ـ التعديل الدستوري الغامض والمفاجئ لم يحسم شرط "ترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة" الذي تسبب الخلاف بشأنه في تعطل إجراء الانتخابات
ـ التعديل الدستوري وضع شروطا صعبة أمام "الرئيس" لحل مجلسي النواب والدولة كما لوح بذلك المجلس الرئاسي ودعوات دولية لإيجاد "آليات بديلة" لهما
ـ التعديل الدستوري لم يحدد موعدا للانتخابات لكنه اشترط أن تتم قبل 8 أشهر من دخول قوانين الانتخابات حيز النفاذ
كثير من الغموض لفّ إعلان مجلس النواب الليبي في طبرق (شرق) إجراء تعديل على الإعلان الدستوري، على حين غرة، وبالإجماع، ودون مناقشة علنية، وأحاله على المجلس الأعلى للدولة، الذي التزم صمتا مريبا لأيام، رغم أنه عادة ما كان يسارع للاعتراض على أي خطوات "أحادية" من هذا القبيل.
خطوة "كبيرة" من هذا النوع، يراد لها أن تمر بالقليل من الضجيج لإخفاء شيء ما لا يراد للرأي العام المحلي والدولي استيعاب مضامينه وأهدافه إلا بعد أن تنضج "الطبخة السياسية" وتصبح أمرا واقعا على الجميع.
فقبل إعلان إجراء تعديل دستوري في 7 فبراير/ شباط الجاري، كان الحديث عن وضع مجلسي النواب والدولة قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وتعثر التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن بسبب عدم التوافق على شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وبالأخص شرط مزدوجي الجنسية، الذي يمس بشكل مباشر طموحات خليفة حفتر، قائد قوات الشرق، الحامل للجنسية الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حسم تعديل الإعلان الدستوري (الـ13) الإشكال الأبرز الذي تكسرت على صخرته كل المبادرات السياسية خلال السنوات الماضية؟ وهل تم تحديد موعد جديد للانتخابات كما يطالب بذلك المجتمع الدولي؟ أم أن الأمر مجرد تكرار لسيناريوهات قديمة بهدف كسب الوقت والتمديد للمؤسسات الدستورية القائمة؟
لكن بالرجوع إلى نص تعديل الإعلان الدستوري الـ13، الذي نشرته وسائل إعلام محلية، فإنه لا توجد أي مادة تتحدث بوضوح عن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، ما يعني ترحيل شرط مزدوجي الجنسية إلى قانون الانتخابات الرئاسية، الذي سيتم مراجعته.
وهو ما نصت عليه المادة الـ19 من التعديل، في فقرتها الثالثة التي جاء فيها "يحدد القانون كيفية وضوابط وشروط ترشح رئيس الدولة ومتولي المناصب، وينظم استقالتهم من عملهم، وآلية عودتهم حال عدم فوزهم بالرئاسة".
وهذه المادة تشير إلى إمكانية ترشح المسؤولين الحاليين للرئاسة شريطة استقالتهم من مناصبهم، مثلما فعل عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وحفتر، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، في انتخابات ديسمبر 2021 الملغاة، بل وتمنحه فرصة العودة إلى مناصبهم إذا خسروا الانتخابات.
فعدم حل عقدة مزدوجي الجنسية يعني أن التعديل الدستوري الحالي لا يحمل في طياته حل الأزمة، وإنما يسعى لمعالجة إشكاليات تهدد بحل المجلسين.
إذ إن الرئيس ينتخب مباشرة من الشعب، وله صلاحية تعيين وإقالة رئيس الحكومة.
فرئيس الحكومة يعين من رئيس الدولة وليس من الأغلبية البرلمانية، وبالتالي فهو نظام أقرب للرئاسي (كما هو في مصر مثلا) منه إلى شبه الرئاسي (على غرار فرنسا).
لكن مقابل ذلك، نزع التعديل الدستوري عدة صلاحيات من الرئيس، على غرار حل مجلس الأمة (البرلمان)، المتمثل في مجلسي النواب والشيوخ إلا ضمن شروط محددة.
إذ نصت المادة 23 على أن رئيس الدولة لا يملك حل مجلسي النواب والشيوخ إلا عبر استفتاء شعبي، وبعد "إحالة الأسباب والمبررات للمحكمة العليا"، كما لا يجوز حل المجلسين في ذات الوقت، أو خلال السنة الأولى للانعقاد، أو خلال حال الطوارئ، أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من ولاية الرئيس، المحددة بأربعة أعوام فقط بدل خمسة.
وهذا التعديل من شأنه أن يحرم المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، من حل مجلسي النواب والدولة (الشيوخ).
وهذه أخطر مادة، بل جوهر التعديل، لأنها تحصن المجلسين إزاء أي محاولة من "الرئاسي" لحلهما مثلما لوح المنفي أكثر من مرة بذلك، في حالة استمرار الانسداد وعجز المجلسين عن الاتفاق على قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات.
وإذا أقرّ مجلس الدولة، هذا التعديل الدستوري فسيتيح ذلك للمجلسين الاستمرار لفترة أطول، مع تكبيل أيدي المجلس الرئاسي ضد أي خطوة لتجاوزهما، خاصة مع دعوات أممية وغربية لإيجاد "آليات بديلة" في حال عدم اتفاق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية للانتخابات.
وسيستفيد مجلس الدولة من هذا التعديل بتغيير اسمه إلى "مجلس الشيوخ"، ويكون بذلك غرفة ثانية للبرلمان، بدل أن يكون مجرد مجلس استشاري، وإن كان الاتفاق السياسي يفرض على مجلس النواب التوافق معه بشأن القاعدة الدستورية والقوانين التي يصدرها.
ومن المرجح أن يؤيد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، هذا التعديل، خاصة أنه منزوع من أهم نقطة خلافية، ويمنح مجلسه صلاحيات أكبر.
ولو أن التعديل الدستوري يجب ألا يتضمن موعد الانتخابات، ولكنه يفترض أن يكون جاء ضمن سياق توافق عام بين مجلسي النواب والدولة، يحدد خريطة الطريق بمواعيد دقيقة حتى لا يتم التمطيط في الزمن.
لكن التاريخ الوحيد المنصوص عليه في التعديل الدستوري، إجراء انتخابات مجلس الأمة ورئيس الدولة بعد 240 يوما (8 أشهر) من تاريخ دخول قوانين الانتخابات حيز النفاذ.
وإذا علمنا أن قانون انتخابات الرئيس سيتضمن شروط الترشح للرئاسة ومعضلة مزدوجي الجنسية، فيمكن توقع صعوبة صدور هذا القانون في آجال قريبة.
وبناء على كل ما سبق، فيمكن القول إن مجلس النواب استعاد زمام المبادرة بعد ضغوط داخلية ودولية حمّلته رفقة مجلس الدولة، مسؤولية الإخفاق في الذهاب إلى الانتخابات.
والتعديل الدستوري، الذي من المتوقع أن يحظى بدعم مجلس الدولة بعد نزع النقاط الخلافية منه، من شأنه تحصين المجلسين من أي "آليات بديلة" لهما (حلهما)، سواء من المجلس الرئاسي أو من المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
فضلا عن أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم يعلنا ترحيبهما بهذا التعديل، ما يعكس حالة توجس دولية من مقاصده ومآلاته.
وأهم خلاف بين المجلسين المتعلق بترشح مزدوجي الجنسية لم يتم حسمه، لذلك لا يمكن القول إن "ليبيا تتجه بشكل صحيح وسريع إلى الانتخابات".
ـ التعديل الدستوري وضع شروطا صعبة أمام "الرئيس" لحل مجلسي النواب والدولة كما لوح بذلك المجلس الرئاسي ودعوات دولية لإيجاد "آليات بديلة" لهما
ـ التعديل الدستوري لم يحدد موعدا للانتخابات لكنه اشترط أن تتم قبل 8 أشهر من دخول قوانين الانتخابات حيز النفاذ
كثير من الغموض لفّ إعلان مجلس النواب الليبي في طبرق (شرق) إجراء تعديل على الإعلان الدستوري، على حين غرة، وبالإجماع، ودون مناقشة علنية، وأحاله على المجلس الأعلى للدولة، الذي التزم صمتا مريبا لأيام، رغم أنه عادة ما كان يسارع للاعتراض على أي خطوات "أحادية" من هذا القبيل.
خطوة "كبيرة" من هذا النوع، يراد لها أن تمر بالقليل من الضجيج لإخفاء شيء ما لا يراد للرأي العام المحلي والدولي استيعاب مضامينه وأهدافه إلا بعد أن تنضج "الطبخة السياسية" وتصبح أمرا واقعا على الجميع.
فقبل إعلان إجراء تعديل دستوري في 7 فبراير/ شباط الجاري، كان الحديث عن وضع مجلسي النواب والدولة قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وتعثر التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن بسبب عدم التوافق على شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وبالأخص شرط مزدوجي الجنسية، الذي يمس بشكل مباشر طموحات خليفة حفتر، قائد قوات الشرق، الحامل للجنسية الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حسم تعديل الإعلان الدستوري (الـ13) الإشكال الأبرز الذي تكسرت على صخرته كل المبادرات السياسية خلال السنوات الماضية؟ وهل تم تحديد موعد جديد للانتخابات كما يطالب بذلك المجتمع الدولي؟ أم أن الأمر مجرد تكرار لسيناريوهات قديمة بهدف كسب الوقت والتمديد للمؤسسات الدستورية القائمة؟
ـ شروط الترشح لم تحسم بعد
تتباين مواقف أعضاء المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) بين من يرى أن مطالب المجلس في شروط ترشح الرئيس قد تحققت في التعديل الدستوري، ومن يعتبر أن التعديل مختلف وبعيد عما تم التوافق عليه بين المجلسين في اجتماعات القاهرة.لكن بالرجوع إلى نص تعديل الإعلان الدستوري الـ13، الذي نشرته وسائل إعلام محلية، فإنه لا توجد أي مادة تتحدث بوضوح عن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، ما يعني ترحيل شرط مزدوجي الجنسية إلى قانون الانتخابات الرئاسية، الذي سيتم مراجعته.
وهو ما نصت عليه المادة الـ19 من التعديل، في فقرتها الثالثة التي جاء فيها "يحدد القانون كيفية وضوابط وشروط ترشح رئيس الدولة ومتولي المناصب، وينظم استقالتهم من عملهم، وآلية عودتهم حال عدم فوزهم بالرئاسة".
وهذه المادة تشير إلى إمكانية ترشح المسؤولين الحاليين للرئاسة شريطة استقالتهم من مناصبهم، مثلما فعل عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وحفتر، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، في انتخابات ديسمبر 2021 الملغاة، بل وتمنحه فرصة العودة إلى مناصبهم إذا خسروا الانتخابات.
فعدم حل عقدة مزدوجي الجنسية يعني أن التعديل الدستوري الحالي لا يحمل في طياته حل الأزمة، وإنما يسعى لمعالجة إشكاليات تهدد بحل المجلسين.
ـ نزع صلاحية حل البرلمان من "الرئاسي"
يحسم التعديل الدستوري طبيعة النظام السياسي للبلاد، الذي كان محل خلاف بين عدة أطراف، لصالح النظام الرئاسي، بدلا من النظام البرلماني أو شبه الرئاسي.إذ إن الرئيس ينتخب مباشرة من الشعب، وله صلاحية تعيين وإقالة رئيس الحكومة.
فرئيس الحكومة يعين من رئيس الدولة وليس من الأغلبية البرلمانية، وبالتالي فهو نظام أقرب للرئاسي (كما هو في مصر مثلا) منه إلى شبه الرئاسي (على غرار فرنسا).
لكن مقابل ذلك، نزع التعديل الدستوري عدة صلاحيات من الرئيس، على غرار حل مجلس الأمة (البرلمان)، المتمثل في مجلسي النواب والشيوخ إلا ضمن شروط محددة.
إذ نصت المادة 23 على أن رئيس الدولة لا يملك حل مجلسي النواب والشيوخ إلا عبر استفتاء شعبي، وبعد "إحالة الأسباب والمبررات للمحكمة العليا"، كما لا يجوز حل المجلسين في ذات الوقت، أو خلال السنة الأولى للانعقاد، أو خلال حال الطوارئ، أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من ولاية الرئيس، المحددة بأربعة أعوام فقط بدل خمسة.
وهذا التعديل من شأنه أن يحرم المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، من حل مجلسي النواب والدولة (الشيوخ).
وهذه أخطر مادة، بل جوهر التعديل، لأنها تحصن المجلسين إزاء أي محاولة من "الرئاسي" لحلهما مثلما لوح المنفي أكثر من مرة بذلك، في حالة استمرار الانسداد وعجز المجلسين عن الاتفاق على قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات.
وإذا أقرّ مجلس الدولة، هذا التعديل الدستوري فسيتيح ذلك للمجلسين الاستمرار لفترة أطول، مع تكبيل أيدي المجلس الرئاسي ضد أي خطوة لتجاوزهما، خاصة مع دعوات أممية وغربية لإيجاد "آليات بديلة" في حال عدم اتفاق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية للانتخابات.
وسيستفيد مجلس الدولة من هذا التعديل بتغيير اسمه إلى "مجلس الشيوخ"، ويكون بذلك غرفة ثانية للبرلمان، بدل أن يكون مجرد مجلس استشاري، وإن كان الاتفاق السياسي يفرض على مجلس النواب التوافق معه بشأن القاعدة الدستورية والقوانين التي يصدرها.
ومن المرجح أن يؤيد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، هذا التعديل، خاصة أنه منزوع من أهم نقطة خلافية، ويمنح مجلسه صلاحيات أكبر.
ـ لا تاريخ للانتخابات
أحد أبرز المؤشرات على أن تعديل الإعلان الدستوري لا يضمن إجراء الانتخابات قريبا، أنه لم يضع موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولا خريطة طريق للوصول إليهما، كما تطالب بذلك واشنطن والمجتمع الدولي.ولو أن التعديل الدستوري يجب ألا يتضمن موعد الانتخابات، ولكنه يفترض أن يكون جاء ضمن سياق توافق عام بين مجلسي النواب والدولة، يحدد خريطة الطريق بمواعيد دقيقة حتى لا يتم التمطيط في الزمن.
لكن التاريخ الوحيد المنصوص عليه في التعديل الدستوري، إجراء انتخابات مجلس الأمة ورئيس الدولة بعد 240 يوما (8 أشهر) من تاريخ دخول قوانين الانتخابات حيز النفاذ.
وإذا علمنا أن قانون انتخابات الرئيس سيتضمن شروط الترشح للرئاسة ومعضلة مزدوجي الجنسية، فيمكن توقع صعوبة صدور هذا القانون في آجال قريبة.
وبناء على كل ما سبق، فيمكن القول إن مجلس النواب استعاد زمام المبادرة بعد ضغوط داخلية ودولية حمّلته رفقة مجلس الدولة، مسؤولية الإخفاق في الذهاب إلى الانتخابات.
والتعديل الدستوري، الذي من المتوقع أن يحظى بدعم مجلس الدولة بعد نزع النقاط الخلافية منه، من شأنه تحصين المجلسين من أي "آليات بديلة" لهما (حلهما)، سواء من المجلس الرئاسي أو من المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
فضلا عن أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم يعلنا ترحيبهما بهذا التعديل، ما يعكس حالة توجس دولية من مقاصده ومآلاته.
وأهم خلاف بين المجلسين المتعلق بترشح مزدوجي الجنسية لم يتم حسمه، لذلك لا يمكن القول إن "ليبيا تتجه بشكل صحيح وسريع إلى الانتخابات".