نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


غزة لن تُروَّض! : روبرت فيسك




ما أَسْهَلَ تحطيم تاريخ الفلسطينيين بهدف محو قصة مأساتهم، ولِتَجَنُّبِ التهكم الغريب حول غزة، فقد كان الصحفيون سيكتبون في صدر تقاريرهم أنَّ المالكين الأصليين والشرعيين للأراضي الإسرائيلية التي تضربها صواريخ حماس هم الذين يعيشون الآن في غزة، ولكنهم كانوا سيكتبون ذلك فقط إذا كانت غزة في أي صراع آخر! ولهذا السبب وُجِدَتْ غزة:


لهذا السبب وُجِدَتْ غزة: لأن الفلسطينيين الذين عاشوا في أشكيلون (عسقلان بالعربية) والحقول المحيطة بها تم طَرْدُهُم من أراضيهم عام 1948 عندما تكوَّنت إسرائيل، وانتهى بهم المطاف إلى شواطئ غزة. وأهل عسقلان - أو أبناؤهم أو أحفادهم أو أحفاد أحفادهم - هم من بين المليون ونصف المليون لاجئ فلسطيني، الذين تَمَّ حَشْرُهُم في بالوعة غزة، فثمانون في المائة من العائلات التي تُقِيم في غزة الآن، كانت تعيش فيما يسمى إسرائيل. إن القصة الحقيقية الثابتة في التاريخ هي: أن معظم من يعيش في غزة ليسوا من أهلها. ولكنّ مشاهدة الأخبار تجعلك تعتقد بأن التاريخ قد بدأ بالأمس فقط، وكأن مجموعة من الإسلاميين الملتحين المعادين للسامية ظهروا فجأة في أحياء غزة الفقيرة – التي هي أشبه ما تكون بمقلب نفايات للفقراء الذين لا جذور لهم - ثم بدءوا في إطلاق الصواريخ على إسرائيل المحبة للسلام والديمقراطية؛ فقط لمواجهة تلك الهجمات الثأرية المشروعة التي تقوم بها القوات الجوية الإسرائيلية. ولا يظهر في تلك الأخبار حقيقة أن الأخوات الخمس اللواتي قُتِلن في مخيم جباليا لديهن أجدادٌ أتوا من تلك الأراضي التي يُقصَف سكانها الجدد الآن! لقد قال إسحاق رابين وشيمون بيريز في التسعينيات إنهما يتمنيان لو تختفي غزة وتغرق في البحر، ويمكنكم معرفة السبب. إن وجود غزة يُذكِّر دائما بمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم بسبب إسرائيل، وهربوا أو أُخرجوا عَنْوَةً منها عن طريق التخويف، أو حملات التطهير العرقي التي مارسها الإسرائيليون منذ ستين عامًا خَلَتْ، حينما زَحَفَتْ موجات اللاجئين من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وحينما طُرِدَ حَفْنَةٌ من العرب من أراضيهم لم يُثِرْ ذلك قلقَ العالم. حسنًا، ينبغي للعالم أن يقلق الآن، إذ إن المُكدَّسين داخل أكثر المناطق ازدحامًا في العالم، والتي لا تتعدى مساحتها بضعة أميال مربعة، هم أناس جُرِّدوا من ملكيتهم (في الماضي)، ويعيشون (الآن) وسط أكوام القمامة ومياه المجاري، وخلال الشهور الست الأخيرة كانوا يعيشون في جوع و ظلام، وكنا نحن الغربَ مَنْ فَرَضَ عليهم هذه العقوبة. لطالما كانت غزة مأوى للتمرد المسلح. لقد استغرقت "تهدئة" أرئيل شارون الدموية - التي بدأت عام 1971- عامين حتى تكتمل، لذلك لن تُرَوَّض غزة الآن. واحسرتاه على الفلسطينيين، صوتهم السياسي الأقوى في صمتٍ الآن – وأنا أتكلم هنا عن إدوارد سعيد المفكر الراحل، وليس عن ياسر عرفات، الذي لا بد أن إسرائيل تفتقده جدًّا الآن – ومأزقهم لا يستطيع شرحه المتحدثون باسمهم، هؤلاء الحمقى الباعثون للأسى. لقد قال سعيد يوما: "إنه أكثر الأماكن التي ذهبتُ إليها رعبًا.. لكم هو مكانٌ مُرْعِبٌ وحَزِينٌ بسبب الحياة اليائسة والبائسة التي يعيشها الناس هناك. لم أكن مستعدًا للمخيمات التي هي أسوأ بكثير من أي شيء رأيته في أفريقيا الجنوبية". بالتأكيد، تُرِك لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الاعتراف بأن "المدنيين أحيانًا هم من يدفع الثمن"، وهو النقاش الذي لن تنخرط فيه، بالطبع، إذا ما تم قلب الإحصائيات المحتومة. في الواقع، لقد كان من المفيد ثقافيًا سماعُ عدد من المثقفين الأمريكيين بالأمس من أعضاء معهد أميركان إنتربرايز - الذين يرددون كالببغاوات أكاذيب إسرائيل – وهم يدافعون عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الفلسطينيين بقولهم: " من غير المجدي ممارسة لعبة الأرقام". ومع ذلك، لو قُتِل أكثر من 300 إسرائيلي - مقابل فلسطينِيَّيْن اثنين – تأكد أن "لعبة الأرقام" والعنف غير المتكافئ سيكون هو لُبَّ الحديث. والحقيقة البسيطة هي أن مقتل الفلسطينيين أقلُّ شأنًا من مقتل الإسرائيليين. صحيح، نحن ندرك أن 180 من القتلى كانوا من أعضاء حماس. لكن ماذا عن الباقين؟ وحتى إذا كانت الأرقام التقليدية للأمم المتحدة، والتي قدَّرت عدد الخسائر البشرية بـ 57 مدنيًّا، صحيحة، فإن أعداد القتلى لا تزال مخزيةً. أن تجد الولايات المتحدة وبريطانيا عاجِزَتَيْنِ عن إدانة حملة إسرائيل العنيفة فيما يهاجمون حماس، لم يكن مفاجئة. إن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط لا يمكن تمييزها الآن عن سياسات إسرائيل، وجوردن براون يتبع نفس سياسة "وفاء الكلاب" لإدارة بوش، كسلفه (توني بلير)! وكالعادة بقي الحكام العرب - ممن يحكمون بلادهم لصالح غيرهم، والذين يُسلِّحُهم الغربُ ويدفع لهم الأموال- صامتين، وينادون بما ينافي العقل بِعَقْدِ قمة عربية حول الأزمة والتي – إنِ انعقدت أصلًا – ستنبثق عنها "لجنة إجراءات" لصياغة تقريرٍ لن يُكْتَبَ أبدًا، وهذه هي طريقة العالم العربي وحكامه الفاسدين! وبالنسبة لحماس، فإنها بالطبع ستنعم بارتباك الحكام العرب، وهم ينتظرون في خنوع إسرائيل لتتحدث إليهم، وسيفعلون ذلك. في الواقع، سيترامى إلى أسماعنا، بعد عدة أشهر، أنّ إسرائيل و حماس أجرتا "مباحثات سرية"، مثلما ترامى إلى أسماعنا ذات يوم أن نفس الأمر حدث بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الأكثر فسادًا. ولكن حتى ذلك الحين، سيوارَى الكثيرُ من الأموات الترابَ، وسنواجه أزمة جديدة، بينما لم نتخلص من الأزمة السابقة!
*مقال لروبرت فيسك، في صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية

روبرت فيسك
السبت 3 يناير 2009