العاصمة تغص بالمشردين
وتعتبر العاصمة دمشق من أكثر المدن التي ينتشر فيها المشردون، نتيجة موجات النزوح المتعاقبة على المدينة خلال السنوات الماضية، والتغيرات الكبيرة التي طرأت على مستوى الإيجارات وسوق العمل، حتى صارت صور تقاسم العائلات للحدائق العامة وأرصفة الشوارع أمراً مألوفاً.وشهدت هذه الظاهرة تزايداً ملحوظاً خلال العامين الماضيين، بعد توقف عشرات الورش والمصانع عن العمل، وتجدد موجات الهجرة الخارجية لآلاف الصناعيين، ما ضاعف نسبة البطالة، وبالتالي عدم قدرة الكثيرين على تحمل تكلفة الإيجارات، فضلاً عن قيام النظام بتفريغ مراكز الإيواء في دمشق من النازحين وتقديمها لأسر قتلاه.
ويتجاوز إيجار الشقة المؤلفة من غرفة واحدة وملحقاتها أكثر من 150 ألف ليرة في محيط العاصمة، ويزيد السعر كلما اقتربت من مركز المدينة والأحياء الرئيسية، في حين لا تزال ميليشيا أسد ترفض عودة سكان المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة.
هذا الغلاء، دفع عشرات العائلات التي لا تزال ترفض مبيت الشوارع، للعيش في مستودعات ودكاكين صناعية في الأحياء العشوائية والبعيدة، بالنظر إلى رخص أسعارها، بينما اضطرت الغالبية للسكن في المباني الهيكلية (على العضم)، إلا أن هذه الفئة دائماً ما تتعرض للطرد والملاحقة من قبل شرطة النظا
ويشير العديد من السكان، إلى أن هذه الطريقة في مكافحة المشردين، هدفها تحصيل الإتاوات والأموال من العائلات التي تعيش في أبنية على العظم (غير مكتملة)، حيث تضطر لدفع مبالغ مالية تقدر 100 ألف ليرة عن كل طابق، وغالباً ما تتشارك أكثر من أربعة أسر للطابق الواحد. وحتى اليوم، لا يوجد إحصائيات رسمية عن أرقام المشردين في مناطق سيطرة النظام، حيث تؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة أسد، أنه لا يمكن تحديد أعدادهم أو مكافحة الظاهرة.
أين تصرف أموال المشردين
وكعادته، لم يكتفِ النظام بتجاهل هذه الفئة من المهمشين، بل عمد إلى سرقة أموال المساعدات المخصصة لهم، من خلال سلطته على المنظمات المستقلة والأممية. حيث تشير وسائل إعلامية محلية وموالية إلى وجود أكثر من (1240) مؤسسة إغاثية عاملة في مناطق سيطرته، منها الهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر الدولي، وغالبية هذه المنظمات تحصل على دعم خارجي.ومؤخراً، أكد تقرير صادر عن مركز الأبحاث الدولية (CSIS) أن نظام بشار أسد استخدم الأموال والمساعدات الإنسانية الدولية طيلة السنوات العشر الماضية، لصالح ميلشياته ومسؤوليه المتنفذين وعلى رأسهم شقيقه (ماهر الأسد) وميليشيا الفرقة الرابعة التي يتزعمها.
وعن هذا الموضوع، يقول (مدير الشبكة السورية) فضل عبد الغني: إن نظام أسد يسخر جميع الموارد في دعم الجانب الأمني والعسكري، فمن يقوم بتشريد الأطفال والعائلات، بالتأكيد لن يبادر إلى تنفيذ إصلاحات مجتمعية، خاصة وأنه يعتبر نفسه غير معني بهذا النوع من الأزمات.
الأطفال يدفعون الثمن دائماً
وكنتيجة حتمية لهذه المشكلة، يدفع الأطفال الفاتورة الأكبر جراء تهميشهم والتقاعس عن مساعدتهم، من ضياع مستقبلهم الدراسي وعدم تلقيهم الرعاية الأسرية والطبية اللازمة، فضلاً عن تضاعف مخاطر استغلالهم من قبل ميليشيا أسد والعصابات المنظمة للعمل في مهن خطيرة وشاقة.وقدّر تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، العام الماضي، وجود ما لا يقل عن 1374 طفلاً مجنداً حالياً ضمن ميليشيات أسد، إضافة إلى ما لا يقل عن 78 طفلاً تم تجنيدهم ضمن ميليشيات إيرانية أو مدعومة من قبل إيران، قتل منهم 23 طفلاً في أثناء اشتراكهم في الأعمال القتالية.
ويوضح فضل عبد الغني (مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، أن غالبية الأطفال والمشردين في الداخل السوري هم من النازحين والذين أجبروا على ترك منازلهم، وهذه الشريحة تعتبر اليوم أفقر فئات المجتمع وأضعفها، ما يجعلهم عرضة لمختلف أنواع الاستغلال.
ويضيف؛ دائماً ما تكون هذه الفئة عرضة للابتزاز، حيث يضطر الكثير من الأطفال لمزاولة التسول، فيما يقع غالبيتهم ضحية الانخراط في أعمال شاقة ومجهدة واستخدامهم في التجارة والترويج للمخدرات، وهذه تندرج ضمن أسوأ أنواع "عمالة الأطفال"، فضلاً عن الابتزاز الجنسي الذي يتعرضون له.
ويعتبر عبد الغني، أن هذه العوامل ناجمة عن الفقر الشديد وغياب المتابعة الرسمية لهذه الشريحة من المهمشين، وانعدام العملية التعليمية وبرامج إعادة التأهيل، الأمر الذي يجعل المجتمع أمام مشاكل وأزمات مستقبلية من تفشي الجهل والأمية وتحول شريحة واسعة منهم إلى مجرمين والخارجين عن القانون.