أولا: الهوس بمعاقبة كل من كان له صلة بنظام القذافي
تواجه جميع القيادات الانتقالية معضلة محاسبة مسؤولي النظام السابق، سواء من خلال محاكمتهم أو السماح لهم بالمشاركة في بناء النظام الجديد. في ليبيا، تحول هذا الأمر إلى ذريعة لتصفية الحسابات والانتقام الشخصي.
يجب على القادة السوريين ضمان أن تُركز جهود التعامل مع مسؤولي نظام الأسد على السلوك وليس الانتماء أو المنصب. فقط أولئك الذين تثبت إدانتهم بانتهاكات في محاكمات عادلة يجب أن يُستبعدوا من العمل الحكومي. ولا يجب تصنيف البيروقراطيين في قطاعات مثل التعليم والصحة كأنهم رموز لا يمكن إصلاحها للنظام السابق. وبالمثل، فإن استبعاد القادة الثوريين السابقين من ترتيبات تقاسم السلطة قد يؤدي إلى عودة الصراع.
ثانياً، الخطأ الفادح للحكومة الليبية كان في تعزيز الميليشيات المفترسة وغير الخاضعة للمساءلة
سعت السلطات الليبية إلى السيطرة على الجماعات المسلحة الثورية التي قاتلت ضد القذافي ومكافأتها، مع محاولة إرضاء الفصائل السياسية الرئيسية. لذلك، وضعت الميليشيات على كشوف رواتب الدولة وربطتها بالوزارات، مما أدى إلى تضخم قوتها بشكل هائل.
جذبت هذه الخطوة آلاف الشباب الليبيين، حتى أولئك الذين لم يشاركوا في الثورة، للانضمام إلى الميليشيات بسبب الإغراء بالرواتب. وبرز قادة الميليشيات كطبقة جديدة من أمراء الحرب، بينما ظل الجيش والشرطة النظاميان ضعيفين وقليلي التمويل.
اليوم، أصبح قادة الميليشيات هؤلاء وحلفاؤهم هم الحكام الفعليون لليبيا، حيث سيطروا على وظائف الدولة الرئيسية وثروتها النفطية. وبسبب عدم استعدادهم للتخلي عن امتيازاتهم، منعوا أي خطوات نحو ديمقراطية شاملة.
لتجنب سيناريو مشابه، يجب على القادة السوريين الامتناع عن تمكين ميليشيات البلاد، بما في ذلك تلك التي قاتلت الأسد. يجب تشجيع الثوار الراغبين في الانضمام إلى الجيش والشرطة على القيام بذلك—لكن كأفراد. إن ضم الميليشيات بشكل جماعي إلى الحكومة وتحويل الأموال إلى قادتها سيخلق دولة يحكمها أمراء الحرب، كما حدث في ليبيا.
ومع ذلك، فإن الدفع نحو نزع سلاح المجموعات المسلحة وتسريحها فورًا هو أمر غير واقعي. بالنظر إلى ضعف الجيش والشرطة السوريين، فإن ذلك سيخلق فراغًا أمنيًا. بدلاً من ذلك، يمكن للقادة السوريين تبني نهج مزدوج: إعادة بناء قطاع أمني رسمي يحكمه سيادة القانون، مع تفكيك الميليشيات تدريجيًا وضمان توفير فرص عمل أو تدريب بديلة لأعضائها.
على الرغم من المخاطر المرتبطة بالمقارنات، فإن مسار ليبيا بعد القذافي يبرز تأثير القرارات السياسية المبكرة على نجاح الثورة أو فشلها. استهداف شريحة واسعة من المواطنين للانتقام وتمكين قوة الميليشيات كانا خطأين رئيسيين أعاقا انتقال ليبيا من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية.