استطاعت مجموعة مكوّنة من 16 ركاباً الصمود طيلة 72 يوماً عبر التغذّي على القليل من لحوم ضحايا تحطّم الطائرة الآخرين -تويتر
عقب سقوط الطائرة التي كانت تقلّ فريق للرغبي عبر "الرحلة 571"، وسط مرتفعات جبال الأنديز الشاهقة في محافظة "مندوسا" الأرجنتينية، وهي رحلة كانت تُحلِّق بين مونتيفيديو في الأوروغواي وسانتياغو في تشيلي، توفي جرّاء التحطّم عدد من ركاب الطائرة في الحال.
وحاول من تبقى من الركاب البالغ عددهم أربعين وأعضاء الطاقم الخمسة، الصمود وسط العواصف الثلجية وقمم جبال الأنديز الوعرة. لكنّ الأمر ازداد صعوبة مع عدم عثور الضحايا على أيّ عمران بالقرب من موقع الحادث، فضلاً عن فشل مهام الإنقاذ في العثور على الطائرة نظراً لأنّ لون الطائرة الأبيض كان لا يُميَّز مع الثلج الذي غطّى مجسّم الطائرة بأكملها.
لكن ما مجموعه 16 من الركاب استطاعوا الصمود طيلة 72 يوماً عبر التغذّي على القليل من لحوم الضحايا الآخرين لكيلا يلحقوا بالموتى الآخرين، ليُنقَذوا في نهاية المطاف في 22 ديسمبر/كانون الأوّل 1972، بعدما تمكّن اثنان منهم السير لعشرة أيام لطلب النجدة، فيما اعتُبِرت قصة صمود الركاب الـ16 وبقائهم على قيد الحياة وسط الظروف المناخية القاسية والتضاريس الوعرة بمثابة معجزة غير مسبوقة.
"الرحلة 571"
في 12 أكتوبر/تشرين الأوّل 1972، أقلعت طائرة "فيرتشايلد FH-227D" الّتي كانت تقلّ "الرحلة 571" من مطار كاراسكو الدولي بمدينة مونتيفيديو في الأوروغواي، باتّجاه مطار فرانسيسكو غابريالي الدولي بالعاصمة التشيلية سانتياغو.
وكان أغلب الركاب طلاباً في أعمار شابة وأعضاء فريق اتحاد الرغبي "لمونتيفيديو أولد كريستيانز"، والذي كان المُقرّر أن يخوض مباراة في تشيلي.
ولسوء الأحوال الجوية، توقفت الطائرة لليلة واحدة في مدينة مندوسا الأرجنتينية، فيما قرّر ربّان الطائرة خوليو فيراداس، عبور جبال الأنديز في اليوم التالي ظنّاً منه أنّ الطقس تحسّن، وأنّ بإمكانه تفادي السحب الكثيفة.
وواجهت الرحلة عقب إقلاعها مشكلة مبكّرة للغاية إذ تحطّم جزء بالجناح الأيمن للطائرة، والذي ألحق بمجسّم الطائرة ضرراً بالغاً، لتصطدم بإحدى القمم الجبلية بعد فقدان ربّانها السيطرة عليها، ثُمّ تتحطّم الطائرة تماماً على ارتفاع 3 آلاف و600 متر في منطقة نائية في إقليم "مالارغي" على الحدود الأرجنتينية-التشيلية.
شهران في صحراء جليدية
وعقب تحطّم الطائرة، توفي 29 راكباً بما فيهم جميع أعضاء طاقم الطائرة الخمسة، إمّا أثناء التحطّم أو في الأيام التي تلته جرّاء الظروف المناخية القاسية.
وحوصر الناجون في إحدى القمم بين الثلوج والبرد القارس، وما زاد من حالة اليأس وفقدان الأمل لدى الركاب هو أنّهم علِموا بعد إعادة تركيب راديو كانوا قد وجدوه في مقصورة قيادة الطائرة، أنّ عمليات البحث قد أُوقِفَت بعد ثمانية أيام من الحادث، وذلك بعد عدم تمكّن فرق الإنقاذ من تمييز الطائرة ذات اللون الأبيض وسط صحراء جليدية شاسعة.
وعلِم الناجون حينئذ أنّهم أصبحوا منعزلين بدون أكل ولا مأوى، غير أنّهم اتّخذوا قراراً صعباً، فبعد انتهاء ما تبقى لهم من مأكولات، قرّروا اللجوء لأكل لحم المتوفّين من الركاب بكميات ضئيلة، حيث حُفِظَت أجسادهم طيلة الـ72 يوماً جرّاء البرد والثلج، كما عملوا على إذابة بعض الجليد لشربه.
معجزة جبال الأنديز
يروي الناجون من حادث "الرحلة 571"، والذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة، أنّه منذ الأيام الأولى للحادث اقترح البعض الخروج والبحث عن مناطق عامرة بالسكان، ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل جرّاء البرد والارتفاع وسوء التغذية والعمى الثلجي الذين حالوا دون حركة الناجين لمسافات بعيدة.
غير أنّ اثنين من الناجين يُدعيان فرناندو بارادو وروبيرتو كانيسا، اتّفقا على الخروج للبحث عن النجدة وأخذا معهما أكثر الألبسة دفئاً وقدْراً كافياً من لحم الضحايا، وبعد عشرة أيام من السير قطعاً خلالها السلسلة الجبلية الشاهقة، توقّفا بجانب أحد الأنهار حيث كانا قد أهلكهما التعب وسوء التغذية، حتّى وجدهما راكب خيل تشيلي يُدعى سيرجيو كاتالان، والذي أبلغ السلطات بوجودهما.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأوّل 1972، ذهبت طائرتان مروحيتان عسكريتان إلى موقع الحادث وكان قد دلّهما عليه أحد الناجين وهو بارادو، وأُنقِذَ الناجون القابعون عند حطام الطائرة، وبُعِثَ الجميع للتداوي في المستشفيات حيث كانوا يعانون سوء التغذية والجفاف ونقص الفيتامينات الحيوية، إضافة إلى داء المرتفعات.