لنتفق أولاً على أن مؤسسات المعارضة السياسية بلغت درجة متردّية من الضعف، وتعاني مستوًى هزيلاً على صعيد الأداء لم يعد يكفي معه الإصلاح بنظر الكثيرين، الذين يرون اليوم أنه يجب نسف ما هو قائم من مؤسسات أو تجاوزها بشكل كامل باتجاه بناء بديل جديد.
لكن يجب أن نتفق أيضاً على فشل كل المحاولات التي سعت إلى تحقيق هذا الهدف، لأسباب بعضها ذاتي يتعلق بالسوريين أنفسهم وطبائع علاقاتهم وإشكالاتهم الخاصة التي كانت تعيق نجاح تشكيل أي مجموعة، وبعضها موضوعي يتعلق بعدم وجود رغبة إقليمية أو دولية في السماح بإنتاج أي إصلاح أو تغيير.
لذلك فإن مثل هذا المشروع كان يتطلب شخصيات استثنائية قياساً بما لدينا، متفرغة للعمل السياسي بالدرجة الأولى، وتمتلك الخبرة والإمكانات والعلاقات، وقبل كل ذلك الرصيد الشعبي، والاستعداد لمواجهات الضغوط ورفض الاملاءات، وهو ما بدا أنه متوفر عند حجاب.
فالرجل الذي قاد أكبر عملية استقالة جماعية من هيئة التفاوض عام ٢٠١٧ احتجاجاً على تدخل الدول بتركيبة الهيئة وعملها، وفضّل ألا يكون جزءاً من السير بالملف السوري في طريق التنازلات والتمييع، حظي موقفه هذا باحترام ومباركة الغالبية العظمى من السوريين.. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن حجاب يمتلك رصيداً مهنياً وسياسياً يفرض حتى على خصومه الإقرار باحترامه، وبالتالي يجعل من التعويل على الاستفادة من خبرته وعلاقاته، سواء الداخلية أو الخارجية أمراً مشروعاً.ثلاثة أركان أساسية إذاً توفرت في رياض حجاب، وجعلت من الندوة التي دعا إليها محل آمال عريضة، وهذه الأركان هي: الرصيد الشعبي، الخبرة السياسية، والعلاقات، وهي عوامل جعلت القوى التي تقاوم الإصلاح في الائتلاف تشعر بالقلق الحقيقي للمرة الأولى، بعد أن تعاملت باستخفاف مع كل المحاولات السابقة التي أطلقت لإيمانهم بعدم خطورتها.
قلق هذه القوى كان منطقياً، فللمرة الأولى تصدر مبادرة عن جهة لديها ما افتقده القائمون على بقية المحاولات، وهو القبول الشعبي والدولي، أو على الأقل الاقليمي، لذلك كانت مستعدة لفعل كل شيء من أجل وأد هذه المحاولة حتى قبل أن تتبين حواملها وغاياتها وأبعادها.
توجّه وفد من الائتلاف وهيئة التفاوض إلى قطر حيث يقيم حجاب، وهناك لا يبدو أن الوفد اكتفى بالحصول على تطمينات بأن الدعوة التي وجّهها رئيس الوزراء المنشق لعشرات المعارضين وعدد من مراكز الأبحاث السورية لا تهدف إلى إنشاء جسم سياسي بديل، بل كان مطلبهم الرئيسي تفريغ هذه المبادرة من أي مضمون، وهو ما حدث بالفعل.
منح رياض حجاب وفد المعارضة تطمينات حاسمة بأن الندوة لا تعدو أن تكون جلسة نقاش وعصف ذهني، وأن مخرجاتها، وكذلك مخرجات الجولة الثانية منها والتي ستقام في إسطنبول لاحقاً، لن تتجاوز حدود التوصيات التي ستُقدَّم للائتلاف وهيئة التفاوض من أجل مساعدة القائمين على هاتين المؤسستين في تحسين الأداء وتطوير العمل فيهما!
بالتأكيد لا يمكن أن يكون حجاب قد قبل بتدخّل سالم المسلط وأنس العبدة لكي يتراجع عن أي أهداف أخرى كان يفكّر بها، لكن ما بات واضحاً أنه استجاب لطلب بعض الدول التي لا تريد المساس بهاتين المؤسستين أو إحداث أي تغيير في عمل المعارضة الآن، الأمر الذي جعل الكثيرين يشعرون بالأسف والإحباط، بينهم شخصيات مقرّبة من حجاب ومدعوّة للندوة المقررة مطلع شباط القادم.
يفكّر عدد من المدعوّين للندوة بالاعتذار وعدم المشاركة.. هذه معلومات تم الحصول عليها من أصحابها مباشرة، والسبب هو التصريحات التي أطلقها السوريون من الدوحة حول هذه المبادرة قبل أسبوع أو أكثر، وحتى بين من لا يزال متمسكاً بقرار الحضور والمشاركة، يوجد من يعتقد اليوم بأن الندوة تم تفريغها من أي مضمون.
لقد اتهم البعض رياض حجاب بأنه أراد من خلال الدعوة لهذا الحوار إبقاء اسمه متداولاً بين السوريين وعلى وسائل الإعلام، وهو أمر تحقق بالفعل، سواء كانت هذه غاية حجاب أم لم تكن، لكن كان لدى الأخير فرصة ليحقق هذا الهدف ومكاسب أخرى على الصعيد السياسي، لو أنه حافظ على الأهداف الحقيقية لمبادرته، ورفض القبول بإملاءات الدول مهما كان الشكل الذي جاءت به هذه الإملاءات.
قد يقول البعض إن مبادرة حجاب لم تكن بالأصل تنطوي على أي أهداف أبعد من مجرد النقاش والخروج بتوصيات.. وهنا سيكون الأمر أشد وقعاً، حتى على حجاب نفسه الذي لم يكن بحاجة إلى هذا النوع من التحرك، الذي إن كان يفيد من ناحية العلاقات العامة، فهو كارثي على صعيد الرصيد الشعبي والسياسي، والسوريون يهمّهم نتائج الفعل وأثره على القضية وليس الفعل ودوافعه الشخصية، وأحكامهم تُبنى على هذا الأساس.
لقد وضع رياض حجاب نفسه في مأزق كم كان بغنى عنه، فإن كان قد رضخ للضغوط وتراجع عن أهداف جوهرية كانت تتضمنها مبادرته، فقد أساء لنفسه، وإن كانت مبادرته بالأصل لا تتضمن ما هو جوهري فقد خيّب آمال الكثيرين الذين كانوا ينتظرون من ينتشل العمل السياسي المعارض من واقعه المهترئ، وليس أمام حجاب إلا أن يتدارك الأمر ولا زال قادراً على ذلك، ولعل أسهل المخارج أن يقرّر إلغاء الندوة أو تأجيلها إذا كان العصف الذهني والتوصيات سقفها.
-------------
اورينت نت