الكاتب السوري مصطفى خليفة
الى هنا والقصة عادية فقد حدثت جرائم كثيرة من هذا النوع في سورية وهناك من سجنوا لثلاثين عاما وخرجوا دون ان يعرفوا ما هي تهمتهم وكانوا يعدون أنفسهم من المحظوظين لأنه لم تتم تصفيتهم في من تمت تصفيته وهم الان مجرد ارقام في ملف المفقودين
الخبر هو قيام مصطفى خليفة بعد الافراج عنه بكتابة رواية عن تلك الايام اسماها (القوقعة ) وفيها يصف يومياته في السجن في سنوات المواجهة بين الجبليين - هكذا يسميهم حتى لا يبدو طائفيا - وبين بقية افراد الشعب السوري وتمتاز هذه الرواية بحساسية انسانية لافتة اضافة الى اهميتها كشهادة شاهد عيان معذب من داخل الزنازين فالكاتب يمتلك ذاكرة صورية تجيد نقل ما كان يجري أمامها بدقة وظرف وهنا المفارقة
لقد قال فوكنر ذات يوم ( ان الماضي لا يصبح ماض ابدا ) بل تتغير تسميته ليساهم في تشكيل الحاضر والمستقبل وقد استشهد الرئيس الاميركي باراك اوباما بعبارة فوكنر تلك في مقدمة طبعة 2004 لكتابه ( أحلام من أبي ) ولعل رواية القوقعة التي تعود لاحياء ذكرى الضحايا وتعكير صفو الجلادين في سورية خير مثال على تلك الجملة الفوكنرية العبقرية وفي ما يلي مقاطع من رواية القوقعة للكاتب مصطفى خليفة
الخبر هو قيام مصطفى خليفة بعد الافراج عنه بكتابة رواية عن تلك الايام اسماها (القوقعة ) وفيها يصف يومياته في السجن في سنوات المواجهة بين الجبليين - هكذا يسميهم حتى لا يبدو طائفيا - وبين بقية افراد الشعب السوري وتمتاز هذه الرواية بحساسية انسانية لافتة اضافة الى اهميتها كشهادة شاهد عيان معذب من داخل الزنازين فالكاتب يمتلك ذاكرة صورية تجيد نقل ما كان يجري أمامها بدقة وظرف وهنا المفارقة
لقد قال فوكنر ذات يوم ( ان الماضي لا يصبح ماض ابدا ) بل تتغير تسميته ليساهم في تشكيل الحاضر والمستقبل وقد استشهد الرئيس الاميركي باراك اوباما بعبارة فوكنر تلك في مقدمة طبعة 2004 لكتابه ( أحلام من أبي ) ولعل رواية القوقعة التي تعود لاحياء ذكرى الضحايا وتعكير صفو الجلادين في سورية خير مثال على تلك الجملة الفوكنرية العبقرية وفي ما يلي مقاطع من رواية القوقعة للكاتب مصطفى خليفة
-----------------------------------------------------------------------------------
فتحت عيني ببطء، أكاد اختنق من نتانة الروائح المحيطة بي، حولي غابة من الأقدام والأرجل، ملقى على الأرض بين هذه الأقدام المكتظة، رائحة الأقدام القذرة، رائحة الدم، رائحة الجروح المتقيحة، رائحة الأرض التي لم تنظف منذ زمن طويل ... الأنفاس الثقيلة لأناس يقفون متلاصقين "علمت بعد قليل من خلال عملية التفقد والعد، أننا كنا ستة وثمانين رجلاً، عاينت سقف الغرفة وقدرت أن مساحتها لا تزيد عن خمسة وعشرين متراً مربعا.!!".
الحديث بين الناس يجري همساً، الأمر الذي يولد أزيزاً متواصلا يخيم فوق الجميع. أردت الوقوف لاستنشاق بعض الهواء.آلام فظيعة في كامل الجسد، تحاملت، تجلدت، وعندما حاولت أن أقف على قدمي صرخت ألماً.
انتبه الناس من حولي، عدة أياد امتدت، أمسكت بي من تحت إبطي وأنهضتني، وقفت مستندا إلى الأيادي، قال شاب يقف إلى جانبي:
- اصبر يا أخي.. اصبر، إنها شدة وتزول!!
قال آخر:
- من يكن مع الله فإن الله سيكون معه..لا تيأس يا أخي.
مع الحركة خفت الآلام قليلاً، نظرت حولي، رجال.. شباب.. ويوجد أطفال في الثانية عشر والثالثة عشر ..كهول.. شيوخ!!
التفتّ إلى الرجل الذي حاول أن يشد من عزيمتي قبل قليل، سألته :
- مين هدول الناس؟ .. ليش نحن هون؟ ليش الناس واقفين؟!
نظر الرجل إليّ بحيرة تقرب من البلاهة وكأنه يقول: كيف يمكن شرح ما هو بديهي؟!! ورد بسؤال:
- أنت ..ما بتعرف شو صاير بالبلد ؟!
"كنت، وأنا في فرنسا، قد سمعت أنباءً عن اضطرابات سياسية تحصل هنا، وأن هناك حزباً يدعى الإخوان المسلمين يقوم ببعض حوادث العنف هنا وهناك. ولكني لم أعر هذه الأنباء أية أهمية، وبقيت مبهمة، فلم أعرف التفاصيل، ولم أكن يوما من هواة نشرات الأخبار، أو العمل السياسي المنظم، رغم أنني كنت في المرحلة الثانوية وما تلاها قريباً من بعض الماركسيين ومتأثراً بأفكارهم، خاصة أفكار خالي الذي كان على ما يبدو يحتل مركزاً قيادياً مهماً في الحزب الشيوعي".
أجبته:
- لا والله .. ما بعرف! .. ليش شو صاير؟
- ليش مانك عايش بالبلد؟!
و أردت أن اقطع كل دابر أسئلته، فأجبته دفعة واحدة عن كل ما يمكن أن يسأله:
- لأ .. كنت عايش بفرنسا.. واليوم أنا جيت، يعني من.. "نظرت الى ساعتي" أربع عشرة ساعة بس.
- العمى معك ساعة ؟!! ..خبيها يا أخي خبيها، شايف كل الناس هون، هدول كلهم من خيرة المؤمنين والمدافعين عن الإسلام بها البلد، امتحان يا أخي امتحان، امتحان من الله عز وجل.
قاطعته وقد بلغ بي الإحساس بغرابة وضعي وبالغبن والضيق حداً كبيراً، قلت محتدّاً:
- طيب .. العمى أنا شو دخلني؟! أنا مسيحي ماني مسلم، وأنا ملحد ماني مؤمن!!
" هذه هي المرة الثانية التي أعلن فيها أنني ملحد - وكانت فذلكة أيضا -. في المرة الأولى كلفتني وجبة من خيزرانة أيوب، بأمر من أبو رمزت الذي ذبح المسلمين لأننا نعيش في دولة إسلامية !!! أما في المرة الثانية فإنها ستكلفني سنوات طويلة من العزلة المطلقة، ومعاملة كمعاملة الحشرات، لا بل أسوأ منها".
رأيت محدثي وكأنه قفز إلى الخلف. ولكوننا محشورين، لم يتحرك منه إلا جزؤه العلوي فقط، وبشكل عفوي قال:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. - ثم بصوت أعلى - .. يا شباب في واحد نصراني كافر !.. في عندنا واحد جاسوس.
صُوّبت نحوي مجموعة من العيون، في نفس الوقت الذي سمعت فيه صوتاً آتياً من خلفي، صوتاً آمراً:
ـ مين هذا يللي عم يرفع صوته ؟ .. سكوت ..سكوت ! يا لله .. صار وقت التبديل.
لم استطع استيعاب الأمر !! في الجزء الأبعد من الغرفة كانت هناك مجموعة من الناس المستلقين على الأرض، وقد اصطفوا بطريقة غريبة ولكن منتظمة. "كما لو كانوا مجموعة من لفائف التبغ قد اصطفت في علبة". وبين المستلقين وبيننا نحن الواقفين، توجد المجموعة الثالثة، مجموعة المقرفصين على الأرض.
بعد كلام الرجل الضخم ـ علمت أنه رئيس المهجع ـ تحركت المجموعات الثلاث. خلال لحظات كان النيام جميعاً قد وقفوا واحتلوا الركن الذي كنا فيه تدريجياً. نحن قرفصنا. المجموعة الثالثة اتجهت الى مكان النوم
ـ يا لله سيّف.. سيّف، كل النايمين يسيّفو.
"وتبين أن التسييف هو النوم على الجنب".
الأول استلقى لصق الحائط على جنبه، ظهره إلى الحائط، الثاني استلقى أمامه واضعاً البطن على البطن، رأس كل واحد منهما عند أقدام الآخر.
الثالث سيّف ووضع ظهره لصق الظهر الثاني، الرابع بطنه على بطن الثالث، ودائماً الرؤوس عند الأقدام.
تتابع المستلقون إلى أن وصل الصف إلى الحائط الثاني من الغرفة ولازال هناك ستة أو سبعة أشخاص لم يبق لهم مكان. هنا صاح رئيس المهجع:
ـ يا لله ..يا كبّيس .. أجا شغلك!
قام الرجل الضخم الثاني بهدوء ـ يبدو مصارعاً ـ . ذهب إلى أول رجل مستلقٍ عند الحائط ، وبهدوء وضع قدميه بين الحائط وبين الرجل المستلقي، استند بظهره إلى الحائط، ثم أخذ يدفع المستلقي بباطن قدميه، دفع أكثر، أنضغط المستلقون قليلا، أصبح هناك مسافة تتسع لرجل آخر، نادى على واحد من المتبقين: يا لله .. إنزل هون.
نزل الرجل مستلقياً على جنبه بين أقدام الكبّيس والرجل الأول، ثم بدأ الكبّيس بالضغط على الرجل الجديد، ومرة أخرى حقق مسافة تتسع إلى آخر.. يا لله .. إنزل هون، ثم الضغط من جديد ورجل جديد، في النهاية تم استيعاب جميع الذين لم يبق لهم مكان سابقا، عاد الكبيس إلى مكانه بنفس الهدوء، وهو ينفض يديه!.
راقبت المستلقين، بعضهم استغرق في النوم فوراً!!.
ثلاثة أيام قضيتها في تلك الغرفة. "سمعت أن بعضهم سابقاً ولاحقاً، قضى فيها شهوراً عديدة، وفي بعض الحالات كان العدد يزيد على عددنا". خلال هذه الأيام تعرفت على الغرفة جيداً.
بعد قليل من جلوسنا القرفصاء، أحسست أنني أريد قضاء حاجة، التفت إلى جاري وسألته:
ـ أين يقضي الإنسان حاجته ؟
أشاح بوجهه عني ولم يجب، سألت الجار الآخر، أيضاً لم يجب. تذكرت أنني نصراني، كافر، جاسوس، وستظل تلاحقني هذه التهم.
موقعي قريب من رئيس المهجع، سألته فدلني على المرحاض. "إذن في الغرفة مرحاض!". اضررت للانتظار أكثر من ساعة. مرحاض واحد، حنفية ماء واحدة، وستة وثمانون شخصاً.
عدت إلى موقعي. حركة ما فوق، نظرت. أنبوب الصرف الصحي، ويبدو أنه للبناء كله، يقطع الغرفة من أولها إلى آخرها. بين الأنبوب وبين سقف الغرفة حوالي النصف متر. فوق هذا الأنبوب ينام اثنان من الفتية عمر كل منهما حوالي خمسة عشر عاماً، احتضن الواحد منهما الأنبوب بيديه وصدره وتدلت الأرجل إلى الأسفل، بينما الرأس مرتاح على صوت خرير الماء داخل الأنبوب.
ـ بحياتي ما نمت أحلى من هـ النومة!!
قال أحدهما في اليوم الثاني
فتحت عيني ببطء، أكاد اختنق من نتانة الروائح المحيطة بي، حولي غابة من الأقدام والأرجل، ملقى على الأرض بين هذه الأقدام المكتظة، رائحة الأقدام القذرة، رائحة الدم، رائحة الجروح المتقيحة، رائحة الأرض التي لم تنظف منذ زمن طويل ... الأنفاس الثقيلة لأناس يقفون متلاصقين "علمت بعد قليل من خلال عملية التفقد والعد، أننا كنا ستة وثمانين رجلاً، عاينت سقف الغرفة وقدرت أن مساحتها لا تزيد عن خمسة وعشرين متراً مربعا.!!".
الحديث بين الناس يجري همساً، الأمر الذي يولد أزيزاً متواصلا يخيم فوق الجميع. أردت الوقوف لاستنشاق بعض الهواء.آلام فظيعة في كامل الجسد، تحاملت، تجلدت، وعندما حاولت أن أقف على قدمي صرخت ألماً.
انتبه الناس من حولي، عدة أياد امتدت، أمسكت بي من تحت إبطي وأنهضتني، وقفت مستندا إلى الأيادي، قال شاب يقف إلى جانبي:
- اصبر يا أخي.. اصبر، إنها شدة وتزول!!
قال آخر:
- من يكن مع الله فإن الله سيكون معه..لا تيأس يا أخي.
مع الحركة خفت الآلام قليلاً، نظرت حولي، رجال.. شباب.. ويوجد أطفال في الثانية عشر والثالثة عشر ..كهول.. شيوخ!!
التفتّ إلى الرجل الذي حاول أن يشد من عزيمتي قبل قليل، سألته :
- مين هدول الناس؟ .. ليش نحن هون؟ ليش الناس واقفين؟!
نظر الرجل إليّ بحيرة تقرب من البلاهة وكأنه يقول: كيف يمكن شرح ما هو بديهي؟!! ورد بسؤال:
- أنت ..ما بتعرف شو صاير بالبلد ؟!
"كنت، وأنا في فرنسا، قد سمعت أنباءً عن اضطرابات سياسية تحصل هنا، وأن هناك حزباً يدعى الإخوان المسلمين يقوم ببعض حوادث العنف هنا وهناك. ولكني لم أعر هذه الأنباء أية أهمية، وبقيت مبهمة، فلم أعرف التفاصيل، ولم أكن يوما من هواة نشرات الأخبار، أو العمل السياسي المنظم، رغم أنني كنت في المرحلة الثانوية وما تلاها قريباً من بعض الماركسيين ومتأثراً بأفكارهم، خاصة أفكار خالي الذي كان على ما يبدو يحتل مركزاً قيادياً مهماً في الحزب الشيوعي".
أجبته:
- لا والله .. ما بعرف! .. ليش شو صاير؟
- ليش مانك عايش بالبلد؟!
و أردت أن اقطع كل دابر أسئلته، فأجبته دفعة واحدة عن كل ما يمكن أن يسأله:
- لأ .. كنت عايش بفرنسا.. واليوم أنا جيت، يعني من.. "نظرت الى ساعتي" أربع عشرة ساعة بس.
- العمى معك ساعة ؟!! ..خبيها يا أخي خبيها، شايف كل الناس هون، هدول كلهم من خيرة المؤمنين والمدافعين عن الإسلام بها البلد، امتحان يا أخي امتحان، امتحان من الله عز وجل.
قاطعته وقد بلغ بي الإحساس بغرابة وضعي وبالغبن والضيق حداً كبيراً، قلت محتدّاً:
- طيب .. العمى أنا شو دخلني؟! أنا مسيحي ماني مسلم، وأنا ملحد ماني مؤمن!!
" هذه هي المرة الثانية التي أعلن فيها أنني ملحد - وكانت فذلكة أيضا -. في المرة الأولى كلفتني وجبة من خيزرانة أيوب، بأمر من أبو رمزت الذي ذبح المسلمين لأننا نعيش في دولة إسلامية !!! أما في المرة الثانية فإنها ستكلفني سنوات طويلة من العزلة المطلقة، ومعاملة كمعاملة الحشرات، لا بل أسوأ منها".
رأيت محدثي وكأنه قفز إلى الخلف. ولكوننا محشورين، لم يتحرك منه إلا جزؤه العلوي فقط، وبشكل عفوي قال:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. - ثم بصوت أعلى - .. يا شباب في واحد نصراني كافر !.. في عندنا واحد جاسوس.
صُوّبت نحوي مجموعة من العيون، في نفس الوقت الذي سمعت فيه صوتاً آتياً من خلفي، صوتاً آمراً:
ـ مين هذا يللي عم يرفع صوته ؟ .. سكوت ..سكوت ! يا لله .. صار وقت التبديل.
لم استطع استيعاب الأمر !! في الجزء الأبعد من الغرفة كانت هناك مجموعة من الناس المستلقين على الأرض، وقد اصطفوا بطريقة غريبة ولكن منتظمة. "كما لو كانوا مجموعة من لفائف التبغ قد اصطفت في علبة". وبين المستلقين وبيننا نحن الواقفين، توجد المجموعة الثالثة، مجموعة المقرفصين على الأرض.
بعد كلام الرجل الضخم ـ علمت أنه رئيس المهجع ـ تحركت المجموعات الثلاث. خلال لحظات كان النيام جميعاً قد وقفوا واحتلوا الركن الذي كنا فيه تدريجياً. نحن قرفصنا. المجموعة الثالثة اتجهت الى مكان النوم
ـ يا لله سيّف.. سيّف، كل النايمين يسيّفو.
"وتبين أن التسييف هو النوم على الجنب".
الأول استلقى لصق الحائط على جنبه، ظهره إلى الحائط، الثاني استلقى أمامه واضعاً البطن على البطن، رأس كل واحد منهما عند أقدام الآخر.
الثالث سيّف ووضع ظهره لصق الظهر الثاني، الرابع بطنه على بطن الثالث، ودائماً الرؤوس عند الأقدام.
تتابع المستلقون إلى أن وصل الصف إلى الحائط الثاني من الغرفة ولازال هناك ستة أو سبعة أشخاص لم يبق لهم مكان. هنا صاح رئيس المهجع:
ـ يا لله ..يا كبّيس .. أجا شغلك!
قام الرجل الضخم الثاني بهدوء ـ يبدو مصارعاً ـ . ذهب إلى أول رجل مستلقٍ عند الحائط ، وبهدوء وضع قدميه بين الحائط وبين الرجل المستلقي، استند بظهره إلى الحائط، ثم أخذ يدفع المستلقي بباطن قدميه، دفع أكثر، أنضغط المستلقون قليلا، أصبح هناك مسافة تتسع لرجل آخر، نادى على واحد من المتبقين: يا لله .. إنزل هون.
نزل الرجل مستلقياً على جنبه بين أقدام الكبّيس والرجل الأول، ثم بدأ الكبّيس بالضغط على الرجل الجديد، ومرة أخرى حقق مسافة تتسع إلى آخر.. يا لله .. إنزل هون، ثم الضغط من جديد ورجل جديد، في النهاية تم استيعاب جميع الذين لم يبق لهم مكان سابقا، عاد الكبيس إلى مكانه بنفس الهدوء، وهو ينفض يديه!.
راقبت المستلقين، بعضهم استغرق في النوم فوراً!!.
ثلاثة أيام قضيتها في تلك الغرفة. "سمعت أن بعضهم سابقاً ولاحقاً، قضى فيها شهوراً عديدة، وفي بعض الحالات كان العدد يزيد على عددنا". خلال هذه الأيام تعرفت على الغرفة جيداً.
بعد قليل من جلوسنا القرفصاء، أحسست أنني أريد قضاء حاجة، التفت إلى جاري وسألته:
ـ أين يقضي الإنسان حاجته ؟
أشاح بوجهه عني ولم يجب، سألت الجار الآخر، أيضاً لم يجب. تذكرت أنني نصراني، كافر، جاسوس، وستظل تلاحقني هذه التهم.
موقعي قريب من رئيس المهجع، سألته فدلني على المرحاض. "إذن في الغرفة مرحاض!". اضررت للانتظار أكثر من ساعة. مرحاض واحد، حنفية ماء واحدة، وستة وثمانون شخصاً.
عدت إلى موقعي. حركة ما فوق، نظرت. أنبوب الصرف الصحي، ويبدو أنه للبناء كله، يقطع الغرفة من أولها إلى آخرها. بين الأنبوب وبين سقف الغرفة حوالي النصف متر. فوق هذا الأنبوب ينام اثنان من الفتية عمر كل منهما حوالي خمسة عشر عاماً، احتضن الواحد منهما الأنبوب بيديه وصدره وتدلت الأرجل إلى الأسفل، بينما الرأس مرتاح على صوت خرير الماء داخل الأنبوب.
ـ بحياتي ما نمت أحلى من هـ النومة!!
قال أحدهما في اليوم الثاني