإن المنطقة تعتبر نقطة ارتكاز جغرافية مهمة ضمن الممر الإيراني إلى سوريا ولبنان.
وفي 22 من تموز 2022، استهدفت غارة جوية مستودع أسلحة بمنطقة السيد زينب قرب مركز مجتمعي يحمل اسم “الشهيد هيثم سليمان” (المعروف أيضًا باسم مركز شهداء المقاومة الرياضي)، وتم إنشاؤه بتمويل إيراني عام 2021 من قبل منظمة “جهاد البناء” الإيرانية، وفق ما نشره مركز “ألما ” الإسرائيلي.
تنظيم "الدولة" يتبنى تفجيرًا استهدف منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق- 27 من تموز 2023 (صدى العقيلة/ فيس بوك)

تنظيم “الدولة” يتبنى تفجيرًا استهدف منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق- 27 من تموز 2023 (صدى العقيلة/ فيس بوك)

نشاط جنوبًا.. تنسيق وتعاون

تعتبر مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا نقاط تمركز رئيسة لتنظيم “الدولة” في سوريا، خاصة بعد تمكنها مدعومة من التحالف الدولي من السيطرة على بلدة الباغوز، آخر معاقل التنظيم في سوريا، في 2019، بينما سيطرت قوات النظام على معاقل التنظيم غرب نهر “الفرات”.
ونشط التنظيم عام 2022 في مناطق درعا جنوبي سوريا، وواجهته مجموعات محلية وبقايا فصائل المعارضة، وقُتل زعيم التنظيم “أبو الحسن القرشي” بعملية لـ”الجيش السوري الحر” بالمحافظة، في تشرين الأول 2022، وفقًا للمتحدث باسم القيادة المركزية  للقوات  الأمريكية  (سينتكوم)، جو بوتشينو.
ومع أي حادثة تفجير أو استهداف من هذا النوع في مناطق سيطرة النظام، تتوجه الأنظار نحو الأخير مع اتهامات بكونه طرفًا فيها أو مسهلًا لها، خاصة في حالة السيدة زينب الواقعة في قبضة أمنية شديدة.
الباحث السوري المتخصص في الجماعات “الجهادية” عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي إن تنظيم “الدولة” موجود في مناطق واقعة تحت سيطرة النظام بطبيعة الحال، سواء في البادية أو في امتدادها نحو غرب سوريا ودمشق، وفي المنطقة الجنوبية على وجه الخصوص كما أنه موجود في مناطق سيطرة “قسد”.
ولفت الحاج إلى أنه في عامي 2021 و2022 حاولت قيادات من التنظيم تأسيس منطقة نفوذ لها والنشاط في درعا، لكن “الجيش الحر” المتبقي هناك قضى عليها وقتل زعيمها كما قال بيان التحالف.
وذكر الحاج، أن هنالك نوعًا من الارتباط للتنسيق والتسهيل لقدوم عناصر تنظيم “الدولة” إلى درعا، وهي منطقة غير مستقرة أساسًا واحتاج التنظيم إلى مساعدة من النظام، أو النظام استدعاه عبر الارتباط بالضباط الميدانيين، لتحويل درعا إلى منطقة تنظيمات “إرهابية”، وهذا ما أثبتته التحقيقات والتسجيلات المصورة مع عناصر و”خلايا” التنظيم.
ويرى الباحث أن التنظيم لم يتمكن من تنفيذ منطقة نفوذ له في درعا غير المستقرة أمنيًا، فلا شك أن وجوده في دمشق ومحيطها شبه مستحيل، إذ تقع السيدة زينب في منطقة تتمتع بأعلى درجة من السيطرة الأمنية للنظام وحلفائه.
واعتبر الحاج أنه من الصعب توقع أن يكون التنظيم قادرًا على اختراق هذا الوضع الأمني وزرع متفجرات على مدار يومين متتالين، وأنه لا شك من وجود تعاون من طرف قادر على تسهيل الوصول إلى منطقة السيدة زينب.

ثلاث رسائل

جاء التفجيران في ظروف وأبعاد مختلفة، فهو من جهة تزامن مناسبة دينية شيعية مهمة (عاشوراء)، وهي مهمة لإظهار الوجود الشيعي في سوريا، ومن جهة أخرى في سياق تهاوٍ اقتصادي متسارع، وفق الحاج.
وأوضح الباحث، أن للتنظيم مكسب الظهور بأنه قادر على الوصول إلى قلب مناطق سيطرة النظام، أي أنه موجود في العاصمة دمشق ومحيطها، لكن هذا المكسب ليس له ارتباط بسياق الأحداث العامة، بقدر ما يحرص عليه التنظيم دائمًا.
في حين أن مكسب للنظام من هذه العمليات، هو ظهور عدو مرعب وهو تنظيم “الدولة” الرهيب، والفائدة التي يجنيها النظام واضحة تتمثل بتخويف الداخل من التنظيم الذي يعاود الظهور، وبالتالي فإن الرسالة هي “أن عليكم أن تصبروا وتساندوا النظام، لأن بديل النظام هو الأسوأ أي (داعش)”، وفق الحاج.
ومن جهة أخرى، يرى الباحث أن العملية تعطي رسالة للإيرانيين بأن استقرارهم مهدد، وعليهم دعم النظام ماليًا إذا ما أرادوا حماية مكاسبهم العسكرية، لهذا أرسل على الفور بعد التفجيرين وزير الخارجية فيصل المقداد إلى إيران، ومعه وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل، واللذان وصلا في 30 من تموز الماضي.
“المسألة تبدو ببساطة أن النظام استخدم تنظيم (الدولة) وسهل له الوصول لعملية تفجير السيدة زينب، وعلى الأغلب كان يعلم بالتفجيرين قبل وقوعهما، ولا يستبعد أنه دفع التنظيم لتنفيذهما”  
عبد الرحمن الحاج – باحث متخصص في الجماعات الجهادية

 

 

 

 

سبقهما استهداف “برزة”

لا يعتبر استهداف منطقة السيدة زينب الأول من نوعه داخل الحدود الإدارية لدمشق وريفها، لكن يستمد ثقله من أهمية المنطقة، وسبق أن شهدت محافظة ريف دمشق نشاطًا للتنظيم.
وفي 10 من أيار الماضي، قُتل ضابط وجُرح أربعة عناصر من قسم الشرطة في حي برزة بالعاصمة دمشق، إثر انفجار عبوة ناسفة مزروعة في سيارة شرطة ضمن حرم قسم شرطة “برزة”.
تنظيم “الدولة الإسلامية” أعلن  في اليوم نفسه مسؤوليته عن الاستهداف، وقال عبر معرفه الرسمي حينها، إن خلية أمنية تابعة له تمكنت من زرع وتفجير عبوة ناسفة بآلية داخل مركز للشرطة في حي برزة بالعاصمة دمشق.
ولم تتوقف عمليات استهداف قوات تابعة للنظام عبر تفخيخ الآليات، رغم إصدار وزارة الدفاع تعميمًا، في 18 من نيسان الماضي، حصلت عنب بلدي على نسخة منه، تضمن تعليمات “مشددة” بهدف السيطرة على عمليات تفخيخ آليات المبيت والسيارات العائدة لضباط وصف ضباط الجيش بالعبوات الناسفة.