ة؟! إنه من غير المعقول أن تضع روسيا نفسها بديلا للنظام السوري على هذا النحو وتتصرف على أنها هي المعنية بهذه الأزمة وليس غيرها، وأن يواصل وزير خارجيتها سيرغي لافروف إطلاق التأكيد تلو التأكيد على أن بشار الأسد باق في موقعه حتى العام المقبل 2014، وأن من حقه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما لم تكن هناك قضية بين بلاده والولايات المتحدة أكبر كثيرا من مجرد إيجاد مخرج من المأزق الذي أصبحت فيه سوريا وتأثيراته على المنطقة الشرق أوسطية وكل ما فيها من أوضاع مضطربة مقلقة لكل من لهم مصالح في هذه المنطقة.
حتى بالنسبة لحضور حكومة بشار الأسد المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي من المفترض أن ينعقد الشهر المقبل، فإن الخارجية الروسية هي التي تحدثت باسم هذه الحكومة وليس وليد المعلم ولا فيصل المقداد، والمعروف أن لافروف بقي يكرر على مدى العامين الماضيين أنه لم يطرح على الرئيس بشار الأسد التنحي، وأنه حتى لو طرح عليه أن يتنحى فإنه لن يقبل وأنه لن يقدم على مثل هذه الخطوة على الإطلاق.
وهكذا فإن آخر ما تحدث به لافروف نيابة عن الحكومة السورية، وربما من دون استشارتها ومن دون علمها، هو الاعتراض على القرار الأوروبي برفع الحظر عن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها وعن شعبها، والقول إن هذا سيؤثر على مؤتمر جنيف المقترح، وإنه قد يحول دون انعقاده، وبالتالي إفشال هذه المحاولة الوحيدة لحل الأزمة السورية.
إن هناك أمرا يجري في الخفاء بين الروس والأميركيين، وإلا فما معنى أن يوافق وزير الخارجية الأميركي جون كيري فجأة على وجهة نظر نظيره الروسي سيرغي لافروف القائلة بأن الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي أيضا خارج صلاحيات الحكومة الانتقالية التي تم التوافق عليها من حيث المبدأ بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن على نحو لا يزال يلفه الغموض، وبخاصة فيما يتعلق بمصير بشار الأسد في هذه «التسوية» الغامضة التي من الواضح أنه لا تزال أمامها عقبات كثيرة.
إنها لعبة أمم جديدة ينفرد بها الروس والأميركيون من دون علم دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتبر الحليف الرئيس لأميركا، وهذا هو بالتأكيد ما جعل هذه الدول تتخذ قرار تسليح المعارضة السورية من دون التنسيق مع الأميركيين ومن دون التشاور معهم، وأيضا من دون علم ما يسمى مجموعة الـ«بريكس» (الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا والهند)، المحسوبة على موسكو وتشكل معها تكتلا يرفض وحدانية القطبية العالمية، ويطالب بصيغة تعددية جديدة لهذه القطبية.
وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن مسؤولا سابقا لمخابرات أكبر دولة فيما كان يسمى مجموعة أوروبا الشرقية، التي كانت جزءا من حلف وارسو وتدور في فلك الاتحاد السوفياتي، قد أبلغ مسؤولا عربيا قبل أسابيع بأنه حصل على معلومات، بحكم موقعه السابق وعلاقاته الروسية الحالية، تؤكد أن المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي ينفرد الأميركيون والروس بالإعداد له سيكون بمثابة «يالطا» جديدة، وأنه، إلى جانب قراراته واتفاقاته المعلنة المتعلقة بالأزمة السورية التي يجري الحديث عنها، ستكون هناك اتفاقات سرية بين روسيا والولايات المتحدة، وعلى أساس أن أميركا قد تخلت عن مكانة «القطب» العالمي الواحد والأوحد لمصلحة الثنائية القطبية، وعلى غرار ما كان عليه الوضع قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وما كان يسمى «المنظومة الاشتراكية» في بدايات تسعينات القرن الماضي.
ولقد قال هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق، مما قاله للمسؤول العربي الآنف الذكر، إن ما يجري بين روسيا والولايات المتحدة، وبين جون كيري وسيرغي لافروف، وما سيجري في القمة المنتظرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما؛ هو الاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة الشرق أوسطية، وربمـا أيضا في أفريقيا، وإن هذا يعني أن الأوضاع السورية ستبقـى معلقة، وإنه لا حل لهذه الأزمة قبل التفاهم والاتفاق بين الأميركيين والروس على حصـة كل منهما في خريطة النفوذ الجديدة في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة.
وحسب هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق أيضا، فإنه إذا جرى الاتفاق بين الأميركيين والروس على تقاسم النفوذ في هذه المنطقة، فإنه من غير المستبعد أن تختفي دول حالية، وأن تظهر دول جديدة، وأن الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون من بين هذه الدول الجديدة التي ستظهر. وهو، أي هذا المسؤول، قد قال إن العراق كدولة واحدة ستكون مستهدفة بهذه الخريطة الجديدة، وإن مشكلة القدرات النووية الإيرانية ستكون جزءا من هذه الصفقة الأميركية - الروسية التي تجري المفاوضات بشأنها تحت غطاء البحث عن حل «استراتيجي» للأزمة السورية.
وحقيقة فإن ما يعزز هذا الذي قاله هذا المسؤول الأوروبي الشرقي السابق هو أن فلاديمير بوتين قد استغل ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما وخوف إدارته من الغرق في مستنقع جديد كذلك المستنقع القديم في فيتنام، وكالمستنقعين الجديدين في أفغانستان والعراق، وبادر إلى اختراع مجموعة الـ«بريكس» الآنفة الذكر التي تطالب بإنهاء صيغة الأحادية القطبية في العالم لحساب صيغة جديدة قائمة على التعددية القطبية؛ كي يفرض على الأميركيين إعادة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط كبداية، وكي يشمل هذا التقاسم لاحقا كل الكرة الأرضية.
لقد بات واضحا أن بوتين، الذي يتصرف على أنه أحد أباطرة روسيا القديمة، استغل الأزمة السورية التي انفجرت في مارس (آذار) 2011، وبقي يحول دون أي حل لها لا يضمن له إجبار الأميركيين على الاتفاق مع الروس على خريطة جديدة لهذه المنطقة الشرق أوسطية تعيد لهم بعض ما كانوا خسروه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي.
وهذا يعني ويؤكد أن ما يجري بين الأميركيين والروس هو أبعد كثيرا من مجرد الاتفاق على الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة، وأن موسكو ترى أنها خسرت أوروبا الشرقية كلها، وخسرت الشرق الأوسط كله تقريبا، وخسرت أيضا قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي مصر وإثيوبيا (هيلا مريام) والصومال (سياد بري)، وحديثا ليبيا (معمر القذافي)، في لحظة تاريخية مريضة، وأنه عليها بعدما تعافت ووقفت على قدميها أن تستغل ضعف الرئيس الأميركي وضعف إدارته لتستعيد إن لم يكن كل ما خسرته فبعضه على الأقل.
إن هذه مسألة في منتهى الخطورة والجدية، ولذلك فيقينا أنه إذا بقيت الدول العربية تنشغل بقشور الأزمة السورية، التي لم يستفد منها حتى الآن إلا الروس والإيرانيون وبعض أتباعهم، على هذا النحو، فإنها ستجد نفسها أمام واقع إقليمي ودولي جديد كالواقع الذي وجد العرب أنفسهم أمامه بعد الحرب العالمية الأولى، وربما أخطر، وإنها ستجد أنها مضطرة إلى التعاطي مع مستجدات كالمستجدات التي ترتبت على «وعد بلفور» المشؤوم، وعلى اتفاقيات سايكس - بيكو المعروفة.
----------------
الشرق الاوسط
حتى بالنسبة لحضور حكومة بشار الأسد المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي من المفترض أن ينعقد الشهر المقبل، فإن الخارجية الروسية هي التي تحدثت باسم هذه الحكومة وليس وليد المعلم ولا فيصل المقداد، والمعروف أن لافروف بقي يكرر على مدى العامين الماضيين أنه لم يطرح على الرئيس بشار الأسد التنحي، وأنه حتى لو طرح عليه أن يتنحى فإنه لن يقبل وأنه لن يقدم على مثل هذه الخطوة على الإطلاق.
وهكذا فإن آخر ما تحدث به لافروف نيابة عن الحكومة السورية، وربما من دون استشارتها ومن دون علمها، هو الاعتراض على القرار الأوروبي برفع الحظر عن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها وعن شعبها، والقول إن هذا سيؤثر على مؤتمر جنيف المقترح، وإنه قد يحول دون انعقاده، وبالتالي إفشال هذه المحاولة الوحيدة لحل الأزمة السورية.
إن هناك أمرا يجري في الخفاء بين الروس والأميركيين، وإلا فما معنى أن يوافق وزير الخارجية الأميركي جون كيري فجأة على وجهة نظر نظيره الروسي سيرغي لافروف القائلة بأن الجيش والأجهزة الأمنية والبنك المركزي أيضا خارج صلاحيات الحكومة الانتقالية التي تم التوافق عليها من حيث المبدأ بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن على نحو لا يزال يلفه الغموض، وبخاصة فيما يتعلق بمصير بشار الأسد في هذه «التسوية» الغامضة التي من الواضح أنه لا تزال أمامها عقبات كثيرة.
إنها لعبة أمم جديدة ينفرد بها الروس والأميركيون من دون علم دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتبر الحليف الرئيس لأميركا، وهذا هو بالتأكيد ما جعل هذه الدول تتخذ قرار تسليح المعارضة السورية من دون التنسيق مع الأميركيين ومن دون التشاور معهم، وأيضا من دون علم ما يسمى مجموعة الـ«بريكس» (الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا والهند)، المحسوبة على موسكو وتشكل معها تكتلا يرفض وحدانية القطبية العالمية، ويطالب بصيغة تعددية جديدة لهذه القطبية.
وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن مسؤولا سابقا لمخابرات أكبر دولة فيما كان يسمى مجموعة أوروبا الشرقية، التي كانت جزءا من حلف وارسو وتدور في فلك الاتحاد السوفياتي، قد أبلغ مسؤولا عربيا قبل أسابيع بأنه حصل على معلومات، بحكم موقعه السابق وعلاقاته الروسية الحالية، تؤكد أن المؤتمر الدولي (جنيف2) الذي ينفرد الأميركيون والروس بالإعداد له سيكون بمثابة «يالطا» جديدة، وأنه، إلى جانب قراراته واتفاقاته المعلنة المتعلقة بالأزمة السورية التي يجري الحديث عنها، ستكون هناك اتفاقات سرية بين روسيا والولايات المتحدة، وعلى أساس أن أميركا قد تخلت عن مكانة «القطب» العالمي الواحد والأوحد لمصلحة الثنائية القطبية، وعلى غرار ما كان عليه الوضع قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وما كان يسمى «المنظومة الاشتراكية» في بدايات تسعينات القرن الماضي.
ولقد قال هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق، مما قاله للمسؤول العربي الآنف الذكر، إن ما يجري بين روسيا والولايات المتحدة، وبين جون كيري وسيرغي لافروف، وما سيجري في القمة المنتظرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما؛ هو الاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة الشرق أوسطية، وربمـا أيضا في أفريقيا، وإن هذا يعني أن الأوضاع السورية ستبقـى معلقة، وإنه لا حل لهذه الأزمة قبل التفاهم والاتفاق بين الأميركيين والروس على حصـة كل منهما في خريطة النفوذ الجديدة في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة.
وحسب هذا المسؤول الأمني الأوروبي الشرقي السابق أيضا، فإنه إذا جرى الاتفاق بين الأميركيين والروس على تقاسم النفوذ في هذه المنطقة، فإنه من غير المستبعد أن تختفي دول حالية، وأن تظهر دول جديدة، وأن الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون من بين هذه الدول الجديدة التي ستظهر. وهو، أي هذا المسؤول، قد قال إن العراق كدولة واحدة ستكون مستهدفة بهذه الخريطة الجديدة، وإن مشكلة القدرات النووية الإيرانية ستكون جزءا من هذه الصفقة الأميركية - الروسية التي تجري المفاوضات بشأنها تحت غطاء البحث عن حل «استراتيجي» للأزمة السورية.
وحقيقة فإن ما يعزز هذا الذي قاله هذا المسؤول الأوروبي الشرقي السابق هو أن فلاديمير بوتين قد استغل ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما وخوف إدارته من الغرق في مستنقع جديد كذلك المستنقع القديم في فيتنام، وكالمستنقعين الجديدين في أفغانستان والعراق، وبادر إلى اختراع مجموعة الـ«بريكس» الآنفة الذكر التي تطالب بإنهاء صيغة الأحادية القطبية في العالم لحساب صيغة جديدة قائمة على التعددية القطبية؛ كي يفرض على الأميركيين إعادة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط كبداية، وكي يشمل هذا التقاسم لاحقا كل الكرة الأرضية.
لقد بات واضحا أن بوتين، الذي يتصرف على أنه أحد أباطرة روسيا القديمة، استغل الأزمة السورية التي انفجرت في مارس (آذار) 2011، وبقي يحول دون أي حل لها لا يضمن له إجبار الأميركيين على الاتفاق مع الروس على خريطة جديدة لهذه المنطقة الشرق أوسطية تعيد لهم بعض ما كانوا خسروه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي.
وهذا يعني ويؤكد أن ما يجري بين الأميركيين والروس هو أبعد كثيرا من مجرد الاتفاق على الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة، وأن موسكو ترى أنها خسرت أوروبا الشرقية كلها، وخسرت الشرق الأوسط كله تقريبا، وخسرت أيضا قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي مصر وإثيوبيا (هيلا مريام) والصومال (سياد بري)، وحديثا ليبيا (معمر القذافي)، في لحظة تاريخية مريضة، وأنه عليها بعدما تعافت ووقفت على قدميها أن تستغل ضعف الرئيس الأميركي وضعف إدارته لتستعيد إن لم يكن كل ما خسرته فبعضه على الأقل.
إن هذه مسألة في منتهى الخطورة والجدية، ولذلك فيقينا أنه إذا بقيت الدول العربية تنشغل بقشور الأزمة السورية، التي لم يستفد منها حتى الآن إلا الروس والإيرانيون وبعض أتباعهم، على هذا النحو، فإنها ستجد نفسها أمام واقع إقليمي ودولي جديد كالواقع الذي وجد العرب أنفسهم أمامه بعد الحرب العالمية الأولى، وربما أخطر، وإنها ستجد أنها مضطرة إلى التعاطي مع مستجدات كالمستجدات التي ترتبت على «وعد بلفور» المشؤوم، وعلى اتفاقيات سايكس - بيكو المعروفة.
----------------
الشرق الاوسط