في الوقت الذي يكابد فيه المهاجرون واللاجؤون من مختلف الجنسيات والعرقيات ظروفاً قاسية وتحديات صعبة في البلدان التي يلجؤون إليها، وفي ظل سياسات التضييق وخطابات التحريض والعنصرية، تبدو قصة العراقية المهاجرة ريم العبلي نقطة الضوء في هذا السواد، والنجاح الذي منح كثيراً من المهاجرين الأمل في حياة أفضل.
واسترعى تكليف ريم العبلي بمنصب وزيرة الدولة لشؤون الهجرة بالحكومة الألمانية الجديدة، انتباه الكثيرين إلى قصة النجاح الملهمة للشابة العراقية. واحتفى آلاف العراقيين على منصات التواصل الاجتماعي بهذا النجاح. فيما تساءل الكثيرون إذا كان تتويجها بهذا المنصب سيؤثر في المستقبل على سياسات الهجرة في ألمانيا.
من اللجوء إلى كرسي المسؤولية
شأنها شأن بقية العائلات العراقية التي غادرت البلد إلى دول أجنبية أملاً في الظفر بحياة أفضل وظروف معيشية أحسن مما عليه بلدانهم، لجأت عائلة ريم العبلي، وهي عائلة سياسية عراقية إلى روسيا، حيث ولدت ريم عام 1990.
وترعرعت بعد ذلك الشابة العراقية في ألمانيا، حيث تلقت العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة، ونجحت في تعلُم اللغة الألمانية إلى جانب اللغة العربية والآشورية. وتمكنت بذلك من خطِّ مسيرة سياسية ناجحة رغم صغر سنها.
عملت العبلي منذ عام 2015 كمفوضة حكومة ولاية مكلونبورغ–فوربوميرن لشؤون الاندماج، وذلك لاهتمامها بقضايا الاندماج. وكانت في الأثناء عضواً نشطاً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وترشحت بعد ذلك في الانتخابات البرلمانية في ألمانيا خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في دائرة شفيرين–لودفغزلوست–بارخيم شمالي ألمانيا.
وفازت بـ44,107 أصوات في دائرتها، أي ما يمثل تقريباً 29,4% من نسب التصويت، وتفوقت بذلك على منافسها من الحزب المسيحي الديمقراطي ديتريش مونشتادت، الذي كان قد حصل على نسبة 20,7%.
وتعليقاً على النتائج التي أحرزتها، قالت ريم في تصريح إعلامي حينها: "أنا نفسي منبهرة بالحصول على مقعد مباشر في البرلمان الألماني، في منطقة ليس فيها الكثير من الأجانب أو ذوي أصول مهاجرة".
وبالنظر إلى أن الحكومات بعض البلدان الأجنبية والأوروبية، عادةً ما تعين مرشحين من أصول مهاجرة لمنصب وزارة الهجرة والاندماج، فقد نجحت ريم العبلي، إلى جانب تفوقها الأكاديمي ونشاطها السياسي في سن يافع، في الحصول على هذا المركز ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة في ألمانيا.
وباعتبارها من أصول عراقية مهاجرة، يتطلع الكثيرون اليوم إلى الدور الذي ستضطلع به ريم العبلي والتأثير الذي يمكن أن تحرزه في سياسات الهجرة في ألمانيا وبخاصةٍ في ظل الحملات الأخيرة التي يشنها المعسكر اليميني المتطرف في ألمانيا ضد المهاجرين والتحريض الإعلامي كذلك.
وفي هذا السياق قالت ريم: "أصولي العراقية معي دائماً، أعلم أن السياسة يمكن أن تفعل الكثير، ولأن والداي قَدِما من بلد عانى من الحروب، أفهم أن السياسة تعني تحمل المسؤولية".
احتفاء وإشادة عراقية
في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها المهاجرون حول العالم ومن بينهم العراقيون، أثار خبر تتويج ريم العبلي بمنصب وزيرة الاندماج والهجرة في حكومة المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز، كأول وزيرة من أصول عراقية فرح العراقيين.
واحتفى الكثيرون بذلك على مواقع التواصل الإجتماعي. وتعليقاً على الخبر غرد سفير العراق السابق في السويد أحمد الكمالي، عبر حسابه على تويتر، قائلا إن "الإنتاج والإبداع يحتاجان إلى بيئة آمنة ومستقرة، التقيت شخصيات ومسؤولين من جنسيات متعددة، وهم يشيدون بالعقلية والثقافة لدى العراقيين بصورة عامة، فإذا أبدع عراقي أو عراقية في بلد ما فليس من الغريب أن يتقلد مسؤولية ما، المهم أن يؤدي حق المنصب بأمانة وشرف".
وتساءل ناشطون في الأثناء عما كان سيكون عليه حال ريم، لو أنها بقيت في العراق تواجه ما يواجهه بقية شبابها اليوم من انعدام فرص وحروب وقمع وانعدام للأمن والاستقرار.
فيما قال وزير الإعمار والإسكان العراقي السابق بنكين ريكاني، في تغريدة على حسابه على تويتر: "الله عليكم لو عندنا، ماذا تتوقعون ردود الأفعال؟".