ويحاكَم المسؤولون الثلاثة لضلوعهم بجرائم ضد الإنسانية في قضية “عائلة الدباغ” كما درجت تسميتها، وفقًا لمعايير “الولاية القضائية الممتدة”، التي مفادها أن تقع الجريمة خارج الإقليم الفرنسي، ولكن أحد أطراف الدعوى (الضحية أو الجاني) يحمل الجنسية الفرنسية، كما هي الحال في قضية “عائلة الدباغ”.
وفي ظل عدم وجود المتهمين على الأراضي الفرنسية، وبالنظر إلى ضآلة احتمالية القبض عليهم قبل بدء المحاكمة، من المرجح أن تُعقد المحاكمة غيابيًا، ما يعني أن تكون مدتها قصيرة مقارنة بالمحاكمات التي تنعقد بموجود المتهمين، وفق البيان.
وخلال المحاكمة، سيتمكن الأطراف المدنيون والشهود من المشاركة والإدلاء بشهاداتهم ضمن جلسات علنية.
وأضاف البيان أنه في حال إدانة المتهمين، ستصدر محكمة باريس الجنائية أوامر اعتقال دولية جديدة على أساس إدانتهم، وإذا قُبض على أي منهم في وقت لاحق، فسيكون له الحق بمعارضة إدانته وإعادة محاكمته أمام المحكمة.
ما “قضية الدباغ”؟
في تشرين الثاني 2013، اعتُقل باتريك عبد القادر الدباغ البالغ من العمر 20 عامًا حينها، ووالده مازن، وهما يحملان الجنسيتين السورية والفرنسية، من منزلهما في دمشق على يد “المخابرات الجوية” السورية.وبحسب الشهود، اقتيد الأب وابنه إلى مركز احتجاز في مطار “المزة” العسكري الذي تديره “المخابرات الجوية”، ويعتبر أبرز معاقل النظام السوري بعد سجني “تدمر” و”صيدنايا”.
وفي عام 2018، تلقت عائلة الدباغ إخطارًا رسميًا بوفاة باتريك عبد القادر ومازن الدباغ، ووفقًا للوثائق التي تلقتها عائلة الدباغ، توفي باتريك في كانون الثاني 2014، بعد فترة وجيزة من اعتقاله، بينما توفي والده مازن بعد نحو أربع سنوات، في تشرين الثاني 2017.
ولا تعتبر قضية “عائلة الدباغ” الوحيدة التي ينظر فيها القضاء الفرنسي بموجب “الولاية القضائية الممتدة”، إذ تدخل تحتها أيضًا دعوى قصف قوات النظام السوري المركز الإعلامي في بابا عمرو بمحافظة حمص، وسط سوريا، ومقتل المصور الفرنسي ريمي أوشليك، في 22 من شباط 2012، بسبب ذلك الهجوم العسكري، الذي قُتلت خلاله أيضًا الصحفية الأمريكية لدى “صنداي تايمز” ماري كولفين.
في المقابل، ينظر القضاء الفرنسي بموجب “الولاية القضائية العالمية ” بأكثر من 40 ملفًا، من أبرزها قضية مجدي نعمة (المعروف بإسلام علوش)، وهو الناطق السابق باسم فصيل “جيش الإسلام”، المتهم بـ”ارتكاب جرائم دولية ممنهجة” ضد المدنيين الذين عاشوا تحت حكم الفصيل، من عام 2013 حتى عام 2018، وما زالت القضايا قيد الدراسة من قبل السلطات الفرنسية.
جهود منذ سنوات
في 27 من كانون الثاني الماضي، طلب المدعي العام توجيه لائحة اتهام ضد علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام محمود أمام محكمة باريس الجنائية، بتهمة التواطؤ بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية (اعتداءات متعمدة على الحياة أو التعذيب أو الإخفاء القسري أو السجن أو غير ذلك من أشكال الحرمان الجسيم من الحرية)، وجرائم حرب بقضية “عائلة الدباع”.جاء ذلك بعد أن أحالت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومنظمتها العضو في فرنسا، الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان ، مع السيد عبيدة الدباغ (شقيق مازن الدباغ) وبدعم فعال من “المركز السوري للإعلام”، قضية مازن وباتريك عبد القادر الدباغ إلى وحدة جرائم الحرب الفرنسية، في تشرين الأول 2016.
وطلب المدعون حينها إجراء تحقيق قضائي فوري، من خلال تعيين قاضي تحقيق في جرائم الاختفاء القسري والتعذيب التي تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية.
وفي تشرين الثاني 2016، فتح المدعي العام تحقيقًا قضائيًا وتم تعيين ثلاثة قضاة تحقيق للتحقيق في القضية، ليبدأ عبيدة الدباغ بإدلاء شهادته كطرف مدني بالقضية.
تلا ذلك صدور مذكرة توقيف بحق المسؤولين الثلاثة في تشرين الثاني 2018، بتهمة المشاركة في جرائم ضد الإنسانية والتعذيب والاختفاء القسري وجرائم الحرب.
وبعد ثلاث سنوات من صدور المذكرة، قُبل “المركز السوري” كطرف مدني بالقضية، من خلال تقديم عديد من الشهادات والشهود بمن في ذلك من مديره العام، مازن درويش، الذي اعتقل وزملاؤه في فرع التحقيق التابع لأجهزة المخابرات الجوية السورية عام 2012.
وافق 23 شاهدًا سوريًا على الإدلاء بشهاداتهم في القضية، باعتبارهم ناجين من مطارة “المزة” العسكري، أو لأنهم واجهوا شخصيًا أحد المسؤولين السوريين المتهمين.