أثار تداول الخبر، موجة من الانزعاج والاستنكار في أوساط الناشطين والحقوقيين والإعلاميين السوريين، إذ وصف الكثير منهم ما حدث باللا مبرر واللا منطقي، صاحب ذلك غموضٌ حقيقي حول أسباب هذا الاعتقال، وعلامات استفهام كثيرة. نحاول في هذا التقرير الاقتراب منها والإجابة عليها.
من هو إبراهيم عواد؟
هو صحفي وإعلامي سوري شاب من مواليد 1989 بلدة المزيريب – درعا، دأب على تغطية المظاهرات وما تلاها من أحداث في المحافظة التي ينتمي لها ويقطن بها. خرج من سوريا في إبريل عام 2014 متوجهاً إلى تركيا، وبعد عام ونصف انتقل مع أسرته للإقامة في الأردن مستأنفاً فيها مشواره الإعلامي في تغطية الأحداث في درعا رأياً وتحليلاً، بجانب تقديمه الكثير من الإسهامات الفكرية والمعرفية في عدة منصات للتواصل الاجتماعي. كما قدم ابراهيم عدة تقارير لعدد من المنصات والقنوات الإعلامية العربية.
قبل اعتقال ابراهيم بأيام أعلن في بث مباشر على صفحته في منصة فيسبوك عن اعتزامه إطلاق برنامجه الخاص الذي ينوي الحديث فيه عن المخططات الإيرانية المستقبلية في المنطقة وفي الجنوب السوري تحديداً، وذلك بجهود ذاتية ومن استوديو مصغر وبسيط قام ابراهيم بتجهيزه في أحد غُرف منزله.
استكمل ابراهيم تعليمه الذي انقطع عنه بسبب الحرب في سوريا، والتحق بالجامعة العربية المفتوحة ونجح في اجتياز السنة الثانية لكلية الإعلام. وهو متزوجٌ وأبٌ لطفلٍ وطفلة.
تقدم ابراهيم وعائلته منذ عامٍ تقريبا بطلب للسفارة الفرنسية عن طريق اليونيسف للحصول على اللجوء السياسي والانتقال للعيش في فرنسا، وقوبل طلبه بالرفض، ليتقدم مرة أخرى ويرفض مجدداً، وقام قبل اعتقاله بأسبوعين بتقديم طلبه للمرة الثالثة.
الجدير بالذكر أن السفارة والمنظمة لم يبررا الرفض المتكرر لطلب ابراهيم بالرغم من استيفائه الشروط والمعايير المطلوبة لقبول ملف اللجوء السياسي.
ملابسات الاعتقال
استطاعت مجلة القبضة التواصل مع الإعلامي ابراهيم عواد شخصياً عن طريق وسيط نجح بإيصال هاتف جوال بديل لإبراهيم في مكان توقيفه (مخيم الأزرق) بعد أن قامت قوة الأمن التي داهمت منزله بمصادرة أجهزته والتحفظ عليها. وعند سؤالنا عن ملابسات الاعتقال وما تلاها وعن وضعه الحالي وما سينتظره تحدث إلينا وقال:
“لا أعرف حقا وعلى وجه اليقين سبب اعتقالي، ولم يخبرني ضابط المخابرات الأردني الذي جاء مع قوة لمداهمة بيتي عن السبب. اقتحموا بيتي، فتشوه، تحفظوا على الأجهزة وقبضوا علي وساقوني في سيارة الى مخيم الأزرق.”
وتابع ابراهيم: “في البداية وفي منزلي لم أتعرض إلى أي نوع من الأذية سواء كانت لفظية أو بدنية، إلا أني تعرضت للضرب والمضايقات والمعاملة السيئة طوال رحلتي في سيارة الأمن الى المخيم”.
وأضاف: “أنا الآن بحالٍ جيدة، لا إصابات لدي، الأمن في المخيم معاملتهم جيدة، وعند محاولتي الاستفسار عن سبب اعتقالي، بين لي أحد الضباط الموجودين جهله بالسبب الحقيقي الكامن وراء اعتقالي، إذ لا مخالفة واضحة في سجلي وختم كلامه بعبارة: أوامر من فوق!”.
وفيما يخص موضوع إعادة تطبيع العلاقات بين عمان ودمشق قال “لم أتعرض لهذا الحدث بأي شكل من الأشكال، إدراكاً مني لحساسية هذا الملف ولما تمر به الحكومة الأردنية من تحديات وضغوط قد لا ندرك أبعادها”
وختم حديثه: “لن أخالف القانون، سألتزم بالتوجيهات، وسأبقى في المخيم حتى تأذن لي السلطات بالعودة إلى منزلي، أو أوفق في الحصول على اللجوء السياسي لأغادر الأردن مع عائلتي إلى أوروبا.”
ما وراء الأكمة
حصلت القبضة من مصادر موثوقة على معلومات مفادها وجود ضغوط روسية على الحكومة الأردنية لتصفية وجود إعلاميي الثورة وناشطيها في الأردن.
كما استطعنا التأكد وللأسف بأن من يقف خلف مذكرة الاحضار والقبض الصادرة من المخابرات الأردنية تقارير كيدية ضد ابراهيم وردت من ناشطين سوريين معارضين حوارنة يقيمون في الأردن.
كما قامت مجلة القبضة صباح اليوم بالاتصال مع مسؤول دبلوماسي “نتحفظ عن ذكر اسمه” في السفارة الأردنية في برلين، بحكم وجود مقر المجلة في ألمانيا للسؤال عن الموضوع وطلب المساعدة في الافراج عن ابراهيم، ليفيدنا بالتالي: “يوجد هناك حالة استعصاء غير مفهومة في قضية ابراهيم، واجهني رفض متكرر لمجرد الاستفسار ناهيكم عن التوسط للإفراج عنه
”
وتابع: “قلك شغلة.. ومن الآخر، دود الخل منو وفيه صحيح في ضغوط عالدولة مشان الإعلاميين السوريين لكن إللي آذي صاحبك جماعتو هناك “. وهذا ما أكد لنا على وجه اليقين صحة المعلومات التي تحصلنا عليها في هذا الخصوص.
عن مخيم الأزرق (المكان الذي يحتجز فيه إبراهيم)
على بعد (100) كيلو متر شرق عمان يقع مخيم الأزرق، الثاني بعد الزعتري للاجئين السوريين، لكنه يختلف عن المخيمات الاخرى بوجود ما يعرف «القرية 5» وهي عبارة عن مُجمع مسيّج داخل المخيم التابع للأمم المتحدة.
وشبهت منظمات غير الحكومية واغاثية «القرية 5» بكانتون داخل المخيم لأنه معزول بسياج من الأسلاك الشائكة عن باقي القاطنين من اللاجئين في المخيم، ويعتبرهم الأردن خطرًا أمنيًا محتملاً من اللاجئين السوريين الآخرين.
وشددّت الحكومة من رقابتها على القرية، بعد الهجوم على نقطة لحرس الحدود الأردني، والذي تبناه تنظيم «الدولة»، في حزيران 2016.
ووافق الأردن وبموجب الاتفاق، على السماح لسوريين الدخول شريطة أن يكون القادمون الجدد معزولين في «القرية 5» داخل مخيم الازرق للتدقيق الصارم منع داعش من التسلل إلى المملكة من سوريا لانهم أتوا من مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي.
وقالت منظمات انسانية، لم ترغب بذكر اسمها، إن اللاجئين الذين يعيشون هناك لا يستطيعون مغادرتها، باستثناء ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة أو من لديهم أسر في أماكن أخرى في المخيم تم تسكينهم في قرى أخرى.
واوضحوا إن الموجودين داخل القرية يقيمون وعائلاتهم، ويبقون لحين الانتهاء من الدراسة الأمنية لملفاتهم، والتي يمكن أن تستغرق أشهراً، وفي حال تم الافراج عنهم ينتقلون لقرى أخرى داخل المخيم.
برود في ردود الأفعال
عبر الكاتب والباحث الأكاديمي ليث الزعبي عن انزعاجه الشديد واستنكاره لما وصفه بالصمت الإعلامي والسياسي إزاء اعتقال ابراهيم عواد، مستغربا من جمود الفعاليات السياسية والثورية في محافظة درعا أمام قضية اعتقال صحفي مشهود له بالاستقامة والثورية. مؤكداً أن على كل السوريين أن يتكاتفوا ويوحدوا جهودهم للإفراج عن ابراهيم كما وحدوا جهودهم للإفراج عن الصحفي ماجد الشمعة الذي اعتقلته تركيا وهددت بترحيله، وأن حرية ابراهيم ومصيره مسؤوليتنا جميعاً.
وفي ذات السياق وفي حديثٍ خاص للقبضة صرح السيد بشار ابو سعيفان من المكتب الإعلامي للمجلس السوري للتغيير قائلا: “درعا كلها تشهد لإبراهيم ولخطه الثوري، لم يقترب الرجل يوما من الشأن الداخلي في الأردن، طريقة اعتقاله وإيداعه في مخيم الأزرق وزجه مع الفئة التي قد تشكل خطرا على الأمن الأردني إجراءٌ غير عادل، لقد حاولنا مراراً خلال اليومين السابقين التدخل عن طريق شخصيات اجتماعية وسياسية وازنة في الأردن لحلحلة المسألة وجوبهت هذه المحاولات بالصد، نتفهم الموقف الأردني وحرص السلطات هناك على أمن البلاد، لكن إبراهيم صحفي وكاتب لا علاقة له من قريب أو بعيد بأي مسألة تضر في أمن الأردن، نأمل أن يتم الإفراج عنه في أقرب وقتٍ ممكن “