غلاف البحث عن نيرمانا
وأشارت ماجدولين إلى أن تجربة "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" قد لفتت الأنظار إليها في الشهور القليلة الماضية، عقب صدور الطبعة الأولى في القاهرة، فاستحقت أن توصف بأنها "انقلاب أبيض في شعر العرب"، و"قفزة حيوية لقصيدة النثر"، و"حالة حراك في المشهد الثقافي"، الأمر الذي شجع "تالة" على تبني التجربة بأجزائها المتعددة، في إطار حرص الدار على تقديم ما هو جديد ومختلف، وأصيل في الوقت ذاته.
وقال الشاعر شريف الشافعي إن عليه أن يسعد بصديقه "الروبوت"، باعتباره المؤلف الحقيقي للنص، الطامح إلى التعبير عن نفسه وعصره بلغته المنفردة، فهو لا يكتب قصيدة نمطية، بل يطلق "فيروسات" جمالية متمردة، تعمل على قهر الثوابت، وخلخلة "أنظمة التشغيل" الإدراكية المتعارف عليها.
وأكد الشافعي أن تحمس دار تالة السورية لنشر هذه "الحالة الشعرية"، التي أفضى بها الروبوت الثائر، هو تتويج للحماس النقدي للنص، الذي جاء في أغلبية الأحوال بأقلام كتّاب غير مصريين، خصوصًا من سوريا ولبنان والجزائر والمغرب. وأشار إلى أن المحلية أو الإقليمية في الكتابة قد باتت فكرة متهالكة، فالقضية الأم التي تعني الإنسان في أي مكان في هذا العصر الجاف هي وجوده ومصيره وملامح إنسانيته الذابلة، بينما قل التركيز على ما هو سياسي أو اجتماعي عارض.
يشتمل الكتاب على "200 محاولة عنكبوتية لاصطياد كائن منقرض" (كما يوضح عنوانه الفرعي)، ويستعين الروبوت (المؤلف) في بحثه عن نيرمانا بخيوط شبكة العنكبوت (الحقيقية)، وبخطوط شبكة الإنترنت العنكبوتية (الافتراضية). وتمثل التجربة (المغامرة) نقطة التقاء الإبداع الورقي بالإبداع الرقمي، وتختصر مكابدات الإنسان الروحية في عصر التحكم عن بعد في مصائر البشر، وتنميط سلوكياتهم، ومسخ مبادرتهم وإرادتهم الحرة.
لقد أدرك الإنسان الآلي ـ ببساطة ـ أن جوهر الحياة هو الذي ينقصه ليكون إنسانًا حقيقيًّا كاملاً، مثلما أدرك الشاعر ـ ببساطة أيضًا ـ أن جوهر الشعر هو الذي ينقص كثيرًا من التجارب الشعرية الراهنة لتكون خبزًا للمائدة.
يفتش الروبوت هنا عن نيرمانا (نيرما، نيرميتا، نيرمالا، نيرفانا، نورينا، الخ الخ) بكل ما أوتي من قوة، باعتبارها الذات المنقرضة، التي لا تضيع أبدًا، وهو في بحثه عنها يكشفها، ويرسم ملامحها كاملة. والشاعر هنا يرسم ملامح القصيدة النابضة، بعد أن خلع عليها أهم صفاتها، وهي "النبض التلقائي"، بخصوصية لا يخطئها ضمير منصف.
لقد تجاوزت "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" الأرضية المتعارف عليها لقصيدة النثر العربية السائدة، لتطرح حالة شعرية خاصة جدًّا، منفلتة، مدهشة، مناوئة للتصنيف التقليدي الضيق، تتآزر فيها جماليات السرد، ومنجزات القصيدة الجديدة، وتوترات الإبداع الرقمي غير الورقي. وآمن النص منذ سطوره الأولى، بل منذ الإهداء (إلى الهواء الفاسد، الذي أجبرني على فتح النافذة)، بضرورة الالتحام المباشر بحركة الحياة الطلقة، وتفجير كل مشاهدها العادية، بطاقة الشعر الخلاقة، وبتلقائية لافتة، وكأنما قفزة الروبوت من النافذة التي يفتحها ويطل منها هي قفزة حيوية للقصيدة النثرية، النثارية، التي يكتبها، ويريد لها أن تكون خبز البشر، بوصفها قصيدة بسيطة، غير متعالية، لامسة آلام الإنسانية وآمالها، في عصر ميكانيكي رقمي محسوب الأبعاد بدقة خانقة.
يُذكر أن الطبعة الجديدة من "إنسان آلي" سيتم توزيعها عن طريق مؤسسة المطبوعات في كافة المحافظات السورية، وستحفظ نسخ من الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية. وقد أبرمت دار "تالة" اتفاقيات لتوزيع الكتاب في الأردن ولبنان مع بعض المكتبات ودور النشر، منها مكتبة "زمزم" الأردنية.
وكانت دار "فراديس" البحرينية قد حصلت في وقت سابق على حق توزيع الطبعة الأولى من الكتاب في دول الخليج العربي، بالتعاون مع "المكتبة الوطنية"، ومكتبة الأيام "الكشكول". وصدرت الطبعة الأولى من "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" في القاهرة في يوليو الماضي، في مائتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير.
مقاطع متفرقة من: "الأعمال الكاملة لإنسان آلي (1)
أقودُ سيارتي منذ عشر سنواتٍ
ببراعةٍ حَسَدَتْنِي عليها الطُّرقُ
المفاجأةُ التي عانَقَتْنِي
أنني فشلْتُ في اختبار القيادةِ،
الذي خَضعْتُ له خارج الوطنِ
الضابطُ أخبرني
أنني أطلْتُ النظرَ إلى المرآة
صَارحْتُهُ بأنني معذورٌ في الحقيقةِ
كانت نيرمانا جالسةً في المقعدِ الخلفيِّ!
رغم عدم حصولي على الرُّخْصَةِ
شَعرْتُ بسعادةٍ لا تُوصَفُ
لأنني تَمَرَّنْتُ على قيادة ذاتي
في المشاوير الاستثنائيّةِ
* * *
سَأَلْتُها:
"مَنْ أنتِ؟"
قالتْ:
"أنا أنا"
سَأَلَتْنِي:
"مَنْ أنتَ؟"
قلتُ:
"أنا أنتِ"
التهمَت الأمواجُ نيرمانا، فصاحتْ بي:
"الْزَمْ شقَّتَكَ،
وأغْلقْ محبسَ الماءِ بسرعةٍ"
* * *
مثلما تحضرينَ بسهولةٍ في ضميري
(الذي لا محلَّ له من الإعرابِ)
على ظهر أحدِ الأفيال الْمُسَالِمَةِ،
تتسرَّبين أيضًا بسهولةٍ في مسامِّ جِلْدِي المتشقِّقِ
تتشَّرَبُكِ ذرّاتي المترابطةُ
المتعطّشةُ إلى التحلُّلِ
في الجيرِ الحيّ
وقال الشاعر شريف الشافعي إن عليه أن يسعد بصديقه "الروبوت"، باعتباره المؤلف الحقيقي للنص، الطامح إلى التعبير عن نفسه وعصره بلغته المنفردة، فهو لا يكتب قصيدة نمطية، بل يطلق "فيروسات" جمالية متمردة، تعمل على قهر الثوابت، وخلخلة "أنظمة التشغيل" الإدراكية المتعارف عليها.
وأكد الشافعي أن تحمس دار تالة السورية لنشر هذه "الحالة الشعرية"، التي أفضى بها الروبوت الثائر، هو تتويج للحماس النقدي للنص، الذي جاء في أغلبية الأحوال بأقلام كتّاب غير مصريين، خصوصًا من سوريا ولبنان والجزائر والمغرب. وأشار إلى أن المحلية أو الإقليمية في الكتابة قد باتت فكرة متهالكة، فالقضية الأم التي تعني الإنسان في أي مكان في هذا العصر الجاف هي وجوده ومصيره وملامح إنسانيته الذابلة، بينما قل التركيز على ما هو سياسي أو اجتماعي عارض.
يشتمل الكتاب على "200 محاولة عنكبوتية لاصطياد كائن منقرض" (كما يوضح عنوانه الفرعي)، ويستعين الروبوت (المؤلف) في بحثه عن نيرمانا بخيوط شبكة العنكبوت (الحقيقية)، وبخطوط شبكة الإنترنت العنكبوتية (الافتراضية). وتمثل التجربة (المغامرة) نقطة التقاء الإبداع الورقي بالإبداع الرقمي، وتختصر مكابدات الإنسان الروحية في عصر التحكم عن بعد في مصائر البشر، وتنميط سلوكياتهم، ومسخ مبادرتهم وإرادتهم الحرة.
لقد أدرك الإنسان الآلي ـ ببساطة ـ أن جوهر الحياة هو الذي ينقصه ليكون إنسانًا حقيقيًّا كاملاً، مثلما أدرك الشاعر ـ ببساطة أيضًا ـ أن جوهر الشعر هو الذي ينقص كثيرًا من التجارب الشعرية الراهنة لتكون خبزًا للمائدة.
يفتش الروبوت هنا عن نيرمانا (نيرما، نيرميتا، نيرمالا، نيرفانا، نورينا، الخ الخ) بكل ما أوتي من قوة، باعتبارها الذات المنقرضة، التي لا تضيع أبدًا، وهو في بحثه عنها يكشفها، ويرسم ملامحها كاملة. والشاعر هنا يرسم ملامح القصيدة النابضة، بعد أن خلع عليها أهم صفاتها، وهي "النبض التلقائي"، بخصوصية لا يخطئها ضمير منصف.
لقد تجاوزت "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" الأرضية المتعارف عليها لقصيدة النثر العربية السائدة، لتطرح حالة شعرية خاصة جدًّا، منفلتة، مدهشة، مناوئة للتصنيف التقليدي الضيق، تتآزر فيها جماليات السرد، ومنجزات القصيدة الجديدة، وتوترات الإبداع الرقمي غير الورقي. وآمن النص منذ سطوره الأولى، بل منذ الإهداء (إلى الهواء الفاسد، الذي أجبرني على فتح النافذة)، بضرورة الالتحام المباشر بحركة الحياة الطلقة، وتفجير كل مشاهدها العادية، بطاقة الشعر الخلاقة، وبتلقائية لافتة، وكأنما قفزة الروبوت من النافذة التي يفتحها ويطل منها هي قفزة حيوية للقصيدة النثرية، النثارية، التي يكتبها، ويريد لها أن تكون خبز البشر، بوصفها قصيدة بسيطة، غير متعالية، لامسة آلام الإنسانية وآمالها، في عصر ميكانيكي رقمي محسوب الأبعاد بدقة خانقة.
يُذكر أن الطبعة الجديدة من "إنسان آلي" سيتم توزيعها عن طريق مؤسسة المطبوعات في كافة المحافظات السورية، وستحفظ نسخ من الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية. وقد أبرمت دار "تالة" اتفاقيات لتوزيع الكتاب في الأردن ولبنان مع بعض المكتبات ودور النشر، منها مكتبة "زمزم" الأردنية.
وكانت دار "فراديس" البحرينية قد حصلت في وقت سابق على حق توزيع الطبعة الأولى من الكتاب في دول الخليج العربي، بالتعاون مع "المكتبة الوطنية"، ومكتبة الأيام "الكشكول". وصدرت الطبعة الأولى من "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" في القاهرة في يوليو الماضي، في مائتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير.
مقاطع متفرقة من: "الأعمال الكاملة لإنسان آلي (1)
أقودُ سيارتي منذ عشر سنواتٍ
ببراعةٍ حَسَدَتْنِي عليها الطُّرقُ
المفاجأةُ التي عانَقَتْنِي
أنني فشلْتُ في اختبار القيادةِ،
الذي خَضعْتُ له خارج الوطنِ
الضابطُ أخبرني
أنني أطلْتُ النظرَ إلى المرآة
صَارحْتُهُ بأنني معذورٌ في الحقيقةِ
كانت نيرمانا جالسةً في المقعدِ الخلفيِّ!
رغم عدم حصولي على الرُّخْصَةِ
شَعرْتُ بسعادةٍ لا تُوصَفُ
لأنني تَمَرَّنْتُ على قيادة ذاتي
في المشاوير الاستثنائيّةِ
* * *
سَأَلْتُها:
"مَنْ أنتِ؟"
قالتْ:
"أنا أنا"
سَأَلَتْنِي:
"مَنْ أنتَ؟"
قلتُ:
"أنا أنتِ"
التهمَت الأمواجُ نيرمانا، فصاحتْ بي:
"الْزَمْ شقَّتَكَ،
وأغْلقْ محبسَ الماءِ بسرعةٍ"
* * *
مثلما تحضرينَ بسهولةٍ في ضميري
(الذي لا محلَّ له من الإعرابِ)
على ظهر أحدِ الأفيال الْمُسَالِمَةِ،
تتسرَّبين أيضًا بسهولةٍ في مسامِّ جِلْدِي المتشقِّقِ
تتشَّرَبُكِ ذرّاتي المترابطةُ
المتعطّشةُ إلى التحلُّلِ
في الجيرِ الحيّ