والحال أننا حيال بنيامين نتانياهو، الرجل الذي لم يكترث لاصطفاف العالم، ومن ضمنه الإسرائيليون وأهالي الأسرى، لإجباره على إنجاح صفقات وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى ووقف الإبادة بحق سكان القطاع. ونتانياهو هذا باشر مهمة في لبنان لا تقل عن تلك التي قطع أشواطاً لتحقيقها في غزة. إنها المنطقة العازلة بين إسرائيل والقطاع في الجنوب، والمنطقة العازلة بين إسرائيل ولبنان في الشمال. والمفاوض اللبناني يشيح بوجهه عن هذه الحقيقة، ويطلق خياله نحو القرار 1701 والتزام لبنان بمندرجاته! وهو إذ يفعل ذلك، يدرك أن الذهاب بالتفاوض نحو إعاقة المهمة الإسرائيلية الجلية، يتطلب منه حيازة القرار الفعلي في تقديم ضمانات بديلة يضعها على طاولة المفاوضات، تساعد الوسطاء على الضغط على إسرائيل.
عندما يتحدث نتانياهو عن “النصر الكامل”، فهو يعني المنطقة العازلة غير المأهولة، ويعرف أن هزيمة كاملة لـ”حزب الله” مهمة مستحيلة. الحرب البرية اليوم على ضراوتها، لا تعني سوى إنهاء أي قابلية لعودة السكان، وهو في ما يبدو لم يكتفِ بقرى الحافة الحدودية، فالتقدم نحو بلدة شمع في القطاع الغربي ونحو عيناتا وبنت جبيل في القطاع الأوسط يؤشر إلى أن عمق المنطقة العازلة يتعدى الثلاثة كيلومترات التي تحدث عنها الجيش.
لإسرائيل تجارب على هذا الصعيد سبقت تجربة شمال قطاع غزة. فهي كانت فعلتها في الجولان في العام 1973 وأجبرت الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد على القبول بمنطقة عازلة منزوعة من السلاح بمسافات تتعدى العشرة كيلومترات!
من الواضح أن نتانياهو ليس في وارد المفاوضة على القرار 1701، وخطوات الجيش في قرى الحافة الحدودية تؤشر إلى أن التفاوض سيكون على المنطقة العازلة. ثمة أكثر من 20 قرية مُسحت، والقتال في البلدات الكبرى مثل الخيام وبنت جبيل يكشف أن عقدة تحول دون إنجاز المهمة قبل تسويتها بالأرض. المقاومة ضارية هناك، لكن ذلك لن يوقف المهمة، على ما شهدنا في شمال غزة. والحرب ليست ميداناً وحسب، فالتصدي للمهمة الإسرائيلية يقتضي أيضاً وجود مفاوض بيده الحل والربط، وهذا غير متوافر لدى الوكلاء اللبنانيين.
من جهة نحن أمام مفاوض قاتل مثل بنيامين نتانياهو، ومن جهة أخرى أمام مفاوض عاجز ولا يملك قراره مثل نبيه بري، وعلى رغم ذلك ثمة من هو “متفائل” بمهمة المبعوث الأميركي المنتدب من إدارة آفلة، ونعني هنا آموس هوكستين!!!
لكن ثمة عناصر أخرى في المشهد التفاوضي يغفلها المفاوض اللبناني، أو يشيح نظره عنها، وتتمثل في اليتم الرهيب الذي ألمّ بالضحية اللبنانية، وهو ما لم نشهده في الحالة الفلسطينية. ألا نلاحظ مثلاً غياب التضامن العربي الرسمي مع المجزرة التي يشهدها لبنان؟
في الحالة الفلسطينية وفي موازاة ما شهده قطاع غزة من قتل ودمار، تحوّل مثلاً وزيرا خارجية مصر والأردن إلى وزيرين فلسطينيين، وصارت الدوحة عاصمة لحركة “حماس” ومكاناً للتفاوض وتبادل الأسرى. لا أثر لأي حراك عربي في الحالة اللبنانية، لا بل إن المساعدات الإغاثية العربية كانت شديدة التواضع ولم تغطِّ أكثر من 15 في المئة من حاجات النازحين، على رغم أن الأبواب كانت مفتوحة لإرسال المساعدات خلافاً لما أصاب قطاع غزة من الحصار!
ستنجم عن حالة المفاوضة عبر النكران، قضية جديدة في القاموس السياسي اللبناني، تتمثل بـ”حق العودة” لنحو مئة ألف لبناني إلى قراهم الحدودية. تفادي هذه الكارثة يقتضي مفاوضاً أصيلاً معنياً بظلامة هؤلاء.
بنيامين نتانياهو يعتبر أن هذه عناصر قوة في المفاوضات، في وقت لم يشعر المفاوض اللبناني بضرورة المبادرة لسحب هذه الأوراق عبر فتح قنوات موازية لقنوات التفاوض تساعده في مهمته، التي لا يملك من شروطها شيئاً باستثناء تفويض غامض أُعطي لبري، مهمته تقطيع الوقت بانتظار ما ينتجه “الميدان”
------------
منصة درج
عندما يتحدث نتانياهو عن “النصر الكامل”، فهو يعني المنطقة العازلة غير المأهولة، ويعرف أن هزيمة كاملة لـ”حزب الله” مهمة مستحيلة. الحرب البرية اليوم على ضراوتها، لا تعني سوى إنهاء أي قابلية لعودة السكان، وهو في ما يبدو لم يكتفِ بقرى الحافة الحدودية، فالتقدم نحو بلدة شمع في القطاع الغربي ونحو عيناتا وبنت جبيل في القطاع الأوسط يؤشر إلى أن عمق المنطقة العازلة يتعدى الثلاثة كيلومترات التي تحدث عنها الجيش.
لإسرائيل تجارب على هذا الصعيد سبقت تجربة شمال قطاع غزة. فهي كانت فعلتها في الجولان في العام 1973 وأجبرت الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد على القبول بمنطقة عازلة منزوعة من السلاح بمسافات تتعدى العشرة كيلومترات!
من الواضح أن نتانياهو ليس في وارد المفاوضة على القرار 1701، وخطوات الجيش في قرى الحافة الحدودية تؤشر إلى أن التفاوض سيكون على المنطقة العازلة. ثمة أكثر من 20 قرية مُسحت، والقتال في البلدات الكبرى مثل الخيام وبنت جبيل يكشف أن عقدة تحول دون إنجاز المهمة قبل تسويتها بالأرض. المقاومة ضارية هناك، لكن ذلك لن يوقف المهمة، على ما شهدنا في شمال غزة. والحرب ليست ميداناً وحسب، فالتصدي للمهمة الإسرائيلية يقتضي أيضاً وجود مفاوض بيده الحل والربط، وهذا غير متوافر لدى الوكلاء اللبنانيين.
من جهة نحن أمام مفاوض قاتل مثل بنيامين نتانياهو، ومن جهة أخرى أمام مفاوض عاجز ولا يملك قراره مثل نبيه بري، وعلى رغم ذلك ثمة من هو “متفائل” بمهمة المبعوث الأميركي المنتدب من إدارة آفلة، ونعني هنا آموس هوكستين!!!
لكن ثمة عناصر أخرى في المشهد التفاوضي يغفلها المفاوض اللبناني، أو يشيح نظره عنها، وتتمثل في اليتم الرهيب الذي ألمّ بالضحية اللبنانية، وهو ما لم نشهده في الحالة الفلسطينية. ألا نلاحظ مثلاً غياب التضامن العربي الرسمي مع المجزرة التي يشهدها لبنان؟
في الحالة الفلسطينية وفي موازاة ما شهده قطاع غزة من قتل ودمار، تحوّل مثلاً وزيرا خارجية مصر والأردن إلى وزيرين فلسطينيين، وصارت الدوحة عاصمة لحركة “حماس” ومكاناً للتفاوض وتبادل الأسرى. لا أثر لأي حراك عربي في الحالة اللبنانية، لا بل إن المساعدات الإغاثية العربية كانت شديدة التواضع ولم تغطِّ أكثر من 15 في المئة من حاجات النازحين، على رغم أن الأبواب كانت مفتوحة لإرسال المساعدات خلافاً لما أصاب قطاع غزة من الحصار!
ستنجم عن حالة المفاوضة عبر النكران، قضية جديدة في القاموس السياسي اللبناني، تتمثل بـ”حق العودة” لنحو مئة ألف لبناني إلى قراهم الحدودية. تفادي هذه الكارثة يقتضي مفاوضاً أصيلاً معنياً بظلامة هؤلاء.
بنيامين نتانياهو يعتبر أن هذه عناصر قوة في المفاوضات، في وقت لم يشعر المفاوض اللبناني بضرورة المبادرة لسحب هذه الأوراق عبر فتح قنوات موازية لقنوات التفاوض تساعده في مهمته، التي لا يملك من شروطها شيئاً باستثناء تفويض غامض أُعطي لبري، مهمته تقطيع الوقت بانتظار ما ينتجه “الميدان”
------------
منصة درج