هذا الأسبوع نفس الأشخاص بدت وجوههم مكفهرة، وهم يقدمون برامجهم، ويعلنون فيها "القرارات العسكرية الصعبة" بانسحاب القوات الروسية من خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة في أراضي أوكرانيا، التي نجح الروس في احتلالها، منذ بداية الغزو.
وقبل 6 أسابيع فقط، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ضم المدينة، مع 3 مناطق أخرى، في أوكرانيا، مصرا على أنها أصبحت ضمن الأراضي الروسية، للأبد.
مقدم البرامج، فلاديمير سولوفيف، قال في برنامجه، "كنت أريد أن أرى علمنا يرفرف، في سماء كييف في مارس / أذار" مضيفا "لقد كان الأمر مؤلما، عندما انسحبت قواتنا من كييف، وتشيرنيهيف، لكن هذه هي الحرب، فنحن نحارب الناتو".
هذه هي الطريقة التي تحاول بها الحكومة الروسية، "الكرملين"، تبرير الأمر، عبر توجيه اللوم للغرب، وهذه هي الرسالة التي يقدمها الإعلام، أن روسيا تواجه قوى أمريكا، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والناتو، وكل من تتخيلهم، وبكلمات أخرى، فالخسائر في ساحات المعارك، ليست خطيئة الكرملين، لكنها بسبب تدخل الأعداء الخارجيين.
وثمة رسالة أخرى، مفادها لا تنتقدوا الجيش الروسي، أو الرئيس، بسبب ما يجري في أوكرانيا، وبدلا عن ذلك قوموا بدوركم، وارفعوا علم بلدكم.
وهي نصيحة يبدو أن الأصوات الأكثر تشددا في روسيا ما زالت تتبعها، مثل الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، ويفغيني بريغوجين، مؤسس مجموعة فاغنر للمرتزقة، والذي كان منتقدا مفوها لأداء قيادات الجيش الروسي، لكن بعد إعلان الانسحاب من خيرسون، نشر الرجلان تغريدات، داعمة لقائد القوات الروسية في أوكرانيا، الجنرال سوروفكين، وهو الرجل الذي اقترح الانسحاب.
لكن الأمر نفسه، لا ينطبق على بقية المنتقدين، ومنهم من نشر تغريدات تدين الانسحاب، مثل، منشور لزاستافني يقول "لن أنسى أبدا ما جرى من قتل الطموحات الروسية، ستبقى هذه الخيانة محفورة في قلبي لقرون".
وآخر لزيلوي زورناليست يقول "هذه هزيمة جيوسياسية، لبوتين، وروسيا، فوزارة الدفاع الروسية فقدت ثقة المجتمع منذ زمن بعيد، والآن الثقة في الرئيس ستختفي".
والحكومة الروسية لو فشلت في معالجة الأمر، ولم تنجح في إبعاد الرئيس عن ملف الانسحاب، قد تصبح الأمور صعبة، خاصة أن الكثير من المواطنين، يرون الانسحاب هزيمة عسكرية، تحطم البريق العسكري للجيش الروسي.
وفي وقت سابق خلال الأسبوع، كان الجنرالات هم من أعلنوا انسحاب القوات من أجزاء من خيرسون، وأظهرت التلفزة الروسية، وزير الدفاع، سيرجي شويغو، يصدر الأمر بالانسحاب بعد مشاورات مع سوروفكين، بينما لم يكن بوتين، القائد العام للقوات المسلحة، موجودا في الصورة
وقال المتحدث باسم بوتين، ديميتري بيسكوف، لاحقا للصحفيين، "وزير الدفاع اتخذ القرار، وليس لدي ما أقول"، وبالتالي الحكومة تلقي بالأمر على وزارة الدفاع، أو على الأقل تحاول ذلك.
لكن بوتين، كان هو الشخص الذي أصدر الأمر بغزو أوكرانيا، عبر ما سماه "عملية عسكرية خاصة"، وكان الأمر برمته من أفكاره، وبالتالي فسيكون إبعاد نفسه عن أي شيء مرتبط به أمرا شديد الصعوبة.
وثمة هنا خطورة على بوتين، لكنها تعود إلى ما قبل الانسحاب من خيرسون.
فالأحداث التي جرت في الأشهر الماضية منذ بداية الغزو، تهدد بتغيير الصورة التي اعتاد الناس أن ينظروا بها للرئيس هنا، ليس على المستوى العام بالطبع، ولكن على مستوى النخبة، والمسؤولين المحيطين به شخصيا، أو بتعبير آخر، الأشخاص الموجودين في السلطة.
لقد كانوا لسنوات يرون بوتين هو السيد، ويرون فيه شخصا نجح في الوصول إلى القمة، شخصا فاز بكل شيء، كانوا دوما يرونه الشخص الأساسي، والضروري للنظام الذي هم جزء منه، وبالتالي فهو الترس الرئيسي، والنظام بني من حوله.
لكن ذلك تغير منذ بداية الغزو، الذي لم يسر بشكل جيد، كما كان متوقعا، فالغزو لم يؤد فقط إلى الموت، والدمار في أوكرانيا، لكن أيضا لخسائر وقتلى في الجيش الروسي.
وقد تعهد بوتين سابقا بأن الجنود المحترفين فقط، هم من سيخوضون المعارك، لكنه لاحقا، أمر بتجنيد مئات الآلاف من المواطنين، ليشاركوا في المعارك، وهو ما جعل الثمن الاقتصادي الذي دفعته روسيا أيضا يصبح ثمنا باهظا.
لقد اعتاد الكرملين أن يقدم بوتين على أنه "مصدر الاستقرار" هنا في روسيا، لكن ذلك أصبح أمرا شديد الصعوبة.