وقال فليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية: "لقد ابتُليت حملة التطعيم في مصر بغياب إستراتيجية واضحة لدى السلطات، وافتقارها للشفافية، الأمر الذي أفضى إلى تأخيرات وتراكمات، فضلاً عن الإخفاق في الوصول إلى أحوج الفئات للتطعيم، أو تبديد الشك والتردد لدى الجمهور من خلال حملات توعية موجهة".
وأضاف فليب لوثر قائلاً: "نحن نحث الحكومة على إيلاء الأولوية للفئات التي تستحقها بالفعل، وعلى التحقق من أن خطة توزيع اللقاح شاملة ومتاحة للجميع، ولا تنطوي على أي تمييز مجحف".
وقد تحدثت منظمة العفو الدولية إلى بعض العاملين في قطاع الصحة، والصحفيين، والباحثين المعنيين بحقوق الإنسان، والنشطاء الحقوقيين الذين يعملون عن كثب مع الأفراد أو الفئات الأشد عرضة للخطر. كما قامت المنظمة بتحليل الكتابات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي التي يعبر الناس من خلالها عن تجاربهم الشخصية أو تجارب أقاربهم، فضلاً عن تصريحات المسؤولين وبيانات المنظمات غير الحكومية وتقارير وسائل الإعلام.
وقال فليب لوثر: "تقع على عاتق السلطات المصرية مسؤولية تنفيذ البرنامج الوطني للتطعيم الذي من شأنه إنقاذ الأرواح على نحو عادل بحيث يشمل جميع فئات السكان: من أهالي المناطق الحضرية العشوائية، إلى أهالي المناطق الريفية النائية؛ ومن الأشخاص الذين ينعمون بحريتهم إلى المحتجزين في السجون والمعتقلات؛ ومن المواطنين المصريين إلى اللاجئين والمهاجرين".
غياب خطة وطنية واضحة للتطعيم
أعلن عن حملة الحكومة للتطعيم ضد فيروس كوفيد-19 في 24 يناير/كانون الثاني ، وكان أسلوب توزيع اللقاح معيباً إلى أبعد الحدود؛ فقد بدأت عملية التسجيل على الإنترنت للحصول على اللقاح للطواقم الطبية وفرق الرعاية الصحية، وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة في 28 فبراير/شباط، وتجاوز عدد من سجلوا خلال الأيام الأربعة الأولى 150 ألف شخص. ولم تلبث السلطات أن توسعت في حملة التطعيم ففتحت باب التسجيل أمام عامة الناس في 6 مارس/آذار ، قبل الانتهاء من تطعيم الملايين من كبار - السن - وأصحاب الأمراض المزمنة؛ وبالتوازي مع فتح التسجيل أمام عامة الجمهور، افتتحت الحكومة المزيد من مراكز التطعيم، ولكن الأفراد من الفئات ذات الأولوية الذين كانوا قد سجَّلوا من قبل عانوا من طول فترات الانتظار، ولم يتمكنوا من الحصول على مواعيد للتطعيم في المراكز التي افتتحت حديثاً.
ولدى منظمة العفو الدولية علم بما لا يقل عن 11 حالة وقعت في أبريل/نيسان، حيث تم الاتصال بأشخاص في مقتبل العمر غير مصابين بأي أمراض مزمنة، وتحديد مواعيد لتطعيمهم قبل أقاربهم الأكبر منهم سناً أو الأشد عرضة لخطر الإصابة بالفيروس. وفي حين تم تدارك هذا التوزيع المعيب إلى حد ما منذ مايو/أيار، فإن المشكلة لا تزال قائمة؛ فلقد قال شخص لمنظمة العفو الدولية في مايو/أيار إن والدته البالغة من العمر 72 عاماً، والمصابة بمرض مزمن، قد سجلت للتطعيم بلقاح فيروس كوفيد-19 في 20 مارس/آذار، ولكن لم يتم التواصل معها حتى الآن لتحديد موعد للتطعيم.
وفي 24 يونيو/حزيران، أفاد وزير الصحة المصري بأن أربعة ملايين شخص قد تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح حتى ذلك التاريخ، ولكنه لم يبين فئات من تم تطعيمهم.
إن رسائل الحكومة المتباينة بشأن حملة التطعيم وغياب حملة للتوعية الجماهيرية بشأن التطعيم قد أديا إلى استبعاد الفئات المهمشة اجتماعياً واقتصادياً، والفئات ذات الأوضاع القانونية غير النظامية.
ولم تُنظَّم أي حملة توعية حكومية فعَّالة تستهدف ذوي المداخيل المنخفضة في المناطق الحضرية والريفية النائية، بما في ذلك الفئات الأشد تضرراً من وباء فيروس كوفيد-19، وهو الأمر الذي يتجلى في خلو مراكز التطعيم من أفراد الجمهور أو قلتهم؛ فعلى سبيل المثال، قال بعض الأطباء والنشطاء وأهالي المحافظات الفقيرة في صعيد مصر، والمناطق العشوائية في القاهرة الكبرى، وكذلك اللاجئين والمهاجرين لمنظمة العفو الدولية إن الكثيرين من أفراد الجمهور ليس لديهم علم بحملة التطعيم هذه، وإن العاملين الصحيين المحليين في بعض الحالات هم الذين ينشرون الوعي بالتطعيم في غياب حملة حكومية.
وفي أبريل/نيسان، أفاد الموقع الإعلامي المستقل "مدى مصر" أن أعضاء مجلس الشعب وأفراد عائلاتهم حصلوا على معاملة تفضيلية تسمح لهم بالاختيار بين لقاح أسترازينيكا وسينوفارم، وأنهم تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح في غضون أيام معدودة، بالرغم من أن أحداً منهم ليس مدرجاً ضمن الفئات ذات الأولوية للحصول على اللقاح.
وفي الشهر نفسه، استهدفت الحكومة أيضاً العاملين في قطاع السياحة، إذ أنشأت مراكز للتطعيم في الفنادق بمختلف المحافظات السياحية؛ وفي 3 يونيو/حزيران، أعلن المسؤولون أن مليوناً من العاملين بالقطاع السياحي سوف يتم إدراجهم ضمن الفئات ذات الأولوية للحصول على لقاح ضد فيروس كوفيد-19 وتوفير الجرعات لهم؛ وحتى اليوم، لم تبادر السلطات للوصول إلى العاملين الأساسيين الأشد عرضة لخطر العدوى، بما في ذلك العاملين في قطاعي النقل والغذاء.
وفي يناير/كانون الثاني، قالت وزارة الصحة إنها تولي الأولوية للفرق الطبية التي تتولى تقديم العلاج لمرضى كوفيد-19 في المستشفيات الحكومية والعسكرية ومستشفيات الشرطة أولاً؛ أما سائر العاملين في قطاع الصحة، بما في ذلك من يتعاملون مع مرضى كوفيد-19 بصفة اعتيادية، فلم يشملهم هذا التخصيص المبكر للقاحات. وفي أبريل/نيسان، أعربت نقابة الأطباء عن قلقها أيضاً بشأن قلة عدد الأطباء الذين تم تطعيمهم. وأعلنت النقابة أن 578 طبيباً قد توفوا بسبب الإصابة بفيروس كوفيد-19؛ غير أن وزارة الصحة لا تزال تقلل من خطورة ظروف العمل غير المأمونة التي يواجهها العاملون في قطاع الصحة، زاعمة أن 115 فقط من الأطباء المتوفين أصيبوا بالفيروس أثناء العمل ؛ أما الباقون فقد توفوا بسبب العدوى في المجتمع عموماً.
ويتعين على السلطات المصرية نشر خططها لتخصيص اللقاحات، وإجراء مشاورات مجدية مع مجموعات المجتمع المدني، بما فيها نقابة الأطباء، بهدف مراعاة معايير حقوق الإنسان، وضمان إيلاء الأولوية للفئات الأشد عرضة للخطر والفئات المهمشة، ووضع ضمانات احترازية للحيلولة دون أي تمييز أو استبعاد.
إعطاء الأولوية للفئات المعرضة للخطر والفئات المهمَّشة
تماشياً مع خريطة الطريق التي وضعتها المجموعة الاستشارية الإستراتيجية للخبراء المعنيين بالتحصين لدى منظمة الصحة العالمية بشأن وضع أولويات لاستخدامات لقاحات كوفيد-19 نظراً لقلة الكميات المتوفرة منها، فيجب على السلطات الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وضمان تطعيم الفئات التي تعاني من التهميش المنهجي من حيث مدى تيسر الرعاية الصحية لها، ومن بينهم السجناء والمعتقلون واللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون وسكان المناطق العشوائية من ذوي المداخيل المنخفضة وسكان المناطق الريفية النائية.
ورغم ما أكدت السلطات المصرية من تدشين حملة لتطعيم السجناء ضد فيروس كوفيد-19 في 17 مايو/أيار ، بتقديم اللقاح لخمسة آلاف من السجناء الأكبر سناً أو السجناء المصابين بأمراض مزمنة، فإنها لم تنشر أي معلومات عن عملية التطعيم، وجدوله الزمني، ومعايير الأهلية؛ ومن ثم، فقد رفع المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان دعوى قضائية على وزارتي الداخلية والصحة، بسبب تقاعسهما عن تطعيم العديد من السجناء والمعتقلين في قضايا سياسية. وعلمت منظمة العفو الدولية من ثمانية أشخاص لديهم معرفة مباشرة عن الأوضاع في تسعة سجون مصرية، ومن بينهم أقارب ومحامون، أن الكثيرين من المحتجزين في قضايا تحركها دوافع سياسية لم يتلقوا لقاح كوفيد-19 بعد.
وفي 14 أبريل/نيسان، تقدم محامي المعتقل عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب "مصر القوية" المعارض، البالغ من العمر 69 عاماً، بطلب إلى النائب العام لتمكين موكله من الحصول على لقاح مضاد لفيروس كوفيد-19، نظراً لسنِّه والأمراض المزمنة التي يعاني منها. ولا يزال عبد المنعم أبو الفتوح رهن الاعتقال التعسفي بلا محاكمة منذ فبراير/شباط 2018، في ظروف قاسية وغير إنسانية، وتحرمه السلطات عمداً من الرعاية الصحية ؛ وحتى الآن لم يتلقَّ أي جرعة من اللقاح.
في ظل ما وثَّقته منظمة العفو الدولية من نمط مطرد دأبت عليه السلطات المصرية يتمثل في تعمد حرمان من تحسبهم من معارضيها من تلقي الرعاية الصحية، فإن المنظمة تحث السلطات المصرية على ضمان عدم استبعاد سجناء الرأي وغيرهم من المعتقلين لأسباب سياسية من الحصول على اللقاح أو ممارسة أي تمييز ضدهم. كما تعرب منظمة العفو الدولية عن قلقها بسبب نقص المنشآت الطبية الملائمة والطواقم الطبية في مراكز الشرطة والسجون المركزية المخصصة للمحبوسين المحكوم عليهم بعقوبات قصيرة أو بسبب تخلفهم عن سداد ديون.
وأضاف فيليب لوثر قائلاً: "إن الحصول على الرعاية الصحية هو حق من حقوق الإنسان، ويجب أن يسمح لجميع المعتقلين بتلقي لقاحات ضد فيروس كوفيد-19؛ كما أن حجب اللقاحات كوسيلة لعقاب المعتقلين السياسيين أو المعتقلين تعسفاً بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان".
وهناك عقبات عملية عدة تحرم اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين من تلقي اللقاحات؛ فبمقدور المواطنين غير المصريين تسجيل أنفسهم على الإنترنت باستخدام جوازات سفرهم، أو ما لديهم من وثائق الإقامة، وأرقام الهوية التي تزودهم بها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين؛ أما أولئك الذين لا يحملون أي وثائق أو يسعون جهدهم لتصحيح أوضاعهم القانونية فهم مستبعدون من هذه العملية. كما أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت عملية التسجيل للتطعيم تشمل العشرات من المعتقلين بصورة تعسفية في مراكز الشرطة في صعيد مصر لا لشيء سوى كونهم من المهاجرين غير النظاميين.
ويجب على السلطات المصرية كذلك المبادرة إلى استهداف اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين بلغات يفهمونها كائناً ما كان وضعهم القانوني.
وحتى اليوم، تفيد الإحصائيات الرسمية المصرية أن إجمالي الإصابات المؤكدة بفيروس كوفيد-19 في مصر منذ بداية الجائحة يزيد على 280394 حالة، بينما تجاوز إجمالي الوفيات 16092؛ وترجِّح تقديرات اللجنة القومية لمواجهة فيروس كورونا في مصر أن يكون العدد الحقيقي لإصابات فيروس كوفيد-19 عشرة أضعاف الرقم المعلن رسمياً. أما الصحفيون والعاملون في قطاع الصحة، وغيرهم ممن انتقدوا أسلوب الحكومة في التصدي للوباء أو شككوا في إحصائياتها الرسمية، فقد تعرضوا للتهديدات والملاحقات والاعتقال وغير ذلك من أساليب الترهيب.
وأضاف فليب لوثر قائلاً: "نحن نحث الحكومة على إيلاء الأولوية للفئات التي تستحقها بالفعل، وعلى التحقق من أن خطة توزيع اللقاح شاملة ومتاحة للجميع، ولا تنطوي على أي تمييز مجحف".
ونظراً لغياب حملة وطنية لنشر المعلومات عن سبل الحصول على اللقاحات، والغياب شبه الكامل للوحات الإعلانات في الأماكن العامة، والإعلانات الإذاعية أو التليفزيونية، فإن الأشخاص الذين لا تكاد تتيسر لهم سبل الوصول إلى الإنترنت، أو لا تتيسر لهم على الإطلاق، يواجهون عقبات عملية في التسجيل لتلقي لقاح كورونا، خاصة وأن عملية التسجيل في المستشفيات تفتقر إلى إجراءات واضحة ومتسقة. وتتباين انطباعات الناس وتجاربهم في التسجيل عبر الخط الساخن، حيث واجه البعض صعوبات وتأخيرات.لقد ابتُليت حملة التطعيم في مصر بغياب إستراتيجية واضحة لدى السلطات، وافتقارها للشفافية، الأمر الذي أفضى إلى تأخيرات وتراكمات، فضلاً عن الإخفاق في الوصول إلى أحوج الفئات للتطعيم، أو تبديد الشك والتردد لدى الجمهور من خلال حملات توعية موجهة
وقد تحدثت منظمة العفو الدولية إلى بعض العاملين في قطاع الصحة، والصحفيين، والباحثين المعنيين بحقوق الإنسان، والنشطاء الحقوقيين الذين يعملون عن كثب مع الأفراد أو الفئات الأشد عرضة للخطر. كما قامت المنظمة بتحليل الكتابات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي التي يعبر الناس من خلالها عن تجاربهم الشخصية أو تجارب أقاربهم، فضلاً عن تصريحات المسؤولين وبيانات المنظمات غير الحكومية وتقارير وسائل الإعلام.
وقال فليب لوثر: "تقع على عاتق السلطات المصرية مسؤولية تنفيذ البرنامج الوطني للتطعيم الذي من شأنه إنقاذ الأرواح على نحو عادل بحيث يشمل جميع فئات السكان: من أهالي المناطق الحضرية العشوائية، إلى أهالي المناطق الريفية النائية؛ ومن الأشخاص الذين ينعمون بحريتهم إلى المحتجزين في السجون والمعتقلات؛ ومن المواطنين المصريين إلى اللاجئين والمهاجرين".
غياب خطة وطنية واضحة للتطعيم
أعلن عن حملة الحكومة للتطعيم ضد فيروس كوفيد-19 في 24 يناير/كانون الثاني ، وكان أسلوب توزيع اللقاح معيباً إلى أبعد الحدود؛ فقد بدأت عملية التسجيل على الإنترنت للحصول على اللقاح للطواقم الطبية وفرق الرعاية الصحية، وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة في 28 فبراير/شباط، وتجاوز عدد من سجلوا خلال الأيام الأربعة الأولى 150 ألف شخص. ولم تلبث السلطات أن توسعت في حملة التطعيم ففتحت باب التسجيل أمام عامة الناس في 6 مارس/آذار ، قبل الانتهاء من تطعيم الملايين من كبار - السن - وأصحاب الأمراض المزمنة؛ وبالتوازي مع فتح التسجيل أمام عامة الجمهور، افتتحت الحكومة المزيد من مراكز التطعيم، ولكن الأفراد من الفئات ذات الأولوية الذين كانوا قد سجَّلوا من قبل عانوا من طول فترات الانتظار، ولم يتمكنوا من الحصول على مواعيد للتطعيم في المراكز التي افتتحت حديثاً.
ولدى منظمة العفو الدولية علم بما لا يقل عن 11 حالة وقعت في أبريل/نيسان، حيث تم الاتصال بأشخاص في مقتبل العمر غير مصابين بأي أمراض مزمنة، وتحديد مواعيد لتطعيمهم قبل أقاربهم الأكبر منهم سناً أو الأشد عرضة لخطر الإصابة بالفيروس. وفي حين تم تدارك هذا التوزيع المعيب إلى حد ما منذ مايو/أيار، فإن المشكلة لا تزال قائمة؛ فلقد قال شخص لمنظمة العفو الدولية في مايو/أيار إن والدته البالغة من العمر 72 عاماً، والمصابة بمرض مزمن، قد سجلت للتطعيم بلقاح فيروس كوفيد-19 في 20 مارس/آذار، ولكن لم يتم التواصل معها حتى الآن لتحديد موعد للتطعيم.
وفي 24 يونيو/حزيران، أفاد وزير الصحة المصري بأن أربعة ملايين شخص قد تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح حتى ذلك التاريخ، ولكنه لم يبين فئات من تم تطعيمهم.
إن رسائل الحكومة المتباينة بشأن حملة التطعيم وغياب حملة للتوعية الجماهيرية بشأن التطعيم قد أديا إلى استبعاد الفئات المهمشة اجتماعياً واقتصادياً، والفئات ذات الأوضاع القانونية غير النظامية.
ولم تُنظَّم أي حملة توعية حكومية فعَّالة تستهدف ذوي المداخيل المنخفضة في المناطق الحضرية والريفية النائية، بما في ذلك الفئات الأشد تضرراً من وباء فيروس كوفيد-19، وهو الأمر الذي يتجلى في خلو مراكز التطعيم من أفراد الجمهور أو قلتهم؛ فعلى سبيل المثال، قال بعض الأطباء والنشطاء وأهالي المحافظات الفقيرة في صعيد مصر، والمناطق العشوائية في القاهرة الكبرى، وكذلك اللاجئين والمهاجرين لمنظمة العفو الدولية إن الكثيرين من أفراد الجمهور ليس لديهم علم بحملة التطعيم هذه، وإن العاملين الصحيين المحليين في بعض الحالات هم الذين ينشرون الوعي بالتطعيم في غياب حملة حكومية.
وفي أبريل/نيسان، أفاد الموقع الإعلامي المستقل "مدى مصر" أن أعضاء مجلس الشعب وأفراد عائلاتهم حصلوا على معاملة تفضيلية تسمح لهم بالاختيار بين لقاح أسترازينيكا وسينوفارم، وأنهم تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح في غضون أيام معدودة، بالرغم من أن أحداً منهم ليس مدرجاً ضمن الفئات ذات الأولوية للحصول على اللقاح.
وفي الشهر نفسه، استهدفت الحكومة أيضاً العاملين في قطاع السياحة، إذ أنشأت مراكز للتطعيم في الفنادق بمختلف المحافظات السياحية؛ وفي 3 يونيو/حزيران، أعلن المسؤولون أن مليوناً من العاملين بالقطاع السياحي سوف يتم إدراجهم ضمن الفئات ذات الأولوية للحصول على لقاح ضد فيروس كوفيد-19 وتوفير الجرعات لهم؛ وحتى اليوم، لم تبادر السلطات للوصول إلى العاملين الأساسيين الأشد عرضة لخطر العدوى، بما في ذلك العاملين في قطاعي النقل والغذاء.
وفي يناير/كانون الثاني، قالت وزارة الصحة إنها تولي الأولوية للفرق الطبية التي تتولى تقديم العلاج لمرضى كوفيد-19 في المستشفيات الحكومية والعسكرية ومستشفيات الشرطة أولاً؛ أما سائر العاملين في قطاع الصحة، بما في ذلك من يتعاملون مع مرضى كوفيد-19 بصفة اعتيادية، فلم يشملهم هذا التخصيص المبكر للقاحات. وفي أبريل/نيسان، أعربت نقابة الأطباء عن قلقها أيضاً بشأن قلة عدد الأطباء الذين تم تطعيمهم. وأعلنت النقابة أن 578 طبيباً قد توفوا بسبب الإصابة بفيروس كوفيد-19؛ غير أن وزارة الصحة لا تزال تقلل من خطورة ظروف العمل غير المأمونة التي يواجهها العاملون في قطاع الصحة، زاعمة أن 115 فقط من الأطباء المتوفين أصيبوا بالفيروس أثناء العمل ؛ أما الباقون فقد توفوا بسبب العدوى في المجتمع عموماً.
ويتعين على السلطات المصرية نشر خططها لتخصيص اللقاحات، وإجراء مشاورات مجدية مع مجموعات المجتمع المدني، بما فيها نقابة الأطباء، بهدف مراعاة معايير حقوق الإنسان، وضمان إيلاء الأولوية للفئات الأشد عرضة للخطر والفئات المهمشة، ووضع ضمانات احترازية للحيلولة دون أي تمييز أو استبعاد.
إعطاء الأولوية للفئات المعرضة للخطر والفئات المهمَّشة
تماشياً مع خريطة الطريق التي وضعتها المجموعة الاستشارية الإستراتيجية للخبراء المعنيين بالتحصين لدى منظمة الصحة العالمية بشأن وضع أولويات لاستخدامات لقاحات كوفيد-19 نظراً لقلة الكميات المتوفرة منها، فيجب على السلطات الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وضمان تطعيم الفئات التي تعاني من التهميش المنهجي من حيث مدى تيسر الرعاية الصحية لها، ومن بينهم السجناء والمعتقلون واللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون وسكان المناطق العشوائية من ذوي المداخيل المنخفضة وسكان المناطق الريفية النائية.
ورغم ما أكدت السلطات المصرية من تدشين حملة لتطعيم السجناء ضد فيروس كوفيد-19 في 17 مايو/أيار ، بتقديم اللقاح لخمسة آلاف من السجناء الأكبر سناً أو السجناء المصابين بأمراض مزمنة، فإنها لم تنشر أي معلومات عن عملية التطعيم، وجدوله الزمني، ومعايير الأهلية؛ ومن ثم، فقد رفع المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان دعوى قضائية على وزارتي الداخلية والصحة، بسبب تقاعسهما عن تطعيم العديد من السجناء والمعتقلين في قضايا سياسية. وعلمت منظمة العفو الدولية من ثمانية أشخاص لديهم معرفة مباشرة عن الأوضاع في تسعة سجون مصرية، ومن بينهم أقارب ومحامون، أن الكثيرين من المحتجزين في قضايا تحركها دوافع سياسية لم يتلقوا لقاح كوفيد-19 بعد.
وفي 14 أبريل/نيسان، تقدم محامي المعتقل عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب "مصر القوية" المعارض، البالغ من العمر 69 عاماً، بطلب إلى النائب العام لتمكين موكله من الحصول على لقاح مضاد لفيروس كوفيد-19، نظراً لسنِّه والأمراض المزمنة التي يعاني منها. ولا يزال عبد المنعم أبو الفتوح رهن الاعتقال التعسفي بلا محاكمة منذ فبراير/شباط 2018، في ظروف قاسية وغير إنسانية، وتحرمه السلطات عمداً من الرعاية الصحية ؛ وحتى الآن لم يتلقَّ أي جرعة من اللقاح.
في ظل ما وثَّقته منظمة العفو الدولية من نمط مطرد دأبت عليه السلطات المصرية يتمثل في تعمد حرمان من تحسبهم من معارضيها من تلقي الرعاية الصحية، فإن المنظمة تحث السلطات المصرية على ضمان عدم استبعاد سجناء الرأي وغيرهم من المعتقلين لأسباب سياسية من الحصول على اللقاح أو ممارسة أي تمييز ضدهم. كما تعرب منظمة العفو الدولية عن قلقها بسبب نقص المنشآت الطبية الملائمة والطواقم الطبية في مراكز الشرطة والسجون المركزية المخصصة للمحبوسين المحكوم عليهم بعقوبات قصيرة أو بسبب تخلفهم عن سداد ديون.
وقال فيليب لوثر: "نحن نرحب بوعود السلطات بتطعيم السجناء، ولكن يجب عليها أن تقدم مزيداً من المعلومات عن عملية التطعيم، وجدولها الزمني، ومعايير الأهلية، للتحقق من أن جميع المعتقلين في مختلف ظروف الاحتجاز يتيسر لهم تلقي لقاح ضد فيروس كوفيد-19 في الوقت المناسب وبصورة تتسم بالشفافية، وتستند إلى معايير موضوعية بدءاً بمن أهم أشد عرضة للخطر".إن الحصول على الرعاية الصحية هو حق من حقوق الإنسان، ويجب أن يسمح لجميع المعتقلين بتلقي لقاحات ضد فيروس كوفيد-19
وأضاف فيليب لوثر قائلاً: "إن الحصول على الرعاية الصحية هو حق من حقوق الإنسان، ويجب أن يسمح لجميع المعتقلين بتلقي لقاحات ضد فيروس كوفيد-19؛ كما أن حجب اللقاحات كوسيلة لعقاب المعتقلين السياسيين أو المعتقلين تعسفاً بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان".
وهناك عقبات عملية عدة تحرم اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين من تلقي اللقاحات؛ فبمقدور المواطنين غير المصريين تسجيل أنفسهم على الإنترنت باستخدام جوازات سفرهم، أو ما لديهم من وثائق الإقامة، وأرقام الهوية التي تزودهم بها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين؛ أما أولئك الذين لا يحملون أي وثائق أو يسعون جهدهم لتصحيح أوضاعهم القانونية فهم مستبعدون من هذه العملية. كما أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت عملية التسجيل للتطعيم تشمل العشرات من المعتقلين بصورة تعسفية في مراكز الشرطة في صعيد مصر لا لشيء سوى كونهم من المهاجرين غير النظاميين.
ويجب على السلطات المصرية كذلك المبادرة إلى استهداف اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين بلغات يفهمونها كائناً ما كان وضعهم القانوني.
وحتى اليوم، تفيد الإحصائيات الرسمية المصرية أن إجمالي الإصابات المؤكدة بفيروس كوفيد-19 في مصر منذ بداية الجائحة يزيد على 280394 حالة، بينما تجاوز إجمالي الوفيات 16092؛ وترجِّح تقديرات اللجنة القومية لمواجهة فيروس كورونا في مصر أن يكون العدد الحقيقي لإصابات فيروس كوفيد-19 عشرة أضعاف الرقم المعلن رسمياً. أما الصحفيون والعاملون في قطاع الصحة، وغيرهم ممن انتقدوا أسلوب الحكومة في التصدي للوباء أو شككوا في إحصائياتها الرسمية، فقد تعرضوا للتهديدات والملاحقات والاعتقال وغير ذلك من أساليب الترهيب.