عانت الثورة السورية منذ انطلاقتها في قضية تمثيلها خاصة على صعيد المفاوضات والتي مثلها الإئتلاف في جنيف 2 من خلال وفد يمكن اعتباره الأفضل تمثيلا نسبيا من حيث التنوع والمرجعية والكفاءة رغم معارضة العملية التفاوضية من قبل مجموعة ليست قليلة داخل الإئتلاف سميت حينها مجموعة 44 وللمفارقة تبوأ عدد من أعضاء المجموعة المعارضة تلك لاحقًا مناصب قيادية داخل هيئة التفاوض.
وللتاريخ كانت حركة العمل الوطني خلال تلك الفترة الأكثر جهوزية على صعيد الملف التفاوضي حيث كانت تستقرأ أهميته وضرورة التحضير له منذ اللحظات الأولى من الحديث عن الحل السياسي وموعد انطلاق المفاوضات أو قرار الانخراط بها، لذا عقدت الورشات والندوات الخاصة لبناء رؤية استراتيجية متناسبة مع إمكانات الثورة والواقع الدولي والإقليمي، ولازلت أذكر لقاءً تم في فندق ويندهام اسطنبول حضرته شخصيا مع برهان غليون وميشيل كيلو وأحمد طعمه، تم خلاله الحديث عن لقاء جنيف القادم وعن عدم جهوزية المعارضة للمفاوضات إلا أنهم فوجئوا عندما أعلمتهم بأن الحركة تمتلك ملفًا متكاملًا عن التفاوض وأنّ الحركة تضعه بتصرف الثورة للاستفادة منه وفعـلا تم الاستفادة منه لاحقـا خـلال جنيـف 2.
إنّ الواقع الراهن للثورة السورية، يقرع جرس الإنذار حول وهم يتم تسويقه للسوريين بأن هناك مفاوضات جارية وأنّ الفريق المسيطر على المسار يقوم بدوره على أفضل مايرام ومحاولات هذا الفريق إشعار المجتمع الدولي أنّ الآخرين متشددين وغير مناسبين أو جاهزين للتفاوض هو كذب وافتراء..
لقد عانت العملية التفاوضية في الثورة السورية منذ انطلاقتها في عام 2014 من إشكالات كثيرة أدت الى عدم تحقيق أي انجازات يمكن ذكرها وذلك لأسباب عديدة أهمها :
1 ـ رغبة دولية بوجود مفاوضات شكلية في ظل ممانعة روسية لأي حل سياسي، وظيفتها الرئيسة منع الفراغ في الملف وإدارة الأزمة السورية مبدئيا ريثما يتم ترتيب الأجواء لتحقيق مصالح الجميع.
2 ـ سيطرة الدول الصديقة للثورة السورية على أدوات التحكم في العملية التفاوضية العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
3 ـ تشكيل جسم هش مسؤول عن العملية التفاوضية أطلق عليه الهيئة العليا للمفاوضات بعد جنيف 2، بحيث يعتبر الإئتلاف الوطني المعترف به سياسيا جزءًا منه، هذا الجسم التفاوضي شُكِّل على عجل وبطريقة فوضوية بدون أي معايير، حاولت من خلاله الأطراف الدولية والإقليمية وضع ممثلين لها بعيدًا عن مصالح الثورة وتمثيلها تمثيلًا مناسبًا، قاعدته الأساسية مراضاة الجميع بعيدًا عن الانتماء للثورة ومناصرتها.
4 ـ تلاعب المبعوثين الدوليين بعد السيد الأخضر الإبراهيمي بالعملية التفاوضية والتي ابتدعها السيد دي ميستورا وتبعه بها السيد غير بيدرسن،عبر منهجية التفتيت من خلال سللٍ عدة وكذلك عبر اختلاق تمثيل منظمات المجتمع المدني بالإضافة للمنصات.
5 ـ اختزال المفاوضات بمسار اللجنة الدستورية والتي عقدت ثمان جلسات خرجت خالية الوفاض بعد انتهاء الجولة التاسعة والاخيرة لمفاوضات جنيف والتي عقدت في فيينا 25-26 يناير 2018.
6 ـ فتح مسار أستانا التفاوضي الخارج عن سيطرة العملية التفاوضية والتي تجاوز عدد لقاءاتها 18 لقاء، والتي تحضرها روسيا وإيران وتركيا مع تواجد شكلي لوفدي المعارضة والنظام، والتي لعبت دورا رئيسا في عمليات التهدئة ووقف إطلاق النار.
7 ـ ضعف الائتلاف الوطني بشكل مستمر، خاصة بعد تشكيل هيئة التفاوض في 10 كانون الأول ـ ديسمبر2015 وخروج شخصيات معروفة بمعارضتها للنظام منذ زمن منه.
نجم عن كل ما سبق فشلًا ذريعًا في العملية التفاوضية، حيث غابت المرجعية الثورية عنها بالإضافة إلى وجود جسم تفاوضي غير كفؤ، لم يضع الرؤية الاستراتيجية للمفاوضات الأمر الذي انعكس بشكل جلي على الأداء والتكتيكات وغلبة الأداء الفردي عليه بلا أي انسجام بين أعضاء الفريق.
أيضًا سيطرة ثلة محددة في المعارضة السورية على الملف التفاوضي كان له دور كبير في الاخفاق الحاصل حاليًا، مما يجعل تحرير الملف قضية الساعة على صعيد الثورة وضرورة غير قابلة للتأجيل.
ماهي الشروط الموضوعية الضرورية لأداء تفاوضي مستقبلي يحقق أهداف الثورة؟
1 ـ إعادة بناء مؤسسة وطنية موثوقة مختارة وفق معايير واضحة، تمثل مرجعية وطنية معتمدة بعد فقدان الثقة بكافة المؤسسات الحالية.
2 ـ امتلاك المؤسسة الوطنية لأدوات مؤثرة قابلة للاستخدام وقابلة للتوظيف في العملية التفاوضية والمقصود هنا القطاع العسكري والاقتصادي والمدني.
3 ـ فريق تفاوضي محترف متكامل الاختصاصات الدبلوماسية والحقوقية والعسكرية، يتم اختياره بعناية فائقة وفق معايير مسبقة.
4 ـ خضوع الفريق التفاوضي للمرجعية من حيث التوجيه والمحاسبة والمساءلة والتقييم المستمر للفريق وأداء أفراده مع امكانية استبدالهم.
5 ـ تتحمل المؤسسة المرجعية المسؤولية الكاملة للضغوط المجتمعية عليه وكافة النتائج الناجمة عن التفاوض من خلال أداء إعلامي مميز يقوم بإلتقاط كافة الاستفسارات الشعبية لشرحها وتوضيحها.
6 ـ إبعاد الفريق التفاوضي عن الضغوط الشعبية و التأثيرات الدولية.
الحقيقة هي ان المطلوب خلال الفترة القادمة ايجاد منظومة تفاوضية محترفة قادرة على محاصرة النظام وتعريته وجعل المجتمع الدولي والاقليمي يشعر بأهمية الضغط على النظام وداعميه الروسي والإيراني للرضوخ والجلوس إلى طاولة التفاوض للوصول إلى الحل السياسي الذي طال انتظاره من قبل السوريين..
إنّ عملية المراجعة والتقييم للملف التفاوضي برمته من قبل القوى السياسية والناشطين الثوريين والشخصيات المجتمعية الفاعلة بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على بدئها قضية أكثر من ملحة، خاصة مع تغير الظروف والأجواء الدولية وكذلك على الصعيد الإقليمي، فما تم بعد انقلاب 7 نيسان داخل الإئتلاف الوطني، وسيطرة مجموعة "الجي 4 " مع رئيس الإئتلاف ورئيس الحكومة المؤقتة المنتهية صلاحيته على صناعة القرار في كافة المؤسسات رغم عدم معرفة تاريخ لهم في الثورة وكذلك في معارضة النظام ومع استبعاد القوى السياسية المؤثرة والكفاءات والمنشقين وأيضا بروز جهة ثورية تنازع الإئتلاف في شرعيته " تيار الإصلاح" ليس حدثًا عاديًا يمكن تجاهله والتغاضي عنه.
إنّ الواقع الراهن للثورة السورية، يقرع جرس الإنذار حول وهم يتم تسويقه للسوريين بأن هناك مفاوضات جارية وأنّ الفريق المسيطر على المسار يقوم بدوره على أفضل مايرام ومحاولات هذا الفريق إشعار المجتمع الدولي أنّ الآخرين متشددين وغير مناسبين أو جاهزين للتفاوض هو كذب وافتراء..
والحقيقة هي أن المطلوب خلال الفترة القادمة إيجاد منظومة تفاوضية محترفة قادرة على محاصرة النظام وتعريته وجعل المجتمع الدولي والإقليمي يشعر بأهمية الضغط على النظام وداعميه الروسي والإيراني للرضوخ والجلوس إلى طاولة التفاوض للوصول إلى الحل السياسي الذي طال انتظاره من قبل السوريين لأكثر من عقد أو إيجاد حلول أخرى قد تشابه ما يحدث حاليًا في أوكرانيا
--------
عربي٢١