وعادت مسألة ترسيم الحدود إلى الواجهة ثانية أثناء زيارة وزير الخارجية الكويتي، سالم الصباح، ولقائه نظيره العراقي، فؤاد حسين في 30 يوليو/ تموز الماضي ببغداد.
والتقى الوزير الكويتي وفدا يضم محافظ البصرة، أسعد العيداني، ومسؤولين من وزارتي النفط والنقل العراقيتين.
وتوجه "الصباح" بالشكر، خلال مؤتمر صحفي مشترك وقتها مع نظيره العراقي لمحافظ البصرة الذي وعد الوزير الكويتي بـ "هدم منازل العراقيين في (مدينة) أم قصر قريبا".
وكان الوزير الكويتي أشاد نهاية العام الماضي، بـ "إنجاز مشروع المجمع السكني في مدينة أم قصر بالعراق"، موضحاً أن "هذا المشروع جاء بديلاً عن المنازل المتاخمة لخط الحدود بين الكويت والعراق في منطقة أم قصر، تمهيداً لإزالة تلك المنازل، وتنفيذاً لتوصيات فريق الأمم المتحدة بشأن صيانة العلامات الحدودية بين البلدين، وإزالة كافة العوائق على جانبي الحدود"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا".
وأثارت تصريحات الوزير الكويتي جدلا واسعا في الأوساط العراقية وبين أعضاء في مجلس النواب، فيما التزمت الحكومة العراقية بمواقف "رسمية" شددت على أنها لم تتنازل عن أي أراض عراقية سواء للكويت او لإيران.
وقالت إن "كل ما يثار من إشاعات في هذا الملف تهدف للابتزاز والضغط السياسي"، وفق الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي.
كما نفت الخارجية العراقية، في بيان رسمي، "التفريط بسيادة العراق البريّة أو البحريّة ولا سيما ما يتعلّق بمنطقة أُم قصر بالبصرة".
وبيّن محافظ البصرة، العوادي، أن "الحدود رُسمت في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1994، بامتثال النظام السابق لقرار الأمم المتحدة رقم 833 لسنة 1993، وان أي تغيير لم يحدث على الحدود بين البلدين بعد عام 2003".
"أم قصر" مدينة عراقية على الحدود مع الكويت فيها آلاف المنازل. لكن المشكلة تتعلق بنحو مئة منزل من المنازل المخصصة لسكن منتسبي القاعدة البحرية في البصرة، وتقع، وفق الرواية الكويتية، على علامات الحدود البرية الفاصلة بين البلدين.
لذا، طالبت الكويت بإزالتها والتكفل ببناء مدينة سكنية بديلة تضم ضعف عدد المنازل المهددة بالإزالة.
وأنجزت الكويت بناء المدينة السكنية عام 2020.
ويقول خبراء عراقيون إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، أفقد العراق أراض واسعة وغنية بالنفط والقاعدة البحرية الوحيدة له على الخليج "قاعدة الخليج العربي البحرية" في أم قصر بكل المنشآت التابعة لها بسبب ضمها للكويت.
إن مجمل الخلافات بين البلدين كانت بشأن ترسيم الحدود بينهما في مناطق غنية بالحقول النفطية، مثل حقل غاز الدرة الذي هو محل خلاف بين إيران من جهة وكل من الكويت والسعودية من جهة ثانية.
ويقع حقل الدرة شمال الخليج العربي، والذي تدعي إيران حقها في ثلث الحقل الذي تطلق عليه تسمية "حقل آرش"، وهو ما ترفضه الكويت والسعودية اللذين أعلنا أنهما المالكين الوحيدين للحقل بكامله.
وتتمسك الكويت بالحقوق الحصرية المشتركة مع السعودية في حقل الدرة، وضرورة استجابة إيران لدعوات ترسيم الحدود البحرية مع الكويت واستكمال مفاوضات البلدين التي توقفت بعد آخر جولة بين كبار مسؤولي وزارتي الخارجية في البلدين منتصف مارس/ اذار الماضي.
وأكدت الخارجية الكويتية في يوليو/ تموز الماضي على أن المنطقة البحرية التي يقع فيها حقل الدرة تقع بالمناطق البحرية لدولة الكويت، وأن الثروات الطبيعية فيها مشتركة بشكل كامل بين بلادها والسعودية.
ودعت الخارجية الكويتية إيران إلى البدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني.
وإثر عدم دعوة العراق للمشاركة في المفاوضات، أعلنت لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، في 16 يوليو/ تموز الماضي، أنه "ليس من حق الكويت أو السعودية التنقيب في حقل الدرة الذي تؤكد الوثائق التاريخية وقانون أعالي البحار أحقية العراق بالحقل".
كما أن جمال الحلبوسي، أحد كبار العسكريين العراقيين المتقاعدين المتخصصين بترسيم الحدود، أوضح في تصريحات لوسائل اعلام محلية أن "موضوع حقل الدرة بدء بتبني الكويت مرسوما أميريا عام 2014 يتضمن خريطة فيها تجاوزات على سيادة العراق وحقوقه البحرية، وتجاهل لحقوق العراق في السيادة على أراضيه ومياهه".
"الحلبوسي" يعتقد أنه لا يمكن للكويت ترسيم حدودها مع إيران قبل ترسيمها مع العراق، وضرورة إعادة النظر بالقرار 833 الصادر عن مجلس الأمن سنة 1993 الذي وضع إحداثيات الحدود بين الكويت والعراق على أساس الاتفاق الموقع بين البلدين عام 1963.
لكن القرار الذي صدر بعد انسحاب العراق من مفاوضات ترسيم الحدود عام 1993، وفق الحلبوسي، "اقتطع اراض ومياها ليست من حق الكويت".
ويفتقر العراق إلى أية منافذ بحرية للوصول الى المياه الدولية، باستثناء منطقة ضيقة في أقصى أعالي شمال الخليج العربي في منطقة أم قصر بمحافظة البصرة (جنوب) على الحدود مع دولة الكويت.
ومن المتوقع أن تستمر الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية ومناطق استغلال النفط في المياه الإقليمية، مع استبعاد أي تصعيد عراقي ضد الكويت التي احتضنت طيلة سنوات الإعداد لغزو العراق أغلب المعارضين لنظام صدام حسين والذين هم اليوم في مراكز القرار ويهيمنون على السلطة والثروات.